يمر العالم اليوم بأزمة اقتصادية كُبرى، ارتفعت فيها مؤشرات التضخم في العديد من الدول المتقدمة منها والناشئة، وتراجع النمو العالمي بشكل حاد، واضطربت أسواق المال والعملات، ونراجع الإنتاج، ، وزادت أسعار السلع والخدمات، ورغم هذه الأزمة التي تكاد تتشابه مع أزمة الكساد الكبير في أوائل القرن العشرين وأزمات أُخرى مُماثلة مع بداية الألفية، تأتي المملكة لتسجل الاقتصاد الأسرع عالميًا في التعافي من تداعيات جائحة كورونا، وتستطيع دون غيرها من بلدان العالم، أن تُحقق نموًا اقتصاديًا كبيرًا بلغ في الربع الأول للعام الجاري ما نسبته %9.9، وأن تكون في ظل اضطراب الأسواق وحالة اللايقين السائدة عالميًا، الملاذ الآمن للمستثمرين الأجانب، الذين قفز صافي استثماراتهم المباشرة إلى المملكة بنسبة %257 مع نهايات عام 2021م، ما يعكس – قولاً واحدًا- كفاءة الإصلاحات والتنفيذ الناجح للأهداف التي اتخذتها المملكة في إطار تحقيق رؤية 2030م.
إن حزمة المقاربات التي سارت على نهجها المملكة وفقًا لمنظومة هندسية متقنة الصنع، ضمن إطار مرسوم بإحكام مُحدد بعناية لكافة الأدوار والآليات المتبعة، كان لها أبلغ الأثر ليس فقط في صد الأزمة الاقتصادية العالمية وتجنب تداعياتها على الاقتصاد الوطني، وإنما في إظهار قدرات بلادنا الهائلة على تحويل الأزمات إلى فرص، وأن تُقدم للعالم طرقاً نموذجية في مواجهة الأزمات، وذلك بالإدارة المتوازنة لكافة مقدرات البلاد النفطية منها وغير النفطية، فلم يكن النمو المتُحقق راجعًا للارتفاعات الكبيرة التي حققتها الأنشطة النفطية فحسب، ولكنها كانت مصحوبة أيضًا بالارتفاعات الممُاثلة في الإيرادات غير النفطية التي فاقت التوقعات وتُشير معدلات نموها إلى بلوغ المستهدف قبل الميعاد المحدد.
فكما أضافت تجربة المملكة في مواجهة الجائحة مفاهيم جديدة في طرق إدارة الأزمات ومثلَّت نموذجًا متفردًا في التعامل مع تداعياتها، أضافت كذلك تجربتها في التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية الحاصلة الآن، مفاهيم اقتصادية مغايرة اتسمت بالاستباقية والنهج التكاملي والشامل لمنظومة عمل تشاركية بين العام والخاص، وذات المرونة العالية في التعاطي مع الأزمات وكيفية إداراتها، فكان التوازن “الهندسي” بين السياسات المالية والنقدية والإجرائية والتشريعية، لينعكس بذلك أثر الرؤية السديدة، والإدارة الجيدة، والالتزام بالتطبيق، في مسارات الانتعاش والنمو الملموس في مختلف القطاعات.