سيكون هناك بحسب وزارة المالية انخفاض ملحوظ للعجز في ميزانية العام 2021م ليتراجع لنحو 85 مليار ريال بعد أن كان متوقعًا له أن يصل لنحو 141 مليار ريال
يعود التحسن المتوقع للعجز في الميزانية إلى استمرار الحكومة في تنفيذ المبادرات والاصلاحات المالية المُعلن عنها في ضوء رؤية 2030م وتنمية الإيرادات غير النفطية
في الوقت الذي لا تزال دول مجموعة العشرين تحاول التقليل من أثار جائحة كورونا على مستقبلها الاقتصادي، نجحت المملكة في عبور النفق والعودة لما قبل الجائحة، وبدأ اقتصادها في النمو بوتيرة أسرع، من أي دولة أُخرى.
التحركات الحكومية السريعة والجادة منذ بدء الجائحة، أتت أُكلها سريعًا، على مختلف الأصعدة، لتتراجع توقعات العجز لأقل من المقدر لها، وتسير المالية السعودية بخطى ثابته نحو التوازن المالي في العام 2023م، تمامًا كما قُدر له قبل عامين؛ إذ بدأت المالية السعودية تخطو خطوات واسعة، للخروج من الأزمات التي تسبب فيها فيروس كوفيد19- الذي ضرب مختلف أرجاء العالم، واستطاعت تحقيق أول فائض في الموازنة، خلال الربع الثالث من هذا العام، وكان آخر فائض ربعي تم تحقيقه مطلع العام 2019م.
المملكة كانت من أوائل دول العشرين الكُبرى التي عبرت الجائحة، بسبب السياسة المتوازنة بين الإنفاق على البُنى التحتية، وتقليص النفقات غير الضرورية، وتقديم الدعم اللامحدود للقطاع الخاص، التي قللت كثيرًا من التبعات المالية للجائحة.
المؤشرات المُعلنة
وتكشف المؤشرات المُعلنة للاقتصاد السعودي عام 2021م مدى التحسن الظاهر؛ فالصادرات غير النفطية هي الأعلى في تاريخها، كما وصلت قيمة شركة أرامكو السعودية لأعلى قيمة لها منذ عام 2019م مدفوعة بوصول أسعار النفط لأعلى سقف لها منذ عام 2018م، ونما الاقتصاد الخاص لأعلى مستوى له منذ عام 2014م.
وهناك توقعات نمو هي الأعلى منذ عام 2011م، كما تراجع معدل البطالة لأدني مستوى له منذ عام 2010م وارتفعت قيمة سوق الأسهم لأعلى مستوى لها منذ عام 2008م، وسيكون هناك بحسب وزارة المالية انخفاض ملحوظ للعجز في ميزانية العام 2021م ليتراجع لنحو 85 مليار ريال بعد أن كان متوقعًا له أن يصل لنحو 141 مليار ريال، مستفيدًا من التحسن الكبير في إيرادات الميزانية على خلفية ارتفاع الإيرادات النفطية واستمرار التحسن في الإيرادات غير النفطية.
ارتفاع الإيرادات
وتُظهر المؤشرات الأولية استمرار ارتفاع الإيرادات من 930 مليار ريال في عام 2021م إلى 968 مليار ريال في عام 2023م بنسبة %4.3، فيما يتوقع تراجعها بـ %2.9 في عام 2022م عن العام الجاري، وبحسب الخبراء يعود ذلك إلى احتمالية تراجع الإيرادات النفطية، وتوقع “أوبك بلس” أن تحقق أسواق النفط العالمية فائضًا في المعروض العام المقبل، وبشكل متصاعد خلال الربع الأول لمستوى 3.2 ملايين برميل يوميًا، حتى أكتوبر 2022م، وهو ما قد ينعكس سلبًا على مستويات الأسعار.
مؤشرات الاقتصاد السعودي عام2021م
- الصادرات غير النفطية هي الأعلى في تاريخها
- قيمة أرامكو الأعلى منذ 2019م
- نمو القطاع الخاص الأعلى منذ 2014م
- توقع نمو 2022، الأْعلى منذ 2010م
- معدل البطالة الأدنى منذ 2010م
- سوق الأسهم الأعلى منذ 2008م
الفائض المتوقع
وعلى جانب الإنفاق، من المتوقع تراجع الإنفاق بنسبة %7.3 من 1.015 تريليون ريال في عام 2021م إلى 941 مليار ريال في عام 2023م مع اكتمال المشروعات العامة وبدء علميات التخصيص، سيترتب على ذلك انخفاض عجز الميزانية بنسبة %109 من 85 مليار ريال في عام 2021م إلى فائض قدره 27 مليار ريال في عام 2023م، والمضي قدمًا نحو الاستدامة المالية والمزيد من الفوائض، مع ثبات قيمة الدين العام على المدى المتوسط وتقليصه على المدى الطويل.
استمرار التعافي
وتعطي هذه التقديرات مؤشرًا جديدًا على استمرار التعافي في إيرادات الميزانية وسرعة تعافي الاقتصاد السعودي بعد تجاوزه تداعيات جائحة كورونا التي خيّمت على الاقتصاد العالمي، ويؤكد المستشار الاقتصادي الدكتور، فهد بن جمعة، (عضو لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى السعودي سابقًا) على أن الحكومة اتخذت خطوات جادة لتحسين أداء الميزانية العامة من خلال ترشيد ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتنويع إيراداتها المالية غير النفطية، بهدف تحويل عجز الميزانية إلى فائض، وتوازن مالي بحلول عام 2023م.
الإعداد والتطوير
ويقول بن جمعة، “إن هذه التطورات جاءت في إطار الإعداد والتطوير المستمر للميزانية العامة وبمتابعة من قمة الهرم حتى أسفله وباتخاذ القرارات التي تُحقق أهداف الاستدامة المالية والاقتصادية”، وأضاف بأنه ليس من السهل الموازنة بين الإيرادات والنفقات المستهدفة، لكن من الأهمية بمكان التخلص من الإنفاق الحكومي ذي الكفاءة المتدنية وترتيب الأولويات في اتجاه التوازن على المدى المتوسط وتحقيق فوائض مالية أعلى على المدى الطويل، بما لا يترك أثرًا سلبيًا على الأداء الاقتصادي وبرامج تنويع الاقتصاد ويحفز القطاع الخاص على زيادة استثماراته لمواجهة أي مخاطر اقتصادية مستقبلاً.
تراجع التضخم
ويشدّد بن جمعة، على أنه كلما ارتفع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي كلما انخفض العجز والدين في ظل سياسة مالية متوازنة، ويتابع بتفصيل أكبر :”من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة %7.5 في عام 2022م مع تراجع معدل التضخم من %3.3 في عام 2021م إلى %1.3 في عام 2022م ويتراجع هذا النمو إلى %3.6 مع ارتفاع التضخم بنسبة %2 في عام2023م.”
توقعات الميزانية
- تراجع العجز المتوقع في عام 2021م من %4.9 إلى %2.7
- تراجع الإيرادات في عام 2022م بنسبة %2.9
- ارتفاع الإيرادات في عام 2023م بنسبة %4.3
- تراجع الإنفاق في عام 2023م بنسبة %7.3
- انخفاض عجز الميزانية في عام 2023م بنسبة %109
- نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2022م بنسبة %7.5
- تراجع معدل التضخم في عام 2022م إلى %1.3
- تراجع نمو الناتج المحلي في عام 2023م إلى %3.6
- ارتفاع التضخم في عام 2023م بنسبة %2.
بداية التعافي
ومنذ منتصف العام الجاري، بدأت المالية السعودية تتعافى من أزمة كورونا، متقدمة على كثير من دول مجموعة العشرين، مستفيدة من تحسن أسعار النفط التي قادت المملكة سوقه خلال النصف الثاني من العام الجاري، إضافة إلى حزم الإصلاح الحكومي المتواصلة، والتي فاقت في مجملها الــ 50 مليار ريال.
تنفيذ المبادرات
ويعود التحسن المتوقع للعجز في الميزانية إلى استمرار الحكومة في تنفيذ المبادرات والاصلاحات المالية المُعلن عنها في ضوء رؤية 2030م وتنمية الإيرادات غير النفطية لضمان استدامتها على المدى المتوسط والطويل خلال العام 2021م حققت الصادرات غير النفطية أعلى رقم في تاريخها مُسجله نحو 255 مليارًا للفترة من يونيو 2020م حتى يونيو 2021م في ترجمة عملية واقعية لمستهدفات رؤية المملكة 2030م.
قطاعات صلبة
وفي يوليو 2021م، قال معالي وزير المالية محمد الجدعان، إن المملكة تعافت جيدًا من تداعيات جائحة كورونا، مؤكدًا أن الناتج المحلي والإصلاحات الموجودة في البلاد ساهمت في تحقيق هذا التعافي، وأضاف في حديث نقلته قناة الإخبارية الرسمية، أن المملكة تعافت جيدًا من جائحة كورونا، وقد شهدت قطاعات صلبة وأُخرى رصينة تقدمًا فيما يخص التأمين والمالية والأعمال، وهذه القطاعات نمت بنسبة 1% في الربع الأول مقابل الربع الأول من عام 2020م، مشددًا على أن التعافي في الربعين الثالث والرابع يبشر بمؤشرات اقتصادية أفضل في عام 2021م.
صندوق الاستثمارات العامة
وبحسب الجدعان، كان لصندوق الاستثمارات العامة دور محوري في تحسين الاقتصاد السعودي بسبب ضخه للمزيد من الاستثمارات بمئات المليارات في عام 2021م وأنه سوف يضخ خلال السنوات القادمة الكثير وفقًا للمُخطط له، كاشفًا أن الصندوق سيستثمر المزيد في الاقتصاد المحلي في العام المقبل ولأعوام قادمة، وأن الحكومة تتوقع تلقي ما بين 15 و25 مليار ريال كتوزيعات من صندوق الاستثمارات العامة هذا العام.
ميزات نسبية
ومن جانبه قال محافظ البنك المركزي السعودي فهد المبارك، إن الاقتصاد السعودي وصل إلى هذه المؤشرات الجيدة بسبب ما شهده العديد من الإصلاحات التي ساهمت في تغيّر هيكل الاقتصاد، وجعله أكثر تنوعًا واستغلالاً للميزات النسبية التي تنعم بها البلاد؛ سواءٌ على صعيد الموارد الطبيعية أو الموقع الجغرافي أو القدرات البشرية أو البنية التحتية والتقنية.
تجاوز الجائحة
وهو نفسه ما ذهب إليه المحلل والكاتب الاقتصادي علي المزيد، الذي أكد على أن الإصلاحات لعبت دورًا كبيرًا في تحقيق التقدم وذلك إلى جانب ارتفاع أسعار النفط، الذي قاد بشكل كبير إلى التحسن الاقتصادي، متوقعًا استمرار هذا التحسن في المستقبل القريب، قائلاً: بأنه ليس الاقتصاد فقط من تجاوز أزمة كورونا، تجاوزنا الجائحة طبيًا وإنسانيًا، وهذا انعكس على الاقتصاد في نهاية المطاف، صحيح أن هناك بعض القطاعات ماتزال تحتاج للمزيد من الوقت للتعافي التام وخاصة في المنشآت الصغيرة، ولكن علينا النظر إلى أن الاقتصاد السعودي مرتبط بالاقتصاد العالمي، وهناك تأثير مازال قائما، فمازال الاقتصاد العالمي يعاني، والاقتصاد السعودي مرتبط به.
سرعة التحسن
وأضاف المزيد، بأن ثمة أسباب لسرعة تحسن الاقتصاد السعودي مقارنة بغيره من اقتصاديات الدول الكُبرى، أهمها تحسن أسعار النفط التي جاوزت الثمانين دولارًا في المتوسط، ورفع قيمة ضريبة القيمة المضافة، صحيح أنه من الصعب القول بما سيكون عليه الحال في العام القادم، ولكن متى ما سارت أسعار النفط على مستوياتها الحالية، واستمرت الصادرات غير النفطية في تحسنها سيكون الوضع أفضل، ولكن لو تراجع النفط فلن يتحقق ذلك، مرجحًا أن يستمر القطاع الخاص في طور التحسن، وأن القطاعات التي تحظى بتشجيع كبير من عدة جهات حكومية واقتصادية، سيكون وضعها أفضل، بشكل عام وأن يستمر نمو القطاع الخاص.
ما بعد انحسار الجائحة
شهد الاقتصاد السعودي تحسنًا ملحوظًا بعد انحسار أزمة جائحة كورونا، وتحسن أكثر بعد فتح الأنشطة الاقتصادية، مدعومًا بنمو القطاع غير النفطي والقطاع الخاص، وعكست نتائج تسعة أشهر
من عام 2021م سرعة التعافي الاقتصادي، سجل القطاع الخاص نموا نسبته %4.4 وشهد الإنفاق الاستهلاكي النهائي الخاص ارتفاعًا بمعدل %1.3، وتحسن معدل البطالة بين السعوديين؛ وبلغ %11.7 مقارنة مع %12.6 خلال الربع الرابع من عام 2020م.
توقعاته متفائلة
أمام ذلك، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي هذا العام إلى %2.8 بدلاً من %2.4 في توقعاته السابقة في يوليو 2021م، فيما أبقي على توقعاته المتفائلة للنمو خلال العام المقبل 2022م عند %4.8، مقابل انخفاض %4.1 في العام 2020م وأن يصل النمو غير النفطي إلى %3.9 في العام 2021م و%3.6 في العام 2022م مقابل تراجع بنسبة %2.3 في العام 2020م.
الاقتصاد غير النفطي
وتتفوق توقعات صندوق النقد الدولي على التقديرات الأولية لوزارة المالية وفق البيان التمهيدي للميزانية الذي أعلن مطلع شهر أكتوبر 2021م، والذي أشار إلى توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة %2.6 لكامل عام 2021م مدفوعًا بنمو الاقتصاد غير النفطي مع الأخذ في الاعتبار أداء المؤشرات الاقتصادية خلال النصف الأول من العام.
تحسن القطاع الخاص
ويتوقع خبراء أن يواصل الاقتصاد السعودي تحسنه في العام المقبل، خاصة بعد أن أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تعد أحد الممكنات الرئيسة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030م، والتي تهدف إلى رفع إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى %65، وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إسهاماته إلى %5.7 من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة الصادرات غير النفطية من %16 إلى %50 من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وتخفيض معدل البطالة إلى %7، وتقدُّم السعودية إلى أحد المراكز العشرة الأوائل في مؤشر التنافسية العالمي.
اقتصاد مُطمئن
ويؤكد المحلل الاقتصادي ناصر القرعاوي، في حديثه لــ “لاقتصاد”، على أن مستقبل الاقتصاد السعودي مطمئن، ويسير بخطى ثابته، قائلاً: سيطرت المملكة خلال أزمة كورونا على الوضع الصحي والاقتصادي وسوق العمل، وأنفقت الدولة عدة مليارات من أجل الحفاظ على الوضع العام حتى لا تتأثر بالجائحة، وهذا يترجمه ارتفاع معدل الصادرات غير النفطية خلال النصف الأول من العام بنسبة %37 وهو المعدل الأعلى عالميًا في نمو الصادرات.
البرامج الداعمة
وأضاف القرعاوي، بقوله: قدمت الدول الكثير من البرامج الداعمة للاقتصاد، وهذا من أهم أسباب تحسن الاقتصاد بما يفوق التوقعات، إذ توجد سيطرة جيدة على المصروفات الحكومية، دون الأخلال بمقومات البنى التحتية، التي استمرت مشاريعها التطويرية، لهذا نجد أن عدد المصانع تضاعف بنسبة %210، وقيمتها المالية تضاعفت أيضا بنسبة %750 خلال عامين، مشيرًا إلى أن هذه الأرقام تُعطي تأكيدًا على سيطرة الاقتصاد السعودي على تأثيرات الجائحة مثل بقية الدول الكبرى، لافتًا إلى أن تخفيف الاحتياطات الصحية في المجالات العامة، سيعطي الاقتصاد دعمًا كبيرًا، خاصة في المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وأن وجود إدارة حكومية بإدارة قوية، كان وراء تسجيل المملكة لتكون من أوائل الدول التي تعيد الحياة العامة كما كانت عليه في السابق.