110 مليار دولار قيمة متوقعة لسوق التوائم الرقمية بمعدل نمو %61.3 بحلول عام 2028م.
15 مليار دولار سوق التوائم الرقمية في قطاع الرعاية الصحية العالمية بحلول 2033م.
فرص استثمارية واعدة توفرها تقنية التوائم الرقمية للشركات من خلال زيادة الإنتاجية والكفاءة التشغيلية.
حين عُرض الفيلم الأمريكي الكلاسيكي “كلوليس”، عام 1995م، والذي تضمنت أحداثه استخدام فتاة مراهقة حاسوبها المنزلي في اختيار ملابسها اليومية، باستخدام توأم رقمي بدائي لها، ظن الجميع وقتها أن تقنية التوأم الرقمي هي من خيال الكاتب، لكن لم يتوقع أحد أن تصبح هذه التقنية من الموضوعات الساخنة عالميًا في الوقت الحالي، بشكل تمثل معه حجر أساس في الثورة الصناعية الرابعة.
وتُعد تقنية التوأم الرقمي، نسخة افتراضية من شخص أو عملية أو جسم مادي، يمكن استخدامها لمحاكاة السلوك وفهم طريقة العمل في الحياة الواقعية بشكلٍ أفضل، حيث يُساعد إنترنت الأشياء على تمكين الآلات والأجهزة المتصلة من مشاركة البيانات مع توائمها الرقمية، والعكس صحيح، وذلك لأن هذه التوائم الرقمية بمثابة نُسخ مُحاكاة حاسوبية مُحدثة للأشياء أو العمليات المادية المُتصلة بإنترنت الأشياء في العالم الحقيقي التي تُمثلها.
تمثيل الأحداث والسيناريوهات بدقةٍ
وتعتمد التوائم الرقمية على دمج تقنيات متعددة، تشتمل على إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار، لالتقاط البيانات الآنية للحفاظ على تحديث النماذج الرقمية بالظروف الحالية، ونظم المعلومات الجغرافية، لتوفير بيانات الموقع لربط الأصول الافتراضية بالمساحات المادية، والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، لتحليل البيانات لتحديد الاتجاهات ودعم التحليلات التنبؤية، بالإضافة إلى الحوسبة السحابية، التي تُسهّل قابلية التوسع وتخزين البيانات وتكامل الأنظمة، وأدوات التصوير ثلاثية الأبعاد، التي تسهم في تفسير البيانات المعقدة، مما يُتيح عرضًا مُفصّلاً للأشياء في الفضاء الافتراضي، وبذلك تُنتج هذه التقنيات معًا توأمًا رقميًا يعكس ظروف العالم الحقيقي، كما تضيف البيانات الجغرافية المكانية سمة إضافية، مُحولة التوائم الرقمية إلى نماذج متعددة الأبعاد قادرة على تمثيل الأحداث والسيناريوهات بدقةٍ مذهلة.
حجم السوق العالمية للتوأم الرقمي
وذكر الخبير في شركة “إنفيديا” الأمريكية الرائدة في الذكاء الاصطناعي، “سكوت مارتن” أن تطوير الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة يُعد مثالين فقط على العدد المتزايد من الأمثلة المستخدمة في التوائم الرقمية لمحاكاة المعدات والبيئات المادية، فهذه المركبات، عبارة عن روبوتات تعمل في عالم مفتوح، تسعى جاهدة لتجنب الاحتكاك بأي شيء، وفي النهاية سنحصل على روبوتات ذاتية القيادة متطورة تعمل جنبًا إلى جنب مع البشر في بيئات مثل المطابخ (تتعامل مع السكاكين وغيرها من الأدوات الخطرة)، لذا نحتاج إلى توائم رقمية للعوالم التي ستعمل فيها، حتى نتمكن من تعليمها بأمان في العالم الافتراضي قبل نقل ذكائها إلى العالم الحقيقي.
وثمة توقعات بوصول حجم السوق العالمية للتوأم الرقمي إلى 110.1 مليار دولار بحلول عام 2028م، مرتفعًا من 10.1 مليار دولار في عام 2023م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %61.3 حتى عام 2028م، مع توقعات بأن يصل إلى 138 مليار دولار بحلول عام 2030م، حيث بدأ عديد من الشركات في تطبيق هذه التقنيات في منظومتها التشغيلية، فعلى سبيل المثال، طبقت مؤخرًا شركتا “بي إم دبليو” و”رينو” لصناعة السيارات، التوائم الرقمية في منظوماتها الصناعية، مما يُسهم في إنشاء عمليات تصنيع فعّالة.
حلول أكثر ذكاءً للحفاظ على التنافسية
ولا تقتصر تقنية التوأم الرقمي على قطاع مُحدد، ولكنها تُستخدم في مجالات عدة، إذ إن دمج تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يُسهم في تعزيز نمو سوق التوائم الرقمية، مما يُتيح عمليات محاكاة أكثر دقة ورؤى أعمق لسلوك الأنظمة الإلكترونية، في الوقت الذي تسعى فيه صناعات مثل السيارات والفضاء والطاقة والبنية التحتية والرعاية الصحية والاتصالات والنفط والغاز والمدن الذكية إلى حلول أكثر ذكاءً للحفاظ على تنافسيتها، لذا فمن المُتوقع أن تُحدث سوق التوائم الرقمية الصناعية ثورة في مشهد التصنيع، مُوفرة فرصًا هائلة للابتكار والنمو خلال السنوات المقبلة.
تطبيق التحسينات في العالم الحقيقي
وتتيح التوائم الرقمية للمدن الذكية تخطيطًا أفضل للبناء والتصاميم المعمارية المبتكرة، حيث تتبنى نسخًا ثلاثية الأبعاد لنفسها لإجراء عمليات المحاكاة، حيث تساعد هذه التوائم على تحسين تدفق حركة المرور، ومواقف السيارات، وإضاءة الشوارع، والعديد من الجوانب الأخرى لتحسين الحياة في هذه المدن، بشكلٍ يسمح لتطبيق هذه التحسينات في العالم الحقيقي.
وأوضح الخبير في الجمعية الأمريكية للجودة، “بريانكومار باتيل” أن تقنية التوأم الرقمي تساعد في تصنيع وصيانة الأجهزة الطبية، من خلال تحسين أداء الأجهزة وعمليات الإنتاج، وتقليل عيوب الجودة، مشيرًا إلى أن اعتماد هذه التقنية، يُمكن أن يحدث ثورة في صناعة التكنولوجيا الطبية، من خلال تحسين الموثوقية والسلامة، وكفاءة التكلفة، حيث تُخفض الصيانة التنبؤية وعمليات الإنتاج المُحسّنة التكاليف التشغيلية، مما يُقلل من تكلفة الأجهزة الطبية، مما يُفيد المستشفيات والمرضى في نهاية المطاف، فضلًا عن إدارة الموارد بكفاءة، مما يُقلل من وقت التوقف عن العمل، ويُحسّن الكفاءة العامة لمرافق التصنيع، وتوفير بيئة اختبار افتراضية، إذ تُسرّع التوائم الرقمية من عمليات تطوير ونشر الأجهزة والعلاجات الطبية الجديدة، مما يُعزز الابتكار في قطاع التكنولوجيا الطبية.
قيمة سوق التوائم الرقمية
وبلغت قيمة سوق التوائم الرقمية في قطاع الرعاية الصحية العالمية، 2.6 مليار دولار عام 2024م، مع توقعات بأن تصل إلى 15.1 مليار دولار بحلول 2033م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %21.5، وتصدرت “سيمنز هيلثينير”، “آي بي إم”، “مايكروسوفت”، “أوراكل”، قائمة الشركات الرائدة في هذا القطاع.
ومع استمرار القطاعات الصناعية وغيرها من المجالات المُعقدة والمتطورة مثل الطب وحتى صناعة الدفاع، في نهضتها الرقمية، فإن جوهر هذا التحول يكمن في النضج المستمر لتقنيتين هما الحوسبة المكانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتوائم الرقمية، اللذان يبدو أنهما على أهبة الاستعداد بشكلٍ متزايد لإعادة تعريف كيفية تصميم الصناعات للعمليات المادية وإدارتها وتحسينها، ودمج العالمين الرقمي والمادي بطرقٍ غير مسبوقة.
وأعلنت شركة “إنفيديا” الأمريكية عن التعاون مع شركة “ميت إيه آي”، وهي شركة ناشئة تايوانية تُركز على إنشاء نسخ افتراضية من التوأم الرقمي، مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لأشياء أو بيئات واقعية، والتي يمكن استخدامها في مختلف الصناعات، بما في ذلك التصنيع وتجارة التجزئة والترفيه.
الطيار الإلكتروني لمساعدة البشري
ومن جانبها، أشارت شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية المتخصصة في الصناعات العسكرية، إلى عزمها استكشاف مفهوم التوأم الرقمي البشري، وهو تمثيل افتراضي لطياري الطائرات، أو ما تُطلق عليه الشركة اسم “الطيار الإلكتروني”، المُصمم لمساعدة الطيار البشري على الوعي وتوفير خيارات مُحسّنة للتحكم في الطائرة خلال المواقف الحرجة المتعلقة بسلامة الطيران، والإقلاع والهبوط، والتزود بالوقود جوًا والاشتباكات التكتيكية مع التهديدات المختلفة.
وفي غضون ذلك، تخطط مجموعة “إيرباص” لصناعة الطائرات، لدمج برمجيات التوأم الرقمي في جميع أقسامها لتحسين عمليات الجودة والسلامة، وتسريع التصميم والإنتاج، وخفض التكاليف، حيث تقوم الشركة بتحميل معلوماتٍ حول تصميم طائراتها وإنتاجها وعملياتها وصيانتها إلى قاعدة بيانات سحابية، حيث يُمكن إدخالها في نماذج ثلاثية الأبعاد، وتقول الشركة: “نحن في الواقع نبني كل طائرة مرتين: أولًا في العالم الرقمي، ثم في العالم الحقيقي”.
مخاوف من تعقيدها والدعاية المُثارة حولها
وأعلنت الهيئة الوطنية للابتكار، بالتعاون مع شركة “بلفاست ريجون سيتي ديل”، عن استثمار بقيمة 37.6 مليون جنيه إسترليني، لإنشاء مركز التوأم الرقمي في المملكة المتحدة، بهدف إحداث ثورة في كيفية تطوير الصناعات والمنتجات والخدمات والأنظمة، وتسريع اعتماد الصناعة للتوائم الرقمية من خلال توفير الوصول إلى التقنيات، وخفض تكاليف الإنتاج، وتطوير مهارات القوى العاملة، بالتركيز في مرحلته الأولى على تطوير قطاعات النقل البحري والفضاء والدفاع.
وكشف استطلاع أجرته مؤخرًا مجموعة “هيكساغون”، وهي شركة برمجيات عالمية متخصصة في حلول الواقع الرقمي، أن الشركات التي اعتمدت تقنية التوائم الرقمية حققت انخفاضًا في الانبعاثات الكربونية بنسبة %15 في المتوسط، ووفرت في التكاليف بنسبة %19، مشيرًا إلى أنه بالرغم من التحول الجذري الذي تُحدثه هذه التقنية في كيفية إدارة الشركات للعمليات المُعقدة، فضلًا عن شعبيتها المتزايدة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والتعدين، إلا أن بعض الشركات تتردد في تبني تقنية التوأم الرقمي بسبب مخاوف من تعقيدها والدعاية المُثارة حولها.
جدوى الاستثمار في تقنية التوأم الرقمي
وأكد مختصون أهمية وجدوى الاستثمار في تقنية التوأم الرقمي، خاصة أنها تتيح مجموعة واسعة من الفرص للشركات في أي بيئة، سواءً كانت بيئة صناعية أو بيئة مؤسسية قياسية، فمن خلال هذه التقنية يمكن للشركات تعزيز الإنتاجية، وتعزيز رضا الموظفين والعملاء، وخفض التكاليف، وتحسين بصمتها الكربونية، فضلًا عن تصميم منتجات مُبتكرة بشكلٍ أسرع، مما يُقلل وقت طرحها في الأسواق، كما تُتيح فرصًا جيدة لزيادة الإيرادات، وأشاروا إلى أنه مع تزايد إمكانية الوصول إلى حلول التوأم الرقمي، من خلال أنظمة “ميتافيرس” والتكنولوجيا المتطورة، يمكن لجميع الشركات الاستفادة من الاستثمار في هذه التقنية.
ولفت “أميت باسكار”، رئيس الخدمات المالية في مجموعة “كابجيميني” الفرنسية لإدارة الأعمال، النظر إلى دور التوائم الرقمية في تطوير شركات التأمين، خاصةً في مجالات تحسين عملية اتخاذ القرارات، والاكتتاب، ومعالجة المطالبات، وإدارة المخاطر، والأمور المالية والمحاسبية، ووظائف خدمة العملاء، ومراقبة عائد الاستثمار.
ويمكن القول إنه على الرغم من الفرص الاستثمارية الواعدة، تواجه التوائم الرقمية والحوسبة المكانية عقبات تحتاج إلى مُعالجات ضرورية، حيث لا تزال خصوصية البيانات وأمنها من المخاوف ذات الأولوية، لاسيما وأن هذه التقنيات تُنتج وتُعالج كميات هائلة من المعلومات الحساسة، علاوةً على ذلك، فإن التكاليف الأولية المرتفعة والخبرة الفنية اللازمة للتنفيذ يمكن أن تُثني المؤسسات الصغيرة عن تبني هذه الابتكارات.