شركة “نيورالينك” تعتزم زراعة 10 شرائح أُخرى في 2024 وشكوك متزايدة بشأن فاعليتها.
تسخير تكنولوجيا الشرائح الدماغية قد يؤدي إلى ثورة في حياة البشر في المستقبل.
تناول عديد من الأفلام السينمائية بشكل كوميدي فكرة وضع شرائح إلكترونية في جسم الإنسان تحمل كمَّاً هائلًا من المعلومات.. وقد تحولت هذه الفكرة ذو الطابع الخيالي عام 2010م إلى واقع قابل للتطبيق! حين أعلن الملياردير الأمريكي المعروف، إيلون ماسك، عن نجاح أول عملية لزراعة شريحة دماغية في جمجمة إنسان، وقال إن المريض (يدعى نولاند أربو، ويعاني من الشلل الرباعي منذ عام 2016م)، بدأ في التعافي بشكلٍ جيد، وأضاف أن النتائج الأولية تظهر اكتشافات واعدة لتحفيز الخلايا العصبية.
شريحة “ماسك” الدماغية
وقامت شركة “نيورالينك”، وهي شركة ناشئة أسسها “ماسك” منذ سبع سنوات، بتطوير روبوتًا جراحيًا مخصصًا لإجراء عملية الزرع، حيث قام بإدخال الشريحة وسلسلة من الأقطاب الكهربائية والأسلاك فائقة الدقة داخل جمجمة المريض، بحيث ترسل الشريحة إشارات الدماغ لاسلكيًا إلى تطبيق تابع للشركة، الذي بدوره يقوم بتحويل هذه الإشارات إلى أفعال ونيات، ويتم شحن الشريحة لاسلكيًا..
وبعد محاولات عديدة، منحت “هيئة الغذاء والدواء” الأمريكية في مايو 2023م شركة “نيورالينك”، ترخيصًا لبدء التجارب على البشر، بعد قيامها لسنوات في إجراء عمليات زرع الشرائح في الحيوانات، وهي التجارب التي واجهت انتقادات عدة، أبرزها معاناة الحيوانات من مشكلات صحية وسلوكية وبعضها تعرَّض للوفاة.
وقامت الشركة بتصميم جهاز “إن 1″، ليتم زراعته بالكامل في الجمجمة، وهو متصل بالقشرة الحركية للدماغ من خلال 64 خيطًا رفيعًا للغاية مع أقطاب كهربائية صغيرة تلتقط الإشارات العصبية من المريض، لكن من غير المعروف ما إذا كانت الخيوط المسحوبة قد تشكل أي مخاوف تتعلق بصحة المريض.
وفي مارس الماضي، أجرت الشركة بثًا مباشرًا قام خلاله “أربو” بتحريك المؤشر عبر شاشة الكمبيوتر المحمول ولعب الشطرنج عبر الإنترنت باستخدام أفكاره فقط، وفي مقاطع فيديو أخرى نشرتها الشركة، ظهر “أربو” وهو يلعب لعبة فيديو السباق “ماريو” بشريحة الدماغ..
“جنة القرود” في مرمى النيران
ويمكن القول إن هناك حالة من التضارب بشأن فاعلية ونجاح الشريحة الدماغية، خاصةً بعد أن كشفت “نيورالينك”، عن وجود بعض المشكلات التي تعوق سرعة نقل البيانات من الشريحة إلى التطبيق الإلكتروني، دون أن تذكر مزيدًا من التفاصيل، فضلاً عن تشكيك عديد من الخبراء والأطباء في جدوى هذه الشريحة، التي تأمل الشركة أن تقوم بزرع 10 شرائح مماثلة خلال العام الجاري.
الدكتور بنيامين رابوبورت، جراح الأعصاب الذي شارك في تأسيس شركة “نيورالينك”، شن هجومًا ضاريًا على الشركة وتقدم باستقالته منها مؤخرًا، بسبب المخاوف المتعلقة بسلامة المريض “أربو”، وقال “بالنسبة للأجهزة الطبية، فإن السلامة غالبًا ما تعني الحد الأدنى من التدخل الجراحي، وفي الأيام الأولى لربط الدماغ بالحاسوب، كانت هناك فكرة مفادها أنه من أجل استخراج بيانات غنية بالمعلومات من الدماغ، يحتاج المرء إلى اختراق الدماغ بأقطاب كهربائية صغيرة تشبه الإبرة، لكنه ذكر أن هذه الطريقة لها عيب واحد كبير، وهو أنها تسبب قدرًا من تلف الدماغ، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنه من الممكن “استخلاص بيانات غنية بالمعلومات من الدماغ دون الإضرار بالدماغ نفسه.
وخلال السنوات الماضية تعرضت “نيورالينك” لانتقادات عديدة جعلتها في مرمى النيران دائمًا، حيث أطلقت عليها “إم آي تي تكنولوجي ريفيو”، عام 2020م، وهي مجلة علمية صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، اسم “مسرح علم الأعصاب”، كما تم الإبلاغ عن وفاة 15 قردًا في منشأة تابعة للشركة بين عامي 2017 و2020م، وذلك بحسب شكوى مقدمة إلى وزارة الزراعة الأمريكية، لكن “ماسك” رفض فكرة أن القرود في مختبرات “نيورالينك” توفت بشكلٍ مروع، مدعيًا بدلًا من ذلك أنهم يعيشون في “جنة القرود”..
ويبدو أن شريحة “نيورالينك” ليست الوحيدة في العالم، حيث كشفت إحدى الشركات الصينية مؤخرًا عن تطوير شريحة دماغية يطلق عليها اسم “نيور سيبر”، والتي سمحت للقرد أن يتحكم في ذراع آلية بأفكاره فقط والاستيلاء على الفراولة، إذ تتألف من 3 مكونات أساسية، هي أقطاب كهربائية دقيقة ومرنة عالية الكفاءة، وجهازين لاقتناء الإشارة العصبية بسرعة عالية، وخوارزمية تشفير عصبية توليدية، وأشارت الشركة إلى أن الشريحة الدماغية تستهلك طاقة منخفضة ولديها قوة حاسوبية للكشف الذكي عن الأهداف البصرية تعادل 3000 مرة ضعف الرقائق التجارية الحالية عالية الأداء، لكن لم يتم إخضاعها للتجارب البشرية حتى الآن..
واجهة الدماغ والحاسوب
فالتكنولوجيا المستخدمة في شرائح الدماغ والمعروفة باسم “واجهة الدماغ والحاسوب BCI”، لديها مجموعة واسعة من التطبيقات المحتملة، وخاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، وقال الأستاذ المساعد في كلية طب العيون بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، شينغ تشن، “أعتقد، على الأقل في المستقبل القريب، من المحتمل أن تحدث هذه التكنولوجيا ثورة في الطريقة التي قد يتمكن بها الأشخاص الذين يعانون من عجز حسي أو حركي من التفاعل مع البيئة والعيش بشكل أكثر استقلالية، وأضاف أن “إيلون ماسك” أعلن منذ فترة طويلة عن إمكانية استخدام الشريحة الدماغية لمساعدة الأفراد على تنظيم أمزجتهم وهرموناتهم، وهو احتمال جيد ضمن القدرات المحتملة التي يتصورها الباحثون لتكنولوجيا (BCI)، وهو ما يعد إنجازًا يمكن أن يكون ذا فائدة خاصة لأولئك الذين يعانون من الوسواس القهري أو الاكتئاب المقاوم للعلاج، على الرغم من أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث حتى يصبح ذلك ممكنًا.
وفي السياق نفسه، ذكرت أستاذة الأجهزة الطبية النشطة القابلة للزراعة في كلية كينجز في لندن، آن فانهوستنبرج، أن تكنولوجيا واجهة الدماغ والحاسوب أثبتت قدرتها على مساعدة الأفراد على التحكم في الوسائل التكنولوجية بأفكارهم، مما يسمح للمرضى المصابين بالشلل في التحكم في الأذرع الآلية أو تحريك المؤشرات، وأضافت “يتم تدريب الشخص المريض، ويتم تدريب النظام، بحيث يعمل الاثنان معًا، وترتبط هذه الأنماط المتكررة بإجراءات مثل فتح التطبيق، أو النقر، أو ربما تحريك المؤشر لأعلى ولأسفل”.
لكن فانهوستنبرج، سلطت الضوء على المخاطر المرتبطة بعملية زراعة الشريحة الإلكترونية، منها ما يتعلق بالمخاطر الصحية التقليدية مثل النزيف المفرط أو العدوى، والآخر يتعلق بالمخاطر الفريدة من نوعها، والتي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بنوبات صرع، فضلاً عن المخاطر المحتملة طويلة المدى في ضمان استمرار عملية الزرع مع مرور الوقت، مضيفة بقولها: “إذا سارت الأمور على ما يرام، فإن الخطر ينطوي على التفكير في الجهاز والتكنولوجيا ومدى استقرارهما على المدى الطويل”، مشيرة إلى أن الجسم قد يحاول رفض الزراعة: “أجسامنا جيدة جدًا في حماية أنفسنا من الأجسام الغازية”..
ونظرًا للمخاطر العالية المرتبطة بزرع الشريحة الدماعية، فمن المرجح أن يخضع لهذه العملية فقط شخص قد يستفيد من العلاج، مثل أولئك الذين يعانون من حالات طبية غير قابلة للشفاء، وأن هذه التقنية لن يتم استخدامها قبل عقد من الزمن، بحيث يتم التأكد من فعاليتها وعدم وجود أضرار صحية جسيمة ناتجة عنها، حيث لن يسمح الأشخاص العاديون لإيلون ماسك أن يعبث بعقولهم، بحسب مختصون..
وفي المقابل، يؤكد فريق من العلماء أن تقنية “إيلون ماسك” المتطورة قد يتم استخدامها بشكل كبير في المدى القريب، حيث تعزز التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، فمن المحتمل أن تسهم في تطوير صناعة الأجهزة الطبية القابلة للارتداء بشكل يفوق التقنيات المستخدمة حاليًا، خاصةً مع النمو الهائل لسوق “واجهة الدماغ والحاسوب”، والتي بلغ قيمتها 1.5 مليار دولار في عام 2020م، مع توقعات بأن تصل إلى 5.5 مليار دولار بحلول عام 2030م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره حوالي %14، كما يمكن استخدامها أيضًا في الترفيه والألعاب الإلكترونية وأجهزة الاتصالات.
وبذلك تُشبه مسألة زراعة شريحة دماغية مشاهدة فيلم خيال علمي مليئًا بالإثارة، ولكنه مشوب بالخوف في الوقت نفسه، لكن تسخير هذه التكنولوجيا بشكلٍ صحيح، يمكن أن يحدث ثورة في حياة البشر في المستقبل، ولكن سوء التعامل معها يمكن أن يشكِّل تهديدات وجودية أشبه بالتعامل مع المفاعلات النووية.