848 ألف أونصة عجز متوقع في سوق البلاتين العالمي بسبب نقص المعروض في عام 2025م.
توقعات بتراجع مخزونات البلاتين المتداولة بنسبة %15 تكفي لتغطية أربعة أشهر من الطلب العالمي.
%4.5 معدل نمو سنوي متوقع لسوق البلاتين عالميًا لتصل إلى 10.6 مليون أونصة بحلول عام2030م.
يُعدّ البلاتين من أندر المعادن الثمينة وأكثرها قيمة، على عكس الذهب والفضة، ويمتلك البلاتين احتياطيات سطحية محدودة، مما يعني أن معظم المعدن المتداول يأتي من التعدين، كما أن استخراجه عملية شاقة جدًا، وتتطلب موارد كثيفة، إذ يحتوي خام البلاتين عادةً على ما بين 3 و6 جرامات من البلاتين لكل طن من الخام، هذا يعني أن إنتاج أونصة واحدة فقط (31.1035 جرامًا) من البلاتين يتطلب ما يقارب 10 إلى 40 طنًا من الخام.
وبحسب التقرير الربع سنوي، لمجلس استثمار البلاتين العالمي، ثمَّة توقعات بأن تسجل سوق البلاتين العالمي عجزًا أكبر مما كان متوقعًا عام 2025م، يصل إلى 848 ألف أونصة، وهو عجز أقل من عام 2024م، الذي بلغ 995 ألف أونصة، بسبب نقص المعروض في قطاع إعادة التدوير وتراجع إنتاج المناجم في جنوب إفريقيا، وتراجع الطلب بنسبة %5.
عجز متواصل
وكان المجلس قد توقع سابقًا أن يبلغ العجز في عامي 2025م و2024م 539 ألف أونصة و682 ألف أونصة على التوالي، لافتًا إلى توقعات بشأن انخفاض الطلب في قطاع السيارات، الذي يستخدم البلاتين في المحولات المحفزة لخفض الانبعاثات الضارة من أنظمة العوادم، بنسبة %1 هذا العام ليصل إلى 3.1 مليون أونصة.
وذكر مدير الأبحاث في مجلس استثمار البلاتين العالمي، “إدوارد ستيرك”، أنه مع دخول الرسوم الجمركية الأمريكية على المكسيك وكندا حيز التنفيذ، فمن المرجح أن يشعر مستثمرو البلاتين ومصنعو السيارات بالضائقة، مشيرًا إلى أنه رغم أن الجزء الأكبر من تصنيع السيارات في أمريكا الشمالية يُجرى في الولايات المتحدة، إلا أن قطاع السيارات يتميز بتكامل كبير، إذ تُصنّع المكسيك حوالي %45 من قطع غيار السيارات في الولايات المتحدة و%15 من مركباتها، بينما تُوفّر كندا %10 و%7.5 إضافية على التوالي.
ووفقًا لـ”ستيرك”، فإن الخوف العام يكمن في ارتفاع تكلفة السيارات الجديدة للمستهلكين الأمريكيين بسبب الرسوم الجمركية وهو ما سيقلل الطلب، مما سيُشكّل ضغطًا هبوطيًا على معادن مجموعة البلاتين الأساسية أيضًا، وقال: “فيما يتعلق بالبلاتين، يبلغ خطر انخفاض الطلب عليه في أسوأ الأحوال حوالي 97 ألف أونصة، أما بالنسبة للبلاديوم، فالخطر أكبر، إذ يبلغ حوالي 350 ألف أونصة، وحول مدى تأثير ذلك على أسواق البلاديوم، لا يرى “ستيرك” أن هذا التأثير المحتملAll Products على الطلب على البلاتين سيُغير العجز الذي يتوقعه مجلس استثمار البلاتين لعام 2025م.
أزمة متفاقمة
وثمَّة توقعات بأن تتقلص مخزونات البلاتين المتداولة بنسبة %15، لتنخفض إلى حوالي 3 ملايين أونصة، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية أربعة أشهر من الطلب العالمي، كما تشهد أنماط الاستثمار تحولات، إذ يُحدث الطلب الكبير على السبائك في الصين وتقلبات حيازات صناديق الاستثمار المتداولة تغيرات في ديناميكيات هذه السوق.
بحسب شركة “ميتالز فوكس”، إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال أبحاث المعادن الثمينة، شهدت أسعار البلاتين انخفاضًا بنسبة %1 لتصل إلى 960 دولارًا للأونصة، وانخفاض البلاديوم بنسبة %23 ليصل إلى 1030 دولارًا، وانخفاض الروديوم بنسبة %28 ليصل إلى 4750 دولارًا، عام 2024م.
ويتميز البلاتين بتعدد استخداماته على نطاق واسع، أبرزها صناعة المحفزات الآلية في السيارات، وتم استخدامها لأول مرة في الولايات المتحدة واليابان عام 1974م، وأصبحت واسعة الانتشار، حيث إن أكثر من %95 من السيارات الجديدة التي تُباع كل عام تحتوي على واحدة من هذه المحفزات، وتعد المصدر الأساسي للطلب على البلاتين، بالإضافة إلى استخدامه في التطبيقات الصناعية، ومنها تصنيع مكونات الأسمدة، كما يُعدّ المعدن مكونًا رئيسًا في السيليكونات، والأقراص الصلبة، والإلكترونيات، وترميم الأسنان، ومعدات تصنيع الزجاج، وأجهزة الاستشعار، والأجهزة الطبية الإلكترونية، والتحول إلى الطاقة النظيفة.
من جانبه، ذكر الخبير الاقتصادي الهولندي، “فرانك كنوبيرز”، أن العجز الشديد الذي تعاني منه السوق عالميًا في المعروض من البلاديوم، وارتفاع أسعاره بشكل كبير، يزيد الطلب على البلاتين، مشيرًا إلى أن سوق البلاتين متقلبة للغاية، فبين عامي 1998م و2008م، ارتفع سعر البلاتين بأكثر من %500 ليصل إلى مستوى قياسي بلغ حوالي 2300 دولار للأونصة، ومع ذلك، بعد اندلاع الأزمة المالية، انخفض السعر إلى 800 دولار للأونصة.
وتلقي أزمة انخفاض أسعار البلاتين، رغم وجود فجوة بين العرض والطلب عالميًا، بظلالها على خطط الدول والشركات في التوسع في الإنتاج، وقد يصل الأمر إلى وقف الإنتاج تمامًا في بعض المناجم، فعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة “إمبالا بلاتينيوم” في كندا، “نيكو مولر”، عن التفكير في إغلاق منجمها في البلاد قبل الموعد المُخطط، بعد انخفاض أرباح النصف الأول بنسبة %43، مشيرًا إلى أن شركته تعيد تقييم بعض مناجمها في جنوب إفريقيا التي تكافح لتحقيق الأرباح.
نمو الطلب
وعلى الرغم من الأزمة المتفاقمة في الوقت الحالي، ثمَّة توقعات بأن تحقق سوق البلاتين عالميًا معدل نمو سنوي مركب قدره %4.5 خلال الفترة (-2025 2030م)، لتصل إلى 10.6 مليون أونصة بحلول 2030م، حيث تشهد السوق تحولاً كبيرًا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية.
ومن المتوقع وفقًا لخبير أسواق المال “شون موريسون”، أن يظل الطلب على البلاتين قويًا من جانب المستثمرين وشركات تصنيع السيارات والقطاعات الصناعية، كما سيُسهم استبدال البلاديوم بالبلاتين في أنظمة معالجة البنزين في نمو الطلب على البلاتين في قطاع السيارات.
وتتصدر الولايات المتحدة سوق البلاتين في أمريكا الشمالية، بحصة سوقية تبلغ حوالي %79، بدعم من عدة عوامل، أهمها هيمنة البلاد في صناعة السيارات الضخمة ولوائح الانبعاثات الصارمة التي تتطلب استخدام محولات حفازة مصنوعة من البلاتين، فضلًا عن الاستخدام المكثف لمحفزات البلاتين في الصناعات الكيميائية، إلى جانب الطلب المتزايد من قطاع الإلكترونيات، وخاصةً في تصنيع أجهزة الكمبيوتر، وهو ما يضفي مزيدًا من الأهمية على هذا العنصر النادر، علاوةً على مواصلة قطاع المجوهرات الفاخرة تحقيق معدلات نمو قوية.
وفي عام 2024م، احتلت جنوب إفريقيا قائمة الدول كأكبر منتج للبلاتين في العالم بفارقٍ كبير عن غيرها، حيث قُدر إنتاجها بنحو 120 طنًا متريًا، وجاءت روسيا في المركز الثاني، حيث أنتجت حوالي 18 طنًا متريًا، وفي الوقت نفسه، شهد إنتاج مناجم البلاتين في الولايات المتحدة انخفاضًا حادًا في السنوات الأخيرة، ليصل إلى حوالي طنين متريين فقط.
إعادة التدوير
وذكر الأستاذ في كلية معالجة المعادن والهندسة الحيوية بجامعة “سنترال ساوث” الصينية، “هويمين تانغ”، أن العجز في المعروض من البلاتين والمتوقع استمراره خلال السنوات المقبلة، يدفع إلى تزايد الاعتماد على قطاع إعادة تدوير المعدن النادر من النفايات، خاصةً أنه يتميز بالقابلية العالية لذلك.
وثمة توقعات بأن يبلغ حجم السوق العالمية لإعادة تدوير معادن مجموعة البلاتين إلى 17.8 مليار دولار بحلول عام 2032م، مقارنةً مع 10.5 مليار دولار عام 2023م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %5.9، ويعود هذا النمو القوي إلى عوامل عديدة، منها زيادة اللوائح البيئية التي تفرضها الدول، والقيمة الاقتصادية العالية لهذه المعادن التي تعاني من اضطرابات في المعروض العالمي.
وذكر خبير أسواق المال وصناعة التعدين، “أنتوني ميليوسكي”، أن قطاع إعادة التدوير يُشكل ما يقرب من 20-%25 من المعروض العالمي من البلاتين، ويأتي معظمه من مُحفّزات المركبات منتهية الصلاحية والمجوهرات، مشيرًا إلى أن المخزونات السطحية ستساعد على تخفيف بعض العجز، ولكن، كما هو الحال مع شركات إعادة التدوير، أعرب عن توقعه بأن يحتفظ العديد من البائعين بمنتجاتهم حتى تبدأ الأسعار في الارتفاع، مضيفًا: على المدى المتوسط والطويل، ستعتمد أسعار البلاتين على مدى سرعة تعويض الانخفاض المتوقع في الطلب على محفزات السيارات، بالطلب على الهيدروجين الأخضر وخلايا الوقود.
وافتتحت شركة “باسف هيريوس” مصنعًا لإعادة تدوير مجموعة البلاتين في منطقة بينغو الصينية، وأشارت إلى أن هذا الاستثمار بالتعاون مع شركة “باسف” للمحفزات البيئية، و”هيراوس” للمعادن الثمينة، يُعدّ جزءًا من برنامج عالمي لتوسيع نطاق إعادة التدوير بقيمة 300 مليون يورو، يشمل الصين والولايات المتحدة وألمانيا، يأتي ذلك، وسط توقعات بنمو سوق إعادة تدوير المحفزات الذاتية في الصين بمعدل %18 سنويًا.
وفي ألمانيا، تعمل “هيراوس” أيضًا على توسيع قدرتها على إعادة تدوير البلاتين في مدينة هاناو، بالإضافة إلى توفير مزيد من فرص تطوير قدرات إعادة التدوير في مدينتي فارتبورغ بولاية تينيسي، وسانتا فيه سبرينغز بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ومن المتوقع أن تُسهم خطوط الإنتاج الإضافية العديدة في زيادة قدرات إعادة التدوير بشكلٍ كبير بحلول عام 2026م، وستستخدم الخطوط الجديدة تقنيات التحليل الكهربائي التي تُقلل من استخدام المواد الكيميائية وتُعزز كفاءة عمليات إعادة التدوير.