رأي

الذكاء المثير للأسئلة

احسب أن كل صاحب عمل أو مديره يفكر الآن في هذا الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح حديث الساعة، يهجس بعدة أسئلة وخيارات قد تحدث في العالم أو في السوق إجمالاً أو في قطاعه على وجه التحديد، وربما في شركته التي يملكها أو يديرها.

أن صاحب العمل أو مديره ينظر من زاوية التأثير، ما قد يصيبه من أثر من هذه التقنية أو التقنيات، وما يمكن أن يفعله هو بها ليصبح هو المؤثر في السوق أو في تعظيم أرباحه أو تقليص خسائره.

كان الناس يعملون بأيديهم وينتجون ويتبادلون المنافع، ثم جاءت الآلة وأصبحوا يعملون جزئيًا بأيديهم، وجزئيًا بعقولهم لإدارة الجزء غير اليدوي من العمل والإنتاج، واستمر تبادل المنافع مع تغير الشرائح من العمالة البحتة إلى العمالة والإدارة والصيانة والتشغيل، ثم صار كثير من العمل والإنتاج الصناعي وغيره آليا بشكل شبه كامل واستمرت المعادلة في التغير ولكن البقاء استمر لشرائح معينة، وازدادت الشرائح مع الوقت.

ما القاسم المشترك في كل هذه المراحل التي ذكرتها بتبسيط غير مخل يوصل الفكرة؟ إنه العقل الذي يدير، ومن قبله العقل الذي بدأ، بدأ فكرة العمل أو النشاط، ثم فكر كيف يستعين ببشر آخرين ليشاركهم عقولهم ويستفيد من تعليمهم وخبرتهم لتطوير أعماله وتعظيم أرباحه وأيضًا ليتمكن من تحقيق فكرة أخرى تراوده أو طموح آخر يداعب مخيّلته ولم يكن لديه الوقت لتنفيذه.

حسنًا، إنهم اليوم يحدثونك عن عقول اصطناعية، هكذا يمكن تسميتها طالما أنها تفكر، وتقوم بالتجميع، والسرد، وتعطيك نتائج لم يتم الجزم بدقتها أو حيادها إلى الآن، لكن المراحل التجريبية التي تعيشها معظم هذه التطبيقات بدأت في إثارة الاهتمام جنبًا إلى جنب مع إثارة الخوف، وربما إسالة لعاب البعض، كل حسب موقعه من هذا الشأن.

خلال السنوات الأخيرة انتشرت “الروبوتات” وأصبح الكل ينتجها، فلماذا لم يقم رجل الأعمال الحصيف بشراء مجموعة منها لتعمل في خدمات مختلفة وتؤدي الوظائف التي أصبحت قادرة عليها أيا كانت؟

إنه سؤال وجودي مهم طرأ عليّ وأنا أرى بعض الموظفين يخشون من فقدان وظائفهم لصالح الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، وهو أمر وارد الحدوث بالتأكيد، لكن هل سيكون مثلما تصوره وسائل الإعلام أو تروج له الشركات المنتجة أو المشغلة لهذه التطبيقات والتقنيات؟

تخيل مديرا أو صاحب عمل يوظف شابة ملمة بالتقنية مهمتها أن تقوم بالطلب من تطبيقات الذكاء الاصطناعي كل ما كان يطلبه من سكرتيره، ومن مدير التسويق كل العروض التقديمية للحملات الترويجية، ومن المدير المالي ميزانيات فصلية وسنوية، وهكذا دواليك، أليس هذا يجعله يوفر أجور جميع هؤلاء، وجميع الموظفين تحتهم، وجميع ما يستهلكونه من أجهزة وأنظمة، وحيزا مكتبيا، وكل ما تعرفون من مصاريف التشغيل والإدارة والعمليات والإنتاج إلى آخر القائمة، إذًا لماذا لا يفعل ذلك؟

في ثورة الإنترنت، وفي ثورة الإعلام الاجتماعي، ومعهما التطبيقات من كل نوع يحدث التأثير والتغيير، وتستمر الحياة والأعمال وتتكيف المنظمات والشركات، ويبقى الإنسان، وهذا ما سيحدث هذه المرّة، لكن الفارق أن كثيرًا مما سبق كان الإنسان بذكائه هو من يسخر أو يدير، وهذه المرة هناك ذكاء أو عقل كما أسميته لا نعرف على وجه اليقين أن كان سيكون دقيقًا ومحايدًا.

أعرف أن لكل مرحلة تطور مكاسب وخسائر، وهذه المرحلة تبدو الأكثر إثارة للأسئلة، لكن ألم يكن الإنترنت – مثلاً – مثيرًا للأسئلة؟ ومن قبله كانت الآلة كذلك؟ بالتأكيد نعم، وبالتأكيد سنرى ونعيش متغيرات كثيرة لعلنا ننجح كبشر في تطويعها لصالح نماء وازدهار البشرية والأوطان، وليس فقط تضخيم أرصدة الشركات التي تنتج وتروج لهذه التقنيات.