استثمار

الحديد وصناعة الفرص..

المملكة إلى منصة الصلب العالمي

صناعة الحديد والصلب تولد نحو 48 مليون وظيفة عالميًا منها 6 ملايين مباشرة و42 مليونا غير مباشرة

41 مصنعًا في المملكة لإنتاج الصلب تبلغ طاقتها الإنتاجية 18 مليون طن ويعمل بها 15 ألف موظف بشكل مباشر

يعتبر مؤشرًا قويًا على النهضة الاقتصادية، ومنـذ الثـورة الصناعية الأولى تُقاس درجة تقدم الدول بمدى استهلاكها منه، فثمة علاقة طردية تؤكدها غالبية الأبحاث والدراسات بين حجم استهلاكه والنمو الاقتصادي والصناعي في البلدان، فكلما ازداد بلد ما من استهلاكه “للحديد والصلب” كلما كان هذا البلد يشهد نموًا اقتصاديًا متزايدًا.

فإن صناعة الحديد والصلب بمثابة حجر الزاوية للاقتصاد المتكامل؛ إذ تؤثر في التنمية الاقتصادية بشكل كبير لارتباطها الوثيق بالعديد من الصناعات الأُخـرى، وتمتلك قدرة عالية على إنتاج فرص وظيفية جديدة ليس فقط لتلبية احتياجاتها الخاصة، بل في الصناعات المغذية لها والمستهلكة لمنتجاتها، حيث تُشير التقارير إلى أنها صناعة تولد نحو 48 مليون وظيفة عالميًا، من بينها وظائف الأعمال الرئيسية وقدرها مليونا وظيفة ووظائف الدعم وقدرها 1.5 مليون وظيفة، ووظائف الصناعات التحويلية 2.5 مليون وظيفة، ووظائف غير مباشرة نحو 42 مليون وظيفة.

نادي كبار منتجي الحديد

تمر صناعة الحديد والصلب في المملكة بمرحلة تحوّل حقيقية،  وقد شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، مدعومًا بانطلاق رؤية 2030م التي صنّفتها ضمن مرتكزاتها الرئيسية في تحقيق مستهدفاتها للتنوع الاقتصادي برفع مساهمة القطاع التعديني في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي من 17 مليار دولار ليصل إلى 64 مليار دولار بحلول عام 2030م، فضلاً عن حالة النمو الاقتصادي المتسارع وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية والمشروعات العمرانية الضخمة؛ إذ أخذت تُشكّل محورًا مهمًا لعدد من الصناعات التحويلية وتلعب دورًا أساسيًا في عجلة التنمية، فدخلت المملكة في عام 2019م ضمن نادي كبار منتجي الحديد ببلجيكا بحسب تصنيف منظمة الحديد والصلب العالمية (World steel) لتأتي ضمن أكبر 20 دولة منتجة للحديد والصلب في العالم، كما صُنِّفت في المركز الرابع بقائمة أكبر منتجي الصلب باستخدام عملية الاختزال المباشر الصديقة للبيئة.

وزير الاستثمار
م. خالد الفالح

احتياطي كبير من الحديد

وتعود صناعة الحديد والصب في المملكة إلى عام 1979م بإنشاء الشركة السعودية للحديد والصلب وهي مملوكة للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، وقد بدأت الإنتاج عام 1983م، بإنتاج أسياخ وقضبان التسليح ولفات الأسلاك والمقاطع الحديدية، إلى أن باتت عام 2000م تنتج مسطحات الصلب.

وثمة اليوم قرابة الـ 41 مصنعًا في المملكة لإنتاج الصلب تبلغ طاقتها الإنتاجية 18 مليون طن، ويعمل بها 15 ألف موظف بشكل مباشر، ووصل حجم الطلب المحلي على الحديد والصلب  ـ بحسب المركز الوطني  للتنمية الصناعية  ـ حوالي 11.7 مليون طن خلال عام 2019م مقابل 11.6 مليون طن في العام 2018م، فهي من الصناعات الاستراتيجية التي تسهم في تحقيق أهداف رؤية 2030م لما تحققه من تنويع لمصادر الدخل وتطوير الصناعات التحويلية المرتبطة بها، وتعزيز المحتوى المحلي، خاصة في ظل احتواء المملكة على احتياطي من خام الحديد يقدّر بنحو 780 مليون طن، يمكن استخدامه في توفير احتياجات مصانع الحديد والصلب بما يمثل الدافع القوي لزيادة المحتوى المحلي كفرصة للمستثمرين لتطوير قدراتهم الإنتاجية من الحديد.

وزير الصناعة والثروة المعدنية
معالي أ. بندر الخريف

3 مشاريع بقيمة 35 مليار ريال

وتخطط المملكة خلال هذه الفترة لأن تكون لاعبًا رئيسًا في إنتاج الصلب على مستوى العالم، وذلك بتكثيف جهودها لتعزيز موقعها على خريطة الصناعة العالمية، من خلال إجراء محادثات مع مستثمرين محليين ودوليين لإطلاق 3 مشاريع كُبرى في قطاع الحديد والصلب بقيمة 35 مليار ريال.

والمشروعات الثلاثة، بحسب  وزير الصناعة والثروة المعدنية/ بندر الخريف، التي أعلنها خلال فعاليات المؤتمر السعودي الدولي الثاني للحديد والصلب الذي عقد مؤخرًا، تتضمن إنشاء مجمع متكامل لإنتاج صفائح الحديد تقدر طاقته الإنتاجية بـ 1.2 مليون طن سنويًا، يستهدف بناء السفن وأنابيب ومنصات وخزانات النفط الضخمة، وتشمل المشاريع كذلك إنشاء مجمع متكامل لإنتاج مسطحات الحديد، تبلغ طاقته الإنتاجية السنوية نحو خمسة ملايين طن من الحديد المدرفل على الساخن والبارد، إضافة إلى 200 ألف طن من صفائح الحديد المقصدر، ويستهدف المجمع خدمة قطاعات صناعة السيارات وتعليب الأغذية وصناعة الأجهزة المنزلية وأنابيب نقل المياه، إضافة إلى إنشاء مصنع لإنتاج كتل الحديد الدائرية، بطاقة إنتاجية تُقدر بمليون طن سنويًا، حيث تعد المدخل الرئيس لصناعة الأنابيب الحديدية غير الملحومة المستخدمة بقطاع النفط والغاز.

اتفاقيات بقيمة 400 مليون ريال

وكان المؤتمر الذي حقق نجاحات فريدة ومشاركة نوعية قاربت الألف مشارك من صناع القرار ورواد صناعة الحديد والصلب محليًا وإقليميًا ودوليًا، قد شهد كذلك توقيع اتفاقيات تجارية بقيمة 400 مليون ريال بين شركات سعودية وأخرى أجنبية، وبيَّن خلاله وزير الصناعة أن توجهات المملكة تركز على توطين منتجات الصلب بأنواعها، مثل: صفائح الحديد الثقيلة لقطاع النفط والغاز، وقطاعات الدفاع والبناء، والصفائح المقصدرة لقطاع الأطعمة المعلبة والصفائح المسطحة لقطاع السيارات وأنابيب المياه وغيرها، إضافة إلى تخفيض الواردات بنسبة %50، مع تأكيد الحفاظ على قطاع مستدام ماليًا وتشغيليًا، وضمان توفر سلاسل الإمداد المهمة مثل خام الحديد.

ضامن أساس لمواصل النمو

وقال الخريّف إن الجهود التي تبذل لنهضة قطاع الحديد تأتي من إيمان المملكة بأهمية الاستثمار في هذا القطاع الذي يضمن مواصلة النمو في قطاعات استراتيجية، من خلال إيجاد الأنظمة والتشريعات المحفزة والجاذبة التي تتميز بالشفافية، والعدالة، وحوكمة الإجراءات، وتيسيرها.

وأكد الخريف أن الخطة الوطنية لهيكلة قطاع الحديد والصلب تتضمن 41 توصية لتمكين القطاع واستدامته، منها: مراجعة وإقرار 16 سياسةً وتشريعًا، كما يعمَل بمشاركة القطاع الخاص على عدد من الحلول المستدامة، كتطوير أكاديمية للحديد ومركز للبحث والتطوير لرفع كفاءة التشغيل في المصانع، ودعم زيادة التوظيف للسعوديين بكفاءة عالية، وذلك لمواجهة التغيرات العالمية والمحلية التي تضمن استدامة القطاع والتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية.

كربون أقل من المتوسط

ومن جانبه، أعرب وزير الاستثمار/ المهندس خالد الفالح، خلال المؤتمر عن تفاؤله حيال مستقبل صناعة الحديد والصلب، قائلاً: إن الأرقام والاتجاهات العالمية طويلة الأجل تسير في صالح هذه الصناعة الاستراتيجية، وأبان أن مصانع الحديد والصلب في المملكة تنتج انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أقل من المتوسط العالمي بنسبة %60، في المقابل فهي مسؤولة عما يقارب %24 من انبعاثات الكربون من الصناعة العالمية، وتواجه تيارًا متعاظمًا يدفع باتجاه إزالة الكربون من المنتجات الرئيسة، سواء في البلدان المنتجة الرئيسة وفي الدول المستهلكة التي تدفع باتجاه استيراد الصلب الأخضر.

تقنيات الاختزال المباشر

واستطرد قائلاً: إنه بسبب استخدام الغاز الطبيعي والكهرباء بدلًا من الفحم في عمليات التصنيع، عبر تقنيات الاختزال المباشر، وأفران القوس الكهربائي التي تستخدمها المملكة بنسبة %100، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ %28، وأن المملكة باتت في وضٍع يهيئها لتسريع التحّول إلى إنتاج الحديد الأخضر، وذلك بالاستفادة من عناصر مبادرة “السعودية الخضراء” التي تستهدف تنويع مزيج الطاقة المستخدم في إنتاج الكهرباء، بحيث تشكل مصادر الطاقة المتجددة %50 منه بحلول عام 2030م، بالإضافة إلى أن المبادرة تشمل تنفيذ خطط لإنتاج 4 ملايين طن من الهيدروجين، بحلول عام 2030م، وإن %25 منها هيدروجين أخضر، وهو ما سيمكن لصّناع الحديد في المملكة استخدامه في عمليات الاختزال المباشر بدلا من الغاز الطبيعي.

 

المملكة منافسة عالميًا

وأشار الفالح، إلى أن تكلفة إنتاج الصلب في المملكة في الوقت الراهن منافسة جدًا مقارنة بالتكلفة العالمية، بسبب توفر الغاز الطبيعي والكهرباء منخفضَيْ التكلفة، وإنه في المستقبل سترتفع القدرة التنافسية لمصنّعي الصلب في المملكة، من حيث التكلفة نظرًا للتوسع في استخدام التقنيات منخفضة الكربون، التي تستفيد من التكاليف المنخفضة للطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، في مقابل زيادة تكلفة خفض الكربون، مبينًا أن لدى المملكة بنية تحتية تعد من الأفضل عالميًا، وهناك شبكة واسعة تضم أكثر من 40 مدينة صناعية، بعضها مخصص للصناعات الثقيلة كثيفة الاستخدام للطاقة، وهناك خطط جارية لإطلاق 4 مناطق اقتصادية خاصة، بالإضافة إلى بنية تحتية لوجستية متطورة، تتكون من حوالي 5500 كيلومتر من السكك الحديدية، و10 موانئ، و28 مطارًا، وحوالي 232 ألف كيلومتر من الطرق.

 

تدفق الاستثمارات الأجنبية

ومن المؤكد أنه أمام ما تمتلكه المملكة من موقع استراتيجي فريد وبنية تحتية متميزة، بالإضافة إلى توافر الكهرباء والغاز الطبيعي، وحزمة الخطط التوسيعية لقطاع الحديد والصلب التي تتبنها الدولة، وفي ظل المبادرات التي تشتمل على استراتيجيات طموحة للصناعة والتعدين من شأنها تحقيق تكامل سلاسل القيمة المتعلقة بالمعادن والتعدين، سيفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية من خلال توقيع الاتفاقيات وعقد الشراكات مع الشركات العالمية ذات الخبرة في مجال التعدين، وهو ما ينعكس بالإيجاب على المستهدفات الاقتصادية للمملكة بتنويع القاعدة الاقتصادية وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وينعكس بالتبعية على القطاع الخاص بالمزيد من الاستثمارات والشراكات في هذا القطاع الاستراتيجي.