أسواق الطاقة

المملكة واستثمارات تخزين الطاقة

المملكة الأسرع نموًا في مجال تخزين الطاقة وتواصل ترسيخ مكانتها بين أكبر 10 أسواق في العالم.

98 مليون دولار قيمة سوق الخلايا الكهروضوئية الشمسية وتوقعات بنمو %11.3 بحلول 2029م.

160 مليون دولار حجم سوق تخزين الطاقة الشمسية في المملكة العام الماضي و728 مليون دولار مُتوقع عام 2033م.

 

خطواتٌ رائدة تتخذها المملكة لترسيخ مكانتها بين أكبر 10 أسواق في تخزين الطاقة بالبطاريات في العالم، ولعل أحدثها مشروع “بيشة” الذي تم تشغيله مؤخرًا، بقدرة 500 ميجاوات/ 2000 ميجاوات/ ساعة، والذي يتماشى مع أهداف البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، ويركز على تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي، وتعزيز قدراتها في هذا المجال، اتساقًا مع رؤية المملكة 2030م.

وثمَّة توقعات بمواصلة قطاع تخزين الطاقة في المملكة نموه القياسي خلال السنوات المقبلة، إذ بلغت قيمة الإيرادات المحققة في عام 2023م، نحو 197.6مليون دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 1.7 مليار دولار بحلول عام 2030م، مما يعكس معدل نمو سنويًا مركبًا قدره حوالي %36.

أسرع الأسواق نموًا

ووفقًا لـشركة “وود ماكنزي” البريطانية المتخصصة في مجال استشارات الطاقة، تُعد المملكة أسرع الأسواق نموًا في مجال تخزين الطاقة، حيث يعتقد المختصون أنه مع مشاريع التخزين الجديدة الجارية، ستعزز المملكة مكانتها بين كبريات أسواق تخزين الطاقة في العالم خلال السنوات القادمة.

وتهدف رؤية المملكة 2030م، إلى تعزيز إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فبحلول نهاية العام الجاري، من المُخطط تشغيل مشاريع تخزين بقدرات 8 جيجاوات/ساعة، على أن ترتفع إلى 22 جيجاوات/ ساعة بحلول عام 2026م.

وثمَّة توقعات دولية، بأن تشهد سوق الخلايا الكهروضوية الشمسية في المملكة نموًا قويًا بمعدل نمو سنوي مركب قدره %11.3 حتى عام 2029م، إذ قُدرت قيمتها بنحو 98 مليون دولار عام 2023م، مدفوعًا بمبادرات الطاقة المتجددة الطموحة والاستثمارات الاستراتيجية في توليد الطاقة الشمسية، لافتةً إلى أنها بصفتها أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، دأبت المملكة على تنويع مصادر الطاقة لديها وخفض انبعاثات الكربون، وزيادة الاعتماد على المصادر المُستدامة؛ حيث تلعب الطاقة الشمسية دورًا محوريًا في هذا المجال، بما يؤكد التزام المملكة بالطاقة المتجددة، وبما يضع سوق الخلايا الكهروضوئية كمحرك رئيس للتنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية في المنطقة.

الطاقة الخضراء في المملكة

وبلغ حجم سوق تخزين الطاقة الشمسية في المملكة 160 مليون دولار في عام 2024م، ومن المتوقع أن يصل إلى 728 مليون دولار بحلول عام 2033م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %17.1، خلال الفترة (2025م – 2033م)، ومن العوامل الرئيسة التي تدفع نمو السوق المبادرات الحكومية الداعمة، وزيادة استثمارات الطاقة المتجددة، والتقدم التكنولوجي السريع، وخفض التكاليف، وأهداف الاستدامة البيئية، والطلب المتزايد على حلول تخزين طاقة موثوقة وفعالة، وفقًا لتقارير دولية.

وأوضح تقرير لـ “إميراك جروب”، وهي شركة أمريكية متخصصة في أبحاث السوق، أن تخزين الطاقة الشمسية يُعد عاملًا رئيسًا في التحول المتسارع نحو الطاقة الخضراء في المملكة، إذ يضمن إمكانية توفير أي فائض من الطاقة المُنتَجة خلال النهار واستخدامه في الأيام الغائمة أو ساعات ذروة الطلب، مما يُقلّل الاعتماد على أنظمة الشبكات التقليدية، مشيرًا إلى أن تقنيات التخزين تقدم بديلًا أكثر موثوقية وأقل تكلفة لمصادر الطاقة التقليدية، علاوةً على ذلك، تُدرك الشركات والمستهلكون بشكل متزايد المزايا الاقتصادية والبيئية طويلة الأجل لاعتماد تخزين الطاقة الشمسية، وبالتالي توجّه أوسع نحو أنظمة طاقة أنظف وأكثر استقرارًا.

وبحسب شركة “جراند فيو ريسيرش” الأمريكية للاستشارات، فقد حققت سوق تخزين الطاقة الحرارية في المملكة إيرادات بلغت 160.7 مليون دولار في عام 2023م، ومن المتوقع أن تصل إلى 329.8 مليون دولار بحلول عام 2030م، ومن المتوقع أن تحقق السوق معدل نمو سنويًا مركبًا قدره %10.8 حتى 2030م، لافتةً إلى أن القطاع التجاري هو الأكثر تحقيقًا للإيرادات، والقطاع السكني الأكثر نموًا وربحية.

وقد طبّقت المملكة برامج ولوائح تحفيزية لدعم أسواق تخزين الطاقة، وخاصة الشمسية، منها على سبيل المثال، فرض شرط بخصوص المكون المحلي لهذه المشروعات، إذ حفّزت هذه المعايير والمتطلبات الاستثمارات في مرافق تصنيع الخلايا الكهروضوئية المحلية، وإنتاج معدات الطاقة الشمسية، والبحث والتطوير في مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية.

وأوضح شريك قطاع الطاقة في “أوليفر وايمان”، وهي شركة استشارات عالمية، “كريستوفر ديكر”، أن المملكة تستثمر في تحديث بنيتها التحتية لشبكات الكهرباء من خلال تقنيات الشبكات الذكية وحلول تخزين الطاقة، مما يُمكّنها من إدارة أفضل للطاقة الشمسية المتقطعة، لافتًا إلى أن الحكومة تواصل جهودها لتبسيط الإجراءات التنظيمية وتقديم برامج تحفيزية، مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وأضاف بأن التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية من شأنه أن يدعم القطاعات ذات الصلة، مثل: تخزين البطاريات، وتقنيات الشبكات الذكية، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، بما يدعم المملكة في تحقيق أهدافها المتعلقة بالاستدامة.

الريادة العالمية في الطاقة المتجددة

وشهدت الفترة الأخيرة تطورات وخطوات رائدة في مجال تخزين الطاقة، من أبرزها، توقيع الشركة السعودية للكهرباء، وشركة “بي واي دي” الصينية، عقدًا لبناء أكبر مشروع لتخزين الطاقة على مستوى الشبكة في العالم، بسعة 12.5 جيجاوات/ ساعة، ليصل إجمالي سعة التخزين إلى 15.1 جيجاواط/ ساعة، كما وقَّعت شركة “صن غرو” الصينية ثلاثة عقود، لتخزين الطاقة مع مجموعة الجهاز القابضة، إذ تبلغ سعة كل مشروع 2.6 جيجاوات/ ساعة، بإجمالي 7.8 جيجاوات ساعة، وذلك في نجران، ومضايا، وخميس مشيط، ومن المتوقع توصيل هذه القدرات بالشبكة العام الجاري.

ومن المتوقع أن مشروع البحر الأحمر، عند اكتماله، سيكون بمثابة نموذجًا يحتذى، ليس فقط في قطاع السياحة، لكن أيضًا في مجال الطاقة المستدامة والحلول الذكية لتخزين الطاقة، حيث يضم 50 فندقًا ومرافق أخرى تعمل بالطاقة المتجددة بنسبة %100، وذلك بفضل محطة طاقة شمسية بقدرة 400 ميجاوات، مدعومة بنظام تخزين طاقة بطاريات بسعة 1.3 جيجاوات ساعة.

وأكد الخبير في مجال الطاقة، “أحمد المعمر”، أن هذه المشروعات لا تقتصر على الأرقام فحسب، بل تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة كدولة رائدة عالميًا في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن دمج حلول تخزين الطاقة واسعة النطاق أمر بالغ الأهمية لمستقبل طاقة مُستقر ومُستدام، لافتًا إلى أن الإعلان عن تأهيل 33 شركة للمجموعة الأولى من مشاريع نظام تخزين الطاقة الشمسية، يعكس التزام المملكة بإشراك الخبرات المحلية والدولية في تحقيق أهدافها في مجال الطاقة، مشددًا على أنه مع استمرار المملكة في تبني أحدث التقنيات وتعزيز الشراكات الدولية، يشهد قطاع الطاقة تحولًا ملحوظًا، مما يبشر بمستقبل يُوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

وبالإضافة إلى هذه المشروعات الرائدة والتي يمكن وصفها بـ “الطفرات” في تخزين الطاقة، تستثمر المملكة بشكل استراتيجي في سلسلة توريد الليثيوم، وهو أمر بالغ الأهمية لإنتاج البطاريات، إذ تخطط شركة “أرامكو”، بالشراكة مع شركة “معادن”، لبدء الإنتاج التجاري لليثيوم بحلول عام 2027م، ومن المتوقع أن تُلبي هذه المبادرة الطلب المتزايد في المملكة، والذي من المتوقع أن ينمو بمقدار 20 ضعفًا بين عامي 2024 و2030م، ويعود هذا التوسع إلى الإنتاج المتوقع لـ 500 ألف بطارية للسيارات الكهربائية وتطوير 110 جيجاوات من مصادر الطاقة المتجددة.

يأتي ذلك في الوقت، الذي تضاعف فيه الطلب العالمي على الليثيوم، ثلاث مرات خلال السنوات الخمسة الماضية، ومن المُتوقع أن ينمو بأكثر من %15 سنويًا حتى عام 2035م.

جذب الاستثمارات الأجنبية

وذكر العضو المنتدب لشركة “ثيون” الألمانية الناشئة لبطاريات الليثيوم والكبريت، “ماتياس فينجلر”، أن تأمين الإنتاج المحلي من شأنه أن يعزز مرونة المملكة في مجال الطاقة، ويُرسخ دورها في سوق الطاقة النظيفة، موضحًا أنه من خلال الاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة، يمكن للبلاد تقليل الاعتماد بشكلٍ كبير على المواد الخام المستوردة، وخفض تكاليف الإنتاج، وزيادة استقرار سلاسل التوريد، وتابع، أن شراكة “أرامكو” و”معادن” لا تعزز قاعدة موارد المنطقة فحسب، بل تُشير أيضًا إلى دفعة استراتيجية نحو قيادة الجيل القادم من تخزين الطاقة.

وأضاف بأن هذه الخطوات من شأنها دعم طموحات المملكة في تنويع اقتصادها، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل عالية المهارة في قطاع الطاقة النظيفة، مشيرًا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تبرز بسرعة كقوةٍ دافعة في التحول العالمي للطاقة، حيث يمثل إنتاج المملكة المتزايد من الليثيوم خطوة محورية نحو إنشاء منظومة عالمية المستوى لابتكار البطاريات، مؤكدًا على أن تطوير مرافق معالجة الليثيوم المحلية وتقنيات البطاريات القائمة على الكبريت يُمكّن المملكة من أن تصبح موردًا رئيسًا للأسواق الإقليمية والدولية.

وتابع: “لمواجهة هذه التحديات، تستثمر المملكة في تحديث بنيتها التحتية من خلال تقنيات الشبكات الذكية وحلول تخزين الطاقة، مما يُمكّن من إدارة أفضل للطاقة الشمسية المُتقطعة، إذ تعمل الحكومة على تبسيط الإجراءات التنظيمية وتقديم برامج تحفيزية، مثل دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص والتعريفات المواتية، لتشجيع استثمارات القطاع الخاص، ولكن لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به في هذا المجال”.

ويمكن القول بأن أسواق تخزين الطاقة في المملكة “واعدة”، وتوفر فرصًا استثمارية كبيرة، خاصةً مع الاستثمارات الهائلة في مصادر الطاقة المتجددة، والخطوات المتسارعة نحو تبني تقنيات التخزين المُبتكرة، فضلًا عن المبادرات والبرامج الحكومية الداعمة للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وتعزيز تنافسية قطاع الطاقة النظيفة.