رأي

القوّة الناعمة للشركات

مفهوم ومكوّنات القوّة الناعمة للدول معروفة، ومعلوم أن الشركات العابرة للقارات هي من أدوات القوّة الناعمة للدول، ولكن كيف يمكن صناعة هذه القوّة للشركات، الشركات من أي حجم ونوع خاصة في محيط سوقها وبين جمهور مستهلكي منتجاتها أو خدماتها.
لا بد أولاً من تخمين مكونات القوّة الخشنة للشركات، أي تلك التي تأتي في مقابل الجيوش والاقتصاد القوي للدول، ووجد أن أهم عناصر هذه القوّة جودة المنتج أو الخدمة وسياسات ما بعد البيع، والحصة السوقية، وربما الربحية والنمو، ويمكن في هذا الشأن أن يضع المرء أشياء كثيرة تهمّه من وجهة نظره.
أيضًا يمكن لكل مجتمع أو مجموعة مهتمين وضع قواهم الخاصة لمحدّدات القوّة الناعمة للشركات، مسؤوليتها الاجتماعية، بيئتها الوظيفية، سمعتها ليس فقط على مستوى المنتج أو الخدمة، بل ذلك الإحساس تجاهها الذي تشعر به إذا رأيت علامتها التجارية أو قرأت عنها خبرًا.
يبدو لي أن القوّة الناعمة للشركات، هي النجاح في كسب القلوب والعقول معًا وعلى الدوام، فالعقول تنظر إلى جودة وعائد ما تشتريه من الشركة، والقلوب تميل إليها إذا كانت تسمع كلامًا حسنًا عنها من موظفيها وعملائها، وإذا رأت أثرها على المجتمع، مؤخرًا زادت أهمية هذه الجوانب مع التطوّرات التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي سرّعت من انتشار الانطباعات والمعلومات، ولكنها أيضًا قلّلت من الانتباه لكثرة التدفق، فتصبح استمالة القلوب وإقناع العقول أكثر صعوبة.
إنه عصر التأثير الاتصالي الذي يمكن أن يظهر القوّة الناعمة التي يمتد تأثيرها إلى كل البيوت دون استئذان، أو يمحوها تمامًا، ولذا يصبح ذكاء الاتصال وفعاليته جزءا من قوة الشركات ولا أعرف هل أصنّفه ضمن القوّة الناعمة أو الخشنة، لكنه يظل عاملاً حاسمًا في إيصال الحقيقة، وصنع الانطباع، الذي يصعب تغييره إذا تكرّس فترة من الزمن.
الاهتمام بالسمعة والسمة التجارية مهم وهو سلاح مؤثر يسعى إلى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية، التي هي روح القوّة الناعمة لأنها تُسهم في صنع الأحكام وتشكيل تفضيلات العملاء وعامة الناس، ومؤخرًا انضم المستثمرون إلى القائمة وبات بعضهم بعد تمحيص أرقام أي شركة، يستعرض جاذبية الشركة، أي أنه بشكل أو بآخر يحلل قوتها الناعمة.
في الحالتين أو في القوتين الخشنة والناعمة يعتبر النجاح أمرًا أساسيًا لصناعتهما وتنميتهما، ومهما حاولت الشركة الفاشلة أن تغطي فشلها برتوش إعلامية أو إعلانية أو بإطلاق مبادرات مجتمعية، سيظل فشلها يخيّم على كل شيء، إذ لا وجود للقوة الناعمة في غياب قدر مناسب من النجاح في مجال عمل الشركة الأساسي.
تحتار بعض الشركات في إيجاد الوسائل التي تمكنها من أن تكون “جذابة”، الوسائل التي أصبحت مهمة في عالم جديد وسريع ومليء بوسائل الاتصال، والحقيقة التي أراها أنه لا وجود لوصفات جاهزة، أو قائمة يمكن تتبعها لهذه الوسائل، فهي تختلف من بلد لآخر، ومن ثقافة لأخرى، بل ربما تختلف من قطاع أعمال لآخر في نفس البلد والمجتمع.
لا تملك الشركات ـ وهي دومًا تتنافس في سوقها ـ جيشًا لهزيمة منافسيها من الشركات الأخرى وإرغام الناس على منتجاتها، لكنها بالتأكيد تملك قوى أخرى تجذب إليها العملاء وتصنع ولاءهم لمنتجاتها وخدماتها، وهذا ما جعل الناجح منها يطوِّر مصادر للقوة تختلف عن تلك القوّة أو القوى التي تستخدمها الدول والحكومات.
صناعة القوّة الناعمة لأي شركة مسؤولية مشتركة بين جميع الإدارات، وهي لن تنجح أو تؤثر إلا بوجود قناعة بمكوّناتها لدى منسوبي الشركة، وهي في ظنّي جزء من قيمة الشركة السوقية التي تدخل فيها قيمة العلامة وسمعتها، وهذه القوّة اليوم جزء من كل ذلك.