اقتصاديات الميزانية

ميزانية الدعم والتمكين

ميزانية عام 2024م تعادل نحو 89 ألف ضعف أول ميزانية للدولة البالغة 14 مليون ريال في عام 1934م

ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 2.5 تريليــــون ريــــال عام 2016م إلى4.1 تريليون ريال في عام 2023م بنمو بلغ 65%

 

في إطار سعي المملكة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030م، وعلى رأسها رفع معدَّل النمو الاقتصادي المستدام، ونمو الناتج المحلي لأوجه النشاط غير النفطية، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية على الجانبين المالي والاقتصادي، وافق مجلس الوزراء خلال ديسمبر 2023م على الميزانية العامة للمملكة للسنة المالية 2024م، التي من المتوقع أن تحقِّق إيرادات قدرها 1.172 تريليون ريال (312.48 مليار دولار)، بينما تبلغ المصروفات المعتمدة 1.251 تريليون ريال (نحو 296 مليار دولار)، بعجز قدره 79 مليار ريال (21.07 مليار دولار).

وتهدف ميزانية المملكة لعام 2024م إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.4% في 2024م، وذلك من خلال تعزيز النمو في الاقتصاد غير النفطي، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية والصناعات والخدمات المحلية والاستثمار فيها، فضلًا عن تعزيز الاحتياطيات المالية والحفاظ على مستويات مستدامة من الدين العام.

وتتجه المملكة لاعتماد ميزانيات توسعية بإنفاق متسارع على المدى المتوسط، حيث يرتفع الإنفاق 12% في 2024م مقارنةً بعام 2023م، ثم يرتفع 4% خلال 2025م و5% خلال 2026م، بهدف دعم النمو وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي ومنظومة الدعم الاجتماعي للمواطنين للحماية من التضخم العالمي، وتنفيذ المشروعات الضخمة في البلاد، وتُعدُّ ميزانية المملكة للعام 2024م هي أضخم ميزانية تقديرية تاريخيًا، ورابع ميزانية تريليونيه بعد عام 2019م البالغة 1.106 تريليون ريال، و2020م المقدرة بـ1.020 تريليون ريال، و2023م المقدرة بنحو 1.114 تريليون ريال، وتعادل ميزانية 2024م نحو 89 ألف ضعف أول ميزانية للدولة البالغة 14 مليون ريال في عام 1934م.

 

الإيرادات المتوقعة

تُقدّر الإيرادات المتوقعة وفقًا للميزانية بمبلغ 1.172 تريليون ريال، مقارنة بـ 1.130 تريليون ريال بالعام 2023م ومن المقدَّر أن تصل الإيرادات المحصلة من الضرائب في عام 2024م إلى نحو 361 مليار ريال، بارتفاع قدره 2.5% مقارنة بتقديرات 2023م نتيجة استمرار التحسُّن في أوجه النشاط الاقتصادية والإدارة الضريبية، وتحسُّن عمليات التحصيل.

وفيما يتعلق بإيرادات الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية، من المتوقَّع أن تبلغ 31 مليار ريال في 2024م بتراجع 14.3% مقارنة بالمتوقّع تحصيله في 2023م، وذلك لتحصيل إيرادات غير متكررة خلال 2023م تخص أعوامًا سابقة، بالإضافة إلى أثر مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية التي تنتهي نهاية 2023م.

أما فيما يتعلق بالضرائب على السلع والخدمات، فمن المتوقَّع أن تحقق نحو 279 مليار ريال في 2024م، بارتفاع 5.8% عن عام 2023م، وذلك نتيجة التوقعات الإيجابية لمؤشرات الإنفاق الاستهلاكي، ومشروع الفوترة الإلكترونية، الذي سيسهم في رفع نسب الالتزام والتحسن في تحصيل الإيرادات الضريبية، كذلك فإن الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية والرسوم الجمركية من المتوقّع أن تصل إلى 21 مليار ريال في عام 2024م بارتفاع قدره 3% عن المتوقّع تحصيله بنهاية 2023م نتيجة استمرار نمو الواردات وأثر التضخم العالمي على أسعار السلع المستوردة.

المصروفات والإنفاق

وتتبنى الحكومة ـ كما ذكرنا ـ الإنفاق التوسعي، الموجه إلى البرامج والمشروعات التنموية والاستراتيجيات المناطقية والقطاعية، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وتطوير البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات وتحفيز البيئة الاستثمارية وتمكين القطاع الخاص.

ووفقًا للميزانية، فإن المصروفات ستبلغ 1.251 تريليون ريال، مقارنة بـ 1.114 تريليون ريال في العام 2023م، وتعكس الميزانية لعام 2024م تراجعًا في قيمة المصروفات بنسبة 1.9% لتبلغ 1251 مليار ريال مقارنةً بـ 1275 مليار ريال خلال 2023م، إلا أن التوقعات تشير إلى أن المصروفات سترتفع عام 2025م لتصل إلى 1300 مليار ريال و1368 في عام 2026م.

وتمثل تعويضات العاملين أكبر بنود الإنفاق في ميزانية 2024م بحجم إنفاق يصل إلى 544 مليار ريال، بارتفاع 1.6% مقارنة بالمتوقَّع لـ 2023م، فيما ستشكِّل الإعانات أكثر بنود الإنفاق نموًا بنسبة 90% لتصل إلى 38 مليار ريال.

ومن المقدَّر أن يبلغ الإنفاق على باب السلع والخدمات نحو 277 مليار ريال، بارتفاع بنحو 1.6% عن المتوقع لـ 2023م نتيجة الاستمرار في تنفيذ وتشغيل البرامج والاستراتيجيات المتعلقة بالقطاعات الواعدة، وأن تبلغ نفقات باب المنافع الاجتماعية نحو 62 مليار ريال، فيما تبلغ النفقات الرأسمالية نحو 189 مليار ريال في العام 2024م وهو ما يشكِّل 15.1% من إجمالي النفقات.

أهداف وتوجهات

ويؤكد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، أن ميزانية المملكة لعام 2024م تهدف إلى تعزيز النمو في الاقتصاد غير النفطي، من خلال زيادة الإنفاق على البنية التحتية والصناعات والخدمات المحلية والاستثمار فيها، موضحًا أن ارتفاع الإنفاق الحكومي في ميزانية العام المالي 2024م يعود بشكل رئيسٍ إلى حرص الحكومة على الاستمرار في تطوير مستوى الخدمات العامة المقدَّمة للمواطنين والمقيمين، وتنفيذ عديد من المشروعات والتوسع في الإنفاق على استراتيجيات التطوير القطاعية والمناطقية، التي من شأنها أن تسهم في تحقيق تغيرات هيكلية إيجابية تؤدي إلى توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويعها.

ووفقًا للميزانية أيضًا، فإن المملكة عازمة على الاستمرار في تنويع اقتصادها، من خلال تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتحسين البيئة الاستثمارية، بالإضافة إلى بناء قطاع رياضي فعَّال من خلال مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية.

وفيما يتعلق بالقطاع الصناعي، فإن هناك توجهات وخططًا لتطوير هذا القطاع من خلال تنويع القاعدة الصناعية وسلاسل القيمة، وذلك عبر الاستراتيجية الوطنية للصناعة، التي تركِّز على 12 قطاعًا فرعيًا، بهدف رفع الناتج المحلي الصناعي نحو ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2020م ليصل إلى 895 مليار ريال في عام 2030م ليكون مساهمًا رئيسًا في تنمية الصادرات غير النفطية؛ تكاملاً مع الدور المهم لصندوق الاستثمارات العامة في الجهود التي تقوم بها الحكومة في تنوّع الاقتصاد، والدور المحوري لصندوق التنمية الوطني، من أجل استمرار العمل على تطوير أداء المالية العامة للمملكة، وعبر زيادة القدرة المالية وبناء الاحتياطيات الحكومية، بما يُعزّز قدرة اقتصاد المملكة، ويحافظ على مستويات مستدامة من الدَين العام، وبما يمكّن من مواجهة أيّ تطورات أو أزمات.

 

رؤية وزارة المالية

بدر بن سليمان الرزيزاء

ويؤكد وزير المالية، محمد الجدعان، أن الحكومة مستمرة في عملية الإصلاحات الهيكلية على الجانبين المالي والاقتصادي، بهدف تنمية وتنويع اقتصادها ورفع معدَّلات النمو الاقتصادي المستدام مع الحفاظ على الاستدامة المالية، مضيفًا أن الاقتصاد الوطني يمر بمرحلة نمو متميزة ومتوازنة، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 2.5 تريليون ريال في عام 2016م إلى4.1 تريليون ريال في عام 2023م بنمو بلغ 65%.

ويتوقَّع وزير المالية أن يؤدِّي الانتعاش الملحوظ في الاقتصاد السعودي إلى تطورات إيجابية على جانب الإيرادات في المدى المتوسط، موضحًا أن عملية تحليل المخاطر المالية والاقتصادية التي تواجه اقتصاد المملكة تُعدُّ جزءًا حيويًا من فهم الوضع الراهن؛ إذ تُسهم في تبني سياسات واستراتيجيات فعَّالة للتعامل مع هذه المخاطر.

 

رؤى رسمية

وثمَّن من جهته وزير الاقتصاد والتخطيط، فيصل بن فاضل الإبراهيم، دور ميزانية 2024م في المحافظة على المكتسبات ومواصلة التقدُّم في أداء المؤشرات الاقتصادية وتعزيز استدامة النمو الاقتصادي وتنويع القاعدة الاقتصادية الوطنية، بما يخدم مستهدفات رؤية المملكة 2030م، فيما ذكر وزير الاستثمار خالد الفالح، أن رفع الإنفاق الاستثماري في الميزانية العامة للدولة بنسبة 30% يعكس الدعم الكبير من القيادة الرشيدة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستدامة، كما يعمل على زيادة الاستثمارات النوعية.

ومن جانبه، رأى محافظ البنك المركزي، أيمن بن محمد السياري، أن الاقتصاد الوطني أثبت قدرة عالية على مواجهة التحديات، التي شهدها الاقتصاد العالمي، فيما أكَّد محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، الدكتور سعد بن عثمان القصبي، أن الأرقام المبشرة بميزانية هذا العام تأتي انعكاسًا لمسيرة التطور التي تعيشها البلاد في مختلف المجالات نحو مجتمع مزدهر وحيوي.

وقال رئيس مجلس إدارة غرفة الشرقية، بدر بن سليمان الرزيزاء، إن ميزانية العام هي ميزانية “الدعم والتمكين” مشيرًا إلى أنها جاءت تأكيدًا على رسوخ المعطيات الأساسية التي ينطلق من خلالها الاقتصاد الوطني، وأن رحلة التنويع مستمرة عبر سياسات الدعم لكافة القطاعات الاقتصادية، وأظهرت مدى عزم الحكومة على تعزيز مستويات النمو الاقتصادي بالاستمرار في سياسات الإنفاق التوسعي، وذلك وفقًا لإجراءات أكثر ضبطًا تعتمد الاستمرار في العمل على رفع كفاءة وفاعلية الإنفاق وتحقيق الاستدامة المالية، مقدمًا شكره وامتنانه للقيادة الرشيدة على اهتمامها بالمواطن وبقطاع الأعمال كشريك مؤثر في مسارات التنمية التي تخوضها البلاد على كافة المستويات.

وقال الرزيزاء: إن الميزانية عبَّرت عن شراكة أكثر تكاملية مع القطاع الخاص، وذلك باستمراريتها في تعزيز دوره في المشروعات التنموية، والعمل على إزاحة ما يوجه من تحديات، لافتًا إلى أن الاستمرار في تعزيز الإنفاق يهيئ فرصًا استثمارية كبيرة سواء لرأس المالي المحلي أو الأجنبي، ويؤكد مضي المملكة في تحقيق مستهدفاتها بزيادة جاذبية الاقتصاد كقاعدة للاستثمارات.

 

ركائز وتوقعات

من خلال تحليل ميزانية المملكة لعام 2024، وركائزها وبنود الإنفاق والإيرادات وكذلك محاورها ومستهدفاتها التنموية، يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط:

  • أنه على الرغم من التحديات والأزمات الدولية، مثل الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، إلا أنه من المتوقَّع أن يشهد الاقتصاد السعودي نموًا مستمرًا خلال السنوات المقبلة.
  • أن الموازنة السنوية للمملكة تستند إلى تقديرات “متحفظة” لعائدات النفط، مما يعني أن عجز الميزانية ليس ناتجًا عن تقلب أسعار النفط، ولكن من قرار متعمد لزيادة الإنفاق.
  • من المتوقَّع حدوث انخفاض طفيف في الإيرادات في ميزانية 2024م، على الرغم من تمديد خفض إنتاج النفط وانخفاض أسعار الخام، وتعتزم المملكة تعزيز الإنفاق في ظل سعيها لتنفيذ مشروعات ضخمة تدعم اقتصادها غير النفطي.
  • أن هناك زيادة في الإيرادات على المدى المتوسط بدعم رئيسٍ من الإيرادات غير النفطية وتنويع مصادر الدخل، إلا أن وتيرة الزيادة في إجمالي الإيرادات أقل من نظيرتها في جانب الإنفاق، وهو ما يؤدِّي إلى توقُّع عجز على المدى المتوسط.
  • يتزامن ارتفاع المصروفات الحكومية مع زيادة الإنفاق على المشروعات الحكومية الضخمة وتسريعها، بجانب منظومة الدعم الاجتماعي لضمان حماية المواطنين من التأثر بالتداعيات المحلية والعالمية، ودعم السلع والخدمات الأساسية المستوردة.
  • أن المبادرات والإصلاحات الهيكلية التي تم تنفيذها خلال الأعوام الماضية أسهمت في تنمية الإيرادات غير النفطية حتى أصبحت مصدرًا مهمًا ومستدامًا لتمويل المشروعات التنموية والنفقات ذات البعدين الاجتماعي والاقتصادي.

 

وأخيرًا، فإنه يمكن القول إن التوقعات الإيجابية للاقتصاد الوطني للعام 2024م تأتي امتدادًا للتطورات الإيجابية لأدائه الفعلي منذ بداية عام 2021م مدعومًا بنمو الناتج المحلي لأوجه النشاط غيـر النفطية مع توقع استمرار القطاع الخاص في قيادة النمو الاقتصادي، والإسهام في زيادة فرص الأعمال وتوفير الوظائف في سوق العمل، إضافة إلى تحسن الميـزان التجاري، والاستمرار في تنفيذ برامج ومبادرات تحقيق رؤية 2030م والاستراتيجيات القطاعية والمناطقية.