المتابع لأسعار النفط يلاحظ أن أسواق النفط تمر بمرحلة جني مكاسب سعرية نتيجة الالتزام الكبير من المنتجين لضبط المعروض في الأسواق. المنظومة العملية لمجموعة أوبك+ واجهت عدة تحديات في ذات الوقت فلم تكن الجائحة وحدها هي التحدي الوحيد فقد سبقها تحديات أخرى مثل أرتفاع المخزونات التجارية بشكل كبير في الدول المستهلكة وهو ما سبب تخمة واسعة في الأسواق المادية النفطية. الآن و بعد ما يقارب سنة من العمل بالمنظومة الجديدة نرى تحسن ملحوظ في مستوى المخزونات مرتبطا بتحسن سعري للنفط الا أن التحديات لا تزال قائمة. يتناول الاعلام التحسن السعري و ضبط الانتاج كأهم وسائل تقييم رضا المنتجين عن ما تحقق الا أن المنتجين تواجههم تحديات أخرى لا تقل أهمية عن المستوى السعري و الأداء العملي للأتفاقية.
الصناعة النفطية مرت خلال الخمس سنوات بعدة أزمات ليست محصورة فقط في أسعار النفط فمن أهم الأزمات التي ظهرت على السطح كان التعدد في النموذج الأستثماري بدخول النموذج الأستثماري قصير الأمد ( المتمثل في النفط الصخري) الى صناعة النفط التي تعودت لعقود من الزمن على نموذج الأستثمارات طويلة الأمد. النموذج القصير الأمد في بداية ظهورة صاحبه هالة دعائية كبيرة اجتذبت معها رؤوس أموال المستثمرين الا أن هذا النموذج لم يحقق الأرباح المتوقعة حتى مع نموه الكبير. المتضرر لم يكن نموذج النفط الصخري وحده بل كل الصناعة النفطية. الصناديق الأستثمارية و رؤوس الأموال اتخذت موقف أكثر تحفظا بعد حدوث الجائحة و الأداء المتواضع لنموذج الأستثمار القصير الأمد في الصناعة النفطية. البيئة الأستثمارية للصناعة النفطية تضررت كثيرا بفعل تجربة النموذج الأستثماري قصير الأمد. شركات النفط و القطاعات الخدمية المتعلقة يالصناعة النفطية تأثرت جراء أعادة تشكيل الدول النفطية و الشركات النفطية الكبرى لأولوياتها الأستثمارية و التشغيلية.
من ضمن ما تمر به الصناعة النفطية من تحديات هو الخطاب السائد و الرائج اعلاميا حول خطط التحول الى مصادر طاقة تحقق اهداف سيناريو الاجمالي الصفري للأنبعاثات . هذا الخطاب الرائج بشكل واسع يفرض واقع جديد على الشركات النفطية و ضرورة ملائمة خططها للمتغيرات التشريعية العالمية القادمة. مع عودة النشاط الأقتصادي العالمي الى التعافي بعد الجائحة فان الشركات النفطية و الصناعة النفطية اجمالا تتشكل بشكل مختلف تماما لما كان مألوفا من قبل وهو ما يخلق ضبابية في صنع نماذج الأعمال السنوية و الأنفاق الراس مالي و التشغيلي و بالتالي الخطط الاستراتيجية.
اعادة توزيع الاستراتيجيات بدات تظهر ملامحها من خلال ما نراه من تخلص شركات نفطية من امتيازاتها في اماكن جغرافية و اعادة التمركز بما يلائم المصفوفات الربحية ونماذج خفض المخاطر. الكثير من الشركات النفطية أصبحت تستهدف اجتذاب المستثمر و الصناديق الاستثمارية الكبرى. الوسط الأستثماري هو الأساس لدفع عجلة الصناعة النفطية الى العودة الى العمل بشكل صحي وهو ما يحرص عليه القائمون على اعادة الصناعة النفطية الى مسارها الاستراتيجي الأفضل بعيدا عن ارتفاع سعر البرميل أو انخفاضه.