رأي

إيجابية الحذر المالي في ظروف الاقتصاد العالمي

كثيرًا ما ترددت خلال الفترة الماضية عبارة الروائي الأمريكي، ايرنست هيمنغواي، التي يقول فيها (إن أسرع ما تلجأ له الدول ضعيفة الدارة هو أمرين تضخم العملة والحروب حيث كلاهما يُعطي ازدهارًا مؤقتًا، ولكن أيضًا يُصاحب ذلك خراب أزلي).

إن مشهد الاقتصاد العالمي ككل وبقيادة البنوك المركزية الدولية الكبرى يعبر تمامًا عن الإحباط الواضح في السياسات النقدية العالمية تجاه عدم قدرتها بالسيطرة على نسب التضخم المستعرة وبالتالي سلبية معايير النمو الاقتصادي، ولعل أبرز ما يميز عام 2023م هم التصدع الواضح في محركات الاقتصادات الكبرى وتحديدًا في الغرب، حيث كان الحدث الأكبر للربع الأول هو أزمة البنوك والمصارف الأمريكية أما الربع الثاني فكانت السمة البارزة هي شبه التعطل في مؤشرات النمو الاقتصادي ومؤشرات الاستهلاك.

وفي الربع الثالث جاء ليشهد أعلى نسب للفوائد في الاقتصادات الغربية لم تشهدها هذه الاقتصادات منذ عشرات السنين وسلسلة من الاضطرابات السياسية في كل دول السهل الأفريقي حتى وصلنا إلى الربع الرابع ومعه بدأت مؤشرات التوترات الجيوسياسية بالارتفاع بشكل متصاعد حيث شهدنا خلافات وحروب امتدت من الخلاف الروسي الأوكراني إلى الاجتياح الأذربيجاني لإقليم ناغورنو كاراباخ والصدام المباشر في قطاع غزة، (بالمختصر فقد كان عام2023م عامًا تعاظمت فيه المخاطر الاقتصادية خارج سيطرة البنوك المركزية ودوائر تأثيرها.

على خلاف سنوات سابقة تأثر فيها الاقتصاد العالمي إلا أن الاقتصادات العالمية ليست متحدة في مهمات خفض المخاطر؛ فنرى الصين والهند تبحثان عن صنع أدوات تنمية وتوسيع دائرة الموارد الأساسية بينما الغرب منهمك في نزاعات إقليمية متفرقة ذات تكلفة مالية مرتفعة بينما الدول النامية تحاول الخروج من مديونيات متراكمة ذات أزمة ثلاثية تجمع انخفاض قيمة عملاتها وتقلص قدرتها التصديرية وارتفاع مديونياتها بشكل مثقل على كاهل القيادات السياسية.

ويتجه معظم متابعي الأسواق إلى تبني معنويات الحذر الاقتصادي والمالي وهو ما يتطلب اللجوء إلى الأصول الأكثر أمانًا إلا أن حتى ما كان يعتبر سابقًا أمانًا ماليًا كالسندات الحكومية لم يعد جاذبًا بسبب عدم وجود ثقة في قيادات القطاعات المالية وصانعي السياسات النقدية.

فسندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات كانت دائمًا تحظى بجاذبية عالية في أوقات الأزمات المالية إلا أن المؤشر الأهم في تحديد الثقة في السياسات النقدية السنوية هو سندات السنتين والتي بدورها لا تعطي مؤشرات بأن إدارة مستقبل الأزمة المالية يتجه إلى حل سريع.

من هنا نستنتج أن معنويات صانعي الأسواق توقفت عن رفع مستوى التوقعات الإيجابية والاكتفاء بالقيمة للأصول التي تقع تحت إدارتها.