رأي

مؤشر الناتج المحلي الإجمالي في الميزان!

يعد الناتج المحلي الإجمالي”GDP” (Gross domestic product) من أشهر المؤشرات الإحصائية التي تتسم بها التقارير الاقتصادية، وقيمته تعبر عن حالة وحجم الاقتصاد ومعدل نموّه في الدول (توسع أو انكماش اقتصادي) كما أنه يستخدم لمقارنة مستوى النشاط الاقتصادي بين الدول، أي معرفة أوضاعها الاقتصادية، وبالتالي تصنيف درجة تقدّمها عالميًا (ازدهارها) ومدى جاذبيتها للاستثمار الخارجي.
لمفهوم الناتج المحلي الإجمالي تعريفات متعدّدة وأبسطها أنه يمثل إجمالي القيمة النقدية لكافة السلع المنتجة والخدمات النهائية المقدمة في البلد، والمحسوبة خلال فترة زمنية معينة (يحسب بشكل دوري)، وهناك ثلاثة طرق رياضية لاحتسابه.
أولها: تعتمد على أساس الإنتاج أي جمع قيمة كافة السلع المنتجة في البلد بعد طرح قيمة تكاليف إنتاجها، وثانيها: على أساس الدخل وذلك عن طريق جمع قيم كافة الدخل المنصب في الاقتصاد كأرباح الشركات، وفوائد الاستثمارات، ورأس المال، وأجور العمالة، وإيجار العقارات، وأي فائدة متحصلة من أي نشاط اقتصادي، وثالثها: على أساس النفقات، وذلك بحساب قيمة كافة ما صرف أو أنفق في الاقتصاد خلال فترة زمنية معينة، وتعتبر هذه الطريقة هي الأكثر شيوعًا في حساب قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول. ومعادلتها بأبسط صورها:
الناتج المحلي الإجمالي = الإنفاق الحكومي + نفقات المستهلكين + الإنفاق الاستثماري (من القطاع العام والخاص) + صافي الميزان التجاري (الفارق بين قيمة الصادرات والواردات).
يلاحظ من المعادلة السابقة أن العلاقة بين العوامل الثلاثة الأولى تبادلية من حيث التأثير على بعضها البعض، وبالتالي انعكاسها الطردي على قيمة المؤشر(GDP) فمثلاً زيادة الإنفاق الحكومي أو الإنفاق الاستثماري يتوقع منه زيادة في إنفاق المستهلكين والمحصلة النهائية هو زيادة في قيمة الناتج المحلي الإجمالي والعكس صحيح تمامًا، وكذلك الحال في قيمة الميزان التجاري التي يمكن أن تكون بالموجب أو السالب فأنها تنعكس طرديًا على قيمة المؤشر.
هناك آراء اقتصادية ناقدة لمفهوم الناتج المحلي الإجمالي بصيغته الحالية حال افتراض أن قيمته مُعبره عن حجم وقوة الاقتصاد للدول وبالتالي درجة تقدّمها ورخائها أو باعتباره مؤشرا لقياس الثروات المتحصلة للأمم سنويًا.
فمن وجهة نظرهم أن الناتج المحلي الإجمالي يمكن التحكم أو التأثير به تلقائيًا (زيادة أو نقصانا) من خلال التدخل الحكومي بأحد العوامل المرتبطة بقياسه، كما أن قيمته ممكن أن تظهر بصورة إيجابية لكن قد يقابلها زيادة في حجم الديون المترتبة على الدولة مما يعني عدم عكسه لحقيقة الوضع الاقتصادي فيها.
إضافة إلى أن الزيادة في النفقات الحكومية والتي تنعكس إيجابًا على قيمة المؤشر ليس بالضرورة أن تنعكس بذات التأثير على الاقتصاد أو حياة المواطنين ورفاهيتهم كما هو الحال في بعض الدول التي تقدم بصورة فجة النفقات العسكرية (التسلح) على سواها. فضلاً عن النفقات الحكومية أو الاستثمارية حال توجيهها إلى قطاعات غير منتجة أو إلى مشاريع خاسرة، والأمر ذاته فيما يخص الزيادة في حجم الإنفاق للمستهلكين فربما أنها متأتية من شريحة صغيرة في المجتمع (الميسورين) دون سواهم.
ورغم أن الناتج المحلي الاجمالي يحسب بصيغتين هما: (الاسمي والحقيقي) الأول: يعني بأسعار السوق الحالية دون احتساب التضخم أو الانكماش، والآخر يراعي فيه عامل التضخم وتكاليف المعيشة، إلا أن مقدار أثره الاقتصادي وقيمته مهما عظمت فإنها تعتمد على عدد السكان وهو ما يعرف بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن أكثر المعضلات التي تواجه مؤشر الناتج المحلي الإجمالي كمعيار دولي للاقتصاد أن دولا عديدة لا تمتلك الإحصاءات الكفوءة في عملية حسابه وبعضها يعتبر تفاصيل المعلومات الداخلة في حساب معادلته من الأسرار الوطنية التي لا يجب أن تقدم للغير بصورة دقيقة والبعض الآخر قد يقدّم بيانات مضللة في هذا الشأن أما بتعظيم قيمته من أجل إعطاء بريق اقتصادي واحتلال مكانة عالمية أكبر واستقطاب الاستثمارات وما إلى ذلك أو بخفضها للاستفادة من الإعفاءات والمساعدات الدولية.

وقفة:
دون وجود مؤسسات إحصائية ذات كفاءة عالية داخل الدول تعمل وفق منهجية ومعايير ورقابة دولية موحدة لحساب الناتج المحلي الإجمالي بشكله الحالي فأنه يصبح “حمّال أوجه”.