اكسبو الملف

المملكة تستضيف العالم!

توقعات بأن يصل إجمالي الأثر الاقتصادي لتنظيم إكسبو 2030م مُقاسًا بإجمالي القيمة المضافة إلى 355 مليار ريال

الفوز بالاستضافة هو بمثابة شهادة دولية على نجاح المملكة في تنفيذ خططها ومشروعاتها التنموية المنبثقة من رؤية2030م

 

بموضعٍ رئيس وطموح يحاكي ما اعتادت المملكة على تحقيقه، وبموضوعات فرعية متنوعة ما بين الطبيعة، والعمارة، والفن، والتقنية، والعلوم والتراث، فازت المملكة باستضافة معرض إكسبو الدولي 2030م في العاصمة الرياض، حيث تسعى إلى تقديم نسخة استثنائية ومنصةً فريدةً تستعرض أبرز الابتكارات والتقنيات الحديثة، وإسهاماتها في تذليل التحديات التي تواجه العالم في مختلف المجالات، لتترك أثرًا باقيًا للثقافة السعودية في الذاكرة العالمية.

ويُقام معرض إكسبو الدولي الذي يُعدُّ أحد أقدم وأعرق وأكبر المعارض العالمية، كل خمس سنوات، ويستمر لما يزيد على 6 أشهر، وكانت نسخته الأولى، قد أُقيمت لأكثر من 170 عامًا وتحديدًا عام 1851م في العاصمة البريطانية لندن، ومن حينها استمرت هذه التظاهرة النوعية حتى آخر استضافة لها في الإمارات العربية المتحدة عام 2020م.

ويهدف معرض إكسبو الدولي إلى حشد الوعي تجاه التحديات العالمية، وخلق بيئة مُحفزة للحلول، ويُشكل مصدر إلهام لجميع الفعاليات والعروض، وينعكس على الخدمات الثقافية المقدمة من خلال ركائز التراث الثقافي والعالمية والسعي إلى التميز وإحداث التغيير والحوار الثقافي.

رمزية تاريخ انعقاده

وكانت الجمعية العمومية للمكتب الدولي للمعارض، قد أعلنت في 28 نوفمبر2023م فوز المملكة باستضافة العالم في العاصمة الرياض على مدى 181 يومًا، وتحديدًا بين الفترة من مطلع أكتوبر 2030م حتى نهاية مارس 2031م، وذلك بعد حصولها على 119 صوتًا، مقابل 29 صوتًا لملف كوريا الجنوبية و17 صوتًا لملف روما، ويعد فوز المملكة خطوة نحو التأكيد على دورها المهم في المشهد الإنساني المتفاعل مع كل ما يرسّخ الحوار والتواصل والاستقرار والنماء، ويرسم حاضر العالم ومستقبله.

وهو ما قاله صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، عقب الإعلان بفوز المملكة، بأن فوز المملكة ترسيخ لدورها الريادي والمحوري، والثقة الدولية التي تحظى بها، والذي يجعل منها وجهةً مثاليةً لاستضافة أبرز المحافل العالمية، مؤكدًا جاهزية المملكة لاحتضان العالم، وتقديم نسخة استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ إقامة هذا المحفل العالمي بأعلى مراتب الابتكار، والإسهام بأداء دورٍ فاعلٍ وإيجابي لغدٍ مشرق للبشرية؛ من خلال توفير منصة عالمية تسخر أحدث التقنيات وتجمع ألمع العقول؛ بهدف الاستثمار الأمثل للفرص وطرح الحلول للتحديات التي تواجه كوكبنا اليوم.

وتقف المملكة اليوم على مشارف نهضة نوعية على مستوى نطاقها الوطني في مجال الاقتصاد والأعمال، وإيجاد الفرص الاستثمارية على جميع المستويات، والتي ستجعلها دولة منافسة ومؤثرة في هذه القطاعات بشكل منقطع النظير؛ إذ تمثل استضافة المملكة لإكسبو 2030م حدثًا نوعيًا لمدينة الرياض خصوصًا والمملكة عمومًا، يُعد موعده رمزيًا إلى حد كبير لأنه يتزامن مع معلم رئيس في برنامج رؤية 2030 م بتنويع صورة المملكة اقتصاديًا وثقافيًا، ويأتي بوصفه تفسيرًا ميدانيًا لنتائج رؤية 2030م.

تاريخ ممتد من المشاركات

وللمملكة تاريخ ممتد من المشاركة في إكسبو الدولي، فقد شاركت المملكة من خلال جناح الإسلام بمعرض إكسبو 2000م الذي أُقيم في مدينة هانوفر الألمانية، وقدمت فيه عروضًا تثقيفية عن الإسلام وما يتضمنه من معلومات وعناوين والتعريف بمحتوياته العظيمة.

وكان للمملكة مشاركة مميزة أيضًا في معرض إكسبو 2005م الذي أقيم في مدينة آيتشي اليابانية، حيث لقي جناحها إقبالًا كبيرًا، وتوافد إليه ما يزيد على خمسين ألف زائر، واطلع زوار الجناح المقام على مساحة 972 مترًا مربعًا على محتوياته التي تعكس حياة سكان المملكة، وفي جناحها بمعرض إكسبو 2010م الذي أقيم في مدينة شنغهاي الصينية، تفردت المملكة ببناء مُتفرد صُمم على شكل سفينة سميت “سفينة النور”، قُدِّم من خلاله للزوار عديد من الفعاليات ومن أبرزها الإرث الحضاري والثقافي الفريد والتطور العمراني الذي يميز المملكة، محققًا بذلك الهدف المنشود منه، حيث تجاوز عدد زوار الجناح 3.5 مليون زائر، وذلك بعد انقضاء ثلثي مدته المقررة.

وشاركت المملكة العالم كنوزها التاريخية وعجائبها الطبيعية ونظمها البيئية المتنوعة من خلال إكسبو 2020م الذي أُقيم بمدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة، وسجّل جناح المملكة أكبر عدد زيارات في المعرض، حيث استضاف أكثر من 4.8 مليون زائر؛ ليأخذهم في رحلة عبر الزمن لاستكشاف المقومات الطبيعية والبشرية للمملكة التي أهلتها لتكون أهم وأقوى اقتصادات العالم، ومن أبرز الدول في الوجهات السياحية والاستثمارية نحو مستقبل مشرق ومستدام وفق رؤية المملكة 2030م.

تجهيزات غير مسبوقة

وتستعد المملكة لاستقبال العالم في الحدث المهم عبر تجهيزات غير مسبوقة، وإنفاق ضخم يصل إلى 7.8 مليار دولار، منها 5.85 مليار دولار للنفقات الرأسمالية، والتي تشمل تشييد مرافق المعرض قرب مطار الملك سلمان، واستثمارات مخصصة لتطوير البنية التحتية في العاصمة، و1.47 مليار دولار للنفقات التشغيلية، بما فيها بنود الترويج، والفعاليات، والتقنيات، فضلاً عن التسهيلات التي تشمل القطاعات كافة؛ وذلك بتخطيطها لبناء الموقع المخصص لإكسبو 2030م في منطقة استراتيجية شمال الرياض بين مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية، ومطار الملك خالد الدولي، ما يعني إمكانية الوصول إليه من أهم الوجهات في المدينة، ويمتد الموقع على مساحة 6.59 كيلومتر من بينها 3.38 كيلومتر للمنطقة المسورة و3.21 كيلومتر لمناطق الراحة والمرافق كمواقف السيارات المزوَّدة بخدمة النقل من الموقع وإليه.

ويتميز المخطط العام للموقع بتصميمه الفريد كمدينة مستقبلية حول وادٍ قديم يجمع ما بين مفهومي “الواحة” و”الروضة” المشتق منها اسم الرياض، كما يعكس رؤية المملكة لريادة مستقبل مستدام للمدن ومجتمعاتها.

وتشمل خطط المملكة ضمن استعدادها لإكسبو 2030م شبكة نقل عام رئيسة ومساحة مستديرة رئيسة فيها حدائق عامة ومرافق ألعاب إلكترونية ومنصات للعروض واسعة النطاق وأماكن رياضية، ويتضمن المشروع التركيز على تسريع الابتكارات للحفاظ على النظم البيئية الطبيعية، وهو ما أشار إليه الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض، فهد الرشيد، بأن خطة معرض المملكة تتضمن تحويل الرياض إلى “معرض فني مفتوح بلا جدران”، تعتزم الهيئة الملكية لمدينة الرياض عند انتهاء المعرض أن يصبح الموقع مشروعًا مستدامًا حضريًا ومركزًا نموذجيًا لمستقبل الرياض.

ويشارك في المعرض نحو 226 جناحًا سيتم ترتيبها وفقًا لخطوط الطول لكل دولة، ضمن تصميم يشبه الكرة الأرضية، ويتوسطها خط الاستواء، في ترتيب يجمع دولاً من شمال الكرة الأرضية بجنوبها، مستهدفًا تحقيق 40 مليون زيارة لموقعه ومليار زيارة افتراضية، كما سيقوم المعرض في نهايته بمساعدة 100 دولة مشاركة لإعادة استخدام أجنحتهم بما يخدم بناء المدارس والعيادات في دولهم.

التقاء الثقافة بالمستقبل

وبشعار في شكل نخلة يتفرع منها 6 سعفات، ولكل سعفة نمط ولون يميزها عن الأخرى، لتجمع بذلك بين ملامح الرياض التي تمتاز بتنوعها وحيويتها، وبين موضوعات المعرض: الطبيعة، العمارة، الفن، التقنية، العلوم، والتراث، يعتبر المعرض تجربة تلتقي فيها الثقافة بالمستقبل، باحتوائه بيئة ثقافية تخلق ذكريات مميزة، بربط الخيال والعلوم والتقنية بها، ليكون بإمكان الزوار تجربة أفكار متنوعة للمستقبل وعيش أساليب مبتكرة لتحقيق غد أفضل، فهو آلة لدفع وتعزيز النفوذ الثقافي والاجتماعي للمملكة، وكذلك لتحسين صورتها بوصفها رائدة في استضافة الأحداث العالمية، فهو بمثابة نافذة عالمية هامة لمشاركة ملايين الزوار من جميع أنحاء المعمورة  إرث المملكة الراسخ وتاريخها العريق وتنوعها الثقافي مع العالم، وإبراز حاضرها ونموها الاقتصادي والاجتماعي وخططها المستقبلية، وأبرز التجارب الإبداعية والثرية، والتأكيد على دور المملكة المهم في المشهد الإنساني المتفاعل مع كل ما يرسّخ الحوار والتواصل والاستقرار والنماء، ويرسم حاضر العالم ومستقبله، وتبرز القيمة الثقافية والاجتماعية التي تنعكس على تفرد المواطن السعودي وتميز هويته وتاريخه وحضارته، وتمسكه بقيمه المجتمعية النبيلة.

آثار اقتصادية متنوعة

وفيما تعلق بالمردودات الاقتصادية، وبحسب ملف الترشح، رصدت المملكة 7.8 مليار دولار لاستضافة المعرض، توزَّعت ما بين 5.85 مليار دولار للنفقات الرأسمالية، و1.47 مليار دولار للنفقات التشغيلية.

كما خصصت 343 مليون دولار من أجل مساعدة 100 دولة في مجالات تشييد الأجنحة، ودعم التقنيات، والفعاليات، وشملت تفاصيل النفقات الرأسمالية الاستثمار في موقع المعرض والمناطق المحيطة به (بواقع 5.46 مليار دولار)، تصدَّرتها تكلفة الأجنحة بـ1.75 مليار دولار، وقرية ومرافق المعرض بنحو 1.45 مليار دولار، إلى جانب استثمار 382 مليون دولار في البنية التحتية على مستوى مدينة الرياض، فيما شكلت النفقات التشغيلية، نحو 1.47 مليار دولار، تصدَّرتها بنود الترويج والتواصل بـ297 مليون دولار، وفعاليات المعرض (268 مليون دولار) والتقنيات التشغيلية (237 مليون دولار).

ومن المتوقَّع أن تصل إيرادات المعرض إلى 1.53 مليار دولار سوف تأتي من نحو 10 قطاعات اقتصادية.

ويأتي في مقدمتها إيرادات التذاكر المقدَّر أن تتجاوز 894 مليون دولار، وتليها الرعاية بأكثر من 304 ملايين دولار، ثم المأكولات والمطاعم بـ 106 ملايين دولار، وتليها قطاعات «الميتافيرس» والترويج ورسوم تأجير مساحات المعرض والإيواء ورسوم وقوف السيارات والفعاليات الترفيهية والمهنية والتخزين، حيث من المتوقَّع أن تحقق إيرادات تتجاوز 210 ملايين دولار.

هذا ومن المتوقع أيضًا أن يُسهم المعرض في تعزيز ونمو قطاعات اقتصادية عديدة كالطيران والنقل والقطاع العقاري والسكني والاتصالات والمواصلات والتجزئة والفنادق والضيافة والسياحة، ما يدفع بطفرة عمرانية مُقبلة، ويسرِّع من المشروعات الاستراتيجية الكبيرة القائمة لتكون جاهزة للزوار ، ومنها حديقة الملك سلمان، ومشروع القدية، ومشروع بوابة الدرعية، كما سيكون المعرض فرصة كبيرة للشركات المحلية والدولية لجذب الاستثمارات الأجنبية.

وكانت شركة الراجحي المالية قد كشفت في تقرير لها عن توقعاتها بأن يصل إجمالي الأثر الاقتصادي، لتنظيم إكسبو 2030م مُقاسًا بإجمالي القيمة المضافة، إلى 355 مليار ريال، وهو ما يمثل إضافة بنسبة 19% تقريبًا إلى الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي المقدر لعام 2023م مع تأثير سنوي قدره 0.75% على مدى السنوات المقبلة، وأشارت إلى أن المعرض سوف يُعزز من القطاعات الاستراتيجية في مرحلة ما قبل الحدث، وكذلك أثناء الحدث، وفي مرحلة ما سمته بالإرث، مؤكدةً أن المعرض يتمتع بالقدرات اللازمة لتقديم منحنى نمو فعَّال مع عدة رياح مواتية لقطاعات مثل المالية والبناء والسياحة والنقل والسلع الاستهلاكية الأساسية والإعلام مدفوعة بحجمه وأهدافه، ولفتت إلى أن القفزة في الإنفاق على البنية التحتية لأجل المعرض ستقفز بزيادة الطلب على مواد البناء وبالتالي على قروض الشركات، ما يؤثر بالتابعية على القطاع المالي من نمو قوي في القروض، علاوة على ذلك، سيكون قطاع السياحة المستفيد الرئيس من ارتفاع متوسط أسعار الغرف اليومية بسبب ارتفاع نسبة الإشغال، كما أن زيادة الاحتياجات التسويقية لخلق الوعي بالحدث ستؤدي إلى تحفيز الطلب على شركات الإعلان، وفي الوقت نفسه، رأت الراجحي أن الحدث سيترك وراءه إرثًا فعليًا على غرار المدن السابقة التي أقيمت فيه؛ فقد تجاوزت مدخولات مدينة ميلانو في إكسبو 2015م الـ 10 مليارات يورو وأوجد المعرض نحو الـ 100 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، واستقطب 22 مليون زائر من أنحاء العالم، وفي إكسبو 2020م الذي أُقيم في دبي، ورغم ظروف الجائحة استقطب أكثر من 24 مليون زائر، فيما بلغ الأثر الاقتصادي له نحو 155 مليار درهم (42.21 مليار دولار) مع توفير فرص عمل تقدر بما يقرب من مليون وظيفة.

قيمة مضافة في مستقبل البشرية

وأخيرًا يمكن القول إن المملكة تدعو العالم إلى بناء إطار كوني يستهدف الازدهار والاستدامة للبشرية بأكملها، انطلاقًا من تجربتها الاقتصادية الممزوجة بالبعد الإنساني، ولعلّ روح الموضوعات التي تتبناها المملكة لإكسبو 2030م تكمن في وضع كل سياقات التطوّر الحالية والمستقبلية في خدمة إنتاج الحلول وتقديم العلاجات للمشكلات التي يعاني منها العالم، والدعوة إلى التنافس في هذا المضمار، وليكن الأكثر مكانة هو الأكثر قدرة على تعميم الازدهار ونشره.

ويمثل إكسبو 2030م رؤية شاملة لمسارات الوصول إلى مستقبل أفضل بمعرفة الخطوات التي يجب اتخاذها اليوم لتشكيل مستقبلٍ مزدهرٍ ومستدام، فإنه كما يمثل قيمة مضافة في لمستقبل البشرية، يُمثل أيضًا قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، الذي يواصل نموه ودوره الرائد نحو تنويع مصادره واستغلاله الأمثل للموارد المتاحة، وكذلك قيمة مضافة للقطاع الخاص والشركات للمساهمة الفاعلة في برامج التنمية، فإن أبرز المردودات المنتظرة مع تنظيم إكسبو 2030م هو تعزيز مكانة المملكة على الصعيد الدولي ورفع مستوى الوعي بالبيئة والثقافة السعودية، فإنه يمثل حدثًا مهمًا لعرض التقدم والتطور الذي تحقق في المملكة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، فإن الفوز بالاستضافة هو بمثابة شهادة دولية على نجاح المملكة في تنفيذ خططها ومشاريعها التنموية المنبثقة من رؤية2030م التي انطلقت عام 2015م كما يعكس القوة والمتانة والقدرة الاقتصادية والسياسية للمملكة.