اقتصاديات الغاز

“الجافورة”.. قصة اكتشاف!

الزيادات الكبيرة والمؤكدة من احتياطات الجافورة تدفع بالمملكة إلى التسريع في الوصول بمستهدفاتها المرتبطة باعتمادات توليد الطاقة الكهربائية لتنتقل بها من حيز الاستهلاك المحلي إلى حيز التصدير الإقليمي والعالمي.

إضافة كميات كبيرة للاحتياطيات المؤكدة من الغاز والمكثفات في حقل الجافورة بلغت 15 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز، لترتفع احتياطاته بحوالي 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز و75 مليار برميل من المكثفات.

 

دفعت حالة الاضطراب الحاصل في إمدادات الغاز عالميًا، وحالة النمو الاقتصادي العالمي وتضاعف احتياجات الدول من الطاقة، وأيضًا الملاءمة التي يمتلكها الغاز الطبيعي للتحوّلات الجديدة في قطاعات الطاقة، كونه وقودًا منخفض الانبعاثات الكربونية، بالمملكة إلى تعزيز مكانتها كلاعب رئيس في أسواق الغاز العالمية، وتكثيف عمليات البحث والتنقيب والعمل على زيادة إنتاجها وفقًا لاستراتيجية تطويرية تنتهج تطبيق التقنيات عالية الأداء والأساليب الاستكشافية المُثلى، للعمل على زيادة تطوير آبار الغاز الطبيعي المستقلة.

ويكتسب الغاز الطبيعي أهمية عالمية لاسيما في السنوات الأخيرة بسبب التغيرات الجيوسياسية والمناخية التي يشهدها العالم؛ واكتشاف تقنيات جديدة تخفض من تكلفة إنتاجه، فضلاً عن انبعاثاته الكربونية الضئيلة مقارنة بالنفط، وثمَّة توقعات بتزايد الطلب العالمي عليه بأكثر من %50 بحلول عام 2040م؛ إذ تزيد الصين ودول في جنوب شرق آسيا استخدامها للغاز لدعم نموها الاقتصادي، ويتطلع الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادره من الغاز الطبيعي بعيدًا عن روسيا بحلول عام2027م.

وكانت المملكة قد بدأت في استخلاص الغاز الطبيعي واستخدامه لتطوير منتجات ذات قيمة مضافة إلى جانب الزيت، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وتحديدًا عام 1975م حين طلبت وزارة الطاقة (البترول والثروة المعدنية حينها) من شركة أرامكو السعودية تصميم وتشغيل شبكة متكاملة لتجميع ومعالجة ونقل الغاز الطبيعي المصاحب لإنتاج الزيت الخام (شبكة الغاز الرئيسية)، وبالفعل فقد تم تطوير بنية تحتية شاملة للغاز الطبيعي في المملكة، لتشكل بعد ذلك، شبكة ضخمة من خطوط الأنابيب وثلاثة مرافق ضخمة لمعالجة الغاز.

ومنذ ذلك الوقت، ووفقًا للاستراتيجية التطويرية المعتمدة، أخذت تتسع رقعة المملكة في اكتشافات الغاز الطبيعي وزيادة إنتاجها منه، فكان بدء معمل الغاز في “الحوية” أعماله عام 2001م لتعزيز إمدادات المملكة من الغاز، وتزويده لشركات الكهرباء ومحطات تحلية المياه بالوقود، وتغذية صناعة البتروكيماويات في المملكة، وكذلك افتتاح معمل الغاز في “حرض” عام 2003م ليرفع الطاقة الاستيعابية لشبكة الغاز، لتصل إلى 9.5 مليار قدم مكعبة قياسية في اليوم.

وفي عام 2008م تم تدشين معمل غاز “الخرسانية،” أما في عام 2015م فقد بدأ الإنتاج في معمل الغاز في “واسط” الذي يعد واحدًا من أكبر معامل الغاز بالمملكة، وبعدها بدأ الإنتاج بمعمل “الفاضلي” لإنتاج الغاز.

خريطة اكتشافات الغاز

ويعد عام 2014م عامًا فاصلاً في خريطة اكتشافات المملكة لحقول إنتاج الغاز الطبيعي، باكتشافها حقل الجافورة الصخري الواقع في الأحساء بالمنطقة الشرقية ويمتد بطول 170كم وعرض 100كم، وذلك أثناء عمليات التكسير الحفزي للسوائل التي تقوم بها شركة أرامكو بصورة شائعة لأجل تحويل النفط البترولي ذي درجة الغليان المرتفعة والمحتوي على مقادير كبيرة من الهيدروكربون إلى وقود سيارات وغازات ألكين ومنتجات أخرى ذات قيمة أكبر، وفي نوفمبر 2021م بدأت شركة أرامكو في العمل على تطوير الحقل بحجم استثمارات قدرت بنحو 110 مليارات دولار، متوقعة أن يبدأ الإنتاج منه في عام 2024م وأن يصل إنتاجه بحلول 2036م إلى نحو 2.2 مليار قدم مكعبة يوميًا، ليحقق دخلاً صافيًا بنحو 8.6 مليار دولار سنويًا.

وبشكل عام أسفرت الجهود المبذولة في مسيرة الاكتشافات التي انطلقت عن اكتشاف عديد من حقول الغاز الطبيعي، حيث اكتُشِف حقل “الحيران” للغاز الطبيعي، بعد أن تدفق الغاز من مكمن “حنيفة” في بئر الحيران بمعدل 30 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، و1.600برميل من المكثفات، بالإضافة إلى تدفق الغاز من مكمن “العرب” في الحقل نفسه بمعدل 3.1 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، وكذلك اكتُشِف حقل “المحاكيك”.

كما اكتُشِف الغاز الطبيعي في خمسة مكامن في حقول مكتشفة مسبقًا، حيث اكتُشف الغاز الطبيعي في مكمن “الجلة” في حقل “عسيكرة” في الربع الخالي، إضافة إلى اكتشاف مكمن إضافي للغاز الطبيعي في حقل “شدون” غرب مركز حرض، وأيضًا تم اكتشاف الغاز الطبيعي في حقل “مزاليج” جنوب غرب الظهران، حيث تدفق الغاز بمعدل 14 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، مصحوبًا بنحو 4.150 برميلاً يوميًا من المكثفات، واكتُشِف أيضًا الغاز الطبيعي في مكمن “الصارة” بحقل “الوضيحي” ومكمن “القصيباء” في حقل “أوتاد” جنوب غرب مدينة الهفوف، حيث تدفق الغاز الطبيعي من مكمن “الصارة” بمعدل 11.7 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، ومن مكمن “القصيباء” بمعدل 5.1 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، مصحوبًا بنحو 57 برميلاً يوميًا من المكثفات.

وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان

أكبر طبقة غاز صخري

وتشير تقارير ودراسات عدة إلى أن سوق الأدوية في المملكة يستحوذ على %37 من سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعمل وفق خطوات ثابتة تتسق مع رؤية 2030م بتعزيز مكانة المملكة كسوق رائدة في صناعة الأدوية، لافتةً إلى أن الحوافز وبالعودة إلى الجافورة، أعلن في فبراير 2024م وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز ابن سلمان، عن إضافة كميات كبيرة للاحتياطيات المؤكدة من الغاز والمكثفات في حقل الجافورة غير التقليدي، وكشف بأن الكميات الإضافية المؤكدة بلغت 15 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز، ما رفع احتياطيات حقل الجافورة بحوالي 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز و75 مليار برميل من المكثفات.

ويعدّ الجافورة أكبر حقل للغاز غير التقليدي وغير المصاحب للنفط في المملكة، ومن المحتمل أن يكون أكبر مشروع لتطوير الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة؛ إذ يحتوي على ما يقدر بنحو 200 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي، من المتوقع أن يكون له دور محوري في النهوض بالتحوُّل في قطاع الطاقة بما يكفل المساعدة بتحقيق المحصلة الصفرية للانبعاثات، وأيضًا أن يُزوّد الجافورة قطاع التكرير والمعالجة والتسويق والبتروكيميائيات بعديد من أنواع اللقيم عالية القيمة.

ويعد الجافورة أكبر حقل للغاز غير التقليدي وغير المصاحب للنفط في المملكة، ومن المحتمل أن يكون أكبر مشروع لتطوير الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة، وفي عام 2020م كان من المتوقع أن يحتاج حقل الجافورة إلى استثمارات بقيمة 110 مليارات دولار، وقالت أرامكو إنها تتوقع أن يصل إنتاجها إلى 425 مليون قدم مكعبة يوميًا من الإيثان تمثّل نحو %40 من الإنتاج الحالي، وأضافت أن حقل الجافورة سينتج نحو 630 ألف برميل يوميًا من سوائل الغاز والمكثفات بحلول عام 2030م.

باتريك سيمونيه

شراكات عالمية حول الغاز

وقد أعربت سينوبك الصينية أغسطس 2023م، عن اهتمامها بالمشاركة في مشروع الغاز الصخري بالجافورة، ويأتي هذا بالتوافق مع تقرير سابق لوكالة رويترز أفاد بأن شركتي سينوبك وتوتال إنرجيز تجريان مناقشات منفصلة مع شركة أرامكو للاستثمار في مشروع الجافورة، وفي أكتوبر 2023م، وقَّعت شركتا «هيونداي للهندسة والإنشاءات» و«هيونداي للهندسة» الكوريتان الجنوبيتان عقدًا بـ2.4 مليار دولار مع «أرامكو» لبناء محطة لمعالجة الغاز في الجافورة، ليمثل باكورة العقود الأجنبية الكبرى في الحقل.

من جهة أخرى، وفي إطار التنسيق الخليجي الأوروبي، أعلن سفير مفوضية الاتحاد الأوروبي، “باتريك سيمونيه”، عن استراتيجية جديدة لزيادة مستوى التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة تضمن إمدادات الغاز الطبيعي والطاقة، واستقرار أسواق الطاقة العالمية، ومواجهة التحديات، وتتضمن الاستراتيجية، زيادة كفاءة الطاقة، وتعزيز الطاقة الخضراء وتكنولوجيا الإنتاج وتنويع الاقتصاد، وتدشين مباحثات لاستيراد الغاز الطبيعي وتوسيع دائرة الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، وضمان ضخ هيدروجين أخضر من المملكة إلى أوروبا.

دعم مستهدفات الرؤية

ويبقى أنه بالتأكيد سوف تقود هذه الزيادة الكبيرة المؤكدة من الغاز والمكثفات في حقل الجافورة غير التقليدي، إلى دعم مستهدفات الرؤية بالتنويع الاقتصادي، وأيضًا دعم ريادة المملكة ومكانتها في قطاع الطاقة العالمي، وفي تنويع مصادرها، وأن تصبح المملكة من كبار منتجي الغاز عالميًا مع اكتمال أعمال تطويره، وفي تنويع مصادر الطاقة، بالإضافة إلى تحقيقها لاحتياطيات ضخمة من الغاز وتوجهها إلى التصدير بدلاً من الاستهلاك المحلي في مصانع البتروكيماويات.

ولا تتوقف مردودات الزيادة المؤكدة على الدفع بريادة المملكة في قطاع الطاقة العالمي فحسب، بل سوف ترفع بلا شك من العوائد والإيرادات، بما ينعكس على تمويل المشاريع الكبرى التي تشهدها المملكة، ومواصلتها لخططها ومشاريعها التنموية، والاستفادة من هذه الزيادة في عمليات إنتاج الكهرباء والمياه المحلاة وعمليات التعدين، وتلبية حاجات قطاعاتها الاقتصادية بتغذية التصنيع وخلق فرص عمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، ما يمهد بتعزيز موقع المملكة وترتيبها من بين أكبر منتجي الغاز في العالم.

فهذه الزيادات الكبيرة والمؤكدة من احتياطات الغاز والمكثفات، بجانب أنها تؤكد نجاح المملكة في جهودها وتُقدمها في مساعيها بأن تكون دولة رائدة في إنتاج كل أنواع الطاقة وليس النفط فحسب؛ تدفع كذلك بالمملكة إلى التسريع في الوصول بمستهدفاتها المرتبطة باعتمادات توليد الطاقة الكهربائية محليًا بنسبة النصف على الغاز والنصف الآخر على مصادر الطاقة المتجددة، ودخولها ضمن خريطة أسواق تصدير الغاز العالمية، واستدامة مكانتها كمنتج للنفط والغاز بمخرجاتها قليلة الانبعاثات الكربونية ومصادر الطاقة الأخرى، فضلاً عن أن الانتقال إلى حيز التصدير ينعكس بمزيد من الفرص أمام الشركات المحلية ذات الشأن.