عملت مع الشرطة الأمريكية
حظيت بشرف المساهمة في حماية الوطن من خلال مهام عملي كمدير للتحقيق الأمني بقطاع أمن الطيران بالهيئة العامة للطيران المدني
أرى أن السعوديات اللاتي تبوأن مناصب قيادية أبدعن وحققن نجاحات تجعلنا نفخر بهن في دعم مسيرة الإبداع، وتحقيق مبادئ الجودة وأعلى معايير التميز
شخصية أمنية بامتياز خاضت تجربة بين ثناياها تفاصيل كثيرة من الإثارة والشغف، حصلت على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال وعملت كموظفة إدارية لبضع سنوات، إلا أن شغفها بالعمل الشُرَطي دفعها إلى الحصول على درجة الماجستير في العدالة الجنائية في جامعة كولورادو دنفر الأمريكية، وتم تكريمها كطالبة متميزة ضمن دفعة الخريجين نفسها، وتدربت ميدانيًا مع الشرطة الأمريكية وشاركت في جلسات التحقيق، وتعقّبت الجرائم.
ترى تميز المرأة وابداعها يكّمن في إيمانها بنفسها وقدرتها على تحقيق الطموح، مشيرةً إلى أن التحلي بالإصرار والعزيمة والعمل على تطوير الذات، والتفاؤل والتفكير الإيجابي والمبادرة وحب التعلم، أدوات للمرأة والرجل في تحقيق النجاح والتميز في أي مجال مهما كانت تحدياته.
تلك نادين يوسف السياط، أول سعودية تعمل في مجال أمن الطيران كمديرة للتحقق الأمني بالهيئة العامة للطيران المدني السعودي، التقتها “الاقتصاد” للتعرف على تجربتها ورؤاها فيما يتعلق بعمل المرأة في المجالات الأمنية، وإليكم تفاصيل الحوار:
يصفونك بــ “المبادرة والشغوفة”، التي لا تعرف المستحيل والمؤمنة بإمكانية الوصول، تمتلكين قدرات مُتميزة في تحليل المخاطر الأمنية وكشفها، فمن هي نادين السياط؟
أنا “نادين بنت يوسف بن هلال السياط”، من أهالي منطقة الجوف، وُلدت ونشأت بالرياض، طفلةٌ محُبةٌ للعب والضحك منطلقة للحياة تقف أمامها امرأة طموح شغوف، أسست نفسها بنفسها، عانت لتصل، كافحت لتتميز، أم حنون تحتضن بداخلها طفلتها الوحيدة “ريف” تضعف أمام دموعها وتحيا بابتسامتها، مبادرة ومتفائلة بأن القادم أجمل، مؤمنة بأن لا شيء صدفة، لديها حس مسؤولية عالٍ، ممتنة لجميع النعم من حولها، حظيت بشرف المساهمة في حماية الوطن من خلال مهام عملي كمدير للتحقيق الأمني بقطاع أمن الطيران بالهيئة العامة للطيران المدني، حصلت على الماجستير في العدالة الجنائية من الولايات المتحدة وبكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة الملك سعود بالرياض.
كونك امرأة، إلا أنك أول سعودية تتخصص في أحد المجالات الأمنية، فلماذا انجذبت إلى العمل الشُرطي بشكل عام والأمن الجنائي على وجه الخصوص؟
كان حلمي منذ الطفولة أن أكون شرطية، فلطالما كانت البدلة العسكرية تجذبني، وتستهويني الأفلام البوليسية، ولكن لم تكن تخصصات القطاع الأمني متاحة للفتيات حينما تخرجت في الثانوية، فدرست إدارة الأعمال بجامعة الملك سعود، ومارست العمل الإداري لبضع سنوات، ولم أَجد نفسي في هذا المجال، فتقدمت باستقالتي، وتحيّنت فرصة استكمال الدراسات العليا في أميركا ضمن برنامج الابتعاث، وهناك بحثت بين تخصصات الجامعة ووجدت تخصص العدالة الجنائية، الذي رأيته ترجمة لأحلامي على أرض الواقع، فاخترته تخصصًا لاستكمال مرحلة الماجستير.
تدربت ميدانيًا مع الشرطة الأمريكية وشاركت في جلسات التحقيق وتعقّبت الجرائم والمجرمين، فهل لك أن تحديثنا عن تجربتك في الشرطة الأمريكية؟
فترة تدريبي مع الشرطة الأمريكية كانت ستة أشهر وهي أجمل فترة خلال مرحلة الابتعاث، تحققت من خلالها إحدى أمنياتي بأن أكون “الشرطية نادين” ولكن بدون بدلة عسكرية، التي كانت تجذبني منذ الصغر، تعلّمت من خلالها ما لم أتعلمه في الفصول الدراسية وعشت فيها أجواء كنت أتمناها، حيث أني تدربت في إدارة التحقيقات فكنت أحضر جلسات تحقيق مع متهمين وأيضًا كنت أخرج مع دوريات الشرطة لاستلام البلاغات ومعاينة مواقع الجريمة، بالإضافة إلى العمل في معمل الأدلة الجنائية ودراستها وتحليلها، فترة التدريب الميداني مع الشرطة هو حلم وأصبح حقيقة وتأكدت من خلاله أنه إذا اجتمع الشغف والتعليم ينتج الإبداع والتميز.
التعامل مع الجرائم والمجرمين عمل صعب خصوصًا على المرأة، فكيف كنت تتعاملين، وما أصعب الجرائم التي تعاملت معها، وكيف تمكنت من اجتيازها؟
بالتأكيد إنه مجال صعب للغاية، ولكن يمتاز بالإثارة والشغف لاسيما عند البحث عن تفسير للجريمة، فهو عمل مُنشط للعقل ومحفز للبحث والتقصي، واعتقد أن صعوبته ليست لها علاقة بالنوع الإنساني ذكرا كان أم أنثى، بقدر ما له علاقة بنوعية العمل نفسه وتفاصيله، وقد كانت الجرائم المتعلقة بالأطفال تؤلمني كثيرًا، ولكن بالاستعانة بخبرات من حولي تعلّمت أن أتعامل مع الجرائم كمعادلات رياضية تحتاج عقلا للتفكير لإيجاد الحلول ولابد من تجميد العواطف والأحاسيس، وأن التفكير فيها ينتهي بانتهاء ساعات العمل، فساعدني ذلك بأن أفصل بين حياتي المهنية والاجتماعية.
سؤال يراودني وأنا أتحدث معك، كيف لامرأة أن تقف محققة أمام المجرمين، وتبحث في القضايا لإيجاد تفسير لحدوثها وتذهب إلى مواقع الجريمة؟
هنا يكّمن أهمية الذكاء الاجتماعي، وتحور الشخصية بحسب المواقف والظروف المحيطة، وهذه نعمة رزقني إياها رب العالمين بقدرتي على تقمص الشخصيات المطلوبة بحسب الموقف الذي أنا فيه، فأنا محققة أمنية في عملي أرتدي بدلة الجدية والانضباط، وأم حنون أمام طفلتي وسيدة لطيفة في علاقاتي الاجتماعية.
اطلعت على كتابك (محققة سعودية في الشرطة الأمريكية)، فما الذي دفعك لتسجيل تجربتك، وكيف لاقى قبول مجتمعي، وهل من لمحة حوله؟
كتابي (محققة سعودية في الشرطة الأمريكية)، يحمل مذكراتي خلال فترة الابتعاث ابتداءً من تعلم اللغة الإنجليزية مرورًا بدراسة الماجستير والتدريب الميداني وأيام التخرج وأخيرًا العودة للوطن، فهو كتاب بسيط يحمل لغة عفوية نقلت فيها المواقف التي مرت بي خلال هذه الفترة بطابع ساخر نوعًا ما يعكس جزءا من شخصيتي. وبتوفيق من الله لاقى كتابي قبولا جيدا من المجتمع الخليجي وخاصة السعودي، واعتقد ــ من وجهة نظري ــ أن القراء أصبحوا يبحثون عن اللغة البسيطة والأسلوب السلس بعيدًا عن التكلف والمبالغة، بالإضافة إلى أن تجربة تدريبي في الشرطة الأمريكية أضافت قيمة كبيرة للكتاب، وأرضت فضولا لدى القراء لمعرفة تفاصيل أكثر عن الفتاة السعودية التي خالطت مجرمي أمريكا وعملت مع الشرطة الأمريكية بأجواء حماسية متميزة، خاصة أنه في ذلك الحين لم تنخرط المرأة السعودية في السلك العسكري بعد.وأيضًا لخبرتي في مجال اللوجستيات من تصدير واستيراد ومشاركتي في العديد من منافسات الشراء الحكومية واللجان الفنية التابعة لها بشراكات كبرى مع الشركات والمصانع المحلية والوطنية والعالمية لدعم السوق المحلي وتوفير كافة الاحتياجات العلاجية والطبية لدعم المحتوى المحلي وموائمتها مع المرصود لها من ميزانيات مالية والعمل مع هيئات وطنية لترشيد الاستهلاك وضمان كفاءة الإنفاق.
ومن عالم الجريمة إلى قطاع الطيران، فهل لك أن تحديثينا على رؤيتك لقطاع الطيران في المملكة ومستقبل المرأة فيه؟
نجحت المرأة السعودية بفضل دعم القيادة الرشيدة في المملكة في تحقيق إنجازات عديدة في المجتمع من خلال تبوئها مراكز قيادية في دائرة صنع القرار مع تواجدها في كافة المجالات ومنها قطاع الطيران، حيث تعمل مئات السعوديات على مستوى الناقلات الوطنية وفي المطارات في العديد من الوظائف والمهام الحيوية ومنها الإدارات التشغيلية مثل: العمليات الجوية والهندسية، ومواقع الخدمات في المطار والمبيعات التجارية وشؤون العملاء، والموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات والمالية والعمليات التجارية، ونتطلع بالمستقبل أن تشارك المرأة السعودية في صناعة الطائرات بإذن الله.
تشهد هذه الفترة تصاعداً قوياً للمرأة في مواقع صنع القرار، فهل تجدين أن تبوؤ المناصب القيادية للمرأة أجدى ثماره، وحقق متطلبات التنمية؟
لاقت المرأة السعودية دعماً عظيماً من مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (حفظهم الله)، وهو ما يؤكد أهميّة دورها في المجتمع وفعاليتها في تنمية وطننا الغالي، وأرى أن السعوديات اللاتي تبوأن مناصب قيادية أبدعن وحققن نجاحات تجعلنا نفخر بهن في دعم مسيرة الإبداع، وتحقيق مبادئ الجودة وأعلى معايير التميز. ومن وجهة نظري حققن أحلامهن وأحلام من سبقهن اللاتي لم تدعمهن الظروف في ذلك الحين، بإثبات تفوقهن في جميع ميادين التربية والتعليم والصحة والإعلام والثقافة والاقتصاد وقطاعات المال والاستثمار وغيرهم.
لديك رسائل ومبادئ تتعلق بعدم المستحيل وإمكانية الوصول وتعتقدين أن المرأة قادرة على تحقيق ذاتها في أي مجال كان، فما هي مسببات النجاح في العمل برأيك؟
المرأة تميزت وأبدعت في الكثير من المجالات حتى أصبحت نموذجاً مثالياً يقتدى به، وباعتقادي أنها تمتلك من المؤهلات والمهارات ما يدعمها في أداء المهام المهمة الحساسة لطالما توفر لها التدريب الكافي المطلوب، وباعتقادي دخول المرأة في المجال الأمني أصبح واجبًا وملزمًا كبقية دول العالم ومكملاً لدور الرجل، وتتعدد أساسيات النجاح في العمل ولكن من وجهة نظري فإن الإصرار وعدم الاستسلام، وتطوير الذات، والتفاؤل والتفكير الإيجابي، والمبادرة وحب التعلم هي مبادئ مهمة جدًا للنجاح والتميز.
واخيرًا بصفتك امرأة قيادية، هل ترين أن السعودية تقود قاطرة النمو والتحوّل الرقمي، وما رأيك بالإصلاحات التي حلت خلال الأعوام الأخيرة؟
كل هذه الإنجازات والإصلاحات التي طرأت علينا كمجتمع سعودي أثبتت أنه لا شيء مستحيل وأنه إن وجد ما هو صعب فهو سهل بالعزيمة والشغف، فهذه التغيرات التي حلّت علينا خلال هذه السنوات تجعلنا نفخر ونعتز بأننا ننتمي إلى المملكة العربية السعودية وأن الله أكرمنا بأننا نستظل تحت ظل حكومتنا الرشيدة التي تهتم جليًا بكل ما يخص المواطن والمجتمع ككل من خلال توفير الإمكانيات في جميع المجالات والقطاعات. نحن بدعم قادتنا (حفظهم الله)، ومن خلال قدرات وطاقات أبناء وبنات الوطن سنصبح في مقدمة الأمم وسنصل “عنان السماء” بإذن الله.