خالد الجويرة: %90 من المدراس خفضت الرسوم خوفا من الإفلاس
فهد القاسم: المدارس الأهلية أولى بالدعم من غيرها
التعليم الأهلي في المملكة سجل نموا كبيرا وصل لـ %15.5
أكثر من مليون طالب في 6227 مدرسة عامة وأجنبية بالتعليم الأهلي
د. إبراهيم الضحيان: “ساند” رفضنا بلا سبب
أمل البهيجان: لم نسجل أي طالب جديد هذا العام وشروط التعليم مجحفة
تغلّبَ الاقتصاد السعودي على محنة كورونا، وتمكّنت معظم القطاعات السعودية من مجابهة الجائحة، بل استطاعت قطاعات عدة أن تحقق مكاسب على الرغم من ضراوة الوباء وشراسته “عالميا”.. إلا “التعليم الأهلي” في مواجهة أزمة “كوفيد 19” ــ التي ضربت دول العالم وكبّدتها خسائر غير مسبوقة ــ فهو يقف مُتسائلاً: أما من سبيل للخروج من الأزمة؟ يتساءل فيما تحاصره تداعيات كورونا، ونتائج سلبية، تركت عليه مخاوف وهواجس عدة، أبرزها بسبب اعتماد التعليم “عن بُعْد” أسلوبا لتجنب انقطاع تلاميذ المدارس عن العِلم والتعليم، فـ “التسرّب” من المدارس الخاصة إلى الحكومية أحد “أعراض” الأزمة، التي تحاول المدارس الأهلية مواجهتها بخفض الرسوم، تشجيعا لأولياء الأمور على عدم سحب أبنائهم بعيدا عنها، فيما يطالب أصحابُ المدارس بدعم برنامج “ساند” لأعداد كبيرة من العاملين في التعليم الأهلي، إذ تأثروا بأزمة كوفيد 19، أما الإجراءات الشاملة لمواجهة المشكلة، وأساليب المواجهة، فهي في التقرير التالي الذي يحاول أن يبحث الأزمة من جذورها في أحد أهم قطاعات التعليم وأبرزها “نمواً” خلال السنوات الماضية، وأحد أكثر القطاعات رفداً لـ “رؤية 2030″، وأكثرها حيوية في عملية بناء شخصية المواطن..
يهدف العلم إلى زيادة الوعي لدى الفرد، حيث يُمكّنه من فهم ما يجري حوله بطريقة صحيحة ومناسبة والتفاعل معها، ويُساعده على النهوض بتفكيره بطريقة تخدم مجتمعه، كما يُعزّز التعليم الصحيح قيم المواطنة لدى الأفراد، كما يغرس الشعور بالانتماء، إضافة لذلك يُعتبر التعليم أساس تحقيق التنمية المستدامة، فهو يساعد على النمو الاقتصادي، فهو يُمكّن الفرد من أن يكون أكثر إنتاجية، وبالتالي النهوض باقتصاد البلاد، كما يُساعد العلم على إنشاء مجتمعات آمنة ومستدامة حيث يجعل المجتمعات البشرية آمنةً، ومرنةً، ومستدامةً، من خلال تمكين الأشخاص من إيجاد الحلول الإبداعية التي تضمن وجود المكوّنات الأساسية للمدن والمجتمعات.
فالتعليم هو حجر أساس أية دولة للتطور والنمو، والمحرك الأساسي للتقدم، وقد وعت الحكومة ذلك مبكرا، فكانت وزارة المعارف ـ وزارة التعليم حاليا ـ من أولى الوزارات التي تم إنشاؤها في عام 1373هـ، وجنبا إلى جنب مع التعليم الحكومي ظهر التعليم الأهلي، ليساهم بشكل فعال في دفع عجلة التطور والنمو.
وقد نما التعليم الأهلي في المملكة بشكل متسارع خلال السنوات القليلة الماضية، حتى بات يشكل أكثر من %15 من مؤسسات التعليم في البلاد، وزاد عدد الطلاب فيه لأكثر من مليون طالب وطالبة، يدرسون في 6227 مدرسة عامة وأجنبية، ولكن مثل كثير من القطاعات الاقتصادية، ألقت جائحة كورونا بظلالها على قطاع التعليم الأهلي، تماما كما طالت الأزمة الاقتصادية عددا كبيرا من أولياء أمور الطلاب.
وبالنظر إلى رؤية المملكة 2030 الطموحة، فإن التعليم الأهلي يعد واحدا من محاور الرؤية وعنصرا مهما في تخفيض فاتورة التعليم في الموازنة السنوية التي بلغت هذا العام 193 مليار ريال، بيد أنه ومثل كثير من القطاعات، تأثر التعليم الأهلي بجائحة كوفيد 19 التي هزت العالم ومازالت، ويتوقع أن يستمر ضررها لفترة قادمة، خاصة بعد أن أقرت وزارة التعليم نظام التعليم عن بُعد، الأمر الذي دفع كثيرا من أولياء الأمور لتحويل أبنائهم للتعليم الحكومي، أو توقفوا عن دفع الرسوم، وهو ما يهدد الكثير من المدارس الأهلية بالإفلاس لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المادية.
وبحسب خبراء، تحدثوا لـ “الاقتصاد” تعاني المدارس الأهلية من حالة ضبابية، فهي لا تعرف موعد عودة الدراسة بشكلها المعتاد، وإلى متى سيستمر التعليم عن بُعد، الأمر الذي أربك العديد منها مع انطلاق العام الدراسي الجديد. وزارة التعليم لم تتدخل في رسوم المدراس الأهلية، أو نسب الخصم التي تقدمها لطلابها، وأكدت غير مرة على عدم صلتها برسوم المدارس الخاصة باعتبارها علاقة تعاقدية بين ولي الأمر والمدرسة، ولكن مع اعتماد وزارة التعليم نظام التعليم عن بُعد، بدأ أولياء الأمور يطالبون المدراس بخصومات كبيرة، مهددين بنقل أبنائهم للمدارس الحكومية، ولو بصفة مؤقتة لحين عودة المياه إلى مجاريها ورجوع الأوضاع إلى طبيعتها.
تسرب الطلاب
ويعترف رئيس لجنة التدريب والتعليم بغرفة الشرقية خالد الجويرة لـ “الاقتصاد”، بأن المدارس الأهلية عانت الكثير من المشاكل، بسبب تداعيات كورونا، غير أن المشكلة الأكبر التي تؤرق المستثمرين في التعليم الأهلي، هي المخاوف من تسرب الطلاب منها للمدارس الحكومية، بأعداد يتخوف خبراء في التعليم من ألا تنجح المدراس الحكومية في استيعابها، خاصة مع سياسة دمج المدارس الصغيرة التي بدأتها الوزارة قبل أربعة أعوام.
أمام ذلك وللحفاظ على طلابها، قام عدد كبير من المدارس الأهلية بخفض الرسوم بنسب تتراوح ما بين 20 و %30، وهي مبادرة امتدحها وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ، مؤكدا تشجيع الوزارة للمدارس الأهلية على أن تقوم بدورها ومسؤوليتها الاجتماعية في تقديم ما يمكن تقديمه.
شمل الخفض العديد من المناطق ، في المنطقة الشرقية كشف خالد الجويرة عن أن معظم المدراس في المنطقة خفضت رسومها للفصل الأول للحفاظ على طلابها من التسرب بنسب تتراوح بين 30 و%50. في جدة، خفض عدد من الملاك رسوم الفصل الدراسي الأول بنحو %50، وهو ما دفع الدكتور سعود السليمي مدير مكتب التعليم في المنطقة لأن يشكر جميع ملاك المدارس، مؤكدا دورهم المهم والمحوري في هذه الفترة التي توجب على الجميع تقديم ما لديهم لاستمرار العملية التعليمية كما ينشدها ولاة الأمر. تكرر ذلك في تبوك، حيث خفضت 186 مدرسة أهلية مصروفات الفصل الدراسي الأول إلى %50، وهو قرار سيفيد بحسب إبراهيم العمري المدير العام للتعليم بتبوك، أكثر من 30 ألف طالب وطالبة في المنطقة، وتوفر على أولياء أمورهم ما مجموعه نحو 90 مليون ريال من قيمة الرسوم الدراسية.
فيما يؤكد خالد الجويرة أن نحو %90 من المدراس في المنطقة الشرقية خفضت رسومها السنوية على الرغم من الصعوبات التي تواجهها تلك المدراس، وقال لـ “الاقتصاد” إن هذا الخفض سيؤثر بلا شك على قدرات المدراس على الإيفاء بالتزاماتهاـ خاصة في دفع رواتب المعلمين، ولكننا كنا أمام خيارين، إما تخفيض المصروفات كي نحافظ علي الطلاب من التسرب أو المخاطرة بفقدانهم، نحن خفضنا الرسوم حتى نوفر %70 من التكاليف كي نستطيع أن نستمر، فالحفاظ على الطلاب أمر مهم، لأننا نعمل لسنوات قادمة، وليس لهذا العام فقط.
ويطالب الجويرة وزارة التعليم بأن تجد حلا لمشكلة تسرب الطلاب من التعليم الأهلي، محذرا من أنها لن تستطيع أن تستوعب الطلاب حال خروجهم من التعليم الأهلي، ويقول إنك لن تتخيل أن هناك بعض المدارس يزيد عدد الطلاب فيها عن 50 طالبا في الفصل الواحد، كثير من المدارس الحكومية تعاني من التكدس، خاصة مع خطط الإدارة لدمج المدارس الصغيرة. ويضيف أن المشكلة ستظهر ملامحها بشكل أكبر عند عودة الدراسة المعتادة، إذ كيف ستستوعب المدارس هؤلاء الطلاب، سيكون في كل فصل 70 طالبا علي الأقل، هذه مشكلة كبيرة لابد من إيجاد حلول مبكرة لها، كل ما نقول أنها أزمة على الجميع، ليس المدراس فقط، ونأمل أن تمر بخير.
دعم ضعيف
مبادرة خادم الحرمين الشريفين لدعم رواتب الموظفين في القطاع الخاص من خلال برنامج “ساند” التابع للتأمينات الاجتماعية، لم يشمل العاملين في التعليم الأهلي، كما لم يشملهم تأجيل القروض، الأمر الذي جعل الملاك مضطرين لدفع رواتب المعلمين بالكامل من ميزانية المدرسة، إضافة للنفقات الأخرى، دون مردود مالي. ويشدد الجويرة على أنه لابد من دعم القطاع الأهلي، أسوة بغيرنا، وأن يشمل دعم “ساند” موظفينا، وأن يتم تخفيف بعض الرسوم والمصاريف علينا، سواء من وزارة العمل أو الضرائب أو الكهرباء، حتى تقلل المدارس من خسائرها وتتجنب الإغلاق، وهناك عدد كبير من المدراس تفكر جيدا في الإغلاق والخروج من السوق.
ويأمل الجويرة أن تتحسن الأوضاع بعد نهاية أزمة كورونا، مشددا على أن القطاع واعد ويخدم البلد، والدولة حريصة على تسهيل أموره، ولكن الوضع الاقتصادي العالمي كله متأثر، ويحتاج لعامين على الأقل حتى يتعافى من صدمة كورونا، جلسنا مع وزارة التعليم، ولكن الأمر أكبر منها، والصورة الكاملة غير واضحة حتى الآن، أو كيف سيكون الوضع مستقبلا.
كثير من الملاك يستغرب عدم شموله بدعم “ساند” أو تأجيل القروض على الرغم من انعدام الدخل تقريبا، خاصة لدى رياض الأطفال التي وصل التسرب فيها لأكثر من %90 لعدم جدوى التعليم عن بُعد لهذه الفئة، ويؤكد المحلل الاقتصادي فهد القاسم، أن قطاع التعليم الأهلي أولى القطاعات بالدعم، ويقول لـ “الاقتصاد” إنه في تصوري التعليم هو أول القطاعات التي تحتاج للدعم، لأن المدراس الحكومية لن تتحمل نزوح التعليم من القطاع الأهلي للقطاع الحكومي، لأن أولياء الأمور يريدون تخفيض الرسوم، لأنه لا يوجد حضور في المدارس، ولكن في المقابل المدرسة تدفع رواتب المعلمين وإيجارات المباني، ويضيف أنه صحيح أن هناك خفضا في التكاليف ولكنها ما تزال تدفع الكثير، لهذا من الظلم أن نعامل المدارس بمبدأ أن التعليم عن بعد هو تعليم مجاني.
ويشدد القاسم على أهمية إطلاق مبادرة حكومية لدعم التعليم الأهلي لسببين، الأول نقص الموارد، وبالتالي لا يستطيع منح أولياء الأمور خصومات، وهو ما يترتب عليه تسرب الكثير من الطلاب للمدراس الحكومية، وهنا لن تستطيع المدارس الحكومية استيعابه، فهي لن تستطيع قبول طلاب جدد سواء عن بعد أو بشكل اعتيادي، والإشراف عليهم، الثاني، التعليم الأهلي بعد الأزمة يفترض أن يسترد عافيته مجددا، فهو الآن عانى من تسرب الطلاب وانخفاض التحصيل العام الماضي بسبب كورونا، فظن الأهالي أن المدراس الخاصة لن تؤدي عملها كما يجب، وبالتالي لم تدفع الرسوم، والمبادرة يجب أن تكون بدعم التعليم الأهلي سواء بدفع الإيجارات عنهم أو بدعم رواتب المعلمين أو بتحمل جزء من رسوم الطلاب.
العديد من العقبات
منذ ثلاث سنوات سجل التعليم الأهلي في السعودية زيادة مطردة، وصل في عام 2015 لـ %12.5، وارتفع في العام التالي لـ %13.5، ووصل في عام 2017 لـ %15.5، وبحسب موقع وزارة التعليم، يبلغ عدد المستثمرين في التعليم الأهلي العام نحو 1745 مستثمرا، و30 مستثمرا في التعليم الأهلي العالي، ويبلغ عدد المدراس الأهلية 4287 مدرسة منها 1618 مدرسة للأولاد و2669 مدرسة للبنات، فيما يبلغ عدد المدارس الأجنبية نحو 1940 مدرسة، منها 1153 مدرسة للبنات و787 مدرسة للأولاد. ويعمل في تلك المدارس 64445 معلما ومعلمة، و6046 إداريا وإدارية، ويدرس في تلك المدارس، أكثر من مليون طالب، موزعين على 721843 طالبا وطالبة في المدارس الأهلية، و354998 طالبا وطالبة في المدارس العالمية.
بيد أن تلك المدراس تعاني الكثير من العقبات التي تهدد استمرارها، بحسب مستثمرين في المحال، وهي تتكبد الكثير من النفقات، عدا مرتبات العاملين فيها، تشمل المتطلبات التشغيلية إيجارات المباني والإنترنت، وتكاليف الإقامات والزكاة والدخل وتراخيص الدفاع المدني، إضافة للقروض البنكية، ويؤكد عضو لجنة التدريب والتعليم في غرفة الشرقة الدكتور إبراهيم بن سالم الصيخان، أن كثيرا من ملاك المدارس الأهلية لديهم خطط سابقة طويلة الأمد، وبناء عليها حصلوا على قروض من البنوك لإنشاء المباني المدرسية، وهذه التكاليف تسدد من العوائد والرسوم الدراسية، الأمر الذي تواجه معه خطر الإغلاق وتعثر سداد القروض في حال استمر الطلاب في التحول للمدارس الحكومية، مشيراً إلى أن هناك مدارس ستخرج من السوق لهذا السبب. ويقول لـ “الاقتصاد” إن الحديث عن التعليم الأهلي يحتاج للكثير من التطوير، على سبيل المثال، مدرسة أهلية لا يتجاوز عدد طلابها الـ 200 طالب، تشرف عليها أكثر من 11 جهة حكومية، وتأخذ أكثر من تسعة تصاريح، وكل جهة منها تطلب مقابلا ماليا، ناهيك عن مصلحة الضرائب، فهم يقررون الغرامات بشكل تقديري، ولكي تعترض عليها، لابد أن تدفع أولا ثم تقدم اعتراضك، لنا أكثر من عامين في قضايا دفعنا فيها مبالغ كبيرة وحتى اليوم لم يُبت فيها. ويضيف أن البلدية تفرض على المدراس رسوم مرتفعة، وكذلك الدفاع المدني، والتأمينات الاجتماعية، ومكتب العمل ، الحال ينطبق على التأمينات في فرض غراماتها، نحتاج لإعادة النظام من البداية، وأن يكون حق الاعتراض قبل الدفع، نحتاج لتعديل بعض القوانين، لا يمكن أن تشرف 11 دائرة حكومية على القطاع، كل واحدة منها لها أسلوب تطبيق الغرامات والرسوم.
ويستغرب الدكتور الصيخان من عدم شمول موظفي المدارس الأهلية بدعم “ساند”، ويقول إننا ندفع %22 من الرواتب شهريا، إلا أنه تم استثناؤنا من دعم الرواتب، بينما بقالة فيها سعودي واحد، يتم دعمها، والحجة أن المدارس الأهلية تحصل الرسوم من أولياء الأمور، مع أننا ندفع الكثير، مدرسة لديها 25 معلما أو معلمة تدفع 360 ألف ريال سنويا للتأمينات، ومع ذلك يتم رفض دعمنا في “ساند”. ويتساءل الدكتور الصيخان كيف يمكن أن تخفض المدارس الرسوم دون أن تحصل على أي دعم، ونحن ملزمون بدفع رواتب المعلمين، ولو خصمت على معلم أو معلمة نتيجة الغياب يوقف النظام عني، دون أن يُسأل عن سبب الخصم، إضافة لذلك، نجد أن الطلاب في المدراس الحكومية يزيد عدد الطلاب فيها على 60 طالبا في الفصل الواحد، ومع ذلك تصر الوزارة على ألا يزيد عدد الطلاب في الفصل الواحد في المدارس الأهلية عن 20 طالبا، ولو زدت عليهم 5 طلاب فقط أنذرونا، ويطلبون أن يكون في كل أربع أمتار مربعة طالب واحد، مع أننا ندفع أكثر من مليون ريال سنويا كإيجار للمقر، للأسف مثل هذه القرارات محبطة للمستثمرين، فهم في نهاية المطاف لم يأتوا لعمل خيري، ويدفعون الرواتب، ولكن للاستثمار في القطاع.
ويؤكد الدكتور الصيخان أنه في ظل هذه الأوضاع، فإن المدارس الحكومية غير قادرة على استيعاب الطلاب لو تسربوا من التعليم الأهلي، ويقول إنه بعد انتهاء أزمة كورونا ستظهر الحقيقة ، وسيصل العدد لأكثر من 80 طالبا في الفصل. قبل فترة كنت أتحدث مع مدير مدرسة ثانية عن طالب يريد النقل لهم، فقال إن لديه أكثر من 129 طالب انتظار في الفصل الأول الثانوي، هؤلاء أين سيذهبون؟ هم عادوا للتعليم الحكومي بسبب التعليم عن بعد.
أزمة رياض الأطفال
وتبدو المعضلة أكبر عند الحديث عن رياض الأطفال، التي تعاني من تسرب غالبية طلابها، وتؤكد إحدى ملاك رياض الأطفال في الرياض أمل البهيجان، أن مدارس رياض الأطفال عانت أكثر من غيرها من تسرب الطلاب، بنسبة تفوق %90 بسبب عدم وجود تعليم حضوري، وتقول لـ “الاقتصاد” إنه لم يتم تسجيل أي طالب في هذا الفصل لدينا، ومن خلال تواصلي مع قروبات الملاك، الكل يعاني من هذا الأمر، لا يوجد طلاب جدد، خاصة أن معظم أولياء الأمور غير مقتنعين بفكرة التعليم عن بعد لهذه الفئة، لأنه غير مجد لهم. وتضيف أننا أرسلنا استبيانا لأولياء الأمور، الغالبية لم تكن مؤيدة للتعليم عن بعد، وهم محقون في ذلك، كيف أعلم الطلاب رسم الحروف والنطق بها عن بعد؟!.
وتشدد البهيجان أن لديها الكثير من المشاكل التي يأملون من وزارة التعليم أن تفهمها وتساعدهم في حلها، وإلا سيواجهون أزمة حقيقة، ستقود الكثير من رياض الأطفال للإغلاق. وتضيف أن كثيرا من المدارس ورياض الأطفال تواجه أزمة بقاء بسبب عدم شمولها بالدعم الحكومي، إيجارات المدارس لم تقل، ودعم “ساند” لم يشمل المعلمين فيها، دون سبب منطقي، نريد من وزارة التعليم أن تجتمع معنا، وتسمع منا اقتراحاتنا نحن ملاك المدراس خاصة رياض الأطفال، على الأقل مساعدتنا في تقليل الإيجارات، والرسوم التي تساهم في رفع الرسوم أكثر على الطلاب غير السعوديين والذين يشكلون النسبة الأكبر من طلابنا. فنحن ندفع للتأمينات الاجتماعية، ومكتب العمل، وندفع إيجارات ضخمة، وفواتير كهرباء ومياه وفواتير هواتف دون أي مردود، كثير من الملاك أخذوا قروضا من البنوك والآن لا يجدون حتى ما يسددون به هذه القروض، كل ما نريده أن يشملنا الدعم مثل بقية القطاعات المتضررة، نحن الأكثر تضررا من الجائحة، التعليم الأهلي هو الذراع الثانية لوزارة التعليم ويفترض أن تحافظ على سلامة القطاع لأنه مساند لها، ونحن نعمل معها كتفا بكتف، ولو تلاشينا، لن تستطيع الوزارة أن تشيل الحمل وحدها.
وتتخوف البهيجان التي تعمل في المجال منذ نحو عقدين من الزمان من أنه دون الدعم سيواجهون الكثير من المشاكل مستقبلا، خاصة أن من اشتراطات الوزارة أن من يتوقف لعام عن العمل يتوجب عليه عند العودة إيجاد مبنى تعليمي خاص، وتضيف أنه شرط صعب، والمدارس القائمة حاليا مستثناة من هذا الشرط، لكن لو تم إيقاف النشاط فسنكون ملزمين به، هم يخنقوننا لأننا ملزمون بالاستمرار في العمل ودفع أجور المعلمين والرسوم السنوية دون طلاب.
المدارس المستقلة
تحاول وزارة التعليم زيادة عدد المدارس الخاصة، من خلال نظام المدارس المستقلة الذي يحول عددا كبيرا من المدارس الحكومية لمدارس شبه أهلية، مستقلة ماديا عن التعليم، مع الحفاظ على مجانية التعليم فيها، بهدف خفض تكلفة الإنفاق الحكومي على التعليم، ويُعتبر مشروع “المدارس المستقلة”، أحد أهم مبادرات برنامج التحول الوطني، ومن خلاله سيتم تحويل 2000 مدرسة حكومية في جميع المراحل التعليمية إلى مدارس مستقلة إدارياً ومالياً، مع بقاء مجانية التعليم لجميع الطلاب والطالبات إضافة إلى تقديمه لهم بجودة عالية.
ولتحقيق ذلك أوجدت وزارة التعليم وحدة خاصة للمدارس المستقلة تتكون من كادر تعليمي وكادر إشرافي لمتابعة سير هذه المدارس التي هي في الأصل مدارس حكومية، ستحول للتشغيل من قبل القطاع الخاص، وتعاقدت الوزارة مع بيت خبرة متخصص له تجارب متعددة في المجال لإعداد النموذج التشغيلي للمدارس المستقلة.