خادم الحرمين: أولوية الميزانية لحماية الصحة والمحافظة على الوظائف وتنفيذ مشاريع التنمية
ولي العهد: المملكة مستمرة في تعزيز المكتسبات والانطلاق لمزيد من التطور والتقدم والازدهار
الجدعان: برامج “رؤية 2030” ساهمت في صد أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط
القصبي: المملكة استشعرت خطر الجائحة باكرا بخطط استباقية لتوفير السلع ورقابة الأسعار
حملت الموازنة السعودية المعلنة مؤخرا مضامين جوهرية في تفاصيلها إذ جاءت لتؤكد سياسة الدعم والتحفيز وإنعاش الاقتصاد الوطني من خلال سياسة مواصلة الإنفاق والدفع بالمصروفات للأجهزة الحكومية والقطاعات العامة والتي بدورها ستعمل على تعزيز القطاع الخاص في البلاد الذي ينظر إلى دوره الاستراتيجي في مشروع التحول الاقتصادي ودعم رحلة التحول إلى الاقتصاد متعدد المصادر للدولة.
تضمنت بيانات الموازنة التأكيد على مبدأ خفض العجز وتقليص هوة اتساع الفارق بين المصروفات والإيرادات من خلال تقديرات متفائلة بحال الاقتصاد الوطني العام 2021م وتحسن الأوضاع العامة بعد الاستشفاء من تداعيات فيروس كورونا وآثاره السلبية الحادة على كثير من القطاعات والأنشطة والمجالات التي ينتظر أن تتعافى خلال العام 2021م.
جاءت موازنة 2021م لتؤكد مبدأ أولوية الرعاية الصحية، لاسيما في ظل ظروف جائحة كورونا، إذ سجلت الميزانية مخصصات ضخمة للقطاع الصحي في إطار رحلة التشافي والتحوط واللقاح والتصدي لأية موجة جديدة من كورونا وتعزيز الجوانب الاحترازية ورفع الوعي العام، وجاءت المخصصات مقاربة لمخصص قطاع التعليم ومساوية لموازنة القطاع العسكري لأول مرة.
ولم تنس بنود الموازنة التوازن في الإنفاق بين كافة شرايين التنمية المدنية والحضرية واستمرار المشروعات الحيوية وتدعيم القطاعات المختلفة. إلى تفاصيل أكثر في هذا التقرير.
حماية صحة المواطن والمقيم
أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال إعلان الموازنة العامة للعام المالي 2021، مواصلة العمل لتعزيز مسيرة التنمية والرخاء في المملكة، موجها خلال ترؤسه الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء عبر الاتصال المرئي ديسمبر الماضي، بإعطاء الأولوية في الموازنة لحماية صحة المواطنين والمقيمين وسلامتهم ومواصلة الجهود للحد من آثار هذه الجائحة على الاقتصاد الوطني، واستمرار العمل على تحفيز النمو الاقتصادي وتطوير الخدمات ودعم القطاع الخاص والمحافظة على وظائف المواطنين، وتنفيذ البرامج والمشاريع الإسكانية، والمشاريع التنموية التي توفر مزيداً من فرص العمل للمواطنين وتحقيق مستهدفات “رؤية 2030”.
وشدد خادم الحرمين الشريفين في الكلمة التي وجهها للمواطنين والمواطنات على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، والاهتمام بالحماية الاجتماعية والحد من الهدر ومحاربة الفساد، والتنفيذ الفاعل لبرامج ومشاريع الموازنة، متطلعاً إلى مواصلة مسيرة النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة.
وقال الملك سلمان “لقد مرّ العالم بجائحة غير مسبوقة وهي جائحة كورونا التي أثرت سلباً في الاقتصاد العالمي، وقد وفقنا الله ـ في إطار ما جرى اتخاذه حيال هذه الجائحة من إجراءات احترازية استثنائية وتدابير وقائية ـ إلى التوجيه بتقديم العلاج مجاناً لجميع من أصيبوا بفيروس كورونا من المواطنين والمقيمين ومخالفي نظام الإقامة في جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة، كما صدر مؤخراً قرار مجلس الوزراء بصرف مبلغ 500 ألف ريال لذوي المتوفى بسبب جائحة كورونا من العاملين في القطاع الصحي الحكومي أو الخاص، مدنياً كان أم عسكرياً، سعودياً كان أم غير سعودي، وأن يسري ذلك ابتداء من تاريخ تسجيل أول إصابة”.
وأضاف في كلمته أن “المملكة جزء من العالم تؤثر في الأحداث والظروف العالمية وتتأثر بها ولم تكن بمعزل عن آثار الأزمة في جانبي المالية العامة والاقتصاد، فقد أثرت الجائحة في نشاط الاقتصاد المحلي، إضافة إلى الآثار السلبية للركود الاقتصادي العالمي، وانخفاض الطلب خاصة في أسواق النفط التي شهدت انخفاضاً حاداً في الأسعار”.
وأشار الملك سلمان إلى صدور توجيهاته بأن تعطي هذه الموازنة الأولوية “لحماية صحة المواطنين والمقيمين وسلامتهم، ومواصلة الجهود للحد من آثار هذه الجائحة على الاقتصاد، واستمرار العمل على تحفيز النمو الاقتصادي وتطوير الخدمات ودعم القطاع الخاص والمحافظة على وظائف المواطنين، وتنفيذ البرامج والمشاريع الإسكانية، والمشاريع التنموية التي توفر مزيداً من فرص العمل للمواطنين، وتحقيق مستهدفات الرؤية، مع التأكيد على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، والاهتمام بالحماية الاجتماعية، والحد من الهدر ومحاربة الفساد، كما نؤكد على التنفيذ الفاعل لبرامج ومشاريع الميزانية”.
الجاسر: تكامل العمل الحكومي خلال الجائحة أمن سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية
الفضلي: تخصيص مؤسسات المياه قريبا .. ونمضي في استراتيجية الأمن الغذائي والاستدامة
السواحة: البنية التحتية الرقمية كانت شريان الحياة لاستمرار الأعمال خلال فترة الجائحة
تعزيز المكتسبات
من ناحيته، أكد ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في كلمة بمناسبة إقرار موازنة عام 2021، مواصلة تعزيز المكتسبات التي تحققت منذ إقرار “رؤية 2030″، والانطلاق نحو مزيد من التطور والتقدم في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية.
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن عام 2020 كان عاماً صعباً على دول العالم أجمع جراء تفشي جائحة كورونا، إلا أن اقتصاد المملكة أثبت قدرته على مواجهة تداعيات الجائحة، حيث تمكنت المملكة من اتخاذ تدابير صحية ووقائية هدفت في المقام الأول إلى حماية صحة الإنسان من خلال الحد من تفشي الوباء، وتوفير العلاج المجاني للحالات المصابة.
وأشار سموه إلى أنه تم إقرار عدد من المبادرات والإجراءات لمساندة منشآت القطاع الخاص أثناء الجائحة والمحافظة على الوظائف والعاملين في القطاع الخاص، وقد ساعدت هذه الإجراءات في الحد من تداعيات الجائحة على الاقتصاد، كما أسهمت في المحافظة على الاستقرار المالي، وستتم مواصلة اتخاذ كل ما من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، كما أن من أولويات الموازنة مواصلة العمل من أجل تحجيم آثار الجائحة وتحسين التعامل معها وتحفيز ومساندة الأنشطة الاقتصادية، وإيجاد مزيد من فرص العمل للمواطنين، مؤكداً الاهتمام بالحماية الاجتماعية، والمشاريع التنموية، وبرامج تحقيق الرؤية، والتطوير التقني، كما أن العمل مستمر في مراجعة جميع البرامج والمشاريع لضمان اتساقها مع مستهدفات الرؤية ورفع كفاءة الإنفاق.
وذكر الأمير محمد بن سلمان أن النمو الاقتصادي يتوقع أن يشهد ارتفاعاً مع الاستمرار في تنمية دور القطاع الخاص من خلال تسهيل بيئة الأعمال، والتقدم في برامج التخصيص، وإتاحة مزيد من الفرص أمام القطاع الخاص للمشاركة في مشاريع البنية التحتية، وتطوير القطاعات الواعدة والجديدة، والاستمرار في تنفيذ برامج “رؤية 2030” لتحقيق مستهدفاتها للمساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي، ودعم المحتوى المحلي للرفع من إسهامه في التنمية الاقتصادية للمملكة، إضافة إلى الدور المهم الذي تقوم به الصناديق التنموية في دفع النشاط الاقتصادي.
وأوضح أن صندوق الاستثمارات العامة أصبح أحد المحركات الأساسية لنمو الاقتصاد السعودي، حيث يعتزم الصندوق ضخ مئات المليارات في الاقتصاد السعودي في العام 2021 والسنوات التالية مما سيمكن من بروز قطاعات جديدة وخلق المزيد من فرص العمل وتوفير إيرادات إضافية للدولة.
ولفت ولي العهد إلى جهود المملكة ـ انطلاقاً من سياستها في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة الدولية ـ بالتعاون مع مجموعة دول أوبك بلس في العمل على استقرار أسواق النفط التي شهدت انخفاضاً حاداً في الأسعار، حيث ساهمت اتفاقية الإنتاج لدول المجموعة في إعادة الاستقرار للأسواق، وتحسن مستويات الأسعار.
عطاء في زمن الوباء
وكشفت موازنة المملكة المقرة للعام 2021 عن سمة مواصلة “الإنفاق” حيث تم تقدير إجمالي مصروفات تقارب تريليون ريال “990 مليار ريال” في مقابل عوائد عامة بنحو 849 مليار ريال، ليكون إجمالي العجز خلال الفترة 141 مليار ريال، تمثل %4.9 من الناتج المحلي الإجمالي.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن بيانات ميزانية المملكة في العام 2020 جاءت مختلفة، إذ كان إجمالي إيرادات 833 مليار ريال، مقابل إجمالي نفقات بنحو 1020 مليار ريال، بينما أشارت توقعات وزارة المالية الحقيقية إلى تراجع إجمالي الإيرادات الفعلية عن المقدر لتكون 770 مليار ريال، مقابل ارتفاع في الإنفاق وصل إلى 1068 مليار ريال، بنهاية العام.
وأشارت وزارة المالية في بيان مطول صدر عنها إبان إعلان الموازنة لعام 2021، إلى أن إجمالي النفقات المتوقعة للعام 2020 سجل ارتفاعاً بنسبة %4.7 عن الميزانية المعتمدة، نتيجة زيادة الإنفاق لتلبية المتطلبات الاستثنائية لمواجهة الجائحة خلال العام 2020. وأضافت أن الاعتمادات الإضافية على الميزانية المعتمدة منذ بداية العام 2020 بلغت نحو 159 مليار ريال شملت زيادة اعتمادات الصحة لدعم قدرات القطاع لمواجهة الجائحة، إضافة إلى تعجيل سداد مستحقات القطاع الخاص.
العجز والدين والاحتياطي
وفي وقت ستذهب فيه المملكة نحو الاستدانة وتقليص فجوة العجز، توضح وزارة المالية السعودية، أنه في ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية للعام 2020 وحالة عدم اليقين وتبعاتها، مازال الاقتصاد العالمي يعاني من آثـارهـا مع احتمالات مصاحبـة لأزمـة كورونا بتردي الأوضاع مع تفشي موجة ثانية للجائحة، موضحة أنه على اعتبار صعوبة توقع المدة الزمنية اللازمة للتعافي من الأزمة، تأتي موازنة عام 2021 لتؤكد توفير السـبل كافة للتعامل مع الأزمة واستعـادة وتيرة النمو الاقتصادي، وتعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية والخـدمات الأساسية.
وبحسب بيان وزارة المالية فإنه وفق الظروف الحالية والتطورات الجارية يتوقع أن يرتفع عجـز الميزانية السعودية مع نهاية العام 2020 إلى 298 مليار ريال، في وقت يسـتهدف خفضه فـي نهاية عام 2021 ليصل إلى 141 مليار ريال، في خطة انخفاض تدريجي علـى المدى المتوسط ليصل إلى 91 مليار ريال في عام 2022 وإلى 13 مليار ريال في العام 2023.
وأوضحت الوزارة أن ذلك يأتي استكمالاً للجهود الحكومية لتعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق مستهدفات الاستدامة والاستقرار المالي، وتوقعت أن يبلغ رصيد الدين العام نحو 854 مليار ريال، تمثل %34.3 من الناتج المحلي الإجمالي نهاية 2020، فيما ينتظر أن يصل إلى نحو 937 مليار ريال، أي %32.7 من الناتج المحلي بنهاية العام 2021 على أن يبلغ 1.06 تريليون ريال في العام 2023 تمثل %31.7 من الناتج المحلي الإجمالي.
وبرر بيان الميزانية خريطة تنامي مستوى الدين بأنها “تقـل بشكل ملحوظ عن السقف المحدد للدين العام عند %50 مـن الناتج المحلي الإجمالي”، لافتا إلى أن وزارة المالية ستواصل عبر المركز الوطني لإدارة الدين العمل على تدبير الاحتياجات التمويلية وفق مستهدفات السياسة المالية واستراتيجية الدين العام.
ووفق بيان الموازنة العامة للدولة، توقعت وزارة المالية أن تتم المحافظة على رصيد الاحتياطيات الحكومية حسب ما تم الإعلان عنه في ميزانية العام 2020 عند 346 مليار ريال، مع الحفاظ عليه عند مستوى 280 مليار ريال في عام 2021، وحوالي 265 مليار ريال في 2023.
مخصصات الميزانية
أفصحت موازنة العام الجديد 2021 عن استحواذ قطاع التعليم على النصيب الأكبر من كعكة النفقات بواقع 186 مليار ريال، يليه قطاعا الصحة والتنمية الاجتماعية ثم القطاع العسكري في المرتبة الثانية، وخصصت لهما نفقات قيمتها 175 مليار ريال لكل قطاع، ثم قطاع البنود العامة بنفقات متوقعة قيمتها 151 مليار ريال، فقطاع الأمن والمناطق الإدارية بقيمة 101 مليار ريال، ثم الموارد الاقتصادية بنفقات 72 مليار ريال، وجاء بعدها قطاع الخدمات البلدية بقيمة 51 مليار ريال، وقطاع الإدارة العامة بنفقات 34 مليار ريال.
وأظهرت الموازنة أبرز مهمات القطاعات، إذ سيختص قطاع الإدارة العامة المقدر له ميزانية 34 مليار ريال بدعم الأجهزة الإدارية والتشريعية والخدمة المدنية، ووزارة الخارجية، والمحاكم، وخدمات الشؤون الإسلامية في مجال حقوق الإنسان والعناية بالحرمين الشريفين، فيما القطاع العسكري المخصص له 175 مليار سيختص بالدفاع الوطني والحرس الملكي، ورفع تطوير القدرات العسكرية، والمدن والقواعد العسكرية، والمستشفيات والخدمات الطبية العسكرية، والكليات والجامعات العسكرية، وتوطين الصناعات العسكرية.
وجاء في مخصصات قطاع الأمن والمناطق الإدارية البالغة 101 مليار ريال، إمارات المناطق والأمن الداخلي وحراسة الحدود، ومكافحة الجريمة والمخدرات والمؤثرات العقلية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والحماية المدنية، والسلامة المرورية، وإدارة الإصلاحيات، وإدارة الجوازات، وحماية المنشآت الحيوية، والأمن السيبراني. وأقرت الموازنة تخصيص مبلغ 51 مليار ريال للخدمات البلدية بهدف تطوير البنية التحتية للمدن، وتنمية المدن السعودية، وإقامة الأنشطة الترفيهية والمهرجانات والمناسبات، والرفع من جودة الحياة داخل المدن.
وتم تخصيص 186 مليار ريال للتعليم للمدارس والكليات والمدن الجامعية والابتعاث الخارجي لبرنامج خادم الحرمين الشريفين، ودعم الأبحاث والتطوير والابتكار، والمستشفيات الجامعية، ودعم مصادر المعرفة، فيما تم تخصيص 72 مليار ريال للموارد الاقتصادية بهدف تهيئة البنية التحتية للبيئة والمياه والزراعة، وإنتاج المياه المحلاة، والصرف الصحي، ومصادر الطاقة والثروة المعدنية، وتطوير بيئة السياحة والاستثمار، وتنمية الصناعة، والصادرات ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز المحتوى المحلي، والتخطيط المالي والاقتصادي. أما قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية فخصصت له ميزانية 175 مليار ريال، لصرفها في مجال الخدمات الصحية والإسعافية، والتشريعات والأبحاث، والجانب الاجتماعي كخدمات الضمان، والرعاية الاجتماعية، والجانب الثقافي والإعلامي، والرياضي والترفيهي، وإدارة برنامج جودة الحياة.
فيما سيخصص لقطاع التجهيزات والنقل 46 مليار ريال للطرق، والموانئ، والخطوط الحديدية والمطارات والإسكان، والاتصالات، وتقنية المعلومات، والخدمات البريدية، والفضاء، والمدن الصناعية، فيما سيتم تخصيص “بنود عامة” بميزانية تقدر قيمتها 151 مليار ريال تشمل النفقات الخاصة بحصة الحكومة في معاشات التقاعد، والتأمينات الاجتماعية، ونفقات التمويل، ومخصص حساب التوازن، والمساهمات في المنظمة الدولية، والبرامج والمرافق الحكومية، والإعلانات، ومخصصات الطوارئ.
رؤية تفاؤلية لنمو الاقتصاد الوطني
ورغم الظروف تشير التقديرات الأولية لعام 2021 وفق وزارة المالية، إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو %3.2 مدفوعا بافتراض استمرار تعافي الأنشطة الاقتصادية خلال العام، مشيرة إلى مواصلة الحكومة جهودها لتعزيز دور القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي ودعم نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالتزامن مع مواصلة الحكومة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتنويع الاقتصاد من خلال برامج “رؤية 2030” وتحسين بيئة الأعمال وفتح آفاق جديدة أمام الاستثمار المحلي والأجنبي، إضافة إلى الدور الإيجابي المتوقع لإنفاق الصناديق التنموية وتنفيذ المشروعات الكبرى وبرامج التخصيص.
ووفق بيان صدر بعد اعتماد الموازنة، ستستمر جهود الحكومة في توطين العديد من القطاعات وتنفيذ مشاريع جديدة وفي قطاعات متنوعة لإيجاد فرص وظيفية متزايدة أمام المواطنين، إضافة إلى الاستمرار في عملية التنويع الاقتصادي ودعم القطاعات الاقتصادية الواعدة كالسياحة والرياضة وغيرها وذلك لما توفره تلك القطاعات من فرص عمل أعلى.
وفي جانب بعض المؤشرات الكلية، ترى وزارة المالية أن التضخم سيبدأ في الانحسار من العام 2021 عند %2.9، قبل مزيد من التراجع إلى %2 خلال عامي 2022/2023 وسط نمو اقتصادي صحي والاستمرار في تنفيذ مشروعات “رؤية 2030”.
إيرادات الضرائب
توقعت وزارة المالية أن تبلغ إيرادات الضرائب لعام 2020 نحو 196 مليـار ريال، بانخفاض %10.7 مقارنة بالعـام 2019. بينما قدرت أن تنخفض بنسبة %1.8، مقارنة بالمقدر فـي الميزانية للعام 2020. ومن المتوقع، وفق بيان وزارة المالية، أن تسجل الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية نحو 16 مليار ريال، بانخفاض %5.9، مقابل العام 2019.
وارتباطا بأزمة الجائحة، توقعت أن تسجل الضرائب على السلع والخدمات نحو 141 مليار ريال خلال 2020 بانخفاض %9.2 نتيجة ارتباط أغلب هذا النوع من الإيرادات بالأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى تعليق الرحلات المحلية والدولية.
الضبط المالي ورفع كفاءة الإنفاق
وفي عادة جرت عليها الدولة حال اعتماد الموازنة بتنظيم “ملتقى الميزانية” على مدار ثلاث أيام منذ قرابة ثلاث سنوات، قال وزير المالية محمد الجدعان إن تطبيق مشروع “رؤية 2030” الذي بدأ منذ أربع سنوات كان بمثابة استعداد لأزمة جائحة كورونا، وما رافقها من صدمة كبيرة في أسواق الطاقة نتيجة انخفاض الطلب، الذي أدى لانخفاض الأسعار وتقلص الإيرادات، لافتا إلى أنه نتيجة لبرامج الرؤية التي بدأت، فقد حققت المملكة نجاحات كبيرة جداً سواء من ناحية الضبط المالي ورفع كفاءة الإنفاق والاستثمار في البنية التحتية، إضافة إلى الصناعة والقطاعات الواعدة الجديدة التي وفرت مزيداً من الوظائف مكنت الاقتصاد السعودي من التعامل مع الصدمة ماليا بشكل مرن.
وأضاف الجدعان خلال جلسة حملت عنوان “توجهات الميزانية وأولويات الإنفاق لصحة الإنسان” خلال الملتقى السنوي، أن الجائحة أعادت توجيه عدد من النفقات في الميزانية لعام 2020 إلى القطاع الصحي، ودعم الاقتصاد والوظائف للمواطنين من خلال مبادرة “ساند”، كما تم دعم القطاع الخاص، موضحا أن البنك المركزي السعودي “ساما” تدخل بشكل كبير في القطاع المالي ووفر السيولة، حيث مكن البنوك من إعادة جدولة الديون، وتمكنت الحكومة من التفاعل بشكل سريع جداً مع الأزمة، واتخذت قرارات حاسمة في البداية، مشيرا إلى أنه تم إطلاق مجموعة كبيرة من التحفيز تمثلت بـ 150 مبادرة للتخفيف عن القطاع الخاص والمنشآت الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على مكتسبات التنمية واستعداد القطاع الخاص للعودة إلى النشاط فور إنهاء فترة الإغلاق.
وأكد الجدعان أن أثر تلك الخطوات ظهر في الربع الثالث والربع الرابع وعاد النشاط الاقتصادي إلى درجة كبيرة، كما عادت نقاط البيع بحسب نشرات “ساما” إلى ما كانت عليه قبل الجائحة وأعلى، لافتا إلى أن الحكومة تدعم القطاعات المتأثرة مثل السياحة والطيران حتى انتهاء الجائحة.
صندوق الاستثمارات
وأشار الجدعان إلى أن القوة المالية للمملكة لا تتعلق فقط بالدين أو مستوى العجز إنما بالاحتياطيات الحكومية، حيث أن هناك استثمارات كبيرة من خلال صندوق الاستثمارات العامة، وشدد على أنها “مهمة للأجيال القادمة لامتصاص أية صدمات خارجية”، واستشهد بطلب توزيعات نقدية من صندوق الاستثمارات العامة وتوزيعات نقدية من احتياطيات في “ساما” لمواجهة مثل هذه الصدمات، مؤكدا أنه لا نية لاستخدامها دائماً إنما فقط في حالات الصدمات مثل العام 2020.
وأضاف أنه تمت الاستفادة من أزمة كورونا من خلال العمل مع الجهات الحكومية لتحقيق مرونة في المصروفات، حيث تم تخفيف الكثير من نفقات السفر والتدريب الخارجي والانتدابات وغيرها، لافتا إلى أن عام 2021 سيحمل نتائج إيجابية حيث يوجد دعم كبير جداً للاقتصاد سواء من خلال الإنفاق الحكومي أو من خلال صندوق التنمية الوطني والصناديق التابعة له، حيث تم أخذ تعديل سريع جداً في نظام صندوق التنمية الوطني بمنح الحق في الاقتراض والإقراض بعوائد متدنية جداً لدعم القطاع الخاص، كاشفا عن عزم صندوق الاستثمارات العامة ضخ مزيد من الاستثمارات في الاقتصاد، متوقعاً أن تكون 2021 بداية التعافي الاقتصادي وتوجيه الاقتصاد نحو النمو والتوسع.
تكامل الأجهزة تصدى للجائحة
من جانبه، شدد وزير التجارة ماجد القصبي خلال ملتقى الميزانية على أن تكامل وتناغم الأجهزة الحكومية أثناء الجائحة عزز موازنة المملكة الجديدة للعام 2021، لافتا إلى أن الحكومة حددت 218 سلعة أساسية أثناء الجائحة لتوفيرها مع مراقبة نقلها من المصدر إلى الأسواق والمستهلك. كما أنه “تم ضخ 218 مليار ريال لدعم القطاع الخاص وآليات تكفل وصول المنتجات أثناء الجائحة للمستفيد النهائي”، مؤكدا أن استشعار السعودية للخطر في بدايات الأزمة أسهم في مباشرة التخطيط الاستباقي بمتابعة وفرة السلع في الأسواق وفي المستودعات، والوقوف بدقة على تحديد السلع الأساسية، حيث جرت مراقبة الأسواق والأسعار، وفرض تقييم مستمر، لاسيما أن الجائحة أثرت على العرض والطلب، وحتّمت تغيير النمط.
وذكر القصبي في جلسة “تأمين سلاسل الإمداد في الأزمات” أن مشروع “رؤية 2030″ وضع الخطط الاستباقية، ما مكن من وضع حدٍ لآثار الأزمة، و”ظلّ الدواء والغذاء في الأسواق متوفرين على حدٍ سواء”.
وقال إن الإجراءات التي اتبعتها المملكة عززت انسيابية السلع والخدمات والأدوية وممرات الشحن البحري خلال الجائحة، موضحا أن البلاد دعمت الاستثمار المحلي للصناعات الغذائية المحلية والأمن الغذائي المحلي، في وقت ساهمت الجائحة في توليد الفرص بينها تأسيس 36 ألف متجر إلكتروني خلال فترة 9 أشهر فقط.
جهود النقل والاتصالات والزراعة
من جهته، كشف وزير النقل السعودي المهندس صالح الجاسر، عن نقل حوالي 65 ألف طن من المواد التموينية والطبية بالطائرات خلال الجائحة، مشيرا إلى أن تكامل العمل الحكومي في مواجهة الجائحة بجرأة ومهنية وتخطيط، أمّن سلاسل الإمداد التموينية والخدمات اللوجستية،
حيث كان أداء سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية عبر الطائرات متميزا، وزادت الحاويات التي صدرت من البلاد بنسبة %5، موضحا أن قطاع النقل الجوي السعودي لعب دورا حيويا في ربط البلاد بمناطقها وبأرجاء العالم، مشيرا إلى أن هناك 28 مطارا داخليا تنطلق منها رحلات بشكل يومي.
من جهته، كشف وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي خلال “ملتقى الميزانية” عن العمل على تخصيص مؤسسات المياه قريبا، مؤكدا أن المساعي جارية لسد حاجة الأسواق من المنتجات الوطنية، كما أن العمل قام على استراتيجية الزراعة والأمن الغذائي والاستدامة، التي تركز على التقنيات الزراعية والميزة النسبية في كل منطقة من مناطق البلاد، فضلا عن استراتيجية سد حاجة الأسواق والتي تتراوح بين 11 و12 سلعة أساسية بجانب السلع المكملة.
وذكر أنه تم تحديد 11 سلعة أساسية أثناء الأزمة جرى التركيز عليها وعلى وفرتها، لتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات، لافتا إلى أن المملكة تخطط لأن تكون إحدى أفضل 20 دولة في الأمن الغذائي عالمياً في عام 2030، ومبينا في الوقت ذاته أن المملكة تتمتع ببيئة استثمارية مناسبة لإنتاج الغذاء.
إلى ذلك قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله السواحة، أن المملكة أصبحت الآن من أفضل 10 دول عالمياً في سرعة وجودة الإنترنت، موضحا أن البنية التحتية الرقمية كانت طوق النجاة وشريان الحياة لاستمرار الأعمال في مواجهة أكبر تحدٍ واجه العالم في 2020.
وقال خلال “ملتقى الميزانية” أن أكبر إشادة للقطاع في العام 2020 كانت القفزة التي حققتها المملكة بحصولها على المركز الأول في التنافسية الرقمية بين دول مجموعة العشرين خلال السنوات الثلاثة الماضية، حيث هيأت البنية التحتية الرقمية لتكون عصب الحياة للمستقبل ووظائف المستقبل وأسواق المستقبل.