تحليل

الذهب.. الحديث الدائم للأسواق والبنوك والمستثمرين

منذ بداية العام وأسعار الذهب تلفت أنظار المستثمرين، واستعاد المعدن الأصفر قسمًا كبيرًا من جمهوره الذي فقده بعد صعود وتألق العملات المشفرة في السنوات الأخيرة.

طبعًا أي حركة كبيرة إن كانت صعودًا أو هبوطًا، ستنال اهتمام المتداولين وتصبح حديث الأسواق والمحللين، وبالتالي من الطبيعي أن تصدر تقارير كثيرة من البنوك العالمية، حول هذه التحركات، وبالذهاب إلى بعض ما صدر من تقارير وأبحاث بخصوص الأسعار، نجد أن بعض البنوك العالمية رفعت من أهدافها بالنسبة لأسعار الذهب بالنسبة للأشهر القادمة، فمثلاً “سيتي بنك” يتوقع وصول سعر المعدن الأصفر إلى 3200 دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، حتى أنه بدا متفائلاً أكثر لنهاية العام، متوقعًا وصول الأسعار إلى مستويات 3500 دولار، وفي المقابل بنك “يو بي إس” السويسري كان له نفس الأهداف على المدى القصير، وتوقع أيضًا وصول الأسعار إلى مستويات 3200 دولار في شهر يونيو المقبل، ولكنه أشار أيضًا إلى أنه في حال تراجع الرئيس الأمريكي عن سياسته الحمائية، فإِن الذهب يمكن أن يتراجع إلى مستويات 2850 دولارًا.

وأود أن أُشير هنا إلى أن أسعار الذهب استفادت في السنوات الأخيرة من موجات التضخم التي ضربت العالم، وذلك بالرغم من وجود دولار قوي مرافقًا مع معدلات فائدة عالية، وتاريخيًا فإن سعر الذهب يلقى دعمًا من وجود تضخم عالي، إذ ينظر إليه كحافظ للقيمة، وبالتالي يكون عليه طلب قوي.

أما في المرحلة التي يبدأ يرتفع فيها عامل عدم اليقين، فيكون الذهب من أفضل الأدوات الاستثمارية، وقد برز عامل مهم أيضًا في السنوات الأخيرة، وهو الشراء القوي للبنوك المركزية العالمية، والتي اشترت أكثر من 3 آلاف طن في السنوات الثلاث الأخيرة، هذا الشراء الكثيف أعطى صورة واضحة للسوق ودعم الاتجاه الصاعد، عدا عن ذلك برز البنك المركزي الروسي بالشراء القوي بعد توقفه لفترة، وأصبحت نسبة احتياطيات الذهب تشكل %34 من الإجمالي، أو بمعنى آخر ثلث الاحتياطيات الاجمالية أصبحت من المعدن الأصفر، وباتت تشكل قيمتها أكثر من 200 مليار دولار.

ومن جهة أخرى كثرت أيضًا تقارير البنوك العالمية التي بدأت ترفع من احتمالية، دخول أكبر اقتصاد في العالم وهو الاقتصاد الأمريكي في ركود تضخمي، مما يزيد من العوامل الداعمة لأسعار الذهب، وبالطبع المتغيرات كبيرة وهناك تسارع كبير للتطورات والأحداث، وبالتالي أصبح من الصعوبة تحديد أهداف الأسعار، لذلك نرى باستمرار تحديث تقارير وأبحاث البنوك العالمية.

وبالعودة إلى التعريفات الجمركية، والتي تؤثر بقوة على التجارة العالمية، وإذا لم يحصل بعض من الليونة في هذا الجانب، سيكون هناك ضرر كبير بشكل خاص يطال الدول المصدرة الكبرى، والتي يشكل حجم صادراتها نسبة كبيرة من حجم اقتصادها؛ فمثلاً كوريا الجنوبية التي يعرفها العالم من خلال منتجاتها وخصوصًا في مجال الإلكترونيات والسيارات وبناء السفن، والتي تقترب صادراتها من 700 مليار دولار، لا يناسبها حرب التعريفات، وبالتالي ستكون الأضرار كبيرة على الناتج المحلي الإجمالي الخاص بها، حتى لو عملت على توجيه صادراتها بعيدًا عن أراضي التعريفات، لأن الضرر سيكون على الطلب العالمي، بغض النظر على وجهة الصادرات.

وفي أوروبا تبرز صادرات هولندا، التي هي عند مستويات 1 تريليون دولار، والتي تتنافس مع فرنسا على لقب ثاني قوة مصدرة في الاتحاد الأوروبي، ومن أبرز صادراتها الآلات ومعدات النقل والأغذية والأدوية والوقود المعدني والصناعات الكيمائية والسفن، وعلى الرغم أن النسبة الأعظم من هذه الصادرات موجهة إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن كما ذكرنا تراجع الاقتصاد العالمي سيؤثر على هذه الصادرات، وبالطبع لن ننسى القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا مع حجم صادراتها الكبير، والتي تحتل المركز الثالث عالميًا بعد الصين والولايات المتحدة، وخصوصًا أنها واجهت تحديات اقتصادية كبيرة في الفترة السابقة، بالإضافة إلى تراجع في ثقة الأعمال، فبالنسبة إلى ألمانيا ليس هذا الوقت المناسب إطلاقًا للتعريفات الجمركية.

ويبقى أخيرًا في هذا المجال، التجاذب الكبير بين الصيـــن والولايات المتحدة، والذي انطلقت منه الحرب التجارية بين الدولتيـن في الولايــــــة الأولى للرئيـــــــس دونالد ترامب، محط الأنظار والمراقبين.

أما على صعيد سوق الأسهم، فيبقى السوق الأمريكي هو الأكثر عرضة للتقلبات، بسبب التنوع الكبير في القطاعات، والشركات الكثيرة التي تعمل في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وبالتالي أي خبر عن اكتشافات جديدة تُحدث ثورة في مجال تبسيط الأعمال، سيكون له ضغط على أسهم الشركات الموجودة، وبالتالي أصبح السوق شديد التأثير لهذه الأخبار، وبمقارنة سريعة مع الأسواق الأوروبية، تبقى شركات التكنولوجيا الأمريكية لها كلمة الفصل في التقلبات الكبيرة في السوق، بسبب قيمتها السوقية نتكلم عن تريليونات من الدولارات.

وكما في الارتفاعات القوية، كذلك هناك التراجعات الحادة، ولا بد من المرور بهذه الشركات والتي تقود السوق صعودًا وهبوطًا، وطبعًا الأسواق الأوروبية في معظم الوقت ستجاري نظيراتها الأمريكية على الرغم من فقدانها هذا النوع من الشركات، ولكن تأثير الجو العام للأسواق، ينتقل فورًا إلى الأسهم الأوروبية، ولا ننسى أن منطقة اليورو، تواجه تحديات كبيرة في مجال فرص النمو، وكل دولة على حدة لها مشاكلها الاقتصادية الخاصة بها.