أسواق الألعاب الإلكترونية

زعامة الألعاب الإلكترونية

بلغت عام 2022م إيرادات سوق الألعاب الإلكترونية عالميًا نحو 347 مليار دولار

3 مليار دولار إيرادات متوقعة للألعاب الإلكترونية في المملكة بحلول 2027م

كأس “الرياض” المرتقب تطور مهم في صناعة الرياضات الإلكترونية

 

على الرغم من أن عمرها لا يتعدَّى سبعة عقود على الأكثر، إلا أنها باتت لاعبًا رئيسًا في المشهد الاقتصادي العالمي، بأكثر من 3 مليار شخص يستخدمونها، أي حوالي 40% من سكان العالم، مع توقعات بزيادة نموها، لاسيما مع قيام البلدان النامية بتوسيع نطاق وصول سكانها إلى شبكة الإنترنت، إنها ألعاب الفيديو (الألعاب الإلكترونية)، التي شهدت خلال العقدين الماضيين سوقها تنافسًا كبيرًا بين دول العالم على زعامتها.

فلم تعد ألعاب الفيديو مصدرًا للترفيه فقط، بل تحوَّلت إلى أحد أهم الصناعات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، نظراً للعوائد المالية الهائلة التي تدرها، فقد بلغت عام 2022م إيرادات هذه السوق عالميًا نحو 347 مليار دولار، الحصة الأكبر منها لسوق ألعاب الهواتف المحمولة التي بلغت إيراداتها 248 مليار دولار، أي بنسبة حوالي 72%.

وثمة تقديرات حديثة تُشير إلى أن صناعة ألعاب الفيديو من المتوقع أن تحقق إيرادات بقيمة 406 مليار دولار في عام 2023م، متفوقة بنسبة 18% على إيرادات صناعة الموسيقى والأفلام مجتمعة (338 مليار دولار)، وفي غضون ثلاث إلى أربع سنوات، من المتوقع أن تقترب إيراداتها من عائدات التلفزيون العالمية (690 مليار دولار)، وأن تحقق معدَّل نمو 9% على أساس سنوي.

سوق تنافسية

ومن المتوقع بحسب تقرير لموقع شركة “ستاتيستا”، الشركة الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، أن تصل إيرادات سوق الألعاب الإلكترونية في العالم إلى نحو 455 مليار دولار في عام 2024م، وحوالي 502 مليار دولار في عام 2025م، و542 مليار دولار في عام 2026م، و585 مليار دولار بحلول عام 2027م، وأشار التقرير إلى أنه في البلدان المتقدِّمة كالولايات المتحدة الأمريكية، يلعب أكثر من 80% من السكان ألعاب الفيديو لمدة تتراوح ما بين ساعة و10 ساعات أسبوعيًا.

وتتصدر منطقة آسيا والمحيط الهادئ في عدد المستخدمين للألعاب الإلكترونية بنسبة 53% من إجمالي المستخدمين في العالم، تليها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 15%، ثم أوروبا بنسبة 13%، وأمريكا اللاتينية بنسبة 10%، وأمريكا الشمالية بنسبة 9%، وعلى الرغم من أن عمرها لا يتعدى سبعة عقود على الأكثر، إلا أن صناعة ألعاب الفيديو باتت لاعبًا رئيسًا في المشهد الاقتصادي العالمي، حيث يعكس التنافس الشديد بين الصين والولايات المتحدة واليابان على زعامة هذه الصناعة، مدى الأهمية التي تشكلها كمصدر إضافي للنمو الافتصادي، من خلال تعزيز حجم الاستثمارات، فضلاً عن توفير آلاف فرص العمل من مصممين ومبرمجين واختصاصيين، خصوصًا مع دخول تقنيات حديثة مثل الميتافيرس إلى هذه الصناعة.

ووصل التنافس العالمي للاستحواذ على حصة أكبر من سوق الألعاب الإلكترونية إلى الكونجرس الأمريكي، الذي طرح بعض أعضائه المخاوف المتعلقة باحتكار شركة “سوني” لسوق ألعاب الفيديو في اليابان، حيث تصل حصتها إلى 98% من هذه السوق المتنامية، وأشاروا إلى أن الشركة وقَّعت صفقات تهدف إلى إبقاء الألعاب اليابانية بعيدة عن أجهزة “إكس بوكس” التابعة لمايكروسوفت، الأمر الذي “قد ينتهك قوانين مكافحة الاحتكار اليابانية”.

ولتوضيح الإيرادات المذهلة التي يحققها هذا القطاع، تكفي الإشارة إلى ارتفاع متوسط العائد عن كل مستخدم في سوق الألعاب الإلكترونية إلى أكثر من 80 دولارًا عام 2022م، بمعدل نمو بلغ 34% مقارنةً مع عام 2019م مع توقعات بأن يصل إلى 84.2 دولار عام 2023م.

وحققت الصين إيرادات بقيمة 45.5 مليار دولار من سوق ألعاب الفيديو عام 2022م، ومن المتوقع أن تصل إلى 57 مليار دولار بحلول 2027م، مع وجود 730 مليون لاعب، حيث لا تزال أكبر سوق للألعاب في العالم، وتستحوذ على حوالي 32% من إيرادات ألعاب الهواتف المحمولة في العالم، و33.4% من إيرادات ألعاب الحاسوب العالمية، وفيما يخص الشركات الصينية، فإن 66% من إيراداتها تأتي من الأجهزة المحمولة، و31% من أجهزة الحاسوب، و3% من ألعاب وحدات التحكم.

وتعدُّ اليابان ثالث أكبر سوق لألعاب الفيديو في العالم من حيث الإيرادات، بعد الولايات المتحدة والصين، والتي بلغت 14 مليار دولار في 2022م، وتمثل ألعاب الهاتف المحمول 60% من المبيعات، كما يستخدم واحد من كل ثلاثة يابانيين ألعاب الفيديو على هواتفهم بانتظام يومياً، وتتضمن الألعاب الإلكترونية الأكثر شعبية في اليابان ودول شرق آسيا (gacha، Monster Strike، Minecraft).

برعاية الأمير محمد بن سلمان، إطلاق بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية

عصر الترفيه الرقمي

ويمكن القول إن التطورات التكنولوجية الحديثة تفتح إمكانات جديدة للمطورين في تصميم ألعاب إلكترونية أكثر جاذبية، مثل الألعاب السحابية وألعاب الواقع الافتراضي، وتعدُّ “نينتندو ومايكروسوفت وسوني” أكبر ثلاث شركات حول العالم في مجال تصنيع وتصميم أجهزة وتطبيقات ألعاب الفيديو، حيث تبلغ إيراداتها السنوية حوالي مليار دولار، بحصة تبلغ 29% من إجمالي إيرادات صناعة الألعاب في العالم، وتمتلك “سوني” أكبر حصة سوقية بين هذه الشركات، كما تعد شركة “تنسنت” الصينية العملاقة من بين أفضل الشركات من حيث إيرادات الألعاب عبر الإنترنت، فضلاً عن شركتي “جوجل وآبل” اللتين تحققان أرباحاً خيالية من إتاحة هذه الألعاب على متاجر التطبيقات الخاصة بها.

ويتطور سوق الألعاب الإلكترونية بشكلٍ مذهل، حيث شهد عام2023م، انتشارًا أكبر للألعاب السحابية التي تتيح اللعب من خلال أي شاشة (كمبيوتر، هاتف محمول، تليفزيون)، عن طريق الاتصال بالإنترنت، دون الحاجة إلى امتلاك نسخة من اللعبة، حيث تشير تقديرات إلى أنها من المتوقع أن تحقق معدل نمو سنوي بنسبة 62.5%، كما أن ألعاب الواقع الافتراضي (VR) حققت هي الأخرى انتشارًا قويًا، ومن المتوقع أن تحقق إيرادات بقيمة 3.2 مليار دولار في 2024م.

ويبدو أننا نعيش بالفعل عصر الترفيه الرقمي، وأن صناعة ألعاب الفيديو واعدة ومرشحة للنمو القوي خلال السنوات المقبلة، خاصة مع النمو المطرد في عدد المستخدمين، الذي لم يعد يقتصر على الأطفال، بل أصبح الكبار منافسين لهم، فضلاً عن الاستثمارات الهائلة التي تضخها الشركات لتطوير وتصميم ألعاب مبتكرة، وسط منافسة حامية الوطيس بين كبريات الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال.

مركز عالمي للألعاب الإلكترونية

وثمَّة تقارير عديدة تؤكد أن المملكة على طريق التحوُّل إلى مركز عالمي لصناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية، وأنها الأكبر طموحًا عندما يتعلق الأمر بهواية عالمية مثل ألعاب الفيديو؛ إذ خصص صندوق الاستثمارات العامة ما يقرب من 40 مليار دولار لمجموعة جديدة تهدف إلى تحويل المملكة إلى “مركز عالمي” للألعاب والرياضات الإلكترونية بحلول عام 2030م.

ففي فبراير 2023م، أصبح الصندوق أكبر مستثمر خارجي في “نينتندو” عملاق الألعاب الياباني، كما استضافت بطولة ألعاب كبرى بمجموع جوائز قياسي بلغ 45 مليون دولار، وهو ما ساعد المملكة في التحوُّل السريع إلى قوة ترفيهية ورياضية ناشئة.

ومن المتوقع أن يحقق قطاع الألعاب الإلكترونية في المملكة نموًا كبيرًا خلال السنوات المقبلة، وأن تبلغ إيراداته 900 مليون دولار في عام2023م، وأن يحقق معدَّل نمو سنوي مركب 9.1% خلال الفترة (2023م- 2027م)، لتصل قيمته إلى 1.3 مليار دولار و2.8 مليون لاعب بحلول 2027م، كما أعلنت مجموعة “سافي” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، عن تخصيص 8 مليار دولار للاستحواذ على علامات تجارية عالمية لألعاب الفيديو، كما تمتلك الشركة صندوقًا ضخمًا بقيمة 38 مليار دولار للاستثمار في هذا القطاع، حيث من المستهدف إنشاء 50 شركة ألعاب في المملكة، وخلق 39 ألف فرصة عمل، ورفع إسهام القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 50 مليار ريال بحلول 2030م.

وسلَّطت تقارير الضوء على التطورات الحاصلة في صناعة الألعاب في المملكة، مشيرة إلى أنها تلقت دعمًا بتمويل جديد يصل إلى 488 مليون دولار من الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية وصندوق التنمية الوطني وبنك التنمية الاجتماعية، مما يعزز مكانة القطاع ويؤهل المملكة لتكون سوقًا رئيسة للألعاب الإلكترونية في الشرق الأوسط، لافتةً إلى تضاعف عدد شركات الألعاب الناشئة في المملكة ليصل إلى 24 شركة في عام 2022م، مقارنةً مع 13 شركة عام 2021م.

كأس العالم للرياضات الإلكترونية

ويعدُّ التطور الأبرز والأهم في الخطوات التي تتخذها المملكة في طريق تحقيق هدفها بأن يكون لها دور محوري في هذه الصناعة، هو إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، صاحب السمو الملكي، الأمير محمد ابن سلمان، في أكتوبر 2023م عن إطلاق بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، والتي سوف تستضيفها الرياض بدءًا من صيف العام الجاري.

وفي هذا السياق، يذكر “إيفي أودين”، الخبير الدولي في تكنولوجيا المعلومات، أن كأس العالم للرياضات الإلكترونية يعدُّ تطويرًا مهمًا في صناعة الرياضات الإلكترونية، حيث من المتوقع أن يجذب جمهورًا كبيرًا ويحقق إيرادات ضخمة؛ إذ سيوفر منصة مهمة للاعبين من جميع أنحاء العالم للتنافس وعرض مهاراتهم، مشيرًا إلى أن إنشاء مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية خطوة إيجابية نحو زيادة التعاون بين أصحاب المصلحة، وبمثابة فرصة مهمة لتطوير قدرات ومهارات اللاعبين الموهوبين في الشرق الأوسط والعالم.

ويمكن التأكيد على أن المملكة تسخر كافة مقوماتها وإمكاناتها لتطوير صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية، متخذةً خطوات جادة وطموحة في هذه الصناعة المتنامية عالمياً، بما يسهم في خطط ومساعي التنويع الاقتصادي التي تنتجها المملكة وفقًا لرؤية 2030م، التي يصفها خبراء دوليون بـ “المذهلة”.