المركبات كرييتڤ

دعها تتحرك!

33.5 مليار دولار حجم سوق السيارات ذاتية القيادة وثمة توقعات بأن يصل إلى 93 مليار دولار عام 2028م.

11.2 مليـــون سيــــارة ذاتية القيادة بميزات المستــوى الثاني تم بيعهـــا في عام 2020م.

 

يتصور البعض أن التفكير في قيادة المركبات الذاتية هو أمر حديث، ولكن الحقيقة أن الفكرة ظهرت منذ عشرات السنين؛ ففي العقود الأولى من القرن العشرين، قام المهندس “فرانسيس هودينا” بابتكار سيارة كهربائية يتم التحكم فيها عن بُعد، ولكن تعرقلت الفكرة بسبب صعوبة فقدان التحكم في السيارة بشكل متكرر، إلا أنه استطاع عام 1925م أن يُقدم سيارة يتم التحكم فيها عن طريق الراديو دون وجود أي شخص على عجلة القيادة.

 

وفي عام 1939م قدمت جنرال موتورز النموذج الأول للسيارة ذاتية القيادة، وكانت عبارة عن مركبة كهربائية تسترشد بالحقول الكهرومغناطيسية، التي يتم التحكم فيها عن طريق الراديو وتعمل من المسامير المعدنية الممغنطة المضمنة في الطريق، إلى أن حلت الستينيات وقام “جيمس آدمز” بتطوير أول سيارة ذاتية القيادة، من خلال تجهيزها بكاميرات وبرمجتها للكشف عن الخط الأبيض على الأرض واتّباعه بشكلٍ ذاتيّ.

فلترة الضوضاء الخارجية

واستمر تطوير الأفكار إلى أن ابتكر المهندس الألماني “إرنست ديكمانس” تقنية جديدة في مجال التكنولوجيا الذاتية تعتمد على نظام تصوير قادر على فلترة الضوضاء الخارجية، بما يسمح بالتركيز على الأجسام المحيطة بالسيارة وتحديد المخاطر الخارجية المحتملة، حتى توصل اليابانيون إلى استخدام نظام كاميرا ينقل البيانات إلى جهاز الحاسوب لمعالجة صور الطريق، وتم بالفعل اختبار أول مركبة ركاب ذاتية القيادة في العالم وصلت سرعتها إلى 20 ميلاً في الساعة.

وتعمل المركبات ذاتية القيادة، من خلال الاعتماد على مجموعة من أجهزة الاستشعار والخوارزميات والتقنيات والكاميرات ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وبشكل أكثر تفصيلاً، فإن استخدام تلك التقنيات وأنظمة الرادار وخوارزميات الذكاء الاصطناعي وغيرها، هي بمثابة عيون وآذان السيارة، التي تجعلها قادرة على العمل وقراءة وإدراك ومعرفة البيئة المحيطة، وتفسير المعلومات التي تم جمعها، ثم اتخاذ القرارات في الوقت الملائم للتنقل وتجنب العوائق واتخاذ القرارات مثل تغيير المسارات أو زيادة السرعة أو الكبح.

ومن التقنيات المهمة المستخدمة، تقنية الليدار Lidar، وهي تقنية استشعار تستخدم أشعة الليزر لقياس المسافات وإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد عالية الدقة لمحيط السيارة للكشف الدقيق عن الأشياء، من خلال إصدار نبضات ليزر وقياس الوقت، ويتيح ذلك اكتشاف وتتبع المشاة وراكبي الدراجات والمركبات وأي عوائق أُخرى.

نظام الرؤية البشري

وتُعد الكاميرات، هي أكثر أنواع أجهزة الاستشعار المستخدمة في المركبات ذاتية القيادة، باعتبارها تحاكي نظام الرؤية البشري، وتُشبه أجهزة الاستشعار أو الرادار، المستخدمة في السيارات ذاتية القيادة، نظيرتها المستخدمة في الطيران والأرصاد الجوية، والتي تمكنها من القيادة حتى في الظروف الجوية السيئة، مثل المطر أو الضباب أو الثلج؛ إذ تقوم أجهزة استشعار الرادار بإصدار موجات الراديو وقياس الوقت، الذي تستغرقه الموجات للارتداد بعد اصطدامها بجسم ما، وهو ما يسمح باكتشاف الأشياء والاستجابة لها، في حالات الرؤية المنخفضة، بل وحتى عندما تكون محجوبة بسبب الأمطار أو الأتربة.

وقد أحدثت المركبات أو السيارات ذاتية القيادة، ثورة في صناعة السيارات في السنوات الأخيرة، فمع أنه قد يبدو أن مفهوم السيارات ذاتية القيادة هي فكرة من المستقبل، إلا أن التطورات المتسارعة في هذا المجال تُشير إلى أن ذلك سيحدث بشكل أقرب مما نتصور.

ومن الواضح أن تكنولوجيا القيادة الذاتية وأنظمة تجنب الاصطدام تأخذ خطوات متسارعة وربما تمهد لثورة جديدة في مجال النقل والطرق؛ إذ توفر التطورات الحديثة في هذا المجال، والتقنيات المبتكرة إمكانات كبيرة وغير مسبوقة وذلك بعد أن تم تجهيز هذه المركبات بتقنيات متقدمة، مثل أجهزة الاستشعار والكاميرات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، مما يسمح لها بالتنقل والعمل على الطرق دون تدخل بشري.

حجم سوق السيارات ذاتية القيادة

وتبرز أهمية المركبات ذاتية القيادة، في ظل ما تسهم به من تعزيز السلامة على الطرق وخفض الحوادث الناجمة عن الأخطاء البشرية، والحد من الاختناقات المرورية وتحقيق مزيد من السلامة لكل من قائد المركبة ومستخدمي الطريق، فضلاً عن أنها تُسهم في المحافظة على البيئة وتقليل صافي الانبعاثات.

وتُشير التقارير إلى أن حجم سوق السيارات ذاتية القيادة وصل إلى حوالي 33.5 مليار دولار، وأنه من المتوقع أن يصل إلى 93 مليار دولار عام 2028م، وأن تلعب أمريكا الشمالية دورًا مهمًا في السوق، تليها آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا.

وقد شهدت السيارات ذاتية القيادة ارتفاعًا في المبيعات، خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تم بيع حوالي 11.2 مليون سيارة بميزات المستوى الثاني في عام 2020م، ونظرًا لهذه البيئة المواتية في السوق، يقدم صانعو السيارات في جميع أنحاء العالم نماذج جديدة من السيارات شبه المستقلة لجذب المستهلكين.

المملكة تستثمر 100 مليون دولار

ومن الواضح أن هناك عديدًا من الدول، التي تدرك أن المركبات ذاتية القيادة ستكون هي مستقبل النقل، ولذلك فإنها تسعى حاليًا لتغيير شكل منظومة النقل وسنّ التشريعات الملائمة وتطوير التقنيات، وحث القطاعين الحكوميّ والخاص على السعي لنشر المركبات ذاتية القيادة.

وفي إطار سعيها لتطوير صناعة محلية لصناعة السيارات، وكجزء من محاولاتها لتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط، وإيمانًا منها بتوطين الصناعات المتقدمة، أعلن صندوق “نيوم للاستثمار”، أواخر العام الماضي عن استثمار 100 مليون دولار في شركة “بوني إيه آي”، المتخصصة في تصنيع المركبات ذاتية القيادة.

ووفقًا للشراكة بين “نيوم” و”بوني إيه آي”، فإنه سيتم التعاون بين الطرفين، لتوفير خدمات المركبات ذاتية القيادة، وتصنيع وتطوير المركبات المتقدمة والبنية التحتية للمركبات الذكية في “نيوم”، على أن تغطي هذه الخدمات الأسواق الرئيسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما يتضمن هذا التعاون إنشاء مصنع محلي مدعوم بأحدث التقنيات لتصنيع المركبات ذاتية القيادة، وإنشاء مقر إقليمي للأبحاث والتطوير والتصنيع.

ماجد مفتي

ويؤكد الرئيس التنفيذي لصندوق نيوم للاستثمار، ماجد مفتي، أن هذا يتماشى مع الخطط الطموحة، التي أعلنتها “نيوم” لبناء نظام نقل ذاتي القيادة وخالٍ من الانبعاثات”، مؤكدًا أن “نيوم للاستثمار” متحمسة لاستخدام تقنية قيادة المركبات ذاتية القيادة والاستفادة منها في المستقبل القريب.

ويأتي ذلك، في إطار سعى “نيوم” لتوفير بيئة مثالية لتحسين وتنفيذ حلول التنقل ذاتية القيادة المتطورة في البر والبحر والجو، حيث بدأت بالاستثمار بالفعل في المركبات الكهربائية العمودية (EVTOL) في شركة “فولوكوبتر”، إلى جانب استثمارها في صناعة الطائرات المائية الكهربائية.

وكانت المملكة قد عززت في يوليو 2023م من شراكاتها المتعلقة بمجال تصنيع السيارات النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة المرتبطة بها؛ حيث وقعت وزارة الاستثمار الثلاثاء مذكرة تفاهم مع شركتي “ريجال كابيتال” و”كليفون تك” لتطوير الاستثمار في صناعة السيارات وتكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة في البلاد، كما دشنت بعدها أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية في البلاد، وتعزز هذا الاتجاه مع إعلان وزارة الصناعة في نهاية ديسمبر 2023م عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة هيونداي موتور الكورية لدعم التعاون المشترك لصناعة السيارات في المنطقة.

إرنست ديكمانس

فوائد ومميزات عديدة

هناك عديد من الفوائد والمزايا، التي تعود على المجتمع وأفراده، من استخدام المركبات ذاتية القيادة، وأول هذه المزايا هي تقليل الأخطاء البشرية، والتغلب على العوامل البشرية، مثل ضعف مهارات القيادة أو الإرهاق أو عدم القدرة على التصرف بسرعة وكفاءة في الأحداث المفاجئة، ومن ثم خفض الحوادث على الطريق وإنقاذ عديد من البشر، فوفقًا للإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة، (NHTSA)، فإن الخطأ البشري هو السبب الرئيسي لحوادث المرور (%94 تقريبًا)، من جميع حوادث المرور.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المركبات ذاتية القيادة تم تجهيزها، بعديد من ميزات الآمان الحديثة والمتقدمة، مثل “أنظمة مكابح الطوارئ المستقلة”، والتي تساعد على اكتشاف الاصطدامات المحتملة، وكذلك “أنظمة المساعدة في الحفاظ على المسار”، والتي تسهم في بقاء السيارة داخل مسارها وتصحيح مسارها.

ومن المزايا المهمة لـ DTCT، هي قدرة تلك التقنيات على الاستجابة للأخطار بشكل أسرع بكثير من السائق البشري، الذي قد يستغرق عدة ثوانٍ لإدراك الخطر والاستجابة له، إلا أن السيارة ذاتية القيادة المجهزة، تستجيب سريعًا، وتتعامل مع الأمر، في أجزاء من الثانية، وهو ما يقلل ويمنع وقوع الحوادث.

ومن أبرز مزايا المركبات ذاتية القيادة، هي أنها تقلل المخاطر المرتبطة بتشتت انتباه قائد السيارة، وعلى سبيل المثال، فإن هناك عديد من عوامل التشتت، لدى السائقين من البشر، مثل استخدام المحمول أو تناول الطعام أو غيرها، أما في المركبات ذاتية القيادة، فإن هذه العوامل غير قائمة، لأن قيادة السيارة لا تتطلب تدخلا بشريًا بنفس قدر القيادة التقليدية وهو ما يقلل من الحوادث أيضًا.

تطور طبيعي نحو المستقبل

وتسهل المركبات ذاتية القيادة مهمة قيادة السيارة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أو كبار السن الذين يعانون من مشكلات في الحركة وتحقق لهم الحرية في التنقل، كذلك فإن المركبات ذاتية القيادة لديها قدرات فعالة فيما يُعرف بـ “الصيانة التنبؤية”، من خلال المراقبة المستمرة لأداء المحرك وضغط الإطارات وصحة البطارية، يمكن للمركبات ذاتية القيادة اكتشاف المشكلات المحتملة ومعالجتها بشكل استباقي.

وعلى الرغم من أن المركبات ذاتية القيادة هى أحد التطورات الطبيعية نحو المستقبل، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها، والاعتبارات التي يجب مراعاتها، ومنها: تتطلب تقنية القيادة الذاتية تطوير برامج ونظم معقدة لمعالجة وتحليل البيانات واتخاذ القرارات، وقد تواجه السيارات مشكلات فنية أو أخطاء في البرمجة. كشفت التجارب أن الأخطاء التي ترتكبها السيارات الذاتية القيادة تكون مميتة؛ فقد صدم نموذج لشركة “أوبر” (Uber) إحدى السيدات في ولاية أريزونا عام 2018، كما أجبرت الحكومة الفدرالية شركة “تسلا” على جمع مركباتها بعد أن برمجتها بشكل متعمّد للتحرك ببطء خلال إشارات التوقف بدلًا من التوقف تمامًا. هناك مخاوف تتعلق بالأمن السيبراني، وأساليب الاختراق الإلكتروني، ومن ثم تعريض المركبات ذاتية القيادة للأنشطة الضارة.

 

بنية تحتية ولوائح تنظيمية

وغني عن القول، إن دمج المركبات ذاتية القيادة مع المركبات التقليدية ذات القيادة البشرية، تتطلب إدخال تعديلات على البنية التحتية واللوائح التنظيمية، نظرًا لأن السيارات ذاتية القيادة مليئة بالتقنيات، وأجهزة التحكم عن بعد وملحقات الطاقة، فإنها تعرض قائد السيارة لكميات عالية من إشعاع المجال الكهرومغناطيسي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الصداع النصفي وارتفاع ضغط الدم وصعوبة التنفس وغيرها من الأمراض، وتطرح السيارات ذاتية القيادة تحديات قانونية وأخلاقية فيما يتعلق بالمسؤولية عن الحوادث، وفيما يتعلق بالتفاعل مع المركبات التقليدية التي يتحكم فيها السائقون، وخاصةً السائقين غير الملتزمين بالقواعد المرورية وممن يقودون بطريقة خاطئة، وهو ما قد يتسبب في إرباك السيارات ذاتية القيادة.