قبل أن يتعرض العالم لجائحة كورونا، كان هناك الكثير من التقارير التي تصدر حول تغيير كبير سيحصل في ترتيب اقتصادات الدول، خصوصا أن البعض منها كان يسجل أداء استثنائيا والبعض الآخر كان يمر بمرحلة من النمو البطيء، وأبرز عنوان على الإطلاق كان يثير المخاوف في المرحلة السابقة، هو موضوع الحرب التجارية. جائحة كورونا هزت ترتيب أكبر 10 اقتصادات في العالم، وتأثرت هذه الدول بشدة من تداعياتها بعد أن تعرضت لأسوأ مرحلة ركود اقتصادي في تاريخها.
طبعا ترتيب الدول حسب الناتج المحلي الإجمالي لا يأخذ بدقة ارتفاع معدلات التضخم والأسعار، ولكن يعطينا صورة في كيفية تعامل الدول مع الجائحة والأضرار الاقتصادية التي تعرضت لها.
الخاسر الأكبر بين الدول العشرة هي البرازيل بعدما تراجعت بقوة من المركز التاسع في عام 2019 إلى المركز 12 في عام 2020 وبذلك تكون الدولة الوحيدة التي خرجت من الترتيب وحلت محلها كوريا الجنوبية. لكن أسوأ ما في الأمر أنه سيستغرق وقتا طويلا قبل أن تستطيع العودة إلى ترتيب العشرة الأوائل، وحسب صندوق النقد الدولي ليس قبل عام 2026، وتعتبر البرازيل ثاني أكثر الدول في العالم تسجيلا للوفيات جراء كورونا، ويتزامن ذلك مع حملة تلقيح بطيئة، وانتقاد في السابق من الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو لفكرة الإقفال العام، وكان قد صرح مرارا أن تدابير العزل العام تخنق الاقتصاد وأنه بدون الرواتب والوظائف سيموت الناس.
واستطاعت البرازيل في بداية مرحلة كورونا الحفاظ على 11 مليون وظيفة، وكلفها ذلك ارتفاعا كبيرا في الدين العام ومليارات من الدعم. ويرى الخبراء الاقتصاديون أن أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية سيعاني بشدة، خصوصا مع عدم وجود خطة للتعامل مع الأزمة، يقابل ذلك ارتفاع في دينها العام مع توقعات بتسجيل نمو لهذه السنة عند %3.7 حسب صندوق النقد الدولي بعد أن سجلت انكماشا بنسبة %4.1 في العام الماضي.
ومن المخاطر حول عدم السيطرة على الجائحة، كانت هناك تحذيرات حول احتمال انهيار وشيك في الجهاز الصحي في ولاية ساو باولو. يذكر أن البرازيل شهدت في السابق مراحل من الصعود الكبير بعد أن كانت على حافة الإفلاس، وتدخل صندوق النقد الدولي فشهدت مرحلة ذهبية وتألقا كبيرا، خصوصا في مجموعة بريكس التي ضمت 5 بلدان هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وبريكس هي الأحرف الأولى لأسماء هذه البلدان التي برزت كقوة مهمة وتجمع كبير يضم %40 من سكان الأرض وربع مساحة اليابسة.
كوريا الجنوبية تدخل ترتيب العشرة الأوائل بدلا من البرازيل، ومن المتوقع أن تبقى في هذه اللائحة على الأقل لغاية عام 2026، وذلك بسبب استطاعتها السيطرة على الجائحة وتسجيلها نسبا معقولة من الإصابات مقارنة مع جيرانها الآسيويين، والأهم من ذلك استطاعت الخروج بأقل ضرر من عام 2020 مع انكماش لا يذكر في ناتجها المحلي الإجمالي عند %1 تقريبا، تزامن ذلك أيضا مع صادرات قوية في مجال أشباه الموصلات وارتفاع في الاستهلاك، خصوصا في مجال التسوق على الإنترنت. ويعتقد صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لكوريا بنسبة %3.6 هذا العام.
أما بالنسبة للهند التي سطع نجمها بقوة في السنوات الأخيرة بعد أن استطاعت إزاحة بريطانيا وفرنسا والحصول على لقب خامس قوة اقتصادية في العالم وثالث قوة اقتصادية آسيوية، فقد عادت وتراجعت خلف بريطانيا مرة أخرى في الترتيب العام لسنة 2020 والتقديرات تقول إنها لن تستعيد المركز الخامس قبل عام 2023.
كورونا ضربت بقوة الاقتصاد الهندي، خصوصا مع تسجيل مع الموجة الأخيرة التي كانت تسجل معدلا يصل إلى 160 ألف إصابة يوميا في الأشهر الأخيرة، ثم ارتفعت الإصابات بشكل كبير، وفي بعض الأحيان قفزت فوق ربع مليون إصابة يوميا، إضافة إلى شبه امتلاء أسرّة العناية المركزة في مستشفيات مدينة مومباي عاصمة الهند الاقتصادية. الاقتصاد الهندي وبسبب الإغلاق التام وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي سجل انكماشا بنسبة %8 للسنة المالية المنتهية في شهر مارس الماضي، وسيأخذ وقتا للسيطرة على الموجة الثالثة، ولتسجيل بعض من التعافي. في المقابل النمو سيكون قويا خلال العام الذي بدأ في أبريل مع توقعات بتسجيل %12.5 وهي نسبة مهمة كردة فعل على ما حصل، ولكن شرط أن تكون الأمور تحت السيطرة من ناحية سرعة تفشي الفيروس، خصوصا بعد أن قفزت فوق البرازيل، وأصبحت الهند بالتالي ثاني أكبر دولة متضررة في العالم من جائحة كورونا بعد الولايات المتحدة.
وحسب الخبراء كل شهر من الإقفال العام في الهند يفقدها ما بين 1 إلى %2 من ناتجها المحلي الإجمالي خلال سنة. أما بالنسبة لباقي الدول، خصوصا الأربعة الأوائل وهي الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وألمانيا، فلم يتغير الوضع، وتكلمنا عن تبادل المراكز بين بريطانيا والهند، أما فرنسا فمازالت سابع أكبر قوة اقتصادية في العالم، تليها إيطاليا التي كانت البؤرة الأولى في أوروبا في بدايات انتشار الجائحة، وأصبحت محط أنظار العالم خصوصا في العدد الكبير من الوفيات يوميا، وبعد إيطاليا تأتي كندا جارة الولايات المتحدة الأمريكية.