كما بعد الحروب العالمية، أو الكوارث الكونية، أو الأحداث الجسام التي مرت على البشر في هذا الكوكب، فإن الحياة وممارستها، والأعمال ـ والاستثمارات من ضمنها ـ لن تعود كما كانت قبل جائحة كورونا، وسنشهد الآثار، أو التوابع، بعضها سيروقنا، وبعضها الآخر سيؤرقنا، بعضها سيصعب على جزء من الناس التوافق معه، وبعضها سيشكل فرصا جديدة لجزء آخر، وسيظل هناك جزء من البشر يراقب وينتظر.
أشياء كثيرة على المحك، اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، ولكن ـ بحكم تخصص المجلة ـ فإن الأعمال في كثير من القطاعات سيكون بعضها على موعد مع الاندثار، وبعضها على مواعيد كبيرة وكثيرة للنمو، والابتكار من وحي ما حدث، وكيفية تفاعل الناس والحكومات مع ما حدث.
مع أول حقنة لقاح أُعلنت بدأ العالم يتنفس الصعداء، يتنفس على قلق، لكنه يرى بداية الطريق، طريق العودة إلى ما قبل الجائحة، وهو لا يعرف تحديدا إن كان سيعود كما كان أم لا؟ ولا يثق أيضا أن الطريق يحمل بعض المفاجآت، أو العقبات، التي ستؤخر هذا العود.
الجائحة كشفت عورات البعض، وكشفت قدرات البعض الآخر، سواء كان الحديث عن الحكومات، أو الشركات، أو حتى الأفراد، رأينا الكشف عن اتجاهات اقتصادية وتحولات جذرية في النظام العالمي، شهدنا كيف تعطلت ـ في بعض الدول ـ كل جوانب الحياة، والأهم فيما يتعلق بالأعمال كيف سرعت عجلة التغيير بشكل غير متوقع، وكما طرحت تساؤلات جديدة، فهي طرحت خيارات جديدة، ومجالات متجددة، وأصبحت إشارات التغيير أكثر سطوعا ووضوحا فيما يتعلق بالأنظمة الاقتصادية ككل، وبالاستثمارات والأعمال بشكل خاص.
لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف سيبدو شكل الانتعاش الاقتصادي؟ إن كان ثمة انتعاش في الأفق، ولا أحد يجزم بمستقبل بعض القطاعات المهددة، بل وحتى تلك القطاعات التي جعلتها الجائحة في المقدمة، وسيقف المستثمر أو ريادي الأعمال ممن ينشؤون مشاريع حقيقية منتجة حائرا منتظرا، وخائفا من مضي الوقت، والوقت ـ كما نعرف ـ جزء من رأس مال الإنسان أيا كان.
يقال إنه حيث توجد الأزمات، توجد الفرص، هكذا يركز المتفائلون، ولكن السوق ومن فيها يعرفون أن الفرص الجديدة، تأخذ مكان فرص قائمة، هكذا هي سُنة الأسواق، وربما هي سنن الحياة أيضا، وستثبت الأشهر المقبلة كثيرا من هذا الكلام، وسنرى بعض أصحاب الفرص القائمة أصلا يتكيفون ويتطورون لتصبح فرصهم الثابتة أو القديمة، جديدة ومتناغمة مع الموجة أو الموجات القادمة، لكن من يصر على الجمود سيقذفه السوق إلى الخارج.
تبدو التكنولوجيا والرقمنة وما في حكمهما، هي أفراس سباقات المستقبل، ولابد من نقاط التقاء للحكومات والمستثمرين مع هذا القطاع، لكن يجب ألا ننسى أن أي فرس سباق يحتاج إلى العناية، إلى سائس، ومدرب، واسطبل، وعلف، ورعاية طبية، وربما حتى خبرة في التعاطي النفسي معها حتى تحقق كؤوس البطولات الدولية إذا فازت في السباق.
التغيرات كثيرة، في القناعات المناخية والبيئية، وفي العولمة الرقمية، وفي الابتعاد عن النماذج القديمة، وكلها قناعات مفهومة ومعقولة، ولكن درجات فهمها، ودرجات التخطيط والتنفيذ للتعاطي معها مختلفة من حكومة لأخرى، ومن مستثمر لآخر، ومن فرد هو “الزبون” أو العميل المجازي للحكومة، والفعلي للمستثمر لفرد آخر.
المسألة اليوم أعقد وأعمق من مجرد تحول العمل أو التعليم إلى الافتراضي، أو زيادة تطبيقات التوصيل، ومنصات التواصل، هناك بشر من لحم ودم، وأرض، يجب أن يكون حضورهم في المعادلة عادلا وتدرجهم معتدلا.
الأشهر المقبلة حبلى، وكذلك بعض قطاعات الأعمال، ولعل المواليد أصحاء وجُمال، ولعل الوالدات كذلك.