منشآت

المنشآت الصغيرة.. قاطرة تقود الاقتصادات الكبرى

مساعي سعودية حثيثة لرفع مساهمتها في مشروع تنويع الاقتصاد

 

تمثل أكثر من %90 من المشروعات في أغلب الدول وتستحوذ على %43 من المبيعات التجارية

يوفر قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ما بين %40 إلى %80 من إجمالي فرص العمل

اليابان: أصدرت “القانون الأساسي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة“

كوريا الجنوبية: أنشأت بنكا متخصصا مهمته تقديم التسهيلات الائتمانية والاستشارات الفنية والإدارية

سنغافورة: قضت على البيروقراطية ونجحت في تسهيل الأعمال بتقليل المدة الزمنية لإنشاء المشروعات

الصين: سمحت بإنشاء شركات وورش صناعية بسيطة ضمن منازل مواطنيها دون تراخيص وبرأسمال فردي

الولايات المتحدة أنشأت في عام 1953م “الإدارة الاتحادية للمنشآت الصغيرة“

 

لم يعد قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة قطاعًا عاديًا ضمن القطاعات المختلفة للاقتصاد، إذ أصبح أحد أهم القطاعات الاقتصادية، التي تنال اهتمامًا كبيرًا، سواءًا على مستوى الحكومات أو المؤسسات المحلية والدولية، خاصةً بعد أن أصبحت هذه المشروعات تمثل أكثر من %90 من المشروعات في أغلب دول العالم، وتوفر ما بين %40 إلى %80 من إجمالي فرص العمل.

وتُشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حوالي %99 من إجمالي المنشآت، وتستحوذ على %43 من مبيعات القطاعات التجارية، كما أنها توظف أكثر من %70 من القوى العاملة.

قاطرة الاقتصاد

وتبرز أهمية دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي تندرج ضمن قطاعات ومجالات عدة، مثل القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية وغيرها، في ظل الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه تلك المشروعات في تحقيق الأهداف التنموية المرجوة ومعدلات النمو الاقتصادي المستهدفة، وتحسين الإنتاجية وزيادة الدخل وتعبئة المدخرات، وحل مشكلة البطالة، وتقليل الهجرة من الريف إلى المدن، والتقليل من الاستيراد وزيادة الصادرات.

وهكذا، فقد أصبحت المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي القاطرة التي تقود العديد من الاقتصاديات، حتى أن هناك دولا قامت بتشكيل وزارات خاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

التجربة اليابانية

وتُعد التجربة اليابانية من أقدم التجارب على مستوى العالم في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كما أنها تُمثل نموذجًا يُحتذى به منذ بدايتها عام 1963م، فبعد إصدار “القانون الأساسي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة” تم اتخاذ العديد من الإجراءات الحكومية، مثل توفير المساعدات والاستشارات الفنية والتمويلية والإدارية والتسويقية لتلك المشروعات، ومنحها إعفاءات من الضرائب والرسوم، وكذلك السماح لها بقروض بدون فوائد.

وفي عام 1999م تم إنشاء “الهيئة اليابانية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة”، التي دعمت دعم هذا القطاع بالعديد من الخطوات، ومنها تدشين نظام ضريبي يشجع على الاستثمار في إدخال التكنولوجيا في المشروعات الصغيرة، ويشجع على إقامة تلك المشروعات في المناطق النائية، كما تم الاشتراط في المناقصات الحكومية أن يكون نصيب الشركات الصغيرة والمتوسطة منها لا يقل عن %30 من قيمة المناقصة التي تحصل عليها الشركات.

وقد نتج عن ذلك وصول عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة في اليابان إلى %99 من إجمالي عدد المشروعات، معظمها في مجالات المشروعات التجارية والخدمية وتجارة الجملة والتجزئة وصناعات التعدين والنقل والإنشاءات، واعتمد نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في اليابـان علـى العديـد مـن عوامـل النجـاح، مثـل التقنيات المتقدمة، ومهارات التسويق، وصـناديق رأس المـال، والإدارة الفعالـة للمـوارد.

تجربة كوريا الجنوبية

أما تجربة كوريا الجنوبية، فقد كان أهم ما يميزها هو ارتباطها بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال إنشاء بنك متخصص مهمته تقديم التسهيلات الائتمانية والاستشارات الفنية والإدارية، كما أنشأت كوريا عام 1987م هيئة لتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لتوفير المساعدات المالية وتقديم المعلومات والخدمات الإدارية والتسويقية، فضلاً عن التدريب، فيما تم سن قانون يشجع الحكومة على شراء منتجات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن تقديم الإعفاءات والتخفيضات الضريبية للمشروعات الجديدة، التي تقام خارج المدن وفي المناطق الريفية.

تجربة سنغافورة

واهتمت حكومة سنغافورة، بمحاولة القضاء على البيروقراطية وتسهيل الأعمال، ونجحت في تقليل المدة الزمنية لإنشاء مشروع تجاري جديد، كمؤشر يقيس السرعة في إنجاز الأعمال، مما جعلها من أقل الدول حول العالم فيما يتعلق بهذا المؤشر، كما ركزت سنغافورة على تنشيط التجارة والصادرات، حيث حرصت على مساعدة المصدرين وتقديم الدراسات لهم عن الفرص في الأسواق الخارجية.

 

تجربة الصين

أما فيما يتعلق بالتجربة الصينية، فإن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تسهم بـ %59 من الدخل القومي وبـ %80 من المنتجات الجديدة المصدرة للخارج وبـ %65 من براءات الاختراع، حيث تمكن الملايين من إنشاء شركات وورش صناعية بسيطة، ضمن منازلهم ودون تراخيص وبرأسمال فردي، بعد أن قررت بكين الفصل بين هيئة مكافحة التهرب الضريبي ومنافذ التجارة والتصدير، ومن جانب آخر، فقد تم تذليل العديد من المعوقات، أمام عمليات التصدير وتشجيع شركات الشحن.

التجربة الأمريكية

في عام 1953م أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية “الإدارة الاتحادية للمنشآت الصغيرة” لتكون هي الجهة المكلفة بتنفيذ السياسة القومية لإقامة وتنمية وحماية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث تمت مساعدة تلك المشروعات على بيع منتجاتها للحكومة الفيدرالية، وعلى تسويق منتجاتها وتصديرها للخارج، كما تم منحها إعفاءات ضريبية تصل إلى %20، مع تشجيع الجامعات على تقديم الاستشارات الفنية والتدريبية لأصحاب تلك المشروعات الصغيرة، التي وصلت مساهمتها إلى %50 من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكية، كما أثمرت السياسات والبيئة الملائمة إلى انتقال عدد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى شركات عملاقة مثل شركات آبل.

 

التجربة الألمانية

وتُعد الشركات الصغيرة والمتوسطة أحد أهم القطاعات الفاعلة، التي تميز الاقتصاد الألماني، حيث شكلت الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري القوي للاقتصاد الألماني، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، من خلال مساهمتها في تحقيق النهضة الاقتصادية الألمانية وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد وخلقها للوظائف وتدريب العمالة، كما حرصت برلين على تذليل العقبات المتعلقة بالبنية التحتية الرقمية والنقص المستمر في العمالة الماهرة، وتكاليف الطاقة مرتفعة للغاية.

وإدراكًا منها لأهمية هذا القطاع، فقد أعلنت الحكومة الألمانية خلال عام 2020م عن دعمها للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تضررت من جائحة كورونا، مخصصة لها مساعدات بقيمة 25 مليار يورو للحيلولة دون حدوث موجة إفلاس.

تجربة المملكة

وتمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفي المنطقة العربية، %96 من الشركات المسجلة، كما أنها تستوعب نصف القوى العاملة، فيما يمثل ذلك القطاع في المملكة محورًا رئيسيًا في استراتيجية التنمية ومخططات الرؤية، حيث قُدرت نسبة المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال عام 2014م حوالي %74.2 من إجمالي الشركات، وبنسبة استيعاب بلغت نحو %27 من إجمالي العمالة، في حين قدرت في عام 2021م بما نسبته نحو الـ %99 من إجمالي عدد الشركات.

وقد خطّت المملكة خطوات رائدة لاسيما منذ انطلاق رؤية 2030م في تدعيم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومنحتها عوامل نمو مُتعددة، (إجرائية، وتنظيمية، وتمويلية)، ووفرّت البيئة المناسبة لتوسعها وانتشارها، ويسّرت كثيرًا من إجراءات ممارسة الأعمال، وذلك ضمن توجه يهدف لأن تكون هذه المُنشآت إحدى ركائز النمو المُستدام في البلاد، وهو ما ساهم  كثيرًا في نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إذ ساهم الدعم الحكومي والقروض في نمو المتوسطة بنسبة %33، وساهم إجراء سهولة إصدار التراخيص في نموها بنسبة %18، أما الخدمات الإلكترونية، ساهمت وحدها في نمو المنشآت ذاتها بنسبة %69، والصغيرة بنسبة %38.

ووفقًا لدراسة دراسة صادرة عام 2017م عن هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فإن نسبة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ %21، فيما المعدل في أكبر 15 اقتصادًا في العالم بحدود %46، وإدراكًا من المملكة بأهمية ذلك القطاع، فقد استهدفت رفع مساهمته إلى %35 بحلول 2030م وفق رؤية المملكة وذلك بتوفير البيئة التنافسية الداعمة لنمو تلك المشروعات، ومن خلال دعم ريادة الأعمال والاستثمار في الصناعات الجديدة، ودعم الأسر المنتجة وتوفير الدعم المالي وفرص التسويق.

الأطر التشريعية والقانونية

وفي نفس الوقت، فإن هناك ضرورة بالنسبة لكافة الدول المتقدمة والنامية والصاعدة، على السواء، في الاستفادة من تجارب الدول والاقتصاديات، التي أولت اهتمامها لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعلى رأس ذلك الجهود والأفكار الخاصة، بإنشاء حاضنات الأعمال، وقواعد الحوكمة الرشيدة وأدوات الرقابة المالية.

كذلك، من الضروري، بناء وتقوية الإطار التشريعي والقانوني، في الدول الراغبة في تنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ليكون ملائمًا لتحفيز بيئة الأعمال، ويدخل في هذا الإطار، أهمية توحيد الجهات، التي تتعامل معها المنشآت الصغيرة، للحصول على التراخيص اللازمة.

وبالطبع، فإن كل الجهود المبذولة لتنمية هذا القطاع، لن تُجدي ولن تُؤتي ثمارها دون نشر ثقافة العمل الحر، من خلال السياسات التعليمية والوسائل الإعلامية، لتوعية وتشجيع الشباب على بناء مشروعاتهم الخاصة، وفي الوقت ذاته دعمهم يالاستشارات الفنية والإدارية والتدريبية، وتعزيز قدراتهم وإمكانياتهم في مواجهة التقلبات المختلفة.