اقتصاديات الدواء

مركز عالمي للصناعات الدوائية

توقعات بأن يصل حجم سوق صناعة الأدوية في العالم بنهاية 2029م إلى 2.4 تريليون دولار.

المملكة قاعدة جذابة لشركات الأدوية العالمية وتوقعات بأن يحقق القطاع معدل نمو سنويًا يقترب من %10.

 

تعد صناعة المستحضرات الدوائية والأدوية الحيوية من الصناعات الاستراتيجية حول العالم، لاسيما وأنها مرتبطة بصحة الإنسان، وهي صناعة لا غنى عنها، إذ تظهر الإحصاءات تزايد الإنفاق العالمي على قطاع الرعاية الصحية، سواء لتحسين تقديم الخدمات أو الحصول على اللقاحات والأدوية، والذي بلغ 12 تريليون دولار عام 2022م، مقارنةً مع 8.5 تريليون دولار عام 2019م، بمعدل نمو بلغ %41 خلال أربع سنوات.

سوق الأدوية العالمي

وشهد قطاع صناعة الأدوية العالمية نموًا قياسيًا خلال العقدين الماضيين وخاصة بعد جائحة كوفيد، التي أسهمت في رفع قيمة السوق العالمية بأكثر من تريليون دولار، كما بلغ إجمالي الإيرادات قرابة 1.5 تريليون دولار عام 2022م، فيما بلغ الإنفاق على البحث والتطوير 244 مليار دولار في نفس العام، و262 مليار دولار عام 2023م، مع توقعات بأن تصل إلى 272 مليار دولار العام الجاري، وأن تسجل 302 مليار دولار بحلول عام 2028م، وسط توقعات بأن تصل قيمة سوق صناعة الأدوية في العالم إلى 2.4 تريليون دولار بنهاية 2029م.

كما شهد العام الماضي، الموافقة على 55 صنفًا دوائيًا جديدًا من قبل مركز تقييم وأبحاث الأدوية بالولايات المتحدة، مقارنةً مع 20 صنفًا جديدًا عام 2016م، و60 صنفًا عام 2018م، مما يعكس الاهتمام العالمي المتزايد بصناعة الأدوية.

ويهيمن على صناعة الأدوية عدد من الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، وبحسب مبيعات الأدوية الموصوفة طبيًا، تصدرت شركة “فايزر” الأمريكية قائمة شركات الأدوية من حيث الإيرادات، والتي بلغت 100 مليار دولار عام 2022م، ومن بين كبار اللاعبين العالميين في هذا المجال أيضًا، شركات “جونسون آند جونسون” و”ميرك آند كو” و”أبفي”، حيث تستحوذ الشركات الأمريكية على أكثر من %50 من إجمالي مبيعات وإيرادات شركات الأدوية في العالم.

وحققت صناعة الأدوية الأمريكية خطوات كبيرة خلال العقود القليلة الماضية بسبب التركيز بشكل أكبر على البحث والتطوير، وتنفق شركات الأدوية أكثر من %21 من إيراداتها على أنشطة البحث والتطوير، وبلغ إجمالي نفقات هذه الأنشطة في الولايات المتحدة وحدها حوالي 102 مليار دولار في عام 2021م، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، بسبب التركيز على تطوير أدوية أكثر أمانًا وفعالية لـ”كوفيد19-“.

وبحسب تقارير دولية، فإن السوق الأوروبية تحتل المرتبة الثانية في إيرادات صناعة الأدوية بقيمة 213 مليار دولار بعد السوق الأمريكية، ثم الصين وروسيا والهند والبرازيل، كما تعد أمريكا اللاتينية وشبه القارة الهندية من مناطق العالم التي تتمتع بأعلى معدلات النمو السنوي المركب المتوقعة حتى عام 2026م، لافتةً إلى أن التحدي الرئيس الذي يواجه هذه الصناعة في العالم هو انتهاء فترة حماية براءات الاختراع، حيث تقدر الخسائر المتوقعة جراء ذلك نحو 230 مليار دولار خلال الفترة (2025م- 2030م).

أكبر سوق في المنطقة

وليست منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنأى عن النمو المتزايد لسوق صناعة الأدوية في العالم، حيث شهدت السوق تطورات لافتة خلال السنوات الأخيرة، رغم أن مساهمة الدول العربية مازالت تمثل رقمًا ضئيلاً في حدود %3، حيث تصل قيمة السوق إلى حوالي 25 مليار دولار، بمعدل نمو سنوي %8.

وتعد المملكة أكبر سوق في المنطقة في قطاع صناعة المستحضرات الدوائية، مع توقعات أن تحقق معدل نمو سنوي %5 بحلول 2026م، بقيمة 11 مليار دولار، مقارنةً مع 8 مليارات دولار في 2023م، ومن المتوقع أن تواصل الصناعة نموها بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، حيث شهد العام الماضي وحده، تطورات يمكن وصفها بالمشجعة لتمكين القطاع في المملكة، حيث أصبحت المملكة جاذبة بشكلٍ لافت للاستثمارات العربية والأجنبية في هذا القطاع الحيوي، ومن أبرز هذه التطورات:

  • إعلان صندوق الاستثمارات العامة عن إنشاء شركة متخصصة في الصناعات الدولية تحت اسم “لايفيرا”، والتي ستركز على المنتجات الدوائية الأساسية، مثل: (الإنسولين، واللقاحات، وأدوية البلازما والأجسام المضادة، والعلاجات الخلوية والجينية، والجزيئات الصغيرة المبتكرة).
  • توقيع شركة “إيفا فارما” المصرية اتفاقًا لبناء مجمع صناعي متطور للأبحاث والتصنيع الدوائي في مدينة سدير للصناعة والأعمال، باستثمارات تصل إلى 133 مليون دولار، وبقدرة تشغيلية تصل إلى 990 مليون وحدة سنويًا من أكثر من 150 منتجًا دوائيًا على أن يبدأ التشغيل الكامل في 2026م، ومن المتوقع أن يصبح أكبر مركز لصناعة الأدوية في المنطقة.
  • افتتاح مصنع “شركة سدير للأدوية” الخاص بإنتاج أدوية الأورام، والذي يعد الأول من نوعه في إنتاج أدوية الأورام، إضافة إلى المصنع العام للأدوية التخصصية بحجم استثمارات يتجاوز 277 مليون ريال.
  • إعلان شركة “أفالون فارما” التي تعد الأسرع نموًا في الصناعات الدوائية، عن تعزيز استثماراتها في القطاع وإطلاق رابع مصانعها في المملكة “أفالون 4″، باستثمارات تزيد عن 100 مليون ريال، على أن يبدأ الإنتاج في 2026م في المدينة الصناعية بالرياض.

وثمة توقعات بأن يحقق قطاع الأدوية في المملكة معدل نمو سنوي مركب %9.6 حتى 2032م، مدفوعًا بزيادة الاستثمارات في قطاع البنية التحتية للرعاية الصحية، وارتفاع الطلب على الأدوية، جراء ارتفاع مستوى دخل الفرد، وكذلك بالخطوات التي تتخذها الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتقديم خيارات استثمارية متميزة، والتي تلعب دورًا مهمًا في تشجيع الاستثمارات في هذا القطاع، ما يؤشر بأن تُسهم هذه التطورات في زيادة القيمة السوقية للقطاع لتصل إلى 13 مليار دولار في 2032م، مقارنةً بـ 5.2 مليار دولار في 2022م.

 

وتتقدم المملكة بخطوات ثابتة نحو توطين صناعة الأدوية، وزيادة نسبة المكون المحلي، حيث أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريف، أن عدد المصانع المسجلة بلغ 84 مصنعًا باستثمارات 7 مليارات ريال، فضلاً عن 148 مصنعًا للأجهزة والمعدات الطبية، باستثمارات إجمالية 3.1 مليار ريال، لافتًا إلى أن مدينة سدير للصناعة والأعمال ستكون الأهم في صناعة الأدوية وأجهزة المعدات الطبية بالمملكة، وكانت صادرات الصناعات الدوائية قد بلغت 1.5 مليار ريال، وثمة مفاوضات مستمرة مع الشركات العالمية الكبرى في مجال صناعة الدواء لتكوين شراكات أكبر.

قبلة شركات الأدوية

وتشير تقارير ودراسات عدة إلى أن سوق الأدوية في المملكة يستحوذ على %37 من سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعمل وفق خطوات ثابتة تتسق مع رؤية 2030م بتعزيز مكانة المملكة كسوق رائدة في صناعة الأدوية، لافتةً إلى أن الحوافز المالية والإصلاحات التنظيمية والاستثمارات الضخمة لتطوير البنية التحتية، من أبرز العوامل الجاذبة للاستثمارات الدولية في مجال الأدوية الحيوي، مؤكدةً أن المملكة من أكبر الدول الجاذبة بشكلٍ متزايد لشركات الأدوية العاملة في المنطقة، وأن مستوى الرعاية الصحية والوصول إلى المرضى والأدوية يمكن مقارنته بمثيلاتها في أوروبا والولايات المتحدة.

وفي السياق نفسه، توقع تقرير لشركة “فيتش سيليوشنز” التابعة لوكالة “فيتش” العالمية للتصنيف الائتماني، أن يشهد قطاع الأدوية في المملكة طفرة في الاستثمارات، مع تزايد الطلب على الرعاية الصحية، والجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة لتطوير القطاع، مشيرًا إلى أن شركات الأدوية العالمية أظهرت ميلاً متزايدًا نحو الاستثمار في المملكة خلال السنوات الأخيرة، مما يعكس الثقة المتزايدة في إمكانات النمو الاقتصادي ومناخ الاستثمار في المملكة.

وأنشأ عديد من شركات الأدوية العملاقة متعددة الجنسيات، مثل: نوفارتيس، وفايزر، وسانوفي، وميرك، وجلاكسو سميث كلاين، وجودًا لها في المملكة من خلال الاستثمار المباشر أو الشراكات مع الشركات المحلية.

وأوضح التقرير أن قيمة سوق الأدوية في المملكة بلغت 44 مليار ريال في عام 2022م، ومن المتوقع أن تصل إلى 56.6 مليار ريال في عام 2027م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %5.2.

واستطرد التقرير بقوله إنه إلى جانب السوق المحلية، فإن الموقع الاستراتيجي للمملكة والبنية التحتية اللوجستية القوية يجعلها قاعدة جذابة لشركات الأدوية التي تتطلع إلى توسيع وجودها في المنطقة على نطاق أوسع، وأن عديدًا من الشركات أنشأت مقرات إقليمية أو مراكز توزيع في المملكة، وتستخدمها كمركز لخدمة الأسواق الأخرى في المنطقة.

ويعد قطاع الأدوية في المملكة من أكثر القطاعات الأكثر نموًا، وذلك مع توافر الإمكانات الخاصة بأن تتحول إلى مركز إقليمي قوي لتصدير الأدوية والمنتجات الصيدلانية للدول العربية والإسلامية، وذكرت الخبيرة الأمريكية ” ويلو شاه نيفيل”، أن السعودية تستعد لتكون مركزًا عالميًا للتكنولوجيا الحيوية والأبحاث والتطوير وتصنيع الأدوية، مشيرةً إلى أن رؤية المملكة 2030م تولي اهتمامًا كبيرًا بتعزيز الصناعات ذات التقنية العالية من خلال التصنيع المحلي واستثمارات القطاع الخاص، مع التزام الحكومة بتعزيز ما يطلق عليه “قطاع علوم الحياة” بشكل واضح للغاية..

ويمكن القول إن مستقبل صناعة الأدوية في المملكة والقطاعات المرتبطة به سواء من ناحية الأبحاث والتطوير والخدمات اللوجستية والبنية التحتية لخدمات ومرافق الرعاية الصحية مبشر للغاية، وسيشهد مزيدًا من النمو والفرص الاستثمارية الهائلة على المدى القريب والبعيد.