تحليل

الذهب يخطف الأضواء بتقلباته الاستعراضية في 2023م

مع قفزاته الاستعراضية شغل الذهب الأسواق هذا العام، مستفيدًا من الحروب والعوامل الجيوسياسية، وأيضًا من بعض المتاعب الاقتصادية، وبالطبع لا يجب أن ننسى العامل المهم في التأثير على أسعار الذهب، وهو معدل صرف الدولار، وخصوصًا مع التطورات المتسارعة في سياسة الاحتياطي الفيدرالي بشأن قرارات الفائدة.

وعلى الرغم من العلاقة العكسية مع الدولار، لكن يحصل أحيانًا الصعود للدولار ولأسعار الذهب في الوقت نفسه وشاهدنا ذلك في بعض فترات الأزمة العالمية في عام 2009م. الجدير بالذكر أيضًا أن شهري أكتوبر ونوفمبر، التي تعتبرهما الأسواق أسوأ فترات السنة على الأسهم، لم نشهد هذا العام انهيارات كبيرة وهلعًا كما كانت بعض البنوك العالمية تتوقع، فأتى أكتوبر ومعه نوفمبر بشكل مختلف تقريبًا، وشاهدنا أداءً قويًا للمؤشرات العالمية وبشكل خاص للمؤشرات الأمريكية، التي اقتربت من مستوياتها القياسية، متجاهلةً حالة عدم اليقين التي تجتاح الاقتصاد العالمي، والتحديات الكبيرة التي تجتاز الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إن كان من ناحية التعامل مع ديون الشركات العقارية الكبيرة، أو من ناحية التعامل مع حالة التراجع الاقتصادي التي تمر فيها البلاد.

بالإضافة إلى ذلك كان هناك الركود الذي ضرب الاقتصاد الألماني أكبر اقتصاد في أوروبا، ورابع أكبر اقتصاد في العالم بعد الأمريكي والصيني والياباني، والذي يثير قلق المحللين بعد صدور عدة بيانات اقتصادية له غير جيدة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، وصعوبات كبيرة في إيجاد النمو، بالإضافة إلى الإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسر، مع بروز تحديات كبيرة بالتعامل مع معدلات التضخم حتى الآن.

في المقابل كانت هناك عودة كبيرة للاقتصاد الهندي، بعد التراجع الذي ضربه وقت فترة الجائحة، ويستمر هذا الاقتصاد في التوسع والانفاق، والتي حافظ فيها على لقب خامس أكبر اقتصاد في العالم، بعد أن أزاحت الهند بريطانيا عن هذا المركز، مع تسجيل الناتج المحلي الإجمالي مستويات 3.73 تريليون دولار، مقابل 3.33 تريليون دولار لبريطانيا، وتسجيل نمو بحدود 6% هذا العام، حسب الأرقام الأخيرة لصندوق النقد الدولي.

وفي عودة إلى أسعار الذهب التي سرقت الأضواء هذا العام، نلقي الضوء على تحركات المعدن الأصفر في كل ربع على النحو التالي: كيف تحركت أسعار الذهب في الربع الأول؟ بداية نلاحظ أنه طوال هذا العام، لم يكسر سعر الذهب مستويات الـ 1800 دولار، وسجل أدنى سعر له في فبراير الماضي عند حوالي 1802دولار.

الافتتاحية كانت قوية، وسجل شهر يناير قفزة من بداية شهر يناير والتي كانت عند 1822دولارًا إلى 1930دولارًا وحتى وصلت الأسعار إلى 1950دولارًا، وأتى ذلك بعد ارتداد قوي على مدى شهرين متتاليين من مستويات 1615دولارًا، لكنه عاد وفقد في شهر فبراير كل المكاسب التي حققها في الشهر الأول، ثم نصل إلى شهر مارس الذي شهد عودة كبيرة للذهب تخطى فيها مستويات الـ 2000 دولار، ولكنه أقفل الشهر والربع الأول من العام عند مستويات 1969دولارًا، محققًا مكاسب كبيرة في هذا الربع ومقتربًا من أعلى إغلاق قياسي.

وخلال الربع الثاني خفت التقلبات الحادة والارتفاعات القوية التي شهدها الربع الأول، ورغم أن المعدن الأصفر حطَّم رقمه القياسي السابق في شهر أبريل وسجل مستويات 2080دولارًا، وتداول مرات عديدة فوق مستويات 2000دولار خلال شهري أبريل ومايو، ولكنه ما لبث أن عاد وفقد حوالي نصف مكاسب الربع الأول وأقفل عند مستويات 1917دولارًا.

وشهد هذا الربع أيضًا كسر أسعار الذهب لمنطقة 1900دولار، بعد أن سجَّل قاع الربع الثاني والذي كان عند 1890دولارًا، وبذلك يكون الذهب سجَّل مكاسب نصف سنوية بحوالي 100دولار.

أما في الربع الثالث، فقد فشل سعر الذهب في العودة إلى مستويات 2000دولار، وبقيت الأسعار طوال هذا الربع بين مستويات 1990دولارًا و1850دولارًا، وسلكت الأسعار اتجاهًا هابطًا بعد أن ارتفعت فقط في شهر يوليو، ثم تراجعت بعدها خلال شهري أغسطس وسبتمبر، واختتمت الربع الثالث عند أقل مستوى لها في 6 أشهر.

والحدث الأهم في الربع الرابع صاحب القفزة الاستعراضية التي سجلها سعر الذهب، عندما قفز بأكثر من 100 دولار في أول جلستين من شهر ديسمبر وسجَّل وقتها رقمًا قياسيًا جديدًا، ولكن أيضًا كان هناك هدف مهم سجله عندما استطاع تحقيق إغلاق شهري فوق مستويات 2000دولار لأول مرَّة في تاريخه، وكان ذلك في شهر نوفمبر، بعد أن كان يفشل في كل مرَّة في التماسك عند هذه المستويات في نهاية كل شهر، وعلى الرغم من أنه استطاع اختراق هذه المستويات، مرِّات عديدة في عدة جلسات، ولكن في المقابل كان يجد صعوبة في المحافظة عليها.

وكانت بداية الربع قوية، وانتفضت الأسعار من قاع الأسبوع الأول، والذي سجل مستويات عند 1808دولار، ودخلت الأسعار في موجة صاعدة قوية في شهر أكتوبر، محت فيها جميع الخسائر السابقة وسجلت أعلى مستويات لها في 5 أشهر، واستمر بعدها الأداء الجيد في شهر نوفمبر، مع الحدث المهم الذي أشرنا إليه، وهو أول إغلاق شهري فوق مستويات 2000دولار.

في النهاية تتسارع الاحداث والتطورات، مقابل ذلك تكون هناك ردة فعل الأسواق مع الأخذ بالاعتبار دائمًا إذا تم احتساب ذلك أم لا.