عادة ما تتشكل التكتلات الاقتصادية (Economic Blocs) بين الدول بعد التوافقات السياسية المسبقة بينها ولإدراكها أن التحرك الجماعي في شتى الأمور حتما سيوفر لها فرصا أكبر من حيث الاستقرار والثقل المطلوب لنيل مصالحها الداخلية والخارجية في آن واحد (خاصة أمام منافسيها من خارج التكتل).
يمكن ملاحظة أبرز التكتلات الاقتصادية حول العالم بكل يُسر سواء كان هيكلها عبارة عن منظمة مُعلنة، أو على هيئة تعاون وثيق وامتيازات متبادلة بين الدول (تكامل اقتصادي)، وأحيانًا ترتقي تلك العلاقات إلى درجة تماهي أحد الأطراف مع الآخر لدرجة المطابقة!
فعلى الجانب الغربي تظهر تكتلات الولايات المتحدة الأمريكية وكندا باتفاقية النافتا (NAFTA) والتي حُدِّثت لاحقًا لتشمل المكسيك (USMCA) وأوروبا بسوقها المشترك (EEC) وجميع الأطراف السابقة تتحرّك بصورة شبه موحّدة في القرارات المصيرية مع علو كعب الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، إضافة إلى تكتل اتحاد دول أمريكا الجنوبية وعلى الجانب الشرقي تبرز منظمة البريكس (BRICS) المكوّنة من بعض الدول التي توصف بأنها الأسرع في النمو الاقتصادي وهي البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، إضافة إلى منظمة شنغهاي للتعاون (sco) التي تعتبر من كبرى المنظمات الإقليمية في العالم حيث بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء عام 2021م (23.3) تريليون دولار أي ما يوازي تقريبًا ربع الناتج المحلي الإجمالي في العالم أجمع، إضافة إلى رابطة جنوب شرقي أسيا للتعاون الإقليمي (ASEAN) ومنتدى (APEC).
وفي قارة أفريقيا يتواجد تكتل اتفاقية (أبيدجان) لدول غرب أفريقيا وتكتل اتفاقية (COMESA) الخاصة بالسوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا، وفي المنطقة العربية يبرز مجلس التعاون لدول الخليج العربية كمنظومة تسعى جاهدة للتكامل الاقتصادي.
ما يميّز فكرة التكتلات الاقتصادية حول العالم أنها تُغلب المصلحة الاقتصادية المشتركة على النطاق الجغرافي المحدود، وبالتالي فإن توسعة نطاق التكتل يعتمد بالدرجة الأولى على القيمة المضافة المتحصّلة لهذا التكتل جراء انضمام أي دولة له بغض النظر عن البعد الجغرافي بينهما (منظمتا البريكس وشنغهاي تتطلعان للتوسع بانضمام دول جديدة إليهما ومنها دول عربية)، مع عدم إغفال أن أكثر ما يهدِّد تماسك التكتلات الاقتصادية هو حينما يتم تصعيد مصلحة أحد الأطراف داخل التكتل على البقية ودون مقابل يوازي تلك التضحية من قبلهم!
وعطفًا على المظاهر الاقتصادية التي رافقت جائحة كورونا بالدرجة الأولى ومن ثم الحرب الروسية الأوكرانية والتي أظهرت بصورة جلية انكشاف وضعف سلاسل الإمداد والقيمة (SVC) في العالم إضافة إلى ظهور حالات من تقديم المصلحة الخاصة لبعض الدول في الأوقات الحرجة على مصلحة بقية الدول الأعضاء داخل التكتل الاقتصادي نفسه علاوة على التجاوزات الحاصلة في اتفاقية منظمة التجارة العالمية (WTO) من خلال تفرد بعض الدول بإقرار العقوبات الاقتصادية على الآخرين، فإن كل ذلك مدعاة إلى تلافي بعض مكامن الخلل داخل التكتلات الاقتصادية (بخلاف التحوط الذاتي لدولة) وذلك بإعادة صياغة وتحديث بعض بنود الاتفاقيات بما يضمن متانتها وموثوقيتها في مجابهة أي أزمات قادمة.
وقفات:
- خطا مجلس التعاون الخليجي “GCC” خطوات جيّدة في مسار التكامل الاقتصادي بين دوله، والمؤمل هو مواصلة تقدم هذا المسار، وبلوغ ذروته، وسد كافة الثغرات التي من شأنها إضعاف هذا التعاون الأصيل، أو خلخلته، فالتجارب الدولية السابقة والمخاطر المتأتية من التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية في العالم وتبعات المنافسة الحادة بين الدول الأعضاء داخل التكتل نفسه حري أن يتم الاعتبار منها.
- مخاطر وتقلبات الأسواق المالية العالمية التي تلوح في الافق منذ فترة (الأسهم والسلع والإئتمان) مؤشرات يتطلب من دول مجلس التعاون لتحوط لها، وذلك من خلال تعزيز وحماية أنظمتها وأسواقها المالية.