اقتصاديات معادن

معادن غير مستغلة!

المملكة الثالثة عالميًا في الثروات الطبيعية بقيمة 34.4 تريليون دولار.

إصلاحـــات قوانيــن الاستثمار تعكس التزام المملكـــة بجذب الاستثمـــارات وتعزيز قطاع التعدين.

 

تحتل المعادن النادرة وغير المستغلة، أهمية متزايدة في مختلف دول العالم لاسيما وأن الحصول عليها أصبح محل تنافس عالمي محموم، خاصة أنها باتت جزءًا أساسيًا من صناعات تتقدم وتتطور كل يوم، وتحولت إلى سلع استراتيجية تسعى الدول إلى احتكار إنتاجها وتصديرها إلى باقي دول العالم، فمن الصناعات العسكرية إلى الاستخدامات المدنية كالسيارات الكهربائية ومحطات الطاقة النظيفة والهواتف الذكية وشاشات التلفاز وغيرها، باتت هذه المعادن التي يطلق عليها “الثمينة” ثروات ضخمة تسعى الدول إلى حسن استغلالها، لتلبية الطلب العالمي المتزايد.

 

الثالثة عالميًا

وتأتي في المملكة بحسب تقديرات دولية في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث الثروات الطبيعية، وأن جزءًا كبيرًا منها لم يستغل بعد، وتقدر قيمتها بنحو 34.4 تريليون دولار، منها النحاس والفلسبار والفوسفات والفضة والكبريت والتنغستن والزنك، فيما تحتل روسيا المرتبة الأولى عالميًا، بقيمة 75 تريليون دولار، ثم الولايات المتحدة بقيمة 45 تريليون دولار، وفي المرتبة الرابعة كندا بقيمة 33.2 تريليون دولار.

وتأتي الصين في المرتبة السادسة عالميًا، رغم أنها من أكبر الدول المصدرة للمعادن النادرة، بقيمة 23 تريليون دولار بعد إيران، ثم البرازيل بقيمة 21.8 تريليون دولار، ومن أهم المعادن فيها، البوكسيت والبلاتين والنحاس والذهب والحديد والقصدير، ثم أستراليا بقيمة حوالي 20 تريليون دولار من الثروات الطبيعية، وتعد من أكبر مصدري الفحم في العالم وتستحوذ على حصة تقدر بنحو %29 من الصادرات العالمية، وفي المرتبة التاسعة والعاشرة عالميًا، العراق بقيمة 16 تريليون دولار وفنزويلا 14.3 تريليون دولار.

وذكر وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، أن الحكومة عدلت تقديراتها بالزيادة لمواردها المعدنية غير المستغلة بنسبة %90 إلى 9.375 تريليونات ريال (ما يعادل 2.5 تريليون دولار)، من توقعات 2016م البالغة 5 تريليونات ريال (1.3 تريليون دولار)، وبمعدل نمو يصل إلى %86، وأشار إلى أن النتائج التي تم الإعلان عنها هي نتيجة للجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية في عمليات الاستكشاف والمسح الجيولوجي التعديني، إضافةً إلى الجهود الكبيرة في إصدار تراخيص الاستكشاف عن المعادن، التي تضاعفت خلال السنوات الثلاثة الماضية بأربعة أضعاف، مقارنةً بعدد التراخيص خلال ست سنوات  سبقت صدور نظام الاستثمار التعديني الجديد، الذي أسهم في رفع حجم الإنفاق على الاستكشاف من 70 ريالاً إلى 180 ريالاً لكل كيلومتر مربع، الأمر الذي يؤكد على جدوى الاستثمار في عمليات الاستكشاف التعديني، لافتًا إلى وجود خطط لمنح أكثر من 30 رخصة للتنقيب عن التعدين للمستثمرين الدوليين هذا العام، ويمكن أن توفر مناطق استكشاف أكبر تزيد عن 2000 كيلومتر لكل ترخيص.

قطاع التعدين

ويعكس إعلان المملكة عن إبرام صفقات خلال فعاليات مؤتمر التعدين الدولي، الذي عُقد شهر يناير 2024م، بقيمة 20 مليار دولار، التزامها بجذب الاستثمارات وتعزيز قطاع التعدين من خلال الإصلاحات الأخيرة في قوانين الاستثمار والممارسات التجارية، حيث أدت هذه التطورات المشجعة في المشهد الاستثماري إلى إصدار ما يقرب من 4500 رخصة خلال العامين الماضيين، كما كان هناك استثمار كبير في برامج المسح الجيولوجي، مما يعكس التزام المملكة باكتشاف واستغلال ثرواتها المعدنية.

وتشكِّل هذه المبادرات جزءًا من رؤية المملكة 2030م التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص العمل، وكجزء من هذه الرؤية، قامت الدولة بتطوير 33 موقعًا جديدًا للتنقيب، وتخطط لمنح أكثر من 30 رخصة استكشاف تعدين للمستثمرين الأجانب في عام 2024م، وتَعُدُّ المملكة قطاع التعدين ركيزة صناعية محورية في جهودها لتنويع الاقتصاد، وبفضل مواردها المعدنية الهائلة غير المستغلة، فإن المملكة في وضع جيد لتصبح قوة عالمية في قطاع التعدين.

وثمة إدراك لدى الدولة بالقيمة الهائلة لمعادنها في تحقيق أهدافها وتعزيز مستقبل العالم المنخفض الكربون، ومن خلال الاستفادة من هذه الموارد بحكمة فضلاً عن التزامها بالمعايير العالمية، يمكنها أن تصبح عنصرًا رئيسيًا في سلاسل توريد المعادن الأكثر أمانًا لجميع أنحاء العالم، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تمكين الابتكارات التي تدفع النمو العادل والازدهار في عالم خالٍ من الكربون، ويدفعها أن تكون في طليعة دول الشرق الأوسط في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ.

خطوات رائدة

وكانت المملكة قد خطت خطوات رائدة لتطوير قطاع التعدين، إذ أعلنت شركة التعدين العربية السعودية العملاقة “معادن”، مؤخرًا عن اكتشاف محتمل لإمكانات كبيرة من موارد الذهب تمتد على طول 100 كيلومتر جنوب منجم منصورة ومسرة للذهب، واستحواذها على حصة %10 في شركة فالي البرازيلية للمعادن الأساسية، كما دخلت في شراكة استراتيجية مع شركة “إيفانهو” إلكتريك ومقرها الولايات المتحدة، لاستكشاف المعادن غير المستغلة في المملكة، بما في ذلك النحاس والنيكل والكوبالت والليثيوم، ما يجسد هذا التعاون نية المملكة بتطوير معادنها الاستراتيجية.

كما وقعت المملكة اتفاقية مع المملكة المتحدة وأبدت اهتمامًا بالتعاون مع الدول الرائدة في مجال تكنولوجيا التعدين مثل أستراليا، حيث تركز الشراكة مع المملكة المتحدة على تأمين الوصول المتبادل إلى الموارد الحيوية للأمن الاقتصادي والوطني، وفي الوقت نفسه، تهدف الاتفاقية المبرمة مع أستراليا إلى تغطية التعاون عبر سلسلة توريد المعادن بأكملها، بدءًا من الاستكشاف الجديد وحتى المعالجة النهائية، ومن خلال تعزيز هذه العلاقات الدولية بشكل استباقي، يمكـــــن للمملكــــــة أن تبرز كمـــــورد رئيســـــي للموارد الأساسية اللازمة لإزالة الكربون على مستوى العالم.

وشهدت الفترة الماضية، توقيع مذكرات تفاهم بين المملكة ومجموعة من الدول، أبرزها تركيا ونيجيريا ومصر لتعزيز الاستثمارات في قطاع التعدين، مما يفتح الباب واسعًا أمام فرص استثمارية واعدة في هذا القطاع والصناعات المساندة، بما يعزز النتائج التي حققها عام 2023م، والتي بلغت 1.5 تريليون ريال، مقارنةً مع 1.4 تريليون ريال عام 2022م، بزيادة قدرها %63 مقارنةً مع العام السابق عليه 2021م، فضلاً عن هذه الخطوات والصفقات التي أبرمتها المملكة، التي ستمكنها من الوصول إلى سلاسل التوريد عالية الجودة عبر سوق المعادن الحيوية، بما في ذلك النيكل والنحاس والكوبالت، وستسهم في نمو قطاع التعدين في المملكة.

مجالات مساندة

ويمكن التأكيد على أن خطط المملكة لتنويع الاقتصاد بدأت تؤتي ثمارها، خاصة في القطاعات الرئيسية، ومنها التعدين، حيث تم إصدار قانون للاستثمار في القطاع عام 2021م، وهو ما يسهم بشكلٍ كبير في تسهيل إصدار تراخيص التنقيب والاستفادة من الثروة المعدنية غير المستكشفة، حيث يستحوذ القطاع على استثمارات تقدر بنحو 170 مليار دولار، فضلاً عن القطاعات الأخرى التي تتمثل في الخدمات اللوجستية والتحول الرقمي والابتكار، وإنه منذ إطلاق رؤية 2030 عام 2016م، حققت بالفعل المملكة خطوات كبيرة في تنمية الاقتصاد غير النفطي، من خلال ضخ وجذب استثمارات هائلة في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، بحسب تقارير دولية.

وتسهم الاستثمارات الهائلة في قطاع المعادن والتعدين، بشكل كبير في فتح مجالات استثمارية مساندة وداعمة لهذا القطاع الحيوي، خاصة قطاع الصناعات التحويلية والاستخراجية والابتكار والخدمات اللوجستية، فضلاً عن تحقيق التنمية المكانية المتوازنة، بما يزيد من إسهاماته في القطاع الصناعي والناتج المحلي، فضلاً عن الطلب المتزايد على المعادن في الوقت الحالي ومستقبلاً، ومع هذه التطورات والمحفزات التي تبنتها المملكة، فإنها محط أنظار الشركات الأجنبية الباحثة عن استثمارات منخفضة المخاطر ونظام ضريبي هو الأقل عالميًا، فضلاً عن نظام اقتصادي قوي.