يُعد التحليل التقني “الفني” Technical Analysis الذي ترجع جذور أدواته إلى منتصف القرن السابع عشر الميلادي، ومن مدينة أوساكا اليابانية تحديداً، من أبرز الوسائل الربحية المستخدمة من قبل دور الاستثمار العالمية، خاصة تلك التي تتركز أعمالها ضمن نطاق أسواق المال “سلع ـ أسهم ـ سندات مالية” وتكمن أهمية استخدامه في أسواق المال ـ كسوق الأسهم ـ كونه يعنى بدراسة طبيعة واتجاه السيولة المالية الفاعلة بالسوق، ويقصد بها معرفة دخول السيولة المالية أو خروجها من السوق مع تحديد الأسهم والقطاعات المستهدفة بذلك، بغض النظر عن الأداء المالي للشركات المكونة لذلك السوق، وهو ما يميزه عن التحليل الاساسي! وبتعبير فلسفي آخر فإن التحليل الفني يهتم ـ من خلال أدواته التقنية ـ بدراسة وفهم السلوك البشري وكيفية تعامله مع السوق، من حيث تحديد وقت عملية البيع أو الشراء، وبالتالي تحديد أفضل الفرص الزمنية لتلك العمليات، بغية تحقيق الأرباح أو المحافظة عليها، وهو المغزى الحقيقي للتعامل مع أسواق المال، وهذه التوليفة السابقة هو ما يحاول التحليل الفني من جانبه أن يقدمها لمتداولي أسواق المال متى ما تم استيعاب وفهم أدواته بصورة كفؤة.
الأسواق المالية لها دورات سعرية وزمنية تمتد لعشرات السنين، وإلى ما لا نهاية طالما كانت تلك الأسواق قائمة، وتتمثل تلك الدورات بموجات سعرية رئيسية صاعدة وأخرى هابطة، وبدورهما يتفرعان إلى موجات أخرى فرعية وثانوية، يعبر عنها السوق المالي بحالات التصاعد والانخفاض بأسعار مكوناته كحركة أسعار الأسهم، اعتماداً على ظروف متعددة تؤثر بها اقتصادية وسياسية ومالية، وما يهم متداولو أسواق المال المحترفين هو التقاط الموجات السعرية الصاعدة، ومعرفة بدايتها بغية تحقيق الأرباح منها، وكذلك توقع نهايتها لجني الأرباح قبل أفولها، أو فتح صفقات بيع على المكشوف بعد ذلك في الأسواق التي تتيح ذلك استفادة من حالة الانخفاض المتوقعة، وهذه المعرفة هي ما تقدمها أدوات التحليل الفني، وما يجدر الإشارة له أن هذه الموجات السعرية لها مدى سعري وزمني تقريبي، اعتماداً على ترتيبها الدوري ضمن موجات السعر، والفائدة من معرفة موقع ترتيبها، حسب أبجديات التحليل الفني هو إعطاء تصور استكشافي مستقبلي عن المرحلة القادمة من الموجات المتوقعة ـ صاعدة أم هابطة ـ إضافة إلى تقدير زمن بنيتها ومداها السعري والذي ينعكس بدوره على أداء المتداول المحترف وطريقة تعامله مع السوق قياسا على هذا التصور.
بدأ تصحيح سوق المالية السعودي بتاريخ 25 فبراير 2006م عندما بلغ قمة سعرية عند 20966.58 نقطة انطلاقاً من قاع مستواه 1313.58 نقطة تقريبا بتاريخ 2 مارس 1999م! والمقصود بالتصحيح في أسواق المال من الناحية الفنية هو موجات الانخفاض الرئيسية في السعر، تتخللها موجات فرعية ارتدادية صاعدة في السعر، التي تلي موجة صعود سعرية رئيسية، وحينما بلغ السوق انخفاضا إلى مستوى 4068.08 نقطة من قمته السابقة، وبدأ بالتصاعد مجدداً نحو مستوى 11159.5 نقطة، اعتقد غالبية المتداولين وقتها بأن تصحيح سوق الأسهم السعودي قد انتهى! إلا أن مجريات الأحداث بعدها وما تلاها من تعرج موجي في الأسعار، أكد أن طريقة التصحيح قد تحولت إلى نموذج تصحيحي مزدوج حتى تاريخ 23 مارس 2020م!، ولا توجد أية قرائن فنية “للساعة” تؤكد انتهاء هذا التصحيح الذي بدأ قبل 14 عاماً! وربما في قادم الأيام أجدد فحوى هذا المقال.
وقفة:
تذكر أن جميع موجات أي سوق مالي حتى التصحيحية منها بإمكانك الاستفادة من جزئياتها ولا يعقب نهاية أي انخفاض سعري إلا ارتفاع.