حوالي 14 مليار دولار قيمة السوق العالمي للبلاستيك الحيوي بحلول 2030م.
%16 نمو متوقع لسوق المواد البلاستيكية الخضراء في المملكة حتى 2028م.
لم يكن بمخيلة الفريق البحثي الياباني الذي حصل على جائزة “بيج نوبل” عام 2014م، (وهي محاكاة ساخرة لجائزة نوبل الشهيرة، وتمنح للأبحاث والدراسات غير المألوفة، لتفسيره أسباب الانزلاق حين تطأ أقدامنا قشور الموز)، أن تكتسب الأخيرة أهمية اقتصادية واستثمارية وبيئية متزايدة، وذلك بعد الإعلان عن تجربة مثيرة أجراها مجموعة من العلماء في جامعة ولاية داكوتا الجنوبية، لاستخدام قشور الموز في تصنيع بلاستيك حيوي قابل للتحلل بسرعة، وبالتالي صديق للبيئة.
بلاستيك قشر الموز
وذكر المؤلف الرئيس للدراسة، الدكتور سرينيفاس جاناسوامي، أنه عادةً ما ينتهي الأمر بقشر الموز في سلة المهملات، إذ يعد قشر الموز المتوفر بسهولة مثاليًا لإنشاء عبوات مستدامة بفضل تركيبته الفريدة، ففي كل عام، يتم إنتاج ما يقرب من 36 مليون طن من قشور الموز، ويتم التخلص من معظمها كنفايات، وأضاف أن العثور على استخدام عملي أكثر لقشور الموز أمر مهم لتوفير فوائد مالية للصناعة الزراعية ومنع التلوث البيئي.
وأكد جاناسوامي، أن الأبحاث تشتمل على استخدام مواد كيمائية خضراء وقابلة لإعادة التدوير، وبالتالي تفتح الطريق أمام الاقتصاد الدائري والمستدام، لإنتاج مواد قابلة للتحلل، لتحل محل المواد البلاستيكية البتروكيماوية.
ونظرًا لأن الموز أحد أكثر الفواكه انتشارًا ونموًا في العالم، فإنه يُنتج كمية هائلة من المنتجات الثانوية، فعلى سبيل المثال، تنتج مزارع الموز حول العالم حوالي 220 طنًا من المخلفات لكل 2.5 فدان، وتتكون بقايا الموز في الغالب من مادة لجينوسليلوزية، وهي العنصر الرئيس في صناعة المواد القابلة للتحلل، حيث إنها تبرز كبديل قابل للتطبيق لصنع البلاستيك الحيوي بسبب بنيتها القوية وقابليتها للتحلل البيولوجي وكثافتها المنخفضة وعدم سميتها.
اهتمام عالمي متزايد
وكما هو معروف فإن النفايات البلاستيكية أصبحت مشكلة دائمة ومتفاقمة في عالمنا، حيث تميل المواد البلاستيكية التقليدية المشتقة من الوقود الأحفوري إلى الاستمرار لفترة طويلة، مما يسهم في أزمة التلوث البلاستيكي التي تعاني منها الدول في جميع أنحاء العالم، لذا يسعى الباحثون بشكلٍ حثيث إلى ابتكار حلول لهذا المشكلة مع تزايد المخاوف بشأن آثارها على الكوكب.
ووفقًا لتقديرات دولية، ينتج العالم في المتوسط 430 مليون طن من البلاستيك سنوياً، يستخدم ثلثاها فقط لفترة قصيرة من الزمن (على سبيل المثال في أغلفة ألواح الشوكولاتة، وأكياس رقائق البطاطس، وأدوات بلاستيكية تستخدم في الصناعات الغذائية)، ومع ذلك، فإنه كل يوم يتم إلقاء ما يعادل أكثر من 2000 شاحنة قمامة مليئة بالبلاستيك في المحيطات والأنهار والبحيرات، ومن المتوقع أن يتضاعف التلوث البلاستيكي ثلاث مرات بحلول عام 2060م.
ويمكن القول بأن الأبحاث التي تجريها جامعة ولاية داكوتا الجنوبية ليست الوحيدة في مجال الاهتمام بتطوير مواد خضراء تقضي على مشكلة النفايات البلاستيكية، باستخدام المواد والنفايات العضوية المتنوعة، ففي مختبرات جامعة ويسكونسن الأمريكية يتم إجراء اختبارات لتطوير البلاستيك الحيوي من الطحالب الخضراء، وهو ما يعكس الاهتمام العالمي المتزايد بهذا النوع المبتكر من البلاستيك، والذي يمهد الطريق لاستخدامه على نطاق واسع في مختلف القطاعات.
وتعتزم شركة مايكروسوفت، عملاق صناعة البرمجيات في العالم، استخدام البلاستيك الحيوي في مراكز البيانات السحابية الخاصة بها لأشياء مثل حافظات الكمبيوتر ورفوف الخوادم، مشيرةً إلى أن مقاومة المادة للحريق وإمكانية إعادة تدويرها تجعلها مناسبة لهذا النوع من الاستخدام، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام البلاستيك الحيوي في مجموعة متنوعة من المنتجات، بدءًا من المفروشات المنزلية وحتى حاويات المواد الغذائية، كما أعلنت شركة “ميتا” العملاقة للتكنولوجيا عن تبرعها بمبلغ 150 ألف دولار لمختبر جامعة ويسكونسن لتطوير هذه الأبحاث.
وفي الولايات المتحدة، ومع بدء حكومات الولايات في مراقبة وفحص استهلاكها من البلاستيك ووضع قيود جديدة على عناصر مثل الأكياس والأكواب والأغطية وأدوات التقليب، أصبحت المنتجات الحيوية والقابلة للتحلل بمثابة بديل عملي للمواد البلاستيكية التقليدية للعديد من التطبيقات، اتساقًا مع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، العام الماضي، عن خطة طموحة لاستبدال %90 من المواد البلاستيكية التقليدية بمواد حيوية على مدى العقدين المقبلين.
كما نجحت شركة “جيا” السويدية الرائدة في تصنيع البلاستيك الحيوي، في الحصول على تمويل بقيمة 5 ملايين دولار، بدعم من صندوق الاستثمار في مجال التكنولوجيا الخضراء ومستثمرين دوليين ومحليين، لتوسيع نطاق عملها في الولايات المتحدة والهند ودول أخرى.
وثمَّة توقعات بأن تصل قيمة السوق العالمية للبلاستيك الحيوي إلى 13.7 مليار دولار بحلول عام 2030م، مقارنةً مع 7.4 مليار دولار في 2023م، بمعدل نمو سنوي مركب يقترب من %11، فالبلاستيك الحيوي يتم استخدامه في مجموعة متزايدة من التطبيقات، كالتعبئة والتغليف والمنتجات الاستهلاكية والإلكترونيات والسيارات والمنسوجات، ولا يزال التغليف أكبر قطاع في سوق البلاستيك الحيوي، حيث استحوذ على نسبة %43 (حوالي 934 ألف طن) العام الماضي.
سوق جاذبة للاستثمار
وتتسابق الدول العربية للتوسع في استخدام البلاستيك المصنوع من مخلفات الزراعة (قصب السكر، الذرة، القمح، البطاطس، الدهون النباتية)، في إطار جهودها لتعزيز صناعة البلاستيك الأخضر، وتهيئة البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الذي يوفر فرصًا واعدة، خاصةً مع انخفاض تكلفة المواد الخام والعوائد الضخمة، وفي الوقت نفسه، التصدي لمشكلة النفايات البلاستيكية ومخاطرها البيئية المتفاقمة.
وتتوقع تقارير دولية بأن ينمو سوق البلاستيك الحيوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدل سنوي مركب قدره %11.3، لتصل قيمتها إلى 485 مليون دولار بحلول 2028م، مقارنةً مع 230 مليون دولار عام 2021م، مدفوعة بارتفاع الطلب على منتجات البلاستيك القابلة للتحلل.
وفي المملكة، تتعاون جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست” مع شركتين صينيتين لتطوير البلاستيك الصديق للبيئة، باستخدام التقنية التي طورتها “كاوست” والتي تعتمد على مركبات البولي كربونات الأليفاتية عالية الكتلة، إذ من المستهدف أن يتم استخدام هذا النوع من البلاستيك في تصنيع المنتجات الطبية الحيوية وتغليف المواد الغذائية.
وكعادتها كدولة رائدة في مجال المنتجات الخضراء والممارسات الصديقة للبيئة، كشفت تقديرات دولية عن أن سوق المواد البلاستيكية الخضراء في المملكة من المُرجح أن تنمو بمعدل نمو سنوي مركب قدره %16.2 حتى عام 2028م، وأنها سوق جاذبة للاستثمار ومحفزة للمنافسة، حيث تسعى الشركات إلى تطوير منتجاتها والتوسع والاستحواذ كي تظل قادرة على المنافسة، لافتةً إلى أن التوسع في نشاط التغليف يخلق فرصًا استثمارية هائلة.
وقد بلغت قيمة سوق المنتجات البلاستيكية في المملكة 8.3 مليار دولار عام 2022م، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي %3.2 حتى 2028م، وتعتمد السوق في المقام الأول على اقتصاد المملكة المزدهر ومستوى المعيشة المرتفع وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.
وفيما يتعلق بقيمة سوق التعبئة والتغليف للمواد البلاستيكية بالمملكة من المتوقع أن يصل إلى 8 مليارات دولار العام الجاري، وأن تسجل 9.3 مليار دولار بحلول عام 2029م، بمعدل نمو سنوي متوقع في حدود %3، إذ تبرز المملكة بسرعة كواحدة من الأسواق الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط في هذا القطاع، حيث تتمتع البلاد بمجموعة واسعة من الأنشطة الصناعية، كما يتزايد بها طلب المستهلكين على العبوات البلاستيكية الصديقة للبيئة، مما يسهم بدوره في تعزيز النمو خلال السنوات المقبلة.
وفي السياق نفسه، ذكرت الخبيرة في وكالة “إس أند بي جلوبال” الأمريكية، إيريس بول، أن أهداف رؤية المملكة 2030م والتي تتضمن تحويل %100 من النفايات الصلبة البلدية، و%60 من نفايات البناء، و%85 من النفايات الصناعية من مكبات النفايات، توفر إطارًا مشجعًا للشركات العامة والخاصة لتطوير مشاريع إعادة التدوير في البلاد، فضلاً عن تحفيزها لتوجيه مزيد من الاستثمارات في صناعة البلاستيك الأخضر.
وأضافت أنه يتم توليد ما يقدر بـ 1.5 كجم إلى 1.8 كجم للشخص الواحد يومياً من النفايات البلاستيكية في المملكة، وبالتالي فإن الإجراءات الأكثر واقعية تتمثل في جمع النفايات وإعادة تدويرها والتوجه نحو البلاستيك الحيوي، مع مشاركة الاستثمار العام والخاص، وهي العوامل التي من شأنها دعم خطوات المملكة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام خلال السنوات المقبلة.