تتصدر المنتجات الكيماوية قائمة الصادرات غير النفطية، إذ وصلت قيمة صادرات هذا القطاع في عام 2024م، إلى حوالي 76.3 مليار ريال، وهو ما يمثل %25 من إجمالي تلك الصادرات.
بلغت قيمة السلع المعاد تصديرها في عام 2024م، نحو 90.2 مليار ريال بزيادة %42.3 عن عام 2023م، وشكّلت ما يقارب %29.3 من إجمالي الصادرات غير النفطية.
في إطار السعي لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، أولت المملكة أهمية متزايدة لتنمية الصادرات غير النفطية كركيزة محورية في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، فبعد أن كان القطاع النفطي يهيمن على ثلثي الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2016م، تسارعت الخطوات لرفع مساهمة القطاعات غير النفطية، والتي وصلت إلى نحو %50 من الناتج المحلي في عام 2024م، مقارنة بـ %41 فقط في عام 2019م، وهو ما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية الهادفة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.
تطور لافت في الأداء
وقد بلغت قيمة الصادرات غير النفطية خلال عام 2024م نحو 307.4 مليار ريال، بزيادة سنوية نسبتها %12.9، وشكّلت ما يعادل %26.84 من إجمالي الصادرات، ويعد هذا الرقم ثاني أعلى مستوى تاريخي للصادرات غير النفطية بعد ذروتها في عام 2022م البالغة 316 مليار ريال، جاء مدفوعًا بزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية وتوسعها في أسواق إقليمية وعالمية جديدة.
كما بلغت القيمة التراكمية للصادرات غير النفطية في الفترة بين 2016م و2024م نحو 2.2 تريليون ريال، كما ارتفع المتوسط الشهري للصادرات من 14.5 مليار ريال (2009م2015-م) إلى 25.6 مليار ريال (2016م2024-م)، بمعدل نمو سنوي %6.6.
وكانت الصادرات السعودية غير النفطية قد بلغت قيمتها في عام 2016م، حوالي 177 مليار ريال، وارتفعت عام 2017م، إلى 193 مليار ريال، بنسبة نمو %9، وفي عام 2018م، وصلت قيمتها إلى 235.4 مليار ريال بنسبة نمو %22، فيما انخفضت قيمة الصادرات غير النفطية في عام 2019م لتصل إلى 216 مليار ريال، قبل أن تعاود الارتفاع إلى 277 مليار ريال في عام 2021م، بنسبة نمو %36، أما في عام 2022م فقد تحقق الرقم القياسي للصادرات غير النفطية، إذ وصلت إلى 316 مليار ريال، ثم انخفضت في عام 2023م، إلى 272 مليار ريال، قبل أن ترتفع مرة أخرى في عام 2024م، إلى 307.4 مليار ريال.
وتتصدر المنتجات الكيماوية قائمة الصادرات غير النفطية، إذ وصلت قيمة صادرات هذا القطاع في عام 2024م، إلى حوالي 76.3 مليار ريال، وهو ما يمثل %25 من إجمالي تلك الصادرات، وجاءت مصنوعات اللدائن والمطاط في المرتبة الثانية؛ حيث بلغت قيمة صادراتها حوالي 71.7 مليار ريال، وهو ما يوازي %23.7 من السلع المصدرة.
وتُعد معدات ووسائل النقل، وعلى رأسها معدات السيارات والطائرات، وما يرتبط بها من معادن ومصنوعات، ثالث أبرز المنتجات والسلع في قائمة الصادرات غير النفطية، إذ وصلت قيمة صادرات هذا القطاع في عام 2024م إلى حوالي 58.2 مليار ريال، وهو ما يمثل %19.2 من إجمالي تلك الصادرات.
وبالإضافة إلى المنتجات الكيماوية ومصنوعات اللدائن والمطاط، ومصنوعات المعادن، ومعدات النقل، فإن الصادرات غير النفطية تتنوع ما بين الآلات والمعدات الكهربائية، والمنتجات الحيوانية، والمواد الغذائية والمشروبات، ومصنوعات الورق، واللؤلؤ والأحجار الكريمة.
إعادة التصدير رافعة إضافية
وتعد أحد أبرز أسباب نمو وزيادة الصادرات السعودية هو الارتفاع الملحوظ في البضائع المعاد تصديرها، إذ ارتفعت بشكلٍ كبير للعام الرابع على التوالي؛ ففي عام 2024م، بلغت قيمة السلع المعاد تصديرها نحو 90.2 مليار ريال، بزيادة %42.3 عن العام السابق، وشكّلت ما يقارب %29.3 من إجمالي الصادرات غير النفطية، ويُعزى هذا النمو إلى تطوير مناطق الإيداع، وتحديث اللوائح التنظيمية، واستغلال موقع المملكة الجغرافي الرابط بين ثلاث قارات.
وقد قامت المملكة من أجل تحقيق معدلات نمو كبيرة في الصادرات غير النفطية، وتحديدًا فيما يرتبط بالمنتجات المعاد تصديرها، بتطوير مناطق الإيداع وإعادة التصدير وتحديث اللوائح التنظيمية لتشمل العمليات ذات القيمة المضافة، مثل عمليات التجميع والتصنيع البسيط، كما أصبح متاحًا للمصدرين استخدام مناطق الإيداع وإنهاء الإجراءات الجمركية دون تحديد الوجهة النهائية.
ويرى الخبراء أن عمليات إعادة التصدير هي أحد الفرص المهمة المتاحة من أجل زيادة الصادرات غير النفطية بمعدلات مرتفعة، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من المحفزات والإجراءات والخطوات، وعلى رأسها إنشاء مزيد من المناطق الحرة، أو استثمار الموانئ السعودية ذات المواقع الإستراتيجية، والتي تربط أهم ممرات النقل البحري التجاري العالمي، فضلاً عن قربها من دول القرن الإفريقي ودول الأسواق الناشئة والصناعية في آسيا.
الشركاء والأسواق الناشئة
وتصدّرت الإمارات قائمة الشركاء التجاريين بـ 69.9 مليار ريال، تليها الصين (26.9 مليار) والهند (قرابة 23 مليار)، وفي القارة الإفريقية، سجلت صادرات المملكة غير النفطية 130 مليار ريال بين 2019م، و2023م، وتقدّمت دول مثل: مصر، الجزائر، وجنوب إفريقيا في قائمة المستوردين.
وكانت المملكة قد أطلقت إصلاحات قانونية وإدارية مهمة شملت إصدار قانون العقود، ونظام استثمار جديد يساوي بين المستثمرين المحليين والأجانب. كما فعّلت خدمات مثل “تحديات التصدير” لرصد وحل العقبات، و”استورد من السعودية” لربط المشترين العالميين بالمصدرين المحليين.
وتم إطلاق برنامج “شريك” لضخ استثمارات بقيمة 5 تريليونات ريال حتى 2030م، وبرنامج “بيوت التصدير” لتأهيل الشركات المحلية وتسهيل عمليات التصدير. وتُوفَّر عبره خدمات تشمل التسويق، والتوزيع، وخفض التكاليف التشغيلية، والحضور الدولي.
تحديات لا تزال قائمة
وعلى الرغم من النجاحات، فلا تزال هناك تحديات مثل: قلة الشركات ذات القدرات التنافسية العالمية، واستمرار اعتماد الإنفاق العام على إيرادات النفط، التي شكّلت %62 من إجمالي الإيرادات الحكومية في عام 2023م، ما يوازي أكثر من 200 مليار دولار من مجمل الإيرادات عام 2023م، بينما شكلت الإيرادات من الضرائب والخدمات العامة حوالي 70 مليار دولار، وقد يؤدي تراجع أسعار النفط إلى تأثير سلبي على الإنفاق التنموي ومشاريع البنية التحتية.
وتبرز أهمية ذلك التحدي، في ظل أنه مع تراجع أسعار النفط يمكن أن ينعكس ذلك سلبًا، من خلال 3 أمور أساسية، أولهما أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات، ومن ثم تراجع إنفاق الدولة على المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية اللازمة لزيادة القدرات التصديرية.
أما الأمر الثاني، فإن ذلك قد يؤثر على نمو القطاعات غير النفطية، التي تعتمد على التعاقد مع مؤسسات الدولة لتنفيذ مشاريع تنموية وخدمية، وإذا كان التراجع في أسعار النفط كبيرًا، فقد يصل الأمر إلى إلغاء بعض المشروعات أو اللجوء إلى الاقتراض لتمويلها.
موجة من التفاؤل لدى الشركات
وتشير التوقعات إلى موجة من التفاؤل لدى الشركات الوطنية والأجنبية العاملة في المملكة باستمرار النمو خلال عام 2025م، في ظل السعي لتنفيذ مشروعات الرؤية وتخصيص المليارات اللازمة لإنشائها وتشغيلها، وكذلك في ظل نجاح المملكة في الفوز باستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034م، وهو ما سيعطي دفعة إيجابية وقوية لنمو القطاعات غير النفطية، وخاصةً في مجال البنية التحتية والمنشآت الرياضية.
أما إعلان المملكة عن خطة للتحول إلى الحياد المناخي الكامل عام 2060م، فمن المرجح أن يؤدي إلى إفساح المجال أمام مزيد من الفرص الاستثمارية في مجال الطاقات المتجددة والمستدامة، وبالفعل فقد ظهرت بوادر ذلك في التعاون المشترك بين المملكة وألمانيا في إنشاء مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وهناك عديد من العوامل الأخرى التي تدعم نمو الصادرات السعودية غير النفطية، ومن ذلك استقرار الأداء الاقتصادي والنشاط المتصاعد للاستثمارات المحلية والخارجية، ومواصلة الحكومة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، والدور المتزايد لصندوق الاستثمارات العامة وصناديق التنمية الأخرى في تنفيذ المشاريع الكبرى والتنموية الداعمة للأنشطة الاقتصادية وفرص العمل، فضلاً عن المتانة الاقتصادية للمملكة وقوة مستوى الحوكمة والمؤسسات الحكومية.
وفي هذا الإطار، حدد تقرير لوكالة التصنيف الائتماني “موديز” خمسة عوامل تدعم نمو اقتصاد المملكة بنسبة %3.9 في الفترة من عام 2022م، وحتى عام 2026م وهي: قوة الميزانية العامة، ومستويات الدين المعتدلة، والاحتياطيات النقدية الضخمة، وكذلك الاحتياطيات النفطية ذات تكاليف الاستخراج المنخفضة، والنظام المالي المستقر.
وأحد العوامل التي يمكن أن تدعم أيضًا نمو الصادرات، هو تمتع المملكة باتفاقيات المعاملة التفضيلية، وفقًا لعضويتها في منظمة التجارة العالمية، وكذلك عضويتها في الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي واتفاقية تسهيل وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية، فضلاً عن الاتفاقيات التجارية الثنائية الهادفة إلى زيادة حجم التجارة البينية، وزيادة معدلات الاستثمار.
رفع مستوى القدرات التنافسية
ولا يرتبط السعي لتطوير القطاع غير النفطي ونمو صادراته بحصول المنتجات الوطنية على حصص تسويقية أكبر في الأسواق العالمية فقط، ولكنه يتعلق أيضًا بالقدرة على محافظة المنتجات الوطنية على حصتها في السوق المحلي.
ويتطلب نجاح المملكة في تطوير القطاع غير النفطي وتنمية الصادرات غير النفطية مواجهة التحديات المائلة، وعلى رأس ذلك زيادة ورفع مستوى القدرات التنافسية لمنتجات القطاعات غير النفطية إلى المستوى العالمي، من خلال العمل على رفع معدلات الإنتاجية وزيادة القدرات التكنولوجية والتدريب وصقل مهارات العمال والفنيين والموظفين.
ولابد أن ندرك أن القطاع الخاص وحده لن يتمكن من تمويل كافة المشروعات في ظل ضخامة الأموال اللازمة لتمويل مشروعات البنية التحتية السعودية، الأمر الذي يبرز الدور الكبير للإنفاق الحكومي في تنمية القطاع غير النفطي.
ومن أجل عدم تداخل المهام والاختصاصات، ينبغي التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة المعنية بملف الصادرات، وعلى رأسها هيئة تنمية الصادرات والهيئة العامة للتجارة الخارجية وغيرها.
كما يجب إجراء عديد من الدراسات وتوفير مزيد من قواعد المعلومات حول سياسات التجارة الدولية واللوائح الداخلية للدول المستهدفة في التصدير، الأمر الذي يتيح سلاسة وصول الصادرات والتقليل من المخاطر والصعوبات المحتملة.
وأخيرًا، فإنه في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والرسوم الجمركية العالمية والتغيرات الجيوسياسية المتقلبة، فإن هناك حاجة لتطوير الاستراتيجيات الحالية أو بناء استراتيجية جديدة أكثر مرونة لمواجهة التحديات التي تواجه قطاعات التصدير المختلفة لمواكبة التغيرات المتسارعة عالميًا.