نافذة

الأوقاف ورؤية 2030

حظيت الأوقاف باهتمام السعودية انطلاقاً من تطبيقها لشرع الله في جميع مناحي الحياة، باعتبار المكانة العظيمة التي تحظى بها الأوقاف في الشريعة الإسلامية، فهي من أعظم سُبل الإنفاق في سبيل الله وأعظمها أجراً، وأدومها نفعاً وأبقاها أثراً، وتمتد منافعها لتشمل المُنْفق والمُنفَق عليه، وتشمل الفرد والجماعة، وتشمل المجتمع بأسره، وتشمل الجوانب المادية للإنفاق من سدّ حاجة الفقراء والمساكين والمحتاجين، والجوانب المعنوية من التكافل والترابط وإشاعة المحبة بين أفراد المجتمع، وبالجملة فإنها تشمل خيري الدنيا والآخرة.

وعناية المملكة بالأوقاف تنطلق كذلك من مكانتها الكبيرة في نفوس المسلمين، باعتبارها مهبط الوحي، ومنطلق الرسالة الخاتمة إلى جميع الناس، وموطن الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين في كل مكان، مما يضعها في موضع الريادة والقدوة والأسوة الحسنة للمسلمين، فإليها دائماً يتطلعون، وبها يقتدون، وإلى رحابها تهفو نفوسهم وأفئدتهم، وبأفعال الخير والمعروف الذي تقدمه هنا وهناك يتأسون.

والمملكــة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ اهتمت بأمور الأوقاف والعناية بها حيث كانت شؤون الأوقاف ملحقة بالمحاكم الشرعية حتى أُنشئت لها إدارة خاصة، واستمرت العناية بالأوقاف حتى أُنشئت وزارة الحج والأوقاف عام 1381هـ، ثم خُصص للحج وزارة مستقلة، وأُنشئت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ـ رحمه الله. كما صدر نظام مجلس الأوقاف الأعلى الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/35 في 18/7/1386هـ، وقد اشتمل على تنظيم مجالس الأوقاف الفرعية في مناطق المملكة، وكان لهذا النظام الأثر الطيب في متابعة الأمور المتعلقة بالأوقاف والمحافظة عليها وطرق استغلالها وتنميتها.

واستمراراً لجهود الدولة في إضفاء الطابع المؤسسي على العمل الوقفي، صدر الأمر بإنشـاء الهيئة العامـة للأوقاف بموجـب المرسـوم الملكـي رقـم م/11 بتاريـخ 26/2/1437هـ، وهـي هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وترتبط برئيس مجلس الـوزراء، وتهدف إلى تنظيم الأوقاف والمحافظة عليها وتطويرها وتنميتها بمـا يحقـق شروط واقفيها ويعـزز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي. ووفقاً لإحصائيات عام 2020م، بلغت قيمة الأصول التي تسلمتها الهيئة العامة للأوقاف نحو 54 مليار ريال، فيما تسجل محاكم المملكة أكثر من 600 وقف سنوياً. وبحسب التقسيم الجغرافي، تعتبر أوقاف الحرمين الشريفين أكبر بقعة في العالم تحتضن الأوقاف الخيرية والذرية.

وبالنظر لخريطة الأوقاف بالمملكة، يُشكل العقار نحو %80 من إجمالي الأوقاف العامة، في حين أن %54 من الأوقاف في السعودية هي عبارة عن أراض بيضاء، و%19 من الوقف يذهب للأضاحي، و%4 لبناء المساجد ورعايتها، و%0.5 يُصرف لتعليم الجامعات. وتجسد هذه الأرقام الأهمية الحيوية لهذا القطاع ودوره في تعزيز الاقتصاد الوطني، كما أن حجم الأوقاف المتوقع في 2030 هو 348.75 مليار ريال، وذلك حسب تقرير اقتصاديات الأوقاف الصادر من غرفة الشرقية لعام 2020.

وبما أن قطاع الأوقاف من القطاعات المهمة، فإنه لم يغب عن رؤية 2030، حيث استهدفت الرؤية رفع مساهمة الوقف في الناتج المحلي الإجمالي من 1 إلى %5، وهذا يؤكد أن رؤية 2030 تعمل على تفعيل موارد الدولة والارتقاء بأدائها.

ومن المعلوم أن حجم الأوقاف في السعودية يُعد الأضخم في العالم الإسلامي؛ وبناءً على التقديرات المتوافرة، فإن المجال الوقفي في المملكة في ارتفاع مطَّرد. ويُقدر عدد المشروعات الوقفية القائمة في المملكة بما يزيد على 120 ألف مرفق أو عقار، تتصدرها أوقاف الحرمين الشريفين في الداخل والخارج، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية حزمة من العمل المؤسسي القائم على الفهم العميق للدور النهضوي للوقف ضمن أطر تدعمها الدولة، وتحرص على الوقوف على مسافة موازية وأمينة بينها وبين الجهد المجتمعي والأهلي.

وتتنوع الأوقاف في السعودية ما بين أوقاف صحية وأوقاف تعليمية واجتماعية. ولقد اعتمدت بعض جامعات المملكة على نظام الوقف العلمي لدعم مشروعاتها، ومنها جامعة الملك سعود التي يبلغ حجم أوقافها 4.9 مليار ريال، كما يبلغ حجم أوقاف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 7 مليارات ريال، ويبلغ حجم أوقاف الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ملياري ريال. وفي مجال الأوقاف الصحية، تم إنشاء صندوق الوقف الصحي، وهو أول صندوق وقفي صحي مستقل في السعودية وهو شريك استراتيجي مع وزارة الصحة، ويهدف إلى إشراك المجتمع في تحقيق تنمية صحية مستدامة، وقد تلقى أكثر من مليار ريال خلال أزمة جائحة كورونا، مقدمة من 35 شركة وطنية، منها 500 مليون من شركات الطاقة، و160 مليوناً من البنوك، و67 مليوناً من التأمين.

كما يأتي اهتمام الدولة بالأوقاف من خلال مؤسساتها المختلفة، حيث تعمل غرف التجارة والصناعة المختلفة ممثلة بلجان الأوقاف على ترسيخ ثقافة الأوقاف لدى القطاع الخاص ورجال الأعمال، والمساهمة في زيادة عدد الأوقاف بأنواعها المختلفة، وإقامة الفعاليات التي تدعم القطاع الوقفي من خلال عقد ورش العمل والدوارات التدريبية للقائمين على الأوقاف بمشاركة واسعة من الخبراء والمختصين من القطاعين العام والخاص.

ولم يقتصر اهتمام المملكة بمنشآت الأوقاف ومرافقها فقط، بل امتد ليشمل سياسات وإجراءات الحوكمة والرقابة والإفصاح للجهات الوقفية، وتطوير المنتجات والخدمات الوقفية، وتسهيل إجراءات تسجيل الأصول وتحديث الأنظمة، كما برزت التوجهات الوقفية الحديثة في دعم الشراكات الاستراتيجية مثل الشراكات مع القطاع الخاص لخصخصة بعض الأصول، والشراكات مع الجامعات والمنظمات الدولية.

إن قطاع الأوقاف في المملكة قطاع واعد، وتنتظره آفاق واسعة من التطوير والتنمية، ولقــد كانت الأوقاف وما تزال جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي على وجه العموم وفي السعودية على وجه الخصوص، وبفضل الفرص التي توفّرها رؤية 2030 في الوقت الراهن، أصبحت عوامل التطورّ كبيرة أمام قطاع الأوقاف لترسيخ مكانته الحيوية في أن يصبح مساهماً رئيسياً في القطاع غير الربحي، خصوصاً بعد تأسيس الهيئة العامة للأوقاف وجهودها الرامية إلى إعادة هيكلة القطاع وتطوير أنظمته، وإعداد استراتيجية الهيئة بما يتواكب مع أهداف رؤية 2030.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.