رجل وزمان

العذل .. رجل لم يعرفْ اليـأس!

أسس شركته الأولى “فيدكس” في 1994 وكيلا لـ “فيدكس” العالمية وبأسطول من الناقلات يضم 1000 سيارة

خلال سنوات مرضه أسّس شركة “مأكل” العالمية المحدودة في 2009 وهي شركة متخصّصة في مجال التغذية

زاد عدد العاملين في شركاته على 10 آلاف موظف وموظفة وكان يفخر بأن شركاته تحرص على توطين الوظائف والمساهمة في توفير وظائف للشباب السعودي

أعجبته الدونات الأمريكية فتعاقد مع الشركة الأم وحصل على امتيازها وأطلق سلسلة محلات “دانكن دوناتس” في 1996

سلسلة من التحديات كانت حياته، وصراع مع المرض العُضال الذي هاجمه بضراوة، فيما كان منشغلا ـ بحسّ وطني رفيع ـ في تأسيس مشروعات جديدة، يفتح من خلالها نوافذ الضوء وأبواب الأمل للشباب، فرص واسعة للعمل وللرزق، وللوطن رقم جديد في اقتصاده الذي يحتاج لكل عقل وكل ساعد. المرض العصيّ على العلاج، أصابه بالعجز التام عن الحركة، وأفقده كل حواسه، لم يترك له سوى حاسّتي السمع والبصر، لكنه ـ بإيمان عميق بالله سبحانه وتعالى، ثم بثقة في النفس ـ لم يتوقف لحظة عن العمل والعطاء، مُترجما ما يؤمن به في حقائق على الأرض: شركات، ومواقع للعمل، تضم آلاف الشباب والفتيات السعوديين، مؤكدا أن إرادة الحياة أقوى من المرض، بل وأقوى من الموت، هو ـ بحق ـ “ستيفن هوكينج” العرب، أو سلطان العذل، وتلك ملامح من سيرته العاطرة.

بعزيمة وإصرار على تحدي الصعاب، واجه مرضه المزمن، وانتصر عليه، فقد تمكن من التغلب على عوائق المرض، فطور شركاته، وزاد من أنشطته التجارية متسلحا بإصراره على النجاح. وخلال 23 عاما هي فترة مرضه، حيث لم يعد من حواسه قادرا على العمل إلا حاستي السمع والبصر، وهما ما اعتمد عليهما في استكمال مسيرته وتحقيق النجاح في إنشاء عدد من الشركات في مجالات متنوعة يعمل فيها أكثر من 10 آلاف عامل وعاملة.

إنه سلطان بن محمد العذل الملقب بـ “ستيفن هوكينج” العرب، فهو شخصية غير عادية سطرت أروع قصص النجاح رغم صعوبات الإعاقة، منذ بدأ مشوار العمل وحتى الوفاة.

النشأة والتعليم:

ولد سلطان العذل في الرياض عام 1961 وتلقى تعليمه في معهد العاصمة، وبعد إنهاء المرحلة الثانوية التحق بجامعة بورتلاند بولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على درجة البكالوريوس في تخصص الهندسة الكهربائية، وكان بحث التخرج عن المفاعلات الذرية، وحصل على تقدير امتياز، ثم حصل على شهادة في “تنظيم الوقت .. الأهم ثمّ المهم”، في مركز كوفي لتنمية المهارات القيادية، ثم شهادة في “المتغيّرات والمبادئ المحورية القيادية في القرن الحادي والعشرين”، في مركز فرانكلين كوفي.

الحياة العملية

بدأ سلطان العذل حياته العملية فور عودته من الولايات المتحدة، فأسس شركته الأولى شركة القسي العالمية للمقاولات، ثم أنشأ شركة شهية وهي الوكيل لسلسلة “دانكن دونات” في السعودية والبحرين وألمانيا والبرتغال، بعد ذلك أنشأ شركة سمسا للنقل السريع، وهي ما كانت تعرف سابقاً بشركة “فيدكس” والمتخصصة في مجال النقل السريع في العام 1994، واتسعت الشركة لتصبح من أكثر الشركات انتشارا في المملكة عبر أسطول ناقلات من مختلف الأحجام يفوق عددها 1000 سيارة تجوب مناطق المملكة، وشملت خدماتها أكثر من 200 مدينة وقرية تقدم خدمات الشحن، ولم يتوقف نشاط العذل على الشحن والنقل فقط بل امتد إلى نشاط الأغذية، ففي العام 1996 انطلقت سلسة محلات “دانكن دوناتس” في السعودية مبتدئة بالرياض ثم توسعت في باقي مدن المملكة، وجاءت الفكرة عندما كان العذل يدرس في الولايات المتحدة وقد أعجب بفكرة تقديم الدونات، وتعاقد مع الشركة الأم وحصل على الامتياز الحصري والتوكيل لاسم “دانكن دوناتس”.

الحياة الاجتماعية

الراحل سلطان بن محمد العذل متزوج من نورة العساف وهي أم أبنائه السبعة نايف، غدير، سعود، سلمان، محمد، تركي، ومشعل.

الإصابة بالمرض

في 1997، وبعد ثلاث سنوات من تأسيس أول شركة، أصيب العذل بمرض “التصلب اللويحي العضلي الجانبي”، نتج عنه شلل لجميع أطراف جسده، ولم يتبق له سوى حاستي السمع والبصر، وأصبح يتنفس عن طريق جهاز صناعي، ويتغذى عن طريق أنبوب خارجي متصل بمعدته، وبالرغم من هذا المرض اللعين الذي جعله حبيس الكرسي، لم يستسلم أبدا، بل وجد فيه، تحديا جديدا لإتمام مسيرة النجاح، وأصبح يتابع عمله وموظفيه بحركة العين فقط.

نجاح بعد نجاح

تمتع سلطان العذل بحس وطني كبير، يقول في مقابلاته الإعلامية بالداخل والخارج “إن أول دافع لي في أن أستمرّ في العمل، على الرغم من ظروفي الصحية، هو الحسّ الوطني البحت، حيث إنني أشرف على مجموعة شركات لها تأثيرها في السوق، وتخدم بعض القطاعات المهمة، فأصبحت مسئولية عليّ تجاه وطني ساعدتني في تخطي الظروف المرضية”. وأشرف العذل على مجموعة من الشركات، منها على سبيل المثال لا الحصر: شركة “سمسا” للنقل السريع المحدودة “فيديكس”، شركة “شهية” المحدودة “دانكن دوناتس”، الشركة العربية لخدمات الأمن والسلامة المحدودة “أمنكو”، كما أنه عضو مجلس إدارة الشركة السُعُودية للتصدير، وعضو مجلس إدارة شركة “الرملة” للخدمات الطبية المحدودة “مركز العليا الطبي”، وشركة مَنْصُور جنرال داينامك.

ولم يتوقف طموح العذل عند هذا الحد، فلم يتردد في إضافة أي مجال يرى فيه إسهاما ولو بجزء في دفع عجلة الاقتصاد في المملكة، وينعكس إيجاباً على تنمية المجتمع.

وكان العذل يوظف عددا كبيرا من الموظفين في الشركات التي يشرف عليها مباشرة يفوق العشرة آلاف موظف وموظفة، معظمهم من شباب الوطن الذين يعملون بكل جد واجتهاد، بل كان يسهم في تأهيلهم إن احتاجوا إلى ذلك، وتوفير كل السبل للأخذ بيدهم في جميع مجالات العمل النظرية والعملية. وكان يفخر دوما بأن شركاته حققت نسبة ممتازة في توطين الوظائف والمساهمة الفاعلة في توفير وظائف للشباب السعودي.

لا يعرف اليأس

وخلال سنوات الإصابة بالمرض، قام العذل بتأسيس شركة “مأكل” العالمية المحدودة في 2009، وهي شركة متخصّصة في مجال التغذية، وقام بتأليف كتاب عن تاريخ أسرته يُعرِّف القارئ بـجده صَالِح “بَاشَا” بن مُحْسِن بن عذل وأقربائه وتفاصيل حياته والبيئة التي عاش فيها، وبدَوْر أُسْرَة العَذْل في المجتمع السُعُودي. وأوضح بين دفتي الكتاب، وبشيء من التفصيل، الدور الذي قام به صَالِح “بَاشَا” في عهد المَلِك عَبْدالعَزِيز، إبان تأسيس الدَوْلَة السُعُودية الحديثة، وتطرق إلى الأعمال التي قام بها أثناء مسيرة حياته الزاخرة في خدمة الوطن.

ويقول سلطان العذل بفخر: قمت بتأليف هذا الكتاب ـ النسخة العربية في عام 2007، وقبلها نسخة انجليزية في عام 2005 ـ وأنا في حالتي المرضية الحالية، وقد قمت بجمع المعلومات مستعيناً بعشرات المراجع التاريخية والوثائق ومعلومات مباشرة من أفراد الأسرة كافة، وقمت بتنسيقها على نحو علمي، لتكون مرجعاً تاريخياً لجميع الأجيال القادمة.

وقد شرفه خادم الحرمين الشريفين الملك سَلْمَان بن عَبْدالعَزِيز عندما كان وليا للعهد، بكتابة تقديم هذا الكتاب، واهتمامه ـ يحفظه الله ـ بإخراجه، وتكليف دَارة الملك عَبْدالعَزِيز بمراجعته، ولم يكن التحدي في التأليف، بل كان التحدي في أن يؤلف، وهو فاقد القدرة تماماً على كامل الحركة والنطق، ليؤكد أنه لا يعرف المستحيل ولا اليأس، كما شارك العذل في مجموعة من المؤلفات الأخرى ككتاب الإنسان والكوارث، ومجموعة من الأدلة المهنية الإدارية والفنية المتخصصة.

فلسفة الحياة

كانت فلسفة الحياة عند العذل تتلخص في أن الموهبة والمثابرة والاجتهاد هي أحد المقومات الضرورية لقيادة أي عمل تجاري بنجاح. وقبل ذلك يعتمد النجاح على توفيق الله تعالى ومراقبة النفس وزرع فضيلة الصدق والأمانة في التعامل، وفق ما وجهنا له ديننا الحنيف، ويكمن السرّ في اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، وإعطائه كل الصلاحيات اللازمة لأداء عمله، وبالتالي تحقيق الأهداف المرجوّة، أما الموظفون فيجب الاستفادة من قدراتهم ومنحهم كامل الثقة وحرية اختيار الوسيلة المناسبة لتحقيق الأهداف، ومن الضروري أيضاً مشاركتهم في بعض القرارات الاستراتيجية.

الوفاة

وفي يوم الجمعة 17 شعبان 1441هـ الموافق 10 أبريل 2020م غيّب الموت سلطان العذل، بعد معاناة طويلة مع المرض، وبرحيله تنطوي صفحات قصة طويلة من الكفاح، التحمت فيها شخصيته بما يشبه الأسطورة، بيد أنّها حقيقية نسجها هو بنفسه، ليقدمها للأجيال عن معاني الكفاح والجدية وتفرُّد الذات، وكيفية الجمع بين معنى الحياة ولذة المغامرة والتفاؤل، واضعاً اسمه في سجل المشاهير على المستويين المحلي والعالمي، موجّهاً نصيحة للشباب في أولى درجات العمل، بالاستفادة من كل التسهيلات المقدمة لهم في بلادهم، والاجتهاد والمثابرة في العمل وتطوير أنفسهم، والاستفادة من كل السّبل المتاحة للإبداع، وأن يتحلّوا بالصبر، وألّا توقفهم الكبوات، بل يجب أن تكون حافزاً ودرساً يقوّيهم على النهوض مرة أخرى.

 

سلطان العذل.. أسير التصلّب اللويحي

ماذا تعرف عن التصلب اللويحي ALS؟

هو مرض يصيب الجهاز العصبي، يضعِف العضلات، ويؤثر في الوظائف البدنية، ويسبب تدهورًا تدريجيًا للأعصاب الحركيّة الموجودة في الدماغ والحبل الشوكي، ويؤدي إلى التلاشي التدريجي للقدرة الحركيّة إلى أن يصاب المريض بالشلل والإعاقة، وهو مرض مزمن.

العَرَض الرئيسي لمرض ALS هو ضعف العضلات، ولا علاج له حتى الآن، لكن يمكن تقليل الشعور بالألم من خلال تناول الأدوية والعلاجات. ويُعد الـ ALS مرضًا نادرًا، إذ يُصيب 1 إلى 6 حالات من بين كل 100.000 شخص كل سنة.

ستيفن هوكينج

من هو ستيفن هوكينج الذي سمي سلطان العذل باسمه وأطلقوا عليه ستيفن هوكينج العرب؟

لم تحظ وفاة أحد من العلماء، بما حظيت به وفاته من حزن واهتمام، نظرا لتأثيره الكبير في علوم المستقبليات، إلى حد يمكن معه القول إنه العالم الذي جعل العلم مادة شعبية. إنه عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينج، الذي توفي عن عمر يناهز 76 عاما. وكان يعاني من مرض التصلب الجانبي الضموري، لكنه أصبح واحدا من أكثر علماء عصره شهرة، وحظي باحترام واسع على المستوى المهني والإنساني.

هوكينج، الذي تحلى بحس دعابة عال، كان بمثابة سفير شعبي للعلوم، إذ كان حريصا على أن تصل نتائج أبحاثه إلى الإنسان العادي. وحقق كتابه الذي يحمل عنوان “تاريخ موجز للزمن” أفضل المبيعات، مع أنه لا يمكن معرفة عدد الأشخاص الذين تمكنوا من قراءته حتى النهاية.

اعتقد هوكينج أن مرضه جلب له بعض المزايا. وكان يقول إنه قبل أن يصاب بالمرض كان يحس بالملل، وأضاف أنه بالرغم من مرضه، إلا أنه استطاع أن يكوّن عائلة جذابة ويحقق النجاح في مهنته.

بحلول عام 2000، أصبحت زيارات هوكينج لقسم الطوارئ في المستشفى في كامبردج متكررة، وحققت الشرطة في إصابات جسدية تعرض لها وادعاءات أنه تعرض لسوء المعاملة.

كان يقود عربته الكهربائية بطيش ورعونة، وأصر على أن إصاباته الجسدية لم تكن ناجمة عن سوء المعاملة.

في عام 2014، أنتج فيلم “نظرية كل شيء”، المبني على قصة حب وحياة هوكينج، والتقى هوكينج بالممثل إيدي ريدماين الذي قدم شخصيته في الفيلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.