تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي لخير البشرية..

215 مليار دولار متوقع إضافتها لاقتصاد المملكة بحلول 2035م

المملكة أطلقت مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بهدف تسهيل التطبيق العملي للأخلاقيات، أثناء مراحل دورة حياة وتطوير الأنظمة

يشكل الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز والحاضر القوي في كافة مستهدفات رؤية المملكة 2030م

بلمسة واحدة تُفتح الهواتف ويتواصل البشر من الشرق إلى الغرب صوتًا وصورةً، وتضاء المصابيح بالأوامر الصوتية، وتتفاعل الحواسيب ـ كالإنسان ـ تسمع وتفسر وتميّز الصواب من الخطأ، ذلك ببساطة هو مفهوم الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، أي تلك الأنظمة أو الأجهزة، التي تسعى للاقتراب من محاكاة العقل البشري، لأداء المهام البشرية المختلفة استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها.

فالذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، بالإضافة إلى دورها في العلوم البيئية والمساعدات الإنسانية، ستساعد على إنقاذ المزيد من الأرواح وتخفيف المعاناة كونها تتعامل مع الكوارث قبل أو بعد وقوعها، ومن أشكالها روبوتات المحادثة، التي تهدف لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة، فضلاً عن تحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية.

القمة العالمية للذكاء الاصطناعي

إدراكًا منها للأهمية الكبيرة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وإيمانها الراسخ بأنّها (خير للبشرية)، استضافت المملكة في منتصف سبتمبر 2022م أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية، تحت شعار (الذكاء الاصطناعي لخير البشرية)، التي نظمتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس إدارة “سدايا”، وحضره نحو 10 آلاف شخص و220 متحدثًا من 90 دولة في أكثر من 100 جلسة وورشة عمل، ضمت خبراء ومختصين وأكاديميين، ورؤساء تنفيذيين لكبرى شركات التقنية في العالم.

وقد ناقشت القمة العديد من الموضوعات التي تركزت محاورها الرئيسية في تقييم الوضع الراهن لاستخدامات الذكاء الاصطناعي إضافة إلى مستقبله واستخداماته وتطبيقاته المتداخلة مع الحياة اليومية في كافة أنحاء العالم وكافة المجالات.

وكانت هذه القمة استثنائية لاسيما من ناحية عدد الاتفاقيات التي أُبرمت فيها لتتجاوز الـ 40 اتفاقية جمعت شراكة فريدة بين القطاعين العام والخاص نحو استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات التي تقدمها والمجالات التي يمكن أن يخترقها، فضلاً عن إعلان 10 مبادرات محلية ودولية ما بين شركات ومؤسسات عالمية في سبيل تعزيز التعاون الدولي حول الذكاء الاصطناعي واستخداماته.

التصنيع المتقدم وزيادة الإنتاجية

وسعت القمة العالمية، إلى وضع أسسٍ واضحة ومحدّدة لتوصيف العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والعديد من القضايا الاقتصادية والتنموية والمجتمعية، بهدف إيجاد الحلول للتحديات الحالية، ولتشجيع تبني حلول الذكاء الاصطناعي، وخدمة المجالات الحيوية، وعلى رأسها الصحة والطاقة والاقتصاد الرقمي والمدن الذكية، وبمعنى مختصر، مناقشة كيف يمكن للبشر أن يكون لهم مستقبل أفضل بفضل الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.

ومن أبرز ما تضمنته القمة من  موضوعات ما يتعلق بالتصنيع المتقدم والذكاء الاصطناعي في مجال الصناعة والتعدين ودوره في دعم وزيادة الإنتاجية، وفي تحسين الموثوقية وتعزيز سلامة الموظفين، وجعل الصناعة أكثر استدامة، و”تحدي المُدن الذكية”؛ بهدف تطوير حلول حديثة لتحسين المشهد الحضري بمُدن المملكة والتوصل إلى حلول تقنية تسهم في الكشف عن مظاهر التشوه البصري والحد منها، و”أبرز استخدامات التقنية للحفاظ على البيئة، وإعادة إحياء الغابات”، وأهمية أن يكون الجميع على علم ومعرفة بأبعاد التغيير المناخي وحقيقة ضخامة هذه الأزمة.

نموذج رائد لاقتصادات المعرفة

وتُعد المملكة من أوائل الدول في محيطها الإقليمي، التي انتبهت لأهمية الذكاء الصناعي واستخدامه في المجالات المختلفة، لمواكبة التقدم السريع في هذا المجال، والتغلب على العديد من التحديات والمشكلات الماثلة، وبهدف أن تكون المملكة نموذجًا رائدًا في بناء اقتصادات المعرفة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030م، التي يشكل فيها الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز والحاضر القوي في كافة مستهدفاتها للتحوّل الرقمي كبناء المُدن الذكية وإنترنت الأشياء وأنظمة المساعدة الشخصية والأنظمة الخبيرة وأنظمة التشخيص الطبي وغيرها العديد من المواضيع الأخرى.

وقد أطلقت المملكة مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بهدف تسهيل التطبيق العملي للأخلاقيات، أثناء مراحل دورة حياة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومن أجل الإسهام في دعم مبادرات تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة، بما ينعكس على مستوى جودة الخدمات، ويضمن الاستخدام المسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

أمثلة لجهود المملكة المبذولة

وعلى مستوى الجهود العملية للمملكة، في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد تعدّدت في القطاعات المختلفة، سواء كانت صحية أو تعليمية أو صناعية، ومؤخرًا، قامت وزارة الداخلية ممثلةً في الأمن العام “القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة” بالتعاون مع “سدايا” لوضع شراكة استراتيجية لتطوير عدد من الخوارزميات الهادفة إلى تحسين الخدمة المقدمة لقاصدي بيت الله الحرام والمسجد النبوي، وأيضًا، مشروع “ذا لاين”، وهو من المشروعات الرائدة، ويقوم على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، من أجل إحداث ثورة في عالم التصاميم للمدن والتخطيط الحضري.

وثمة توقعات لأحد الدراسات الصادرة عن شركة Accenture الأمريكية، وذلك أمام جهود المملكة الرائدة في مجالات الذكاء الاصطناعي ومساعيها نحو الريادة العالمية في استخدامات علوم البيانات؛ أن يعمل الذكاء الاصطناعي والحلول المستندة إليه على إضافة 215 مليار دولار لاقتصاد المملكة بحلول عام 2035م ليمثل ذلك زيادة بنسبة 12.5% في قيمة الناتج المحلي، وستكون أكثر القطاعات التي ستحقق هذه الإضافة هما قطاعا الصناعة والخدمات العامة.

الجائحة وتطوير الذكاء الاصطناعي

ويبدو أن المملكة بحالة الزخم والاهتمام بعلوم البيانات ومساعيها لأن تعم في مختلف مجالاتها وتواكب التطورات المتلاحقة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتي أخذت في التسارع لاسيّما بعد جائحة كورونا، حيث كشف مسح شمل حوالي 300 شركة عالمية أن 4 من كل 5 شركات تسرع من خطط رقمنة العمل، وتطبق تقنيات جديدة، بدأت في استخدامها بالفعل منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008م وجاءت الجائحة لتُعجل منها، وثمة مؤشرات بأن يؤثر التطوير في مجال الذكاء الاصطناعي في ارتفاع إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 14% في عام 2030م مما يعزّز الاقتصاد العالمي بمقدار 15.7 تريليون دولار.

إسهامات تقنيات الذكاء الاصطناعي

فقد أسهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فاعل في تطوير قطاعات الصناعة والابتكار والصحة والبنى التحتية، وأسهمت بدور حيوي في مواجهة وحل الكثير من التحديات، وأضحى ويُطبق في قطاعات التنمية الدولية كافة، من الزراعة والصحة والتعليم إلى التخطيط الحضري، ومواجهة تداعيات أزمة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، حيث يتم إرسال تنبيهات الكوارث الطبيعية في اليابان، ومراقبة إزالة الغابات في الأمازون، ومن خلال تطبيقات الهواتف الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي يتم العمل على الحد من تلف المحاصيل بل وزيادتها بخاصة مع الارتفاع المحتمل لعدد سكان العالم بحلول عام 2050م لأكثر من 9.6 مليارات نسمة وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وبالتالي زيادة الطلب على الغذاء.

وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بالذكاء الاصطناعي، فإن غالبية سكان العالم بمنأى عن الثورة الرقمية إلى حدٍّ كبير، وما يقرب من 50% من سكان العالم لا يستطيعون الوصول إلى الإنترنت، وهو ما يصعّب كل المحاولات لتطوير حياتهم وتسهيل سبل العيش، من خلال الذكاء الاصطناعي، لذلك، فإنه من أبرز التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي، خاصة في بلدان الجنوب، هو الوصول إلى الإنترنت وجودة وكفاءة وتكلفة الاتصال بالإنترنت.

تحديات العمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ومن التحديات التي تلقي بظلالها على استخدامات الذكاء الاصطناعي، أن هناك مخاوف بشأن عدم الدقة في بعض الأحيان لبرامج الذكاء الاصطناعي، والتي تستخدم بيانات جُمعت في مجال معين وبيئة بعينها وفي فترة زمنية معينة، الأمر الذي قد يجعلها غير ملائمة في حال تطبيقها دون مراعاة خصوصية المكان، وكذلك احتمالية عدم الفصل بين برامج الذكاء الاصطناعي والتحيزات الفكرية ولقناعات مصممي ومبتكري تلك البرامج، وهو ما قد يتسبب في نشر أفكار أو مبادئ موجهة وزيادة تهميش الفئات الضعيفة.

وأخيرًا، فإن التحدي الأبرز، هو كيفية وقدرة المؤسسات، على الجمع بين تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد المزيد من فرص العمل، وليس استبدال العنصر البشري بأدوات الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل التقارير التي تؤكد أن الروبوت سيقضي على 85 مليون وظيفة في الشركات متوسطة وكبيرة الحجم، خلال السنوات الخمس القادمة، بعد أن أحدثت أزمة كورونا تغيرات هائلة، ومنها الاعتماد على الآلات المبرمجة لأداء العديد من الأعمال.