الفيدرالي الاحتياطي دائمًا تحت الأنظار وتأثير قراراته لا يقتصر فقط على الاقتصاد الأمريكي، بل له التأثير نفسه على الاقتصاد العالمي، وطبعًا على الأسواق العالمية، فنرى العالم بأجمعه ينتظر قراراته وتحوز بتغطية إعلامية كبيرة، توازي الأحداث السياسية الكُبرى، وأي تلميح على تغيير في سعر معدلات الفائدة، نرى تقلبات عالية، وتكون هذه القرارات بمثابة قائد لاي اتجاه في الأسواق.
إذًا من الطبيعي أن يكون اختيار العبارات مدروس بدقة عالية، كي لا يُسبب انهيارات في الأسهم، وبالتالي تجنب هالة من الذعر تؤذي صغار المستثمرين بشكل خاص، وتؤدي أيضًا إلى إيجاد قلق عند كبار الشركات عندما تشاهد انهيار سهمها، لأن هناك عديدًا من كُبرى الشركات لديها برامج بمليارات الدولارات لإعادة شراء سهمها.
نستعرض هنا بالتفصيل عن الجهات التي تستفيد من خفض معدلات الفائدة؟، فبدرجة أولى هناك الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي عليها مديونية عالية، والأسر المتوسطة الدخل، وبالنسبة لهذه الشركات فهي عادة لديها مديونية عالية، ولا تستطيع أن تتوسع في أعمالها أو حتى مواجهة التحديات في خدمة ديونها، وبالتالي خفض معدلات الفائدة يساعد بقوة هذه الفئة من الشركات.
لذلك نرى عند أي تلميح إلى خفض محتمل، يكون هناك موجة شراء على أسهم هذه الشركات، وذلك على أساس أن المستثمرين يعتقدون أن أداء هذه الشركات سيكون مختلفًا كليًا، وستستطيع أن تُقدم نتائج مبهرة، لذلك يحدث ارتفاعات قوية على هذه الأسهم.
نصل الآن إلى الأسر المتوسطة الدخل، فهي بحاجة دائمة إلى قرض سيارة وتمويل شراء منزل وبطاقة ائتمانية وقرض استهلاكي، وبالتالي تلعب معدلات الفائدة العالية دورًا كبيرًا في سلوكه الاستهلاكي.
البنك الفيدرالي لا يريد أن يرتكب الخطأ نفسه الذي وقع فيه في فترة جائحة كورونا، عندما انفجرت معدلات التضخم في العالم، وقتها التقديرات كانت تُشير إلى أن هذا التضخم عابرًا وهو بسبب سلاسل التوريد، وأنه سيهدأ بمجرد حل المشكلة!
ولكن كما تعرفون استمر التضخم بالارتفاع واضطر الفيدرالي أن يستعمل جميع أسلحته لترويضه برفع معدلات الفائدة إلى ما فوق الـ %5 وهي أعلى مستوى لها في عقدين.
عدا عن ذلك تثبيتها على مدى أكثر من سنة ونصف عند هذه المستويات ضاربًا بعرض الحائط كل ما يدعم الطلب، واستطاع أن يحقق إنجازًا بعدما أدت هذه الإجراءات إلى تراجع معدلات التضخم من %9 إلى مستويات %3.
تاريخيًا نرى في أشهر (سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر) تقلبات عالية جدًا، وأحيانًا انهيارات، فمثلاً الإثنين الأسود الذي حصل في أكتوبر من عام 1987م شهد انهيار مؤشر “الداو جونز” الصناعي الشهير بأكثر من %22 في جلسة واحدة! نعم بأكثر من %22، فهل ممكن أن تتخيلوا حجم هذه الخسارة؟
هنا يجب أن ألفت النظر إلى كيف نتعرف على الحركة الكبيرة في الأسواق؟ والتي تحصل عندما تتحول حركة الأسبوع إلى حركة يوم واحد وتتحول حركة اليوم إلى حركة دقيقة واحدة، نأخذ مثالاً على ذلك: مؤشر ناسداك إذا حصل عليه تراجع بـ 1200 نقطة مثلاً، ممكن تأخذ هذه الحركة معه بضعة أيام كمعدل، ولكن إذا حققها في بضع ساعات، هذا يدل على حركة غير اعتيادية وبالتالي يجب التعامل مع السوق بطريقة مختلفة.
نأخذ مثالاً آخر، إذا كانت حركة هبوط المؤشر 300 نقطة كمعدل في جلسة واحدة، ولكن إذا استطاع أن يحقق ذلك في دقيقة واحدة ولعدة مرات، هذا يدل أيضًا على أن الجلسة ليست عادية وأن السيولة عالية جدًا، لذلك يجب الحذر جدًا مع التقلبات، وبالتأكيد ستكون هناك تحركات سعرية ممكن تشاهدها لأول مرة أو أيضًا من النادر أن تراها أكثر من مرة في السنة.
البنوك المركزية ومع الخبرات الكثيرة التي اكتسبتها في السنوات الأخيرة بتعاملها مع عدد كبير من الأزمات، منذ أزمة الرهن العقاري عام 2008م، والتي تحولت إلى أزمة مالية عالمية وأدت أيضًا إلى انهيار الأسواق العالمية، ولكن مع إطلاق برامج التحفيز وبرامج التيسير الكمي عادت الأسواق ومحت خسائرها وأيضًا حققت مستويات قياسية.
من الأزمة العالمية عام 2008م إلى أزمة اليورو عام 2011م أو ما يعرف بأزمة الديون السيادية الأوروبية التي هددت منطقة اليورو وأيضًا استطاعت البنوك المركزية وعلى رأسها طبعًا البنك المركزي الأوروبي أن يتغلب على هذه الأزمة التي بقيت أوروبية.
أما بالنسبة لأزمة كورونا فتعاملت البنوك المركزية وصانعو القرار مع تحديات غير مسبوقة في ظل إغلاق تام للاقتصاد ومشكلات في سلاسل التوريد تولد تضخمًا عاليًا سبب مشكلة كبيرة للمسؤولين استغرقت سنوات لمحاولة لجم هذا التضخم الذي كان لا يهدأ، وما زال حتى الوقت الحالي يشغل بال حكام البنوك المركزية الكبرى حول العالم.
إذًا من خلال ذلك نستطيع القول إن البنوك المركزية أصبح لديها الكثير من الأسلحة لاستعمالها في الأزمات بعد الدروس الكثيرة التي تلقتها، وخصوصًا أننا أمام مرحلة مليئة بالتحديات والأحداث المتسارعة والمفاجئة. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الاستحقاقات في الأشهر المقبلة، وبالتالي التغيرات كثيرة وسريعة.