نافذة

غرور الشركات!

يمكن تفهم أن تفشل أو تضمحل شركة ناشئة أو صغيرة، يمكن تحديد وتوقع أسباب كثيرة لذلك الفشل، وبحث سريع على أي محرّك بحث سيعطيكم عشرات الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، إنها ببساطة تشبه الشجيرة الصغيرة التي لم يشتد ساقها، ولم تضرب جذورها بعد في عمق الأرض، فتكون مقاومتها للرياح ضعيفة، ويكون اقتلاعها من أرضها من منافسيها أو من سوء إدارة أصحابها أيضًا في منتهى السهولة.

 

ما يصعب فهمه هو حدوث ذلك للشركات الكبيرة التي تعمل لعقود من الزمن بنجاح، والتي لم يطلْها الانهيار لأن منتجها أو خدمتها انقرضت، وهي لم تواكب المنتجات الجديدة، كما حدث لشركة آلات وورق التصوير الكبيرة، أو شركة الهواتف النقالة الشهيرة، إنها تنهار أحيانًا أمام أعين الناس شيئًا فشيئًا لأنها ببساطة ومن وجهة نظري الخاصة أصيبت بالغرور.

غرور الشركات يختلف قليلاً عن غرور البشر ونرجسيتهم، فهو يتمثل في سلوكيات مختلفة، مثل نموذجها الإداري، ونموذجها التشغيلي، وهيكلها، وإدارة مخاطرها وهي الأشياء التي تتوقف عن تطويرها، أو تتحاشى تغييرها، لأنها تعتقد ـ وهي مخطئة في اعتقادها ـ أنها صحيحة وستخدم موقعها وحصتها السوقية في المستقبل، كما فعلت في الماضي.

 

الغرور أيضًا هو اعتقاد مُلاك أو رؤساء بعض الشركات أن عرش نجاحها على أرض صلبة دائمًا، وأن لا تخلخل سيحدث في هذه الأرض التي ربما تتغلغل فيها المياه أو عوامل التعرية شيئًا فشيئًا حتى يقع هذا العرش، وتدخل في زمرة الفاشلين.

 

ربما يستغرق الأمر سنوات طويلة لكن المراقب أو العميل أو المستثمر في هذه الشركة أو تلك يلحظ ذلك مع الوقت حتى يصل إلى مرحلة التخلّي عنها أو اليأس منها، والأمثلة من حولنا كثيرة، أمثلة الفشل والاندثار، أو أمثلة لشركات تسير في هذا الطريق وستصل للنهاية ما لم تتدارك وضعها.

 

انظر حولك، تأمل ـ مثلاً ـ سلسلة الأسواق المركزية (السوبر والهايبر ماركت) التي كانت ملء السمع والبصر، كانت تحتل المرتبة الأولى في قطاعها، وها هي اليوم تسجل الخسائر كل ربع، لا لشيء إلا أن الغرور أصابها، فبينما كان الآخرون وراءها، عملوا واجتهدوا ووصلوا إليها، ثم ها هم يتجاوزونها، ثم أن بعضهم ابتعد عنها للأمام لمسافة يصعب اللحاق بها.

 

كيف وصلت لهذه المرحلة؟

إنه الاعتقاد بالكمال في كل شيء، والتوقف عند مراحل معينة دونما السعي للبناء على النجاحات، والأهم ربما هو التقليل من شأن المنافسين، واعتبار تطورهم ووصولهم وتجاوزهم لها شيئا من المستحيل أو الخيال.

 

في قطاع آخر، كان ذلك المستشفى ـ وأيضا على سبيل المثال ـ قصة نجاح كبيرة في مستوى الخدمة الطبية، والكفاءات البشرية، والتوسع، والنمو، حتى ظن مالكوه أو مديروه إنه سيّد الساحة بعد أن تجاوز من هم أعرق منه، وها هو اليوم يبدأ في “الطريق المنحدرة” كما يتندر البعض على ذلك الصوت الرقمي الذي يوجه السائرين بالاعتماد على برنامج المواقع الشهير.

 

بدأ الغرور يدب في أوصال الشركة المالكة والمشغّلة، وبدأت ترتكز على نجاحات الماضي فقط، وظنت أن خفض مستوى التكاليف عبر خفض مستويات الخدمة، والاستعانة بكفاءات أقل كلفة لن يلاحظه المراجعون، والأهم أنها ظنت أن من تجاوزتهم لن يواصلوا السباق لاستعادة حصصهم، بل أن المضحك المبكي أن المنافسين يستعيدون مكانتهم عبر الاقتداء بالمستشفى المغرور عندما كان يخوض طريقه للقمة.

 

الأمثلة كثيرة، وبعض الشركات المغرورة لم تسقط بعد، ولا زالت تعمل، وبعضها لا زال يربح، لكنه للمتأمل الحصيف لن يستمر طويلاً في السوق، أو على الأقل لن يحافظ على مكانته وحصته السوقية.

الغرور ليس صفة تصيب البشر فقط، إن للشركات والمنظمات نصيب منه، فليحذروا.