ارتكزت كل الثورات الصناعية والاقتصادية السابقة على أساسات صلبة من موارد الطاقة التي كان لها دور تشغيل وتحريك عجلة الصناعة والخدمات وبناء المجتمع.
الوفرة والنفاذية وتواجد التقنيات اللازمة كانت هي السمة البارزة في موارد الطاقة للثورات الصناعية والاقتصادية وجميعها رفعت من مستويات المعيشة وجودة الحياة، حاليًا مع الحديث المتداول بكثرة حول ثورة صناعية واقتصادية قادمة تحرّكها الطاقة البديلة يفتقر إلى نموذج تصنيعي أو اقتصادي يرتكز على أساسيات موارد الطاقة البديلة التي هي في الأساس تتطلب طاقات تصنيعية وهندسية وتعدينية هائلة لتوفر البدء بالاعتماد عليها.
احتدام النقاش في ساحة الطاقة البديلة ومناداة النشطاء لضرورة التبني السريع لما يسمى بالطاقة النظيفة من أجل المناخ وخفض الانبعاثات لم يعد قضية رأي عام، بل خرج إلى كونه صراعا لبناء المستقبل، هذا البناء يتطلب بناء اقتصادات قوية ترتكز في أساساته على محرّكات صناعية وخدماتية تقتحم الأسواق.
وحدها الطاقة هي المصدر المنفرد لأدوات التشغيل سواء كانت تصنيعية أو خدماتية، فالانتقال إلى مصادر طاقة بديلة يتطلب أيضًا انتقال في نموذج الاقتصاد المبني على التشغيل، حاليًا نلاحظ أن نموذج التشغيل غير مبنٍ على نفاذية سهلة لموارد الطاقة البديلة ولا وفرة تتيح سهولة وصول الشعوب إليها.
لم تثبت الطاقة البديلة وتحديدًا طاقة الرياح والطاقة الشمسية بأنهما ذات اعتمادية عالية كمصدر احتياطي أو بديل أو حتى مساند وهو ما يجعلها بعيدة من أن تكون مصدرا رئيسيا للطاقة قادر على تلبية التطلعات التنموية الاقتصادية، بل على العكس فهي تحتاج إلى اقتصاد تعديني وتصنيعي هائل من أجل تصنيعها.
هنا نستوقف لمراجعة النموذج الاقتصادي للطاقة البديلة الذي لم يتجاوز مرحلة البداية منذ طرح هذه المصادر في الثمانينات، وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الأفكار، كإحلال الطاقة البديلة أو تبديل الوقود لا يمكن اعتباره نموذجا اقتصاديا، بل هو استبدال مؤقت، فالنموذج الاقتصادي يخلق العوائد وينمِّي المداخيل ويحقق قيمة مضافة لرأس مال المستثمر.
الحكومات أصبحت تستخدم أدوات الدين من أجل دعم الطاقة البديلة، لربما تكون هذه الأسباب التي تدفع بـ “لوبيات” الطاقة البديلة لاستخدام أعذار الانبعاثات وارتفاع درجة حرارة الأرض كذريعة لتمرير الأجندات لكن ذلك لا يلغي عدم جاهزية الطاقة البديلة لأن تكون محركا لثورة صناعية جديدة، فعليًا ما نراه من ناشطي المناخ ليست نداءات من أجل تحقيق مستويات معيشة أفضل، بل على العكس هناك نداءات بخفض مستويات المعيشة من أجل إحلال الطاقة البديلة وهو ما يتنافى كليًا مع مهمة تحريك ثورة صناعية جديدة.