تصدرت بيانات مؤشرات المستهلك الأمريكية المفاجئات الاقتصادية على الساحة العالمية بواقع استمرار البيانات في عكس صورة معاكسة لما يتمناه صناع القرارات المالية في الخزانة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي وهو ما يضغط على أي مقترح لخفض نسب الفوائد، وبالتالي استمرار تكاليف الاقتراض المرتفعة.
لم تطمئن الأسواق بعد بيانات مؤشرات المستهلك، حيث ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية في إشارة واضحة بأن الأسواق تمر بحالة خوف من فقدان القدرة على إدارة مهمة خفض التضخم.
المشهد لم يتوقف داخل الاقتصاد الأمريكي، بل أصبحت خارج الحدود عندما شهدت الأسواق تراجعًا حادًا في قيمة الين الياباني أمام معظم العملات وتحديدًا أمام الدولار الأمريكي.
العنوان الأبرز للاقتصاد العالمي أصبح واضحًا وهو أن مؤشرات الاقتصاد الكلي أصبحت ضعيفة ومحركات النمو الاقتصادي تمر بتحديات كبرى في إدارة السياسات النقدية وتمكن القطاعات المالية من تحمل العبء المرتبط بالسياسات والتدفقات النقدية في ظل المتاح من السيولة في الأسواق.
الشرح الأقرب لما يمر به الاقتصاد الأمريكي حاليًا، هو حالة ما يسمى اقتصاديًا بـ”التأثير الكانتلوني”، وهو حالة خاصة مرتبطة بضخ أموال جديدة في الاقتصاد وتأثير ذلك على حالة الاقتصاد.
فالتأثير الكانتلوني يحصل عند دخول الأموال الجديدة إلى الاقتصاد عند وقت محدد كما حصل خلال الجائحة ويستغرق الأمر وقتًا طويلاً لاختراق الاقتصاد ككل.
بالتالي يتغير الاقتصاد من فترة إلى أُخرى بعد ضخ الأموال الجديدة حتى يجد منطقة استقرار اقتصادي، ويمكن أن يؤدي ضخ الأموال إلى إحداث تغييرات متذبذبة في العوامل الاقتصادية لفترة طويلة جدًا من الزمن قبل أن تتقارب مرة أخرى إلى الحالة المستقرة الأولية.
التأثير الكانتلوني يجد أيضًا أن حقن الأموال يفيد المستفيدين الأوائل من الأموال الجديدة ومن هم في واجهة النظام المالي هنا نعني البنوك والشركات الكبرى الحاصلة على تمويلات مباشرة من النظام المالي، ولكنه يضر المتلقين اللاحقين، وهنا نعني المستهلك النهائي والمدخرين للأموال.
الظروف المحيطة بالنمو الاقتصادي العالمي يراهن بشكل كبير على الاقتصادات الأسيوية وتحديدًا الصين والهند، إلا أن انهيار الين الياباني يدق أجراس الإنذار تجاه استمراريه المنطقة الأسيوية ويعيد إلى الذاكرة أزمة النمور الأسيوية التي صاحبها تهاوي قيمة الين الياباني ونفاذ كميات الدولار الأمريكي في الدول الأسيوية مع ارتفاع عالمي في أسعار السلع وتحديدًا أسعار النفط، بينما توجد وفرة من الدولارات في النظام المالي الغربي. فالتحوط الذي يدفع تجاه شراء الذهب لن ينعش التعافي الأسيوي، بل قد يدفع بتزايد وتيرة التراجع في قيم عدد من العملات الأسيوية.