الخرسانة لاڤندر

الخرسانة الحية!

%34 نمو متوقع لسوق الخرسانة ذاتية المعالجة عالميًا بحلول عام2030م.

70 مليار دولار إيرادات سوق الخرسانة الحية في 2023م وتوقعات بنمو سنوي %33.5 .

 

مستوحاة من الجسم البشري، وقادرة على إصلاح نفسها ومعالجة الشقوق ذاتيًا، إنها “الخرسانة الحية” التي تعد بمثابة طفرة وثورة في عالم البناء والتشييد، ربما ستغير مفاهيم وقواعد هذه الصناعة وتفتح آفاقًا واسعة للاستثمار، حيث توصل فريق بحثي أمريكي، إلى طريقة يمكن من خلالها استخدام البكتيريا في إصلاح الأضرار والشقوق بشكل تلقائي.

 

ويقول قائد الفريق البحثي في كلية الهندسة بجامعة دريكسيل، أمير فرنام، إن هذا التطور المثير يستكمل الجهود المستمرة لتحسين مواد البناء باستخدام الإلهام من الطبيعة، وأشار إلى أن الخرسانة الحية مستمدة من الطريقة القديمة التي كان يستخدمها عمال البناء الأوائل، الذين كانوا يخلطون نوعًا من الألياف في الطين، إلى المستوى التالي، عبر تحويل هذه الألياف (كانت تعتمد على شعر الخيل) إلى نظام أنسجة حية تدفع البكتيريا المعالجة للخرسانة إلى موقع الشقوق لإصلاح الأضرار.

نظام مبتكر

وقدم الفريق البحثي وصفًا تفصيليًا لهذا النظام، وهو عبارة عن ألياف بوليمر مغطاة بهيدروجيل محمل بالبكتيريا وقشرة واقية تستجيب للأضـــرار، حيث تعمل شبكة الألياف الحيوية المدمجة داخل الخرسانة على تحسين متانتها، وتمنع الشقوق من النمو، وتمكن من إصلاحها ذاتيًا، وأطلقوا عليها اسم “بايوفايبر”.

وأضاف فرنام، “نرى كل يوم أن هياكلنا الخرسانية القديمة تتعرض للضرر، مما يقلل من عمرها الافتراضي ويتطلب إصلاحات حرجة ومكلفة، فتخيل أنها تستطيع إصلاح نفسها كما تقوم أنسجة بشرتنا بذلك بشكل طبيعي”، وأشار إلى أنه “إذا كانت أنسجة البشرة تقوم بذلك من خلال بنية ليفية متعددة الطبقات مملوءة بالألياف بمساعدة سائل الشفاء الذاتي لدينا وهو الدم، فإن الألياف الحيوية (بايوفايبر) تحاكي هذا المفهوم وتستخدم البكتيريا التي تصنع الحجارة لإنشاء خرسانة حية ذاتية الإصلاح تستجيب للضرر”.

وأوضح الفريق البحثي أن نظام “بايوفايبر” يستخدم 4 أنواع من البكتيريا التي تسهم في تكوين الرواسب المعدنية والحجارة، وهي “ثيوباكيلوس فيروكسيدانس” لأكسدة مركبات الكبريت والحديد، “ليسينيباسيلوس كرويكوس”، لتكوين المعادن وخاصة كربونات الكالسيوم، “ليبتوثركس ديسكوفورا”، وهي المسؤولة عن إنتاج أغلفة خيطية رفيعة، و”البكتيريا الزرقاء”، والتي يستخدم بعضها في تكوين الهياكل ذات طبقات تتشكل عن طريق محاصرة وربط الحبوب الرسوبية بواسطة الحصائر الميكروبية.

وحول طريقة عمل هذا النظام البكتيري المبتكر، يوضح الفريق البحثي أنه يتم وضع البايوفايبر في شبكة بجميع أنحاء الخرسانة أثناء صبها، ويعمل كعامل دعم معزز لها، لكن قدراته الحقيقية لا يتم الكشف عنها إلا عندما يخترق الصدع الخرسانة بدرجة كافية لاختراق الغلاف الخارجي لبوليمر للألياف، وعندما يشق الماء طريقه إلى الشق ويصل في النهاية إلى الألياف الحيوية، فإنه يتسبب بتمدد الهلام المائي ودفع طريقه خارج القشرة نحو سطح الشق، وأثناء حدوث ذلك تُنشط البكتيريا من شكلها الداخلي في وجود الكربون ومصدر المغذيات في الخرسانة، وتتفاعل البكتيريا مع الكالسيوم الموجود في الخرسانة، وتنتج كربونات الكالسيوم التي تعمل كمواد دعم لملء الشقوق على طول الطريق إلى السطح”، لافتًا إلى أن المؤشرات المبكرة تشير إلى أن البكتيريا يمكن أن تقوم بعملها في أقل من يوم أو يومين.

وأكد خبراء على أن ما توصل إليه الفريق البحثي الأمريكي يعد إنجازًا كبيرًا خاصة فيما يتعلق بسرعة البكتيريا في إصلاح الشروخ الخرسانية، لكنهم أعربوا عن اعتقادهم بأن الدراسة لم تحدد نوع وحجم هذه الشروح التي تستطيع البكتيريا إصلاحها ذاتيًا، ومدى قدرتها على العمل مجددًا بعد إصلاح الشروخ مرة أخرى، مشيرين إلى أن إطالة عمر الخرسانة يساعد في تقليل الغازات الملوثة للبيئة، حيث إن صناعة الخرسانة والتي تتطلب درجات حرارة عالية مسؤولة عن %8 من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.

تجارب عديدة

ويأتي إعلان جامعة دريكسيل عن الخرسانة الحية، بعد عام تقريبًا على اكتشاف فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد الأمريكية، أسرار الخرسانة ذاتية الشفاء في روما القديمة، وفي غضون ذلك، تعاونت ولاية لويزيانا ووكالة ناسا مؤخرًا لتطوير خرسانة بدون ماء للطباعة ثلاثية الأبعاد على القمر، بينما في وقت سابق، طور باحثون في “إي تي أتش زيوريخ” بسويسرا، رغوة لها قدرة عالية على العزل الحراري، يساعد على صلابة ومتانة الخرسانة وتحافظ عليها من الشروخ.

وعلى الرغم من نجاح الفريق البحثي الأمريكي في تطوير خرسانة حية يتم استخدامها في بناء هياكل خرسانية قوية وقادرة على إصلاح نفسها، إلا أنها غير مفيدة بالنسبة للهياكل الخرسانية القائمة بالفعل، ولا تساعد هذه التقنية في إصلاح ما بها من أضرار، وربما هذا ما دفع فريق بحثي أمريكي آخر بقيادة ميجا هوبلر، وهي أستاذ مشارك في قسم الهندسة المدنية والبيئية والمعمارية بجامعة كولورادو بولدر، إلى التفكير في طريقة مستوحاة من الأوعية الدموية البشرية، لإصلاح الخرسانة التي تعاني من الشقوق والثقوب، وحصلت على منحة من وزارة الدفاع الأمريكية بقيمة 10 ملايين دولار لإنجاز هذا المشروع البحثي.

وذكرت هوبلر “بالمقارنة مع المشاريع الأخرى التي عملت عليها والتي تستخدم الأساليب الحيوية للتطبيقات الهندسية، يركز هذا المشروع بشكل خاص على الأوعية الدموية، نحن نستمد الإلهام من فكرة أن شبكات الشقوق الخرسانية توفر بشكل طبيعي مساراً مشابهاً للأوردة في أجسامنا، ومن خــلال إنشــــاء مســـــار بيولوجي داخل الهيكــل، يمكننــــا إدخال العناصـــــر الغذائية والكائنات الحية، مما يتيح قدرات الإصلاح الذاتي، وستقوم البكتيريا بإصلاح الشقوق من خلال ترسيب المعادن”.

وأضافت أن الاستفادة من الشبكات المتصدعة لإطالة عمر الهيكل الخرساني لم يتم القيام بها من قبل على الإطلاق، وأن النهج الذي يتبعه الفريق لديه القدرة على إحداث تحول في صيانة الهياكل الخرسانية ومتانتها، مما يقلل تكاليف الإصلاح والصيانة على المدى الطويل.

الخرسانة ذاتية المعالجة

وثمة تقديرات تشير إلى أن سوق الخرسانة ذاتية المعالجة (يطلق عليها أحيانًا ذاتية الشفاء)، يبلغ قيمته 745 مليار دولار خلال الفترة (2023م – 2030م)، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى %34، على أن يصل إلى 935 مليار دولار بحلول 2032م، وأنه مدفوع بزيادة الاستثمارات في مشاريع البناء الضخمة والمشاريع البحثية المختلفة، فضلاً عن النمو المتسارع في صناعة البناء والتشييد، والمزايا النسبية لها، والتي تتضمن الفائدة الطويلة للبنية التحتية، وسهولة الاستخدام، وانخفاض تكاليف الصيانة، في ظل إيرادات سوق بلغت حوالي 70 مليار دولار في 2023م، وسط توقعات بأن تنمو الإيرادات بمعدل سنوي مركب %33.5 بحلول 2032م.

ويؤكد مختصون أن قطاع العقارات يتسم بالابتكار والنمو المتسارعين، فضلاً عن الاعتماد المتزايد على التقنيات الحديثة في البناء، ومن أبرز التقنيات الناشئة الخرسانة ذاتية المعالجة، والتي تعد بمثابة ثورة هائلة في صيانة المباني ومتانتها، وتطلق هذه المادة الذكية الجديدة العنان لعالم جديد تمامًا من الإمكانات لهذا القطاع.

وأشاروا إلى أنه من وجهة نظر الاستدامة، أصبحت هذه المواد شائعة على نطاق واسع، حيث أصبحت الاستدامة موضوعًا رئيسيًا في جميع أنحاء العالم، وأصبح من الضروري لقطاع العقارات معالجة هذه المشكلة من خلال إنشاء مبانٍ متوافقة ومعتمدة صديقة للبيئة، وبالتالي يُعدُّ هذا النوع المبتكر من الخرسانة وسيلة ممتازة للبناء لتطوير المشاريع التي تقلل من الانبعاثات وتحافظ على البصمة البيئية، حيث إنها تكون مستمدة من مواد غير سامة وصديقة للبيئة.

وأضافوا أنه في حين أن هذه المواد حاليًا خيار مكلف مقارنة بالخرسانة التقليدية، فمن الصحيح أيضًا أنه مع زيادة الطلب، من المتوقع أن تنخفض التكلفة، مما يجعلها في متناول صناعة البناء والتشييد، فضلاً عن مساعدتهـــا المطوريـــن على مشاريــــــع فريدة ذات جاذبية عالمية من حيث التصميم والبناء والاستدامة.