اقتصاديات المستودعات

مستودعات كاملة العدد!

بلغ عدد المستودعات في المملكة نحو 12.451 مستودعًا عام 2023م غطت مساحة تقدر بحوالي 22.8 مليون متر مربع.

تشير التقديرات إلى أن سوق المستودعات سيواصل نموه ليصل إلى حجم يقدَّر بـ 13.2 مليار دولار بحلول عام 2030م.

 

يبرز قطاع المستودعات في قلب التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة، كواحد من أسرع القطاعات نموًا وأكثرها حيوية؛ ففي السنوات الأخيرة، قفز الطلب على المستودعات إلى مستويات قياسية، حتى اقتربت نسبة الإشغال إلى %100، ما يعكس حجم التغيرات الجذرية التي طرأت على السوق المحلي والدولي، هذا الارتفاع اللافت يطرح تساؤلات جوهرية: ما الذي يقف خلف هذا النمو السريع؟ وما هي الفرص التي يخبئها هذا القطاع للمستثمرين ورواد الأعمال؟

وشهد قطاع المستودعات في المملكة نموًا غير مسبوق في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بعدة عوامل هيكلية واقتصادية وتقنية، فقد أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء عام 2023م، أن إجمالي عدد المستودعات في المملكة بلغ 12.451 مستودعًا بإجمالي مساحة 22.8 مليون متر مربع، وجاءت منطقة الرياض الأعلى في عدد المستودعات والمساحة، حيث بلغت 6.584 مستودعًا بإجمالي مساحة 10.6 مليون متر مربع، تليها منطقة مكة المكرمة بعدد 2.224 مستودعًا بإجمالي مساحة 5.6 مليون متر مربع، كما أظهرت أحدث التقارير الصادرة عن شركة “نايت فرانك” أن نسبة إشغال المستودعات في المملكة تقترب من نسبة إشغال %100، مرجعةً ذلك إلى استمرار مسيرة التحول الصناعي التي تعيشها المملكة في عديد من المجالات.

النمو الأكبر في إيجارات المستودعات

وكانت نسبة الإشغال في قطاع المستودعات قد وصلت بنهاية النصف الأول من عام 2024م، إلى ما نسبته %97، وهي نسبة تاريخية تعكس الطلب المرتفع على المساحات التخزينية، خصوصًا في المدن الكبرى مثل: الرياض وجدة والمنطقة الشرقية؛ إذ سجلت الرياض بحسب تقرير “نايت فرانك” أكبر نمو سنوي في إيجارات المستودعات في المملكة على أساس سنوي، مسجلة زيادة بنسبة %16 في متوسط أسعار الإيجار، ووصل متوسط الإيجارات إلى 208 ريالات للمتر المربع؛ حيث بلغ متوسط الإيجارات في العقارات الرئيسة أكثر من 250 ريالًا للمتر المربع، وبلغ معدل الإشغال الإجمالي %98، كما شهد الطلب القوي على المستودعات الجاهزة في المصانع والبارية والفاروق والمناخ، نموًا قويًا في الإيجارات بنسبة تزيد على %20، وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي مخزون المستودعات والخدمات اللوجستية في المدينة حوالي 28 مليون متر مربع.

كما أشار تقرير لمركز “كين” للأبحاث، تم نشره في فبراير 2024م، إلى أن حجم سوق المستودعات في المملكة وصل إلى 9.3 مليار دولار عام 2022م، وبأنه سيصل إلى 13.2 مليار دولار بحلول عام 2030م، بنسبة نمو %4.5 سنويًا، نتيجة التوسع في التجارة الإلكترونية، والمبادرات الحكومية الرامية إلى الاعتماد على القطاعات غير النفطية وتنويع الاقتصاد، وفيما يتعلق بالمستودعات والمواقع والصناعات، التي تتم خدمتها، يشير تقرير “كين” إلى أن المستودعات العامة تبلغ نسبتها في السوق %60، تليها منشآت التخزين المخصصة %25، أما المستودعات الخاصة فتبلغ %15.

وقد أظهرت بيانات نشرة إحصاءات التخزين والخدمات اللوجستية لعام 2023م أن إجمالي عدد المراكز اللوجستية القائمة في المملكة بلغت 22 مركزًا لوجستيًا، مرتفعة بنسبة %267 عن سنة الأساس 2021م، بإجمالي مساحة بلغت أكثر من 34 مليون متر مربع، وكانت المنطقة الشرقية الأعلى من حيث عدد المراكز اللوجستية حيث بلغ عددها 6 مراكز لوجستية بإجمالي مساحة 3.6 مليون متر مربع، تليها منطقة الرياض ومنطقة مكة المكرمة بعدد 5 مراكز لوجستية لكل منهما، وبإجمالي مساحة 20 مليون متر مربع في منطقة مكة المكرمة، وإجمالي مساحة 9.4 مليون متر مربع بمنطقة الرياض.

ضخ الاستثمارات الحكومية

وجدير بالإشارة إلى أن من بين أبرز الاستثمارات الضخمة في المجال اللوجستي، إطلاق مشروع المخطط العام للمراكز اللوجستية، على مساحة تتجاوز الـ 100 مليون متر مربع، والذي يضم 59 مركزًا لوجستيًا، منهم 12 مركزًا في منطقة الرياض، و12 في منطقة مكة المكرمة، و17 مركزًا في المنطقة الشرقية، و18 مركزًا في بقية مناطق المملكة، كما تم الترخيص لـ 1500 شركة لوجستية محلية وإقليمية ودولية.

ومن جانب آخر، فقد حرصت المملكة، إلى جانب ضخ الاستثمارات الحكومية، على تحسين الإطار التشريعي والقانوني، وتطوير وتحديث قوانين النقل، ومعايير السلامة، ومتطلبات تسجيل المنشآت، ومع زيادة انفتاح وتوسع الخدمات اللوجستية في الشرق الأوسط، وزيادة مشاركة القطاع الخاص، قامت صناديق الاستثمار العقاري (REITs) بضخ استثمارات كبيرة أيضًا في قطاع التخزين بالمملكة.

وبشكل عام أثارت هذه الجهود والمشروعات النمو المتسارع في الطلب على المستودعات، الذي لم يُعد مفاجئًا، في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها الاقتصاد الوطني، لعل أبرزها التحولات والنمو القوي في قطاع التجارة الإلكترونية، الذي زاد بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية، وكذلك مواصلة الكيانات المدعومة من الحكومة مثل: “مدن” والمؤسسات المرتبطة بصندوق الاستثمارات العامة دفع عجلة التوسع في المناطق الصناعية الرئيسية، مما جذب انتباه مستثمري القطاع الخاص، وعلى الرغم من عدم تسجيل أي عمليات إكمال كبيرة في عام 2024م، إلا أنه تم توقيع عديد من الاتفاقيات عالية القيمة، مما يشير إلى توسع قوي على مدى السنوات الأربع المقبلة.

تراخيص المستودعات العامة الأعلى

وقد أسهم النمو في دفع الشركات إلى البحث عن حلول تخزينية مرنة وفعالة لتلبية احتياجات السوق، ويُظهر تقرير “نايت فرانك” أن نحو %40 من الطلب على المستودعات يأتي من قطاع التجارة الإلكترونية والبيع بالتجزئة، مما يبرز أهمية هذا القطاع كمحرك رئيس للنمو اللوجستي، كما شهد القطاع الصناعي نموًا كبيرًا في عام 2024م، حيث تم إصدار 1346 ترخيصًا صناعيًا جديدًا وبلغ إجمالي الاستثمارات الرأسمالية في المصانع المرخصة حديثًا 50 مليار ريال، ومع ذلك يؤدي نقص المساحات المتاحة للتخزين والخدمات اللوجستية إلى ارتفاع الإيجارات.

وبشكل عام أوضحت البيانات أن عدد تراخيص المستودعات العامة هي الأعلى، حيث بلغ عددها 6,923 رخصة، تشكِّل ما نسبته %55.6 من إجمالي التراخيص، تليها مستودعات محددة الرطوبة، حيث بلغت 2.115 رخصة بنسبة %17 من إجمالي التراخيص، ثم المستودعات المبردة، حيث بلغت 2,006 رخص بنسبة %16 من إجمالي التراخيص.

علاوة على ذلك، أسهمت الرؤية الحكومية الطموحة، في تعزيز مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، فقد أطلقت وزارة النقل والخدمات اللوجستية مبادرات لتطوير البنية التحتية، وتسهيل دخول القطاع الخاص إلى قطاع التخزين والنقل، ورفع كفاءة سلاسل الإمداد..

وتُعد المملكة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي يشرف على نحو %13 من التجارة العالمية، محورًا جذابًا للاستثمار في المستودعات والخدمات اللوجستية المصاحبة.

أما على صعيد الأرقام، فقد بلغ عدد المستودعات في المملكة نحو 12.451 مستودعًا في عام 2023م تغطي مساحة تقدر بحوالي 22.8 مليون متر مربع، وتشير التقديرات إلى أن السوق سيواصل نموه ليصل إلى حجم يقدَّر بـ 13.2 مليار دولار بحلول عام 2030م، بمعدل نمو سنوي يبلغ %4.5، وهذا المؤشر يعكس الفرص الاستثمارية الكبيرة التي يقدمها هذا القطاع، سواء على مستوى تطوير المستودعات التقليدية أو المستودعات الذكية التي تعتمد على الأتمتة والتقنيات الحديثة.

وفي هذا السياق، يتجه عديد من الشركات إلى تطوير مستودعات تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتحسين الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف. كما تُعد الاستدامة من الاتجاهات الصاعدة في السوق، إذ بدأت تظهر مشاريع تخزين تعتمد على الطاقة المتجددة والبنى التحتية الصديقة للبيئة، مثل الشراكات بين أرامكو وDHL لتطوير مراكز لوجستية متطورة وذكية.

فرص عدة في قطاع المستودعات

من جهة أخرى، تسعى المملكة إلى رفع كفاءة القوى العاملة الوطنية في هذا القطاع، من خلال برامج تدريب وتأهيل تستهدف تطوير المهارات اللوجستية والتقنية. ويُتوقع أن يؤدي هذا التوجه إلى تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية وتحسين الإنتاجية وجودة الخدمة، ويمكن للمستثمرين استغلال عدة فرص في قطاع المستودعات، أبرزها الاستثمار في المستودعات الذكية، والمناطق اللوجستية في المدن الكبرى، والمشاريع الصديقة للبيئة. كما أن الشراكة مع الحكومة في تنفيذ المشاريع اللوجستية الكبرى قد تفتح آفاقًا جديدة للنمو وتحقيق عوائد مرتفعة؛ فقد دخل قطاع المستودعات مرحلة نضج ونمو متسارع، مدعومًا برؤية استراتيجية واضحة، وطلب سوقي قوي، وتطورات تكنولوجية مهمة.

وأن نسبة الإشغال المرتفعة ليست سوى مؤشر على الحاجة الملحّة للتوسع والتحديث، وهو ما يجعل من هذا القطاع أحد أهم الرهانات الاستثمارية في الاقتصاد السعودي خلال السنوات القادمة، وقد أشار تقرير “نايت فرانك” إلى أن إصلاحات الاستثمار الأجنبي المباشر تخلق سوقًا أكثر انفتاحًا وتنافسية، مما يشجع المستثمرين الأجانب على إنشاء وتشغيل أعمال لوجستية في المملكة، ونتيجة لذلك، تقوم الشركات متعددة الجنسيات بتكوين شراكات استراتيجية مع الكيانات المحلية بشكل متزايد، وقد تم إبرام سلسلة من اتفاقيات القطاع الخاص الرئيسة في عام 2024م.