لحظة مفصلية يشهدها السعوديون هذه الأيام تزامناً مع الإطلاق الرسمي لبرنامج التخصيص والبدء المرحلي في إجراءات التخصيص لقائمة تشمل 160 مشروعاً في 16 قطاعا.
وبقدر ما يحمل هذا التحدي الجديد الذي يمثل ” روح ” رؤية 2030 من ترقب لمسار مختلف من نوعه لا يشبه تجارب التخصيص الأخرى التي تمت في المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية بالنظر إلى اقتراب قطار التخصيص من قطاعات حيوية وذات أثر مباشر بالمواطن كالصحة والتعليم وخدمات حكومية أخرى.
وبتتبع التجربة السعودية في برنامج التخصيص.. فلا زلنا نستذكر في العام 1986 بيع الدولة لحصة تملكها من شركة سابك للاكتتاب العام كأول نموذج ناجح للخصخصة وعلى مدار 35 عاما تم تخصيص عدة مصالح حكومية كالاتصالات السعودية والبنك الأهلي التجاري وشركة معادن ومؤسسة البريد وبعض وحدات المطارات كالشحن والخدمات الأرضية والتموين وكذلك صالات السفر وصولاً لأضخم طرح أولي على مستوى العالم متمثلاً في بيع حصة محدودة من شركة أرامكو تم من خلاله جمع 96 مليار ريال وانتهاءاً بأحدث مشاريع التخصيص حين أكملت وزارة المالية في مايو الماضي تخصيص قطاع مطاحن إنتاج الدقيق بقيمة ناهزت 8 مليارات ريال.
أن من المنصف القول بأننا لم نلحظ خلال هذه الفترة تعثراً لأي مشروع تم تخصيصه بالنظر إلى اعتماد الحكومة فلسفة بيع المشاريع التجارية الناجحة والمربحة لضمان استمرارها وتطورها.
ولعل ما يثير الطمأنينة أكثر هو تعهد الدولة استمرار وجودها كشريك في المشاريع المخصصة سواء بالمناصفة أو حتى بالملكية الكاملة مع الإنتقال إلى نموذج الحوكمة في تأسيس شركات حكومية لها مجالس إدارات تتولى إدارتها والعمل وفق أسس تجارية بهدف رفع كفاءة الخدمة أو المنتج المقدم وزيادة قدرته التنافسية، الأمر الذي سينعكس بطبيعة الحال على تقليل الكلفة على الحكومة وبالتالي تضاءل عجز الموازنة كما يتحقق هدف رئيسي للرؤية يتمثل في تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط كسلعة استراتيجية إلى أبعد مدى.
تاريخياً.. يعد خيار الخصخصة طريقاً أقل كلفة بكثير من سيناريو فشل الاقتصادات التي تعتمد على الدولة اعتماداً ريعياً كاملاً، ولنا في العملاق الصيني أكبر مثال، فخلال العامين 2015 و2016 تم رصد أكبر عملية تحول ملكية في التاريخ حيث تحصلت الصين على نحو 1200 مليار ريالاً من عمليات التخصيص ما مثل نصف قيمة ما شهده العالم من خصخصة في حينه.
وإذا كان الجانب المالي والاقتصادي والهيكلي ضرورياً في توفير عوامل النجاح لهذ المشروع الضخم الآخذ في التسارع فإنه يتوجب على الجهات المسئولة عنه توفير الدعم العاطفي والإيمان الشعبي، إذ أن الموارد البشرية هي صلب المعادلة، وبالتالي فإن تكثيف الحملات التثقيفية والتعريفية والحوار المباشر لإبراز جوانب التحول على الكوادر البشرية والمستفيدين من الخدمات بتهيئة قنوات اتصالية إبداعية وفعالة تتلمس هواجسها وتحاورها سيحدث فرقاً هائلاً في الاستجابة للتحول ويضعف إلى حد بعيد المقاومة الطبيعية التي تنشا عادة في مواجهة مشاريع التغيير.
ورغم قناعتي الخالصة بأهمية هذا التحول في النموذج الاقتصادي السعودي فإن تطلعي يزداد لرؤية انعكاس هذه المشروع الضخم على تحسن جودة الحياة ورفع المستوى المعيشي والخدمات المقدمة للمواطن وفتح المنافسة اللازمة لتحقيق ذلك التحسن وبشكل مجمل على الوضع المالي الشامل للدولة.