الصين شاغلة العالم شرقاً وغرباً.. والكل يسأل عنها، الجميع من خبراء وبيوت مالية وبنوك عالمية ومحلية، إضافة إلى اللاعب الرئيس وهو قطاع الإعلام، وبشكل عام قنوات ومواقع وتواصل اجتماعي وصحف تتسابق فيما بينها على نقل أي تفصيل يأتي من الصين والكل مشغول على صحة ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لماذا كل الأنظار على الصين؟
السبب بسيط جداً، إليكم بعض من تأثيراتها على الاقتصاد العالمي: فهي أكبر مستورد نفط في العالم، وأكبر منتج ذهب في العالم، وتملك أكبر احتياطي نقدي، عدا أنها أكبر حامل لسندات الخزانة الأمريكية وتتنافس مع اليابان على الصدارة في هذا المجال، وأخيراً لا ننسى أنها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على الرغم من أنها تُعد من الدول الناشئة وليست من الدول المتقدِّمة، إذاً يمكننا القول أيضاً أن الحرب هي بين أكبر اقتصادات الدول المتقدِّمة، وبين أكبر اقتصادات الدول الناشئة، يعني النهائي التي أشرت إليه بين الدول المتقدِّمة والدول الناشئة.
في الفترة الأخيرة ظهرت البيانات والأرقام السلبية الآتية من الصين إن كان من ناحية تراجع مبيعات السيارات أو أيضاً من المنازل أو من ناحية نشاط المصانع والجميع يعرف ماذا تمثل مصانع الصين للعالم التي تُعد دينامو الاقتصاد.
القطاع العقاري الذي استطاع المسؤولون هناك في فترة سابقة أن يجنبوا البلاد انفجار فقاعة عقارية كادت أن تسبب أضراراً كثيرة وتمتد إلى كافة قطاعات الاقتصاد وتتحوَّل إلى أزمة في الصين، ووقتها من السهل أن تنتشر وعندها بدل أن تقوم الصين بتصدير منتجاتها ستقوم بتصدير أزمة اقتصادية إلى العالم، وكان الرئيس الصيني قد أشار قبل سنوات إلى أنه ليس من السهل الاستمرار في تحقيق معدل نمو 7% الذي تطمئن له الأسواق مع استعمال سلاح العملة لحماية وتعزيز الصادرات، لأن ذلك سيؤدي إلى نشوب حرب عملات، وبالتالي تتنافس الدول وتتسابق على تخفيض عملاتها ويأتي في المقدِّمة اليابان وكوريا الجنوبية.
اليابان والصين وكوريا الجنوبية تولي اهتماماً خاصاً لمعدلات الصرف وعملاتها تكون تحت المراقبة الدائمة وأي ارتفاعات قوية في عملاتها تبدأ الشركات الوطنية في إطلاق صيحاتها معترضة لأنها تفقد بعضاً من حصصها في الأسواق الخارجية وعدة مرات تتدخل اليابان على طريقتها في سوق العملات للجم ارتفاعات الين.
أما بالنسبة لكوريا الجنوبية فسجلت رقماً مهماً في نهاية السنة عندما تجاوزت صادراتها عتبة 600 مليار دولار لأول مرة في تاريخها منذ بدأت التصدير في عام 1948 مدعومة بشكل رئيس بالطلب على الرقائق. عدا عن ذلك كانت كوريا الجنوبية القوة الاقتصادية رقم 11 عالمياً وسجلت فائضاً في الميزان السنوي وصل إلى مشارف الـ 100 مليار دولار. ببساطة وبكلمة واحدة صادراتها تمثل أوكسجين اقتصادها وبمعنى آخر أي محاولة لضرب صادراتها يعني محاولة لخنق الاقتصاد عندها.
يقول المحللون إن الجيل الثاني والثالث من قادة الشركات في الصين تختلف الأولويات عندهم حالياً عن الذين سبقوهم، فمعظمهم الآن يملكون ثروات مهمة ويأخذون وقتهم في دراسة الفرص وليسوا مستعجلين. وبالتالي يلعب ذلك دوراً مهماً في الأداء العام والعلاقات بين الشركات والقطاعات.
الصين مع طريق الحرير الجديد والتوسعات والمشروعات الكبيرة لها في القارة الإفريقية والبلدان الأخرى من خلال مشاريع البنية التحتية وبناء المرافئ والطرق وسكك الحديد, تحاول أن تأخذ دور صندوق النقد الدولي من خلال تقديم المليارات، ودخلت في منافسة قوية مع الصندوق مع الميزة أن الموافقة على القروض عندها أو الدعم أو البدء بالاستثمارات أسرع بكثير من الصندوق، والشروط التي تفرضها تكون بمثابة السيطرة على المشروع لسنوات طويلة في حال حصل تعثر من جانب الدولة التي تطلب المساعدة، والأهم أيضاً أنها لا تطلب شروطاً من الدول بالنسبة إلى المالية العامة أو بالنسبة إلى إعادة النظر في عجز الدولة أو في مستويات الدَّيْن العام وعوامل أخرى تكون شروط أولوية عند صندوق النقد والتأكد الدائم من الالتزام والتنفيذ وكل ذلك للحصول على القرض، ويكون أيضاً على دفعات، وهناك دائماً نوع من التحديثات المستمرة وزيارة وفود من جهة صندوق النقد للتأكد من التقيد التام للبرنامج المتفق عليه.
تحاول الصين أن تعوض بعضاً مما تفقده من النمو من خلال الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية في العالم ويؤثر عليها بقوة الوضع الحالي لأوروبا التي أصبحت أشبه بالرجل المريض. ففي كل فترة يحصل تطورات متسارعة عندها وتصاب بعوارض صحية من جميع الأطراف، وبالتالي أثرت بقوة على الاقتصاد الصيني وكأن الصين لا يكفيها الحرب التجارية التي تجري بين أكبر وثاني اقتصاد في العالم كأنها المبارة النهائية في المونديال والكل يراقب ويحبس الأنفاس مع كل تطور جديد، رغم كل الاقتصادات الصاعدة والناشئة والتي تتألق في الوقت الحالي مثل الهند وبنغلادش وفيتنام وبلدان أخرى وهذا طبعاً جيد بالنسبة للطلب العالمي، ولكن تبقى الصين هي المحرك مع ناتج محلي إجمالي فوق 12 مليار دولار وبالتالي بعيدة جداً عن كل مجموعة هذه الدول ولا مجال حتى للمقارنة معها.
طبعاً رغم المستقبل القوي لهذه الدول ولكنها بحاجة إلى عشرات السنين لتقترب من الاقتصاد الصيني وبشرط أيضاًً أن يصاب مارد آسيا بعطل كبير، وهذا في المستقبل القريب مستبعد على الأقل.