الشجرة الواحدة قادرة على توفير 21 كيلو وات في الساعة سنويًا وخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.
435 مليون دولار قيمة سوق الأشجار الشمسية في العالم بمعدل نمو متوقع %5.7 بحلول 2033م.
الطلب المتزايد على الأشجار الشمسية يوفر فرصًا استثمارية واعدة لشركات الطاقة المتجددة.
يُطلق على الطاقة الشمسية الآن “أرخص كهرباء في التاريخ”، وبالتالي لا تتوقف المحاولات الساعية إلى إيجاد حلول لتحدٍ عالمي مُلح، متعلق باستبدال مصادر الطاقة التي تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري بالطاقة المتجددة، ومن أبرز هذه التطورات في هذا المجال ما يطلق عليه “أشجار الطاقة الشمسية”، التي تعد بمثابة “هياكل جاذبة للانتباه” تقوم بتوليد الطاقة الشمسية باستخدام الألواح الكهروضوئية، وتتميز بقاعدة معدنية أو بلاستيكية أو حجرية متينة تمتد إلى أعلى وإلى الخارج في “فروع” يتم تركيب الألواح الشمسية عليها، ويتم تخزين الطاقة في بطاريات داخل جذوعها.
مميزات فريدة
وتأتي سنغافورة كواحدة من أشهر دول العالم في استخدام الأشجار الشمسية، حيث يعد متنزه “حدائق الخليج”، أكثر المعالم السياحية في الدولة، والذي يضم 18 شجرة عملاقة تعمل بالطاقة الشمسية يصل ارتفاع أحدها إلى 150 قدمًا مع مظلات مقلوبة، لا يقتصر استخدامها على توليد الطاقة الشمسية فحسب، لكنها تساعد أيضًا في تنظيم درجات الحرارة وجمع مياه الأمطار.
وتعد الأشجار الشمسية، بمثابة وحدات مستقلة لتوليد الطاقة، تساعد في تزويد الأفراد والمنازل والشركات، بخدمات الإضاءة وشحن الأجهزة الإلكترونية، وفي الوقت الذي مازالت إمكاناتها محدودة نسبيًا، إلا أنها تتسم بمجموعة من المميزات الفريدة، فهي بالمقارنة مع أنواع أخرى من الألواح الشمسية المثبتة على الأرض، لا تتطلب هذه الأشجار مساحة كبيرة من الأرض، وبالتالي فهي مناسبة بشكل أكبر للمناطق التي تعاني من ندرة في الأراضي لتركيب المحطات الشمسية، أو تلك التي تفتقر إلى مساحات كافية على أسطح المنازل.
بالإضافة إلى ذلك، تخلق الأشجار الشمسية الظل للمساعدة في مواجهة تأثير ارتفاع درجات الحرارة في المناطق التي تعاني منها، مما يوفر مرونة أكبر في مواجهة تغير المناخ، كما تعمل على تعزيز المساحات العامة ووسائل الراحة، وتوفير محطات للشحن وتشغيل أعمدة الشوارع، والإسهام بالكهرباء النظيفة للمنازل أو المرافق التجارية، ووفقًا لعديد من التقديرات، فإن كل شجرة شمسية توفر ما يقرب من 14 إلى 18 طنًا من انبعاثات الكربون سنويًا، كما أنها تولد ما بين 17.5 ألف إلى 21 ألف كيلو وات في الساعة سنويًا.
أشكالها جذابة ومبتكرة
ويعمل العديد من الشركات الأمريكية والبريطانية، في مجال تصنيع الأشجار الشمسية، منها “سبوت لايت سولار”، “سمارت فلور”، “بيم جلوب”، ويتم تركيب منتجاتها في الحدائق والملاعب الرياضية وحمامات السباحة والمدارس وشركات المرافق، كما تسعى إلى تطوير تصميماتها بشكلٍ جذاب ومبتكر، سواء على شكل زهرة أو دوار الشمس، في محاولة منها لزيادة الاعتماد عليها في الحصول على الكهرباء، ودعم قطاع الطاقة المتجددة.
وذكر مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة “سولار بوتانك” البريطانية المتخصصة في صناعة الألواح والأشجار الشمسية، “هاري كوريجان”، أن تغير المناخ المتسارع هو نتيجة لاعتمادنا على الوقود التقليدي المُلوث، الذي يعد أكبر التهديدات لكوكب الأرض، مشددًا على أن التحول إلى تقنيات الطاقة الصفرية الصافية أمر بالغ الأهمية إذا أردنا تجنب الكارثة، مشيرًا إلى أن أشجارنا الشمسية تساعد في المساهمة في نظام الصفر الصافي الذي نحتاج إليه بشدة.
وأضاف أن هذه الأشجار تستمد إلهامها من الطريقة التي تتحرك بها، حيث تمتص الطاقة من خلال خلايا شمسية كهروضوئية رقيقة ومرنة على شكل أوراق الشجر، وقد تم تصميمها باستخدام آلاف الدوائر الدقيقة التي يتم تنشيطها عندما تشرق الشمس، لافتًا إلى أن شركته تستكشف المزيد من استخدام تكنولوجيا النانو التي ستسمح للأجيال القادمة من الأشجار ليس فقط بتحويل الضوء إلى طاقة، بل وأيضًا الرياح، وذلك بفضل السيقان والأغصان التي تم دمجها في تصميم الأشجار، والتي تولد الكهرباء عندما تتحرك.
وتعتمد كمية الطاقة المولدة من كل شجرة على المكان الذي يتم “زراعتها فيه”، حيث ستنتج بعض المواقع طاقة أكثر من غيرها، وهو أمر متأصل في طريقة عمل التكنولوجيا، ففي ظل الظروف الجوية المتغيرة، يتم وضع بطارية مدمجة في جذع الشجرة لتخزين الطاقة لتوفيرها في وقتٍ لاحق”، كما أوضح “كوريجان” أنه “بالنسبة للمواقع التي تقل فيها إمكانية توليد الطاقة من الشمس، يمكن بسهولة ربط الشجرة بأشجار أخرى أو ألواح شمسية تقليدية لزيادة سعة الطاقة”.
فرصة للشركات الناشئة
ويتزايد اهتمام الشركات الناشئة في المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، في الاستثمار في مجال أشجار الطاقة الشمسية، حيث تم تأسيس شركة باسم “سولار بوتانك تريز”، العام الماضي، والتي تخطط إلى الإنتاج التجاري الكامل للأشجار الشمسية لشحن السيارات الكهربائية بحلول عام 2025م، حيث تعمل حاليًا على تطوير نسختين مختلفتين في الحجم، واحدة يبلغ ارتفاعها 5.5 مترًا وأخرى يبلغ ارتفاعها 3.5 مترًا.
وذكر الرئيس التنفيذي للشركة، “كريس شيلي”، أنه بالإضافة إلى الاستخدامات التجارية، يمكن استخدام هذه الأشجار في الحدائق الخاصة، حيث يمكنها تلبية الاحتياجات الكهربائية السنوية لمنزل متوسط الحجم.
وارتفع عدد محطات شحن المركبات الكهربائية في المملكة المتحدة بأكثر من الثلث خلال العام الماضي في محاولة لمواكبة الطلب المتزايد، حيث يوجد حاليًا أكثر من 25 ألف محطة للشحن، وهو عدد أقل بكثير من 325 ألف نقطة شحن مطلوبة بحلول 2032م، وهي فرصة مثالية لنمو الطلب على الأشجار الشمسية.
وثمة تقديرات دولية، بأن تصل قيمة سوق الأشجار الشمسية إلى 250 مليون دولار نهاية عام 2024م، على أن تصل إلى 435 مليون دولار بحلول 2033م، بمعدل نمو سنوي مركب في حدود %5.7، مدفوعًا بارتفاع الطلب على مصادر الطاقة المتجددة، والمخاوف البيئية المتزايدة والتحول نحو حلول الطاقة المستدامة.
وأضافت التقديرات، أن التطورات في تكنولوجيا الخلايا الشمسية أسهمت في نمو سوق الأشجار الشمسية من خلال تعزيز كفاءة وتنوع توليد الطاقة الشمسية، وإضفاء طابع جمالي عليها، كما أدت الابتكارات في علوم وهندسة المواد إلى تطوير الألواح الشمسية خفيفة الوزن والمرنة التي يمكن دمجها في تصميمات معمارية مختلفة، كما لعبت التطورات في تقنيات تخزين الطاقة، مثل بطاريات الليثيوم أيون وبطاريات “التدفق” (تعد مصدر لتخزين الكهرباء قابلة لإعادة الشحن)، دورًا مهمًا في زيادة الاعتماد على هذه الأشجار خلال فترات انخفاض ضوء الشمس أو الطلب المرتفع.
مستقبل الأشجار الشمسية
لكن المشكلة الأكبر التي تواجه الأشجار الشمسية المبتكرة تلك المتعلقة بالتكلفة، فحسب الباحثة المتخصصة في قضايا المناخ، في كلية الدراسات العليا بجامعة كولومبيا الأمريكية، “أوتمن سبان”، فإنه في الوقت الحاضر، مازالت الألواح الشمسية أرخص بكثير من هذه الأشجار، فعلى سبيل المثال، تصل تكلفة نظام الطاقة الشمسية الكهروضوئية المكون من 22 لوحة على السطح حوالي 2.7 دولارًا لكل واط، بافتراض أن كل لوحة 250 واط، فهذا يعني 14905 دولار، وفي المقابل، تصل تكلفة شجرة الطاقة الشمسية عمومًا ما بين 30 ألف دولار لنظام 1.7 كيلو وات، و100 ألف دولار لنظام 16.5 كيلو وات، مما يجعل الأشجار الشمسية أكثر جدوى للشركات الكبيرة ومرافق البنية التحتية العامة.
وعلى الرغم من تحدي التكلفة، تتزايد شعبية تركيب الأشجار الشمسية في أماكن مختلفة حول العالم، حيث تخطط مجموعة من الدول ومنها الهند إلى أن يكون لديها مليون شجرة بحلول 2030م، وهذا بدوره سيعيد رسم مستقبل قطاع الطاقة المتجددة، فمع التطور المتقدم في أنظمة الخلايا الشمسية، يمكن للعالم تقليل البصمة الكربونية بشكل كبير (على سبيل المثال، تنتج الأسرة الأمريكية الواحدة حوالي 14 طنًا من الكربون كل عام)، على أن هذه الأشجار مازالت في مهدها، وأن التوسع في إنتاجها مع توافر الدعم الحكومي في المراحل الأولى، سيؤدي إلى إنشاء خلايا شمسية أصغر وأرخص وأكثر ذكاءً.
كما ذكر الخبير الأمريكي في الطاقة الشمسية، “كارستن نيومستر”، أن من بين أهم مميزات الأشجار الشمسية، أنها تتطلب القليل من الصيانة مقارنةً مع الألواح الشمسية، كما أنها مناسبة بشكل كبير للمدن المكتظة بالسكان، مما يجعلنا نعتقد أنها ستصبح شائعة في وقت أقرب مما قد نتوقعه، فخلال السنوات المقبلة، لن نستغرب انتشارها، خاصةً على الطرق السريعة أو المناطق الزراعية، وكذلك مواقف السيارات ومراكز التسوق والحدائق العامة، وأضاف أن أشجار الطاقة الشمسية لا تعد اختراعًا جديدًا، لكنها تتمتع بشعبية متزايدة، وستكون جزءًا أساسيًا في قطاع الطاقة المتجددة المتنامي، والذي من المتوقع أن تصل قيمته إلى أكثر من تريليوني دولار بحلول 2030م، لافتًا إلى أنها تتمتع بكفاءة أكبر في توليد الطاقة، حيث يبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة حوالي 2.5 كيلو وات، وهو ما يعادل نصف إنتاج الطاقة لنظام الطاقة الشمسية على سطح منزل صغير.
ويمكن القول إن الأشجار الشمسية من المتوقع أن تشهد انتشارًا واسعًا خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث سيتم استخدامها لتوفير الطاقة الكهربائية النظيفة للمنازل، وذلك على مساحة أقل مقارنةً بالمساحة التي تحتاجها المحطات الشمسية الصغيرة، حيث يمكن تشغيل ستة إلى سبعة منازل بشجرة واحدة، كتلك التي يستخدمها سكان مدينة “لين هافن” بولاية فلوريدا الأمريكية، بشكل بات أكثر تشابهًا في المظهر مع الأشجار الحقيقية أو النباتات الأخرى، وبالتالي فهي توفر فرص استثمارية واعدة للشركات العاملة في قطاع الطاقة المتجددة في مختلف دول العالم.