لم يكن من قبيل الصدفه حالة النمو المتسارع التي يشهدها الاقتصاد السعودي منذ اللحظات الأولى لانتفاء حالة عدم اليقين التي ضربت العالم أجمع إثر جائحة كورونا فحققت المملكة نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بأعلى وتيرة لاقتصادها منذ ستة أعوام.
شكلت حالة التعافي والنمو التي يمر بها الاقتصاد السعودي مادة دسمة للمنصات الإعلامية العالمية لبحث “السر الكامن” وراء هذا الصعود القوي في ظل التداعيات التي خلفتها الجائحة رغم سياسة الدعم الكبير الذي قدمته الحكومة للقطاع الصحي والمعونات الإجتماعية إبان الجائحة وللقطاع الخاص المتضرر من الأزمة، بل كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة لتلك المنصات هو أن هذا التعافي يحدث بعد أن سجل الاقتصاد الوطني العام الماضي أكبر انكماش له خلال 32 عامًا جراء الجائحة.
نعم كان للقطاع النفطي دور فاعل في هذا التعافي إلا أن العديد من الدول المنتجة للنفط لازالت اقتصاداتها تئن تحت وطأة الضغوط التضخمية والتنموية. فكان العامل الأكثر حسمًا في هذا النمو هو التزام الحكومة ببرنامج لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتنويع الاقتصاد، من خلال برامج رؤية المملكة 2030م وتحسين بيئة الأعمال وفتح آفاق جديدة أمام الاستثمارات، إضافة إلى الدور الإنفاقي المميز لصندوق الاستثمارات العامة وللصناديق التنموية الأخرى في تنفيذ المشاريع الكبرى وبرامج التخصيص، فضلاً عن مبادرات تعزيز دور القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي.
لاشك إن أسوأ السيناريوهات قد بات من الماضي، وبـــدا أن حصـافـــة القائمـيـــن على ســــن السيـاســــات الاقتصادية ساهمت وبشكل كبير في إحداث هذا الواقع الجديد، إذ تشير التقديرات الأولية لوزارة المالية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل %7.4 في عام 2022م، ويبدو أن هذا الرقم مرشح للارتفاع ليتجاوز حاجز %10 في حال استمرت انتعاشة أسعار النفط تأثرًا بالعوامل الجيوسياسية ومقتضيات إتفاقات أوبك بلس، وما يزيد هذه التوقعات رجاحة تخطي الأسعار الـ 100 دولار للبرميل مسجلة أعلى مستوياتها منذ 8 سنوات.
من الرائع أن تأتي هذه الطفرات السعرية في أسعار النفط في وقت سعت فيه المملكة خلال السنوات الستة الماضية إلى إحداث إصلاحات جذرية في بنية اقتصادها ما أدى إلى نمو القطاع غير النفطي بشكل غير مسبوق، إذ أسهم هذا القطاع بنسبة %40 من إيرادات الدولة في العام 2021م فبلغت الإيرادات غير النفطية حينها مستوى قياسيًا قدره 372 مليار ريال وهذا الرقم ضعف ما حققه هذا القطاع مرتين في العام 2014م حين حقق حينها لميزانية الدولة 126.8 مليار ريال.
مستقبل مبشر ينتظره هذا البلد وفق المؤشرات الماثلة، وما يجعلنا في حالة من التفاؤل هو هذه القيادة الواثقة والمبادرة والمتفاعلة مع محيطها المحلي والعالمي، ولعل العام الحالي 2022م سيشهد قفزة كبيرة في معدلات النمو الاقتصادية ولربما نشهد المزيد والمزيد من مستهدفات رؤية المملكة 2030م تتحقق قبل أوانها بإذن الله.