موازنة 2025م تتبنى سياسة إنفاق مرنة تمكَّنها من مواجهة التحديات وتؤكد التزام الحكومة بالسعي لتحقيق مستهدفات رؤية 2030م وأهدافها الرامية إلى تنويع مصادر الدخل.
أكدت أهمية الاعتماد علـى الصناديـق السـيادية والتنمويـة لضـخ الاستثمارات الرأسـمالية جنبـًا إلـى جنـب مـع تمكيـن القطاعيـن الخـاص وغيـر الربحـي.
في إطار سعي المملكة لتبني سياسات الإنفاق التوسعي، ودعم التنويع الاقتصادي والنمو المستدام، أقر مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، موازنة المملكة لعام 2025م والتي قدرت الإيرادات بـ 1184 مليار ريال، وإجمالي نفقات 1285 مليار ريال، وعجز مقدر بقيمة 101 مليار ريال، فيما توقعت أن يصل متوسط معدل التضخم إلى %1.9.
وتُعد بذلك، موازنة عام 2025م واحدة من الميزانيات التريليونية الكبرى منذ أعوام (2019م، 2020م، 2023م، 2024م)، وهو ما يشير إلى استمرار توجهات المملكة في التحول بشكل واسع ومطرد نحو الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، والإنفاق لتطوير القطاعات الأُخرى، وعلى رأسها السياحة والصناعة والنقل، وتقليل الاعتماد على العوائد النفطية، فضلاً عن التزام الحكومة بالسعي لتحقيق مستهدفات رؤية 2030م وأهدافها الرامية إلى تنويع مصادر الدخل، وزيادة تدفق العملات الأجنبية وجذب رؤوس الأموال الإقليمية والعالمية.
دلالات الموازنة الجديدة
وفي توضيحه لدلالات الموازنة الجديدة، أشار ولي العهد خلال جلسة مجلس الوزراء التي تم خلالها إقرار الموازنة، أن “هدف الحكومة، بقيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، هو خدمة المواطنين والمقيمين في المقام الأول، مع الحفاظ على المكتسبات التنموية، موضحًا أن الموازنة الجديدة تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة، من خلال المحافظة على مستويات مستدامة من الدَّيْن العام واحتياطيات حكومية معتبرة، إضافةً إلى سياسة إنفاق مرنة تمكّنها من مواجهة التحديات والتقلبات في الاقتصاد العالمي”.
وذكر ولي العهد أن “المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الوطني تأتي امتدادًا للإصلاحات المستمرة في المملكة في ظل رؤية 2030م”، مضيفًا أن “الإصلاحات المالية التي نفَّذتها المملكة انعكست إيجابيًا على تصنيفاتها الائتمانية؛ خاصةً بعد أن تبنت الحكومة سياسات مالية تحافظ على الاستدامة المالية وترفع من كفاءة التخطيط المالي”، كما أكد أن الحكومة ستستمر في عملية تنفيذ الإصلاحات التنظيمية والهيكلية وتطوير السياسات الهادفة إلى الارتقاء بمستوى المعيشة وتمكين القطاع الخاص وبيئة الأعمال، والعمل على إعداد خطة سنوية للاقتراض ضمن استراتيجية الدّيْن متوسطة المدى، تحافظ على استدامة الدّين وتسعى لتنويع مصادر التمويل، ما بين المصادر المحلية والخارجية، والوصول إلى أسواق الدين العالمية.
واختتم ولي العهد تصريحاته بالتأكيد على “الدور المحوري للمملكة في دعم الاستقرار الاقتصادي والمالي إقليميًا وعالميًا، انطلاقًا من متانة اقتصادها القادر على تجاوز التحديات”، مضيفًا أن “الاقتصاد الوطني جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، ويتأثر بالتطورات العالمية كأي اقتصاد آخر؛ وهو ما يدعو إلى مواصلة العمل على مواجهة أي تحديات أو متغيرات عالمية، عبر التخطيط المالي طويل المدى وتنفيذ البرامج والمبادرات، والالتزام بكفاءة الإنفاق، والتنفيذ لجميع البنود الواردة في الميزانية.
مواصلة التوسع في الإنفاق
وفقًا لما أعلنته الدولة فإن موازنة عام 2025م تستهدف مواصلة التوسع في الإنفاق على المشروعات التنموية وفق الاستراتيجيات القطاعية وبرامج “رؤية 2030م”، واستمرار تنفيذ المشروعات ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المستدام، فضلاً عن تطوير بيئة الأعمال لجذب مزيد من رؤوس الأموال وزيادة حجم ونوع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وفي هذا السياق أعلن وزير المالية، محـمد الجدعان، أن “موازنة عام 2025م، تسعى إلى المحافظة على المركز المالي للمملكة وتحقيق الاستدامة المالية، والحفاظ على مستويات مستدامة من الدين العام مع وجود احتياطيات حكومية تعزز قدرة البلاد على التعامل مع الصدمات الخارجية”، وأشار إلى أن “الإصلاحات الاقتصادية والمالية، التي شهدها الاقتصاد الوطني نتج عنها تحسن في المؤشرات، والوصول إلى مرحلة مهمة في مسيرة التنويع الاقتصادي والاستقرار المالي، مضيفًا أن التقديرات، تُشير إلى استمرار دور الأنشطة غير النفطية في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي؛ نتيجة استمرار المبادرات والإصلاحات الهادفة لرفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وتمكينه ليصبح المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، خاصةً أن هناك قفزة بعدد الشركات الصغيرة والمتوسطة بفضل الإنفاق الحكومي.
وعلى الرغم من استمرار الصراعات الجيوسياسية في العالم والمنطقة، فإن الحكومة تؤكد أن المملكة حافظت على مركزها المالي القوي، واستمرت في تنفيذ مشاريعها وخططها التنموية، ولم تتأثر بشكل كبير؛ نظرًا للسياسات المالية الفعّالة، التي وضعتها الحكومة لتضمن جاهزيتها في مواجهة كافة التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية.
احتياطيـات ماليـة كبيرة
كما ذكرنا، فإن موازنة 2025م تُشير إلى أن حكومة المملكة مستمرة في السعي لتحقيق مسـتهدفات رؤية 2030م من خلال استكمال الإصلاحات الماليـة والاقتصادية وتبني سياسـة ماليـة ترتكز على وجـود احتياطيـات ماليـة كبيرة ومسـتويات منخفضة للديـن العـام، وذلك عنـد مقارنتهـا بالدول المناظرة، وفي الوقت نفسه رفـع كفـاءة الإنفاق، وترتيـب الأولويات من خلال التنفيذ السريع للمشروعات الداعمــة للنمــو الاقتصادي، بهـدف تحقيـق الاستقرار الاقتصادي، وتعظيـم العوائـد، والمكاسـب الاقتصادية، والاجتماعية.
وتكشف الموازنة الجديدة عن رغبة الدولة للإسراع في تنفيذ الإصلاحات التنظيميــة والهيكليــة وتطويــر السياســات، والتوســع فــي الإنفاق التحويلــي الهـادف لتعزيـز النمـو الاقتصادي المسـتدام، وتعزيـز التنميـة المجتمـعية.
وارتكازًا على رؤية 2030م فإن المملكة ومن خلال موازنتها الجديدة تهدف لمواصلة جهودها الرامية للتحــول إلــى اقتصــاد متنــوع ومســتدام، وتقليل الاعتماد على القطاع النفطي وتعزيــز التحـول الاقتصادي، مـن خلال ضخ استثمارات كبيرة في القطاعات الرائدة، مثل: الصناعـة والتعديـن، والسـياحة، والزراعـة، والنقـل والخدمـات اللوجسـتية.
الصناديـق السـيادية والتنمويـة
وفي إطار سعي الدولة لتحقيق المستهدفات التنموية لرؤية 2030م، فإن الموازنة تؤكد أهمية الاعتماد علـى الصناديـق السـيادية والتنمويـة؛ لضـخ الاستثمارات الرأسـمالية، جنبـًا إلـى جنـب مـع تمكيـن القطاعيـن الخـاص وغيـر الربحـي.
ومن الصناديق المهمة في هذا الإطار، صندوق الاستثمارات العامة، الذي يلعب دورًا كبيرًا فــي تعزيــز عائــدات المملكــة من خلال اســتثماراته المحليــة والإقليمية والدوليــة، ومن ثم تحقيــق مســتهدفات رؤيــة 2030م، وتعزيـز مكانـة المملكـة عالميًـا.
كما يوجه الصندوق العائــدات لتحقيــق اســتراتيجيته الساعية لتعظيــم أصولــه، وإطـلاق قطاعـات اسـتراتيجية جديـدة وواعـدة فـي المملكـة تُزهر الاستثمار في مختلف القطاعات، إضافـة إلـى توطيـن التقنيـات ونقـل المعرفـة، وتمكيـن القطـاع الخـاص المحلـي، وتأسـيس شـراكات اقتصاديـة اسـتراتيجية علـى جميـع الأصعدة المحليــة والإقليمية والدوليــة.
وقـد حقـق الصنـدوق بالفعل، عديدًا مـن النجاحات، ومنها اســتحداث أكثــر مــن 1.1 مليــون فرصــة عمــل مباشـرة وغيـر مباشـرة، بالإضافة إلـى تأسـيس 95 شـركة محليـة فـي عديد من القطاعـات، كما ارتفع حجـم الأصول التـي يديرهـا الصندوق، إلى 2.87 تريليــون ريــال فــي نهايــة 2023م؛ ممــا جعل مؤسسة (SWF Institute) المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، تُصنفه كســادس أكبــر صنــدوق ثــروة ســيادي فــي العالــم، مــن حيــث الأصول المدارة عام 2023م، كما ارتفعت أصول الصندوق حتى أغسـطس 2024م، إلى 3.47 تريليـونات ريـال بزيـادة مقدارهــا %21.
ووفق دراسة لمؤسسة “براند فاينانس” الدولية، فقد حصل صندوق الاستثمارات العامة السعودي على المرتبة الأولى عالميًا باعتباره صاحب شركة “بلا روك” العلامة التجارية الأعلى والأكثر قيمة لإدارة الأصول في العالم بقيمة 1.1 مليار دولار، كما احتل الصندوق المركز الثاني على مستوى العالم بالتشـارك مـع عـدد مـن الصناديـق الدولية الأخرى، والمركز الأول فـي الشـرق الأوسط، ضمـن تصنيفـات الحوكمـة والاستدامة والمرونـة العالميـة مـن مؤسسـة “إس دبليو اف جلوبال”.
ويستهدف الصندوق خلال السنوات القادمة، الاستمرار فـي الإسهام بتحقيـق الاستدامة الماليـة للمملكة، والدخول في مشروعات جديدة، منها مشروعات ضخمة تسهم في توطيــن تصنيــع وتجميــع توربينــات الريـاح والألواح الشمسـية ومكوناتهـا لإنتاج الطاقـة المتجـددة، والإسهام فـي الوصـول إلـى مزيـج الطاقـة الأمثل لإنتاج الكهرباء وإزاحـة الوقـود الســائل المســتخدم فــي قطــاع إنتــاج الكهربــاء.
ومن أبرز مسـتهدفات الصندوق عام 2025م، اسـتمرار الاستثمار فـي المشروعات الجديـدة محليًا، إضافـة إلـى زيـادة الأصول تحـت إدارتـه إلـى نحـو 4 تريليـونات ريـال، وزيـادة إسهام الصنـدوق والشـركات التابعـة لـه فـي المحتـوى المحلـي لتصـل إلـى ما نسبته %60.
أثر نمو الأنشطة غير النفطية
وتُقدر الإيرادات الإجمالية لعام 2025م بحوالي 1184 مليار ريال، فيما تشير التوقعات إلى أن الإيرادات ستصل مع نهاية عام 2024م، إلى حوالي 1230 مليار ريال، بعد أن كانت عام 2023م، حوالي 1212 مليار ريال.
ومن الملاحظ هنا، أن الإيرادات المتوقعة لعام 2025م، تُظهر انخفاضًا بنسبة %4 مقارنةً بتقديرات سابقة، وهو ما يرجع إلى انخفاض عائدات النفط نتيجة تراجع الأسعار وتخفيضات الإنتاج الطوعية، إلا أن ما يقلل من هذه التأثيرات ويقلل من الفجوة، هو تحقيق الأنشطة غير النفطية نموًا ومكاسب خلال الفترة الماضية.
وخلال الـ 25 عامًا الماضية، وتحديدًا منذ عام 2000م، فإن أكبر قيمة إيرادات كانت عام 2022م، عندما وصلت إلى 1286 مليار ريال، يليها عام 2012م، بقيمة إيرادات تصل إلى 1247 مليار ريال، أما أقل قيمة إيرادات فكانت عام 2002م، عندما بلغت 213 مليار ريال.
وبمقارنة ذلك بالمصروفات والإنفاق، نجد أنه خلال الفترة نفسها (من 2000م، وحتى 2025م)، فإن أكبر قيمة مصروفات، كانت عام 2024م، بقيمة متوقعة 1345 مليار ريال، تليها عام 2023م، بقيمة مصروفات 1293 مليار ريال، وهما بذلك، أعلى من قيمة المصروفات المستهدفة عام 2025م والبالغة 1285 مليار ريال، أما أدنى قيمة مصروفات فكانت عام 2002م، وبلغت 234 مليار ريال، يليها عام 2000م، بقيمة 235 مليار ريال.
أولويات تركيز الإنفاق
وقد شهد الاقتصاد الوطني تغيرًا هيكليًا ملحوظًا، وارتفع الإنفاق على الاستراتيجيات وبرامح تحقيق رؤية 2030م، وفيما تشير التقديرات إلى أن “إسهامات النفط في الناتج المحلي تصل إلى %28، فإن هناك توقعات بأن يصل نمو الاقتصاد غير النفطي بنهاية عام 2024م إلى %3.7، خاصةً أن الأنشطة غير النفطية أسهمت في الناتج المحلي بنسبة %52 خلال النصف الأول من العام نفسه.
وشهد الإنفاق على المشروعات النوعية ارتفاعًا بلغ حوالي %33 منذ عام 2016م وما ينطبق على موازنة عام 2025م، ينطبق إلى حدٍ كبير على السنوات السابقة، من حيث تركيز الإنفاق على قطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية، وتطوير البنية التحتية، واستمرار تنفيذ البرامج والمشروعات ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المستدام، ومواصلة الإنفاق على المشروعات العملاقة الهادفة إلى تقليل اعتماد الاقتصاد على عوائد النفط.
ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الإنفاق، وفقًا لموازنة عام 2025م، حوالي 1285 مليار ريال (342 مليار دولار)، ويتصدر القطاع العسكري القطاعات المختلفة، من حيث الإنفاق بقيمة 272 مليار ريال، بينما حل ثانيًا قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية بقيمة 260 مليار ريال، بعدما كان يحتل الصدارة على مدى عامي (2023م و2024م).
ويأتي التعليم في المرتبة الثالثة، من حيث الإنفاق بقيمة 201 مليار ريال، بعدما كان يحتل المركز الرابع، فيما تراجع الإنفاق على قطاع الخدمات البلدية بنحو %43 ليصل إلى 65 مليار ريال.
ومن القطاعات المهمة، قطاع التجهيزات الأساسية والنقل، والذي يصل حجم الإنفاق عليه إلى 42 مليار ريال، وهو الأعلى منذ عام 2021م، ويتضمن الإنفاق في هذا القطاع عديدًا من المشروعات، مثل: إنشاء وتطوير الطرق، والموانئ، وافتتاح صالات سفر جديدة في المطارات الدولية.
كما يستهدف الإنفاق الحكومي تعزيز أنشطة العقارات والاتصالات، وتقنية المعلومات، إضافة إلى قطاع المعلومات والبيانات والذكاء الاصطناعي، والحكومة الرقمية، والخدمات البريدية، والفضاء، والمدن الصناعية.
عوائد اقتصادية تفوق الاستدانة
وتشير موازنة عام 2025م إلى عجز بقيمة 101 مليار ريال، أي ما يوازي %2.3 من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2025م؛ حيث اعتبر وزير المالية أن “العجز المتوقع ناتج بشكل أساسي عن زيادة الإنفاق على المشروعات؛ لكنه “سيحقق عائدًا اقتصاديًا يفوق تكلفة الاستدانة لتغطيته”.
ولذلك، فإنه وفق بيان الموازنة فإن المملكة تعتزم الاســتمرار في عمليات التمويل المحلية والدولية بهدف تغطية العجز المتوقع في الميزانية وسـداد أصل الدين المستحق خلال عام 2024م، وعـلى المـدى المتوسـط، ومن المتوقع أن يناهز رصيد الدين العام في عام 2025م، مبلغ 1.3 تريليون ريال، أي بارتفاع قدره حوالي 100 مليار ريال عن رصيد الدين المتوقع لعام 2024م، ولكنه يظل أقل قليلاً من %30 من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي هذا الإطار، يشير ولي العهد إلى ضرورة العمل على إعداد خطة سنوية للاقتراض، وفق استراتيجية الدين متوسطة المدى، والتي تهدف إلى الحفاظ على استدامة الدين، وتنويع مصادر التمويل بين محلية وخارجية، والوصول إلى أسواق الدين العالمية.
وفي تعليقها على ارتفاع الدين العام بنهاية النصف الأول من عام 2024م بنسبة %9 ليصل إلى 1.15 تريليون ريال، تشير الحكومة إلى أن المحافظة على الدين العام ضمن معدلات مقبولة، إضافة إلى سياسة إنفاق مرنة؛ هو أمر “يساعد على احتواء الأزمات التي قد تطرأ مستقبلاً”، معلنةً عن عدم استبعادها لمزيد من الاستدانة ضمن ضوابط محددة، أبرزها أن يكون العائد على الإنفاق أعلى من تكلفة الدين، وبموازاة القدرة على الوصول إلى أسواق الدين بتكلفة مقبولة لا تؤثر على الاقتصاد.
ولذلك، فإنه من الواضح أن هناك رغبة حكومية في التوسع في الإنفاق، ليس في موازنة عام 2025م، فقط ولكن في الأعوام الثلاثة المقبلة، رغم التقديرات بأن العجز سيتراوح ما بين 100 و140 مليار ريال سنويًا، خلال تلك الفترة، إيمانًا من الحكومة بأن “العائد على الاقتصاد أكبر من تكلفة الاستدانة لتغطية هذا العجز”.
ضبط السقف الأعلى للدين
وكانت وزارة المالية قد أعادت ضبط السقف الأعلى للدين من %30 إلى %40، وهو ما يدفع للقول بإن زيادة مستويات الدين تُعد خيارًا استراتيجيًا، وليس بسبب ضغوطات على المالية العامة، وأن تراكم العجز وزيادة الدين العام بشكل اختياري، يرجع إلى الرغبة في استغلال فرص النمو، مع زيادة الإنفاق على بعض البرامج الداعمة والمحققة لمستهدفات الرؤية، وبمعنى آخر فإن ارتفاع حجم محفظة الدين العام يُعد ارتفاعًا مدروسًا لضمان استدامة الدين، نتيجةً للتوسع في الإنفاق من أجل تسريع وتيرة تنفيذ بعض البرامج والمشروعات وتحقيق مستهدفات رؤية 2030م.
وبمقارنةً العجز المتوقع والمقدر بـ 101 مليار ريال، سنجد أن أكبر عجز خلال الـ 25 عامًا الماضية، كان عام 2015م، إذ بلغت قيمة العجز حوالي 389 مليار ريال، يليها عام 2016م عندما بلغت قيمة العجز 311 مليار ريال، ثم عام 2020م، بقيمة عجز تصل إلى 294 مليار ريال، أما أكبر فائض خلال الـ 25 عامًا الماضية، فكان عام 2008م، وبلغ 518 مليار ريال، يليه عام 2012م، بقيمة فائض 329 مليار ريال.
وإذا كانت التوقعات النهائية لعام 2024م تشير إلى عجز بقيمة 118 مليار ريال، فإن تقديرات الحكومة تشير إلى ارتفاع العجز لـ 101 مليار ريال عام 2025م، وإلى 130 مليار ريال عام 2026م، ثم إلى 140 مليار ريال عام 2027م، وهو ما يرجعه الخبراء إلى خفض تقديرات الإيرادات بوتيرة أعلى من تقليص الإنفاق خلال عامي 2025م و2026م إذ تم خفض الإيرادات %4 و%5 عامي 2025م و2026م على التوالي، مقابل تقليص النفقات %1 و%3.
وتتوقع الحكومة أن يسجل الاقتصاد الوطني ثاني أسرع معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بين الاقتصادات الكبرى خلال عام 2025م، ليصل إلى %4.6، مدفوعًا باستمرار ارتفاع إسهام الأنشطة غير النفطية وانخفاض معدل البطالة واستمرار الحفاظ على رصيد الاحتياطيات الحكومية لدى البنك المركزي لتصل في نهاية عام 2025م، إلى حوالي 390 مليار ريال.
رفع إسهامات القطاعات
وتسعى المملكة إلى الوصول إلى 127 مليون سائح على مستوى المملكة، وتحقيق إنفاق سياحي يصل إلى 346.6 مليار ريال، وزيادة عدد الزوار القادمين من الخارج لتأدية مناسك العمرة ليصل عددهم إلى 15 مليون معتمر، كما تضمنت المستهدفات توفير 1500 فرصة تصديرية للشركات السعودية المصدرة، ودعم مشاركة 60 علامة تجارية ضمن جولة الامتياز التجاري، وتطوير 50 علامة محلية للتوسع في نموذج عمل الامتياز التجاري، وتوفير 80 ألف وحدة سكنية بالشراكة مع المطورين العقاريين، فضلاً عن إتاحة منتجات سكنية متنوعة يستفيد منها 100 ألف مستفيد للدعم السكني.
وتضمنت المستهدفات كذلك زيادة عدد المقاولين المؤهلين لدى وزارة البلديات والإسكان ليصل إلى 24 ألف مقاول، بالإضافة إلى إصدار %85 من الرخص التجارية خلال 24 ساعة عبر تطبيق بلدي.
وفيما يتعلق بالتكنولوجيا والذكاء الصناعي، فإن موازنة 2025م، تسعى إلى رفع متوسط نضج الجهات الحكومية في المؤشر الوطني للبيانات “نضيء”، وزيادة جاهزية تبني الذكاء الاصطناعي في الجهات الحكومية، كما تستهدف رفع عدد مجموعات البيانات المضافة في بنك البيانات الوطني، وزيادة حالات الاستخدام الفعّال للمنصة الوطنية للمدن الذكية “تراكمي”.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد الرقمي والفضاء، فإن الحكومة تستهدف رفع إسهامات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي، واستقطاب شركتين تقنيتين ضخمتين إلى السوق السعودية، ليصل إجمالي الشركات التقنية المليارية إلى 8 شركات، إضافة إلى تصنيع وإطلاق قمر صناعي لدراسة طقس الفضاء، ضمن مهمة “أرتيمس 2” لاستكشاف القمر.
وضمن قطاع النقل والخدمات اللوجستية، فإن المشروعات المخططة تشمل تدشين 6 مناطق لوجستية جديدة في الموانئ السعودية لزيادة الطاقة الاستيعابية، وإضافة ناقل وطني جديد في الدمام لزيادة عدد الناقلات الجوية الوطنية، وتفعيل تشغيل شبكة النقل العام.
ومن المستهدف أيضًا، تحديث استراتيجية قطاع الصناعات العسكرية في ظل التغيرات التي طرأت على المنظومة، وتنمية القدرات البشرية في قطاع الصناعات العسكرية ورفع نسبة التوطين لتصل إلى %20 حسب المستهدف لعام 2025م و%50 عام 2030م عن طريق تنفيذ البرامج والمشروعات الداعمة للتوطين والعمل على التشريعات والسياسات في القطاع.
ومن المستهدف أيضًا رفع الطاقة الاستيعابية إلى 600 زراعة كلية سنويًا لتكون الأعلى في الشرق الأوسط والخامس على مستوى العالم في مركز زراعة الأعضاء، وتطوير مركز الأمير سلطان لمعالجة وأمراض وجراحة القلب ليكون رائدًا عالميًا ومن أفضل 10 مراكز على مستوى العالم في تقديم الرعاية الطبية المتقدمة، وإنشاء أول مستشفى ذكي متخصص في طب وجراحة القلب.
كما تضمّنت المستهدفات في موازنة عام 2025م، تخصيص 10 مليار ريال كدعم وقروض لأكثر من 140 ألفًا من الأفراد والأسر ورواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والناشئة من برامج بنك التنمية الاجتماعية.
وأخيرًا، فإنه إذا كانت رؤية 2030م تهدف إلى تقليل اعتماد الاقتصاد على النفط، إلا أن ذلك لا شك يتطلب استثمارات كبيرة تبلغ مئات المليارات لتطوير بنية تحتية ضخمة، وتطوير القطاعات المختلفة، مثل، السياحة والتصنيع، فضلاً عن خلق فرص العمل.
ومن الواضح أن موازنة عام 2025م، تحرص على الالتزام بتحقيق أهداف رؤية 2030م من خلال دعم الإنفاق الحكومي على تلك القطاعات، وتمكين القطاع الخاص ليكون هو المحرك الرئيس للنمو، فضلاً عن استمرار تنفيذ الخطط التنموية لمواجهة التحديات العالمية، خاصةً في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من حروب ومتغيرات إقليمية، فضلا عن تأثيرات جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.