ها هي حلقات «ردع» الفساد تكتمل، ودائرة «الفساد» تتراجع، حتى أوشكت تضمحل وتتلاشى.. الفساد رفع «الراية البيضا» اعترافاً بالهزيمة.. فاليد التي امتدّت إلى مصادر الفساد ومنابعه، كانت يد «العدالة».. وهي يد لا تعرف المجاملة، إذ راحت تُغلقُ كل أبواب الفساد، فضلاً عن أنها حرصَت على أن تُغلقَ أمامه كل باب، وكانت يداً من حديد، لم تضع في حسابها سوى حماية «المال العام»، والراية التي ارتفعت تقول «لا.. للفساد»، كانت واضحة الإرادة والاتجاه والعزيمة.. هكذا أرادها المليك خادم الحرمين الشريفين: «المملكة لا تقبل فساداً على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أياً كان حصانة في قضايا فساد»..
بعبارة الملك سلمان بن عبدالعزيز، تحددت مصائرُ «الملفات» التي فتحتها حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، ولم تستثن منها ملفّاً واحداً لأيّ سبب.. وبالعبارة «الحاسمة» نفسها أضفت الحصانة كاملة على كافة الإجراءات التي اتخذتها حكومتُه ضد الفساد، والتدابير التي يمكن أن تتّجه إليها في أيّ وقت مستقبلاً، ضد أيّ محاولة لاستنساخ الفساد من جديد..
«الاقتصاد» تسلِّط الضوء في هذا التقرير على مسيرة استكمال حلقات محاصرة الفساد ومرئيات الخبراء لهذه الخطوات الجوهرية وانعكاساتها المنظورة.
400 مليار ريال قيمة تسويات نقدية وأصول عقارية وشركات وأوراق مالية
فقد أغلقت السعودية أكبر حملة لاستعادة الأموال الناجمة عن الفساد، مشرّعة أبواب المراقبة والمحاربة لشبهات الفساد والنهب من مقدرات البلاد وثرواته. وأعلنت المملكة نتائج حملة الفساد التي شكلتها قبل عام مستردة مئات المليارات إلى خزينة البلاد، مؤكدة الضرب بيد من حديد لكل المستنفعين من المال العام.
حدث تاريخي
لم يكن الرابع من نوفمبر من العام 2017 تاريخاً عابراً بل شاهداً على أكبر تحرك من نوعه دفعت إليه الدولة تجاه محاربة الفساد، حين أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمراً ملكياً بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.
واستثناء من الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات، قامت اللجنة بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وكذلك التحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام. ولم يكن هذا القرار حدثاً عابراً بل بلغ صداه المدى وسمعت عنه الدنيا حينها، حيث تناولت وسائل الإعلام العالمية هذا التحرك وناقشت مقتضياته وأهدافه وجدواه.
وشدَّد خادم الحرمين الشريفين في مجلس الوزراء الشهر الماضي على استمرار نهج الدولة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد العام؛ كما أثنى على الجهود التي بذلتها اللجنة العليا المكلفة بمكافحة الفساد، مؤكداً استمرار الدولة في نهجها الآخذ في حماية النزاهة والقضاء على الفساد، وردع كل من تسوِّل له نفسه بالتعدي على المال العام، واستباحة حرمته والعبث به.
رفض ثمانية متهمين التسوية وتم تحويلهم إلى النيابة العامة للنظر في قضايا جنائية
إنجاز المهمة
ووفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السعودية الشهر الماضي، شكر خادم الحرمين الشريفين رئيس اللجنة العليا لقضايا الفساد العام الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وأعضاء اللجنة وأعضاء فرق العمل المنبثقة، لما بذلوه من جهد وحرص على إنجاز المهام المنوطة بها، مشيراً إلى أنها حققت الغاية المرجوة وفق الأمر الملكي القاضي بتشكيلها.
ووافق الملك سلمان على الطلب الذي قدَّمه ولي العهد، بإنهاء أعمال اللجنة بعد أن أنجزت مهمتها، حيث ذكر بيان للديوان الملكي السعودي، أن تقرير اللجنة تضمن معلومات عن استدعاء381 شخصاً، بعضهم للإدلاء بشهادتهم، واستعادة 400 مليار ريال (106.6 مليار دولار)، تتمثل في أصول عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك.
وبحسب البيان، تم إخلاء سبيل من لم تثبت عليهم تهمة الفساد، وإجراء التسوية مع 87 شخصاً، بعد إقرارهم بما نسب إليهم وقبولهم للتسوية، وتمت إحالة 56 شخصاً إلى النيابة العامة لاستكمال إجراءات التحقيق معهم.
توقعات بتشكيل جهاز لاستثمار المبالغ المستردّة وتوجيهها للصالح العام
ورفض النائب العام السعودي سعود المعجب، التسوية مع المحالين، لوجود قضايا جنائية أخرى عليهم، وبلغ عدد الذين لم يقبل التسوية وتهمة الفساد ثابتة بحقهم 8 أشخاص، أحيلوا إلى النيابة العامة لمعاملتهم وفق المقتضى النظامي، فيما اعتمدت الدولة موقع احتجازهم بفندق الريتز كارلتون بالعاصمة الرياض.
قانون دولي
وأمام هذا الحراك، لا يعلم كثيرون أن السعودية لم تقدم على هذه الخطوة إلا بعد الاستناد إلى قواعد قانونية معترف بها دولياً، حيث تنسجم الإجراءات التي طبقتها المملكة في محاربة الفساد من التزاماتها بموجب اتفاق الأمم المتحدة الذي اعتمدته الجمعية العامة بقرارها لمكافحة الفساد رقم 58/4 المؤرخ في أكتوبر 2003، والتي أصبحت السعودية طرفاً فيه بموجب المرسوم الملكي م/5 وتاريخ 11/3/1434هـ، إذ تضمنت المادة 31 أن تتخذ كل دولة طرف، إلى أقصى مدى ممكن ضمن نطاق نظامها القانوني الداخلي، ما قد يلزم من تدابير للتمكين من مصادرة العائدات الإجرامية أو ممتلكات تعادل قيمتها قيمة تلك العائدات، وأنه إذا حولت هذه العائدات الإجرامية إلى ممتلكات أخرى أو بدلت بها، جزئياً أو كلياً، وجب إخضاع تلك الممتلكات، بدلاً من العائدات، للتدابير المشار إليها في هذه المادة.
اللجنة العليا لمكافحة الفساد تستند للوائح قانونية دولية
وبحسب هذا القانون يجوز للدول الأطراف أن تنظر في إمكان إلزام الجاني بأن يبيِّن المصدر المشروع لهذه العائدات الإجرامية ما دام ذلك الإلزام يتوافق مع المبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ومع طبيعة الإجراءات القضائية والإجراءات الأخرى. في المقابل اشتملت المادة 36 على أن تتخذ كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، ما قد يلزم من تدابير لضمان وجود هيئة أو هيئات مختصة أو أشخاص مختصين في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون، كما وتمنح تلك الهيئة أو الهيئات أو هؤلاء الأشخاص ما يلزم من الاسـتقلالية، وفقاً للمبادئ الأساسية للنظام القانوني للدولة الطرف، لكي يستطيعوا أداء وظائفهم بفعالية ومن دون أي تأثير لا مسوغ له.
وتنص المادة 37 ــ الفقرات من 1 إلى 3 ــ على أن تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة لتشجيع الأشخاص الذين يشاركون أو شاركوا في ارتكاب فعل مجرم، وفقاً لهذا الاتفاق على تقديم معلومـات مفيدة إلى السلطات المختصة لأغراض التحقيق والإثبات، وعلى توفير مساعدة فعلية محددة للسلطات المختصة يمكن أن تسهم في حرمان الجناة من عائدات الجريمة واسترداد تلك العائدات.
مصير المليارات
ويبقى التساؤل قائماً حيال مصير تلك المئات من المليارات، من حيث أوجه الاستفادة منها، بالرغم من اليقين بسياسة الدولة وحكمة توجهها، بيد أن أبرز ما تداولته الأنباء ما أوردته وكالة بلومبرغ الأمريكية من أن السعودية ستقوم بإنشاء هيئة لإدارة الأصول التي تخلى عنها المحتجزون، كجزء من اتفاقات التسوية في حملة مكافحة الفساد.
استحداث دوائر قضائية وحماية المبلِّغين وتعديل نظام مكافحة الرشوة مراحل في محاربة الفساد
ونقلت الوكالة عن مصادرها، أن المملكة تبحث مع استشاريين كيفية إنشاء تلك الهيئة، التي ربما تبيع المقتنيات والمليارات التي سلمها المحتجزون إلى الدولة مقابل حريتهم.
ويشير خبر بلومبرغ إلى أن بعض البنوك السويسرية الكبرى أبلغت خلال الأسابيع الأخيرة عن أنشطة حساب مشبوه إلى المكتب السويسري لغسل الأموال، في وقت معلوم أن بنوكاً عالمية كـ «كريديت سويس جروب» و«سيتي جروب» و«جي بي مورغان تشيس» و«يو بي إس جروب» تعد أبرز المؤسسات الاستثمارية التي تدير أكبر حصة من الأصول للسعوديين الأثرياء الذين يجري التحقيق مع بعضهم.
الباب مفتوح
والسؤال: هل انتهت حملة الفساد في السعودية بانتهاء أعمال اللجنة العليا المشكَّلة بأمر خادم الحرمين الشريفين؟ الجواب كما يصفه الكاتب الاقتصادي جمال بنون بأن الباب للتو يفتح، حيث لفت إلى أن من أهم عوامل نجاح مشروع التنمية في السعودية ورؤية 2030، أن تقف بالمرصاد في وجه الفساد بأشكاله، إذ بخلاف ذلك سيقف الفساد حجر عثرة أمام التطور الاقتصادي المنشود، مؤكداً أن له انعكاسات سلبية بينها منع فرص العمل وإعاقة الاستثمارات.
المعجب: إنشاء دوائر خاصة بالفساد يؤكد رغبة الدولة برفع جودة إجراءات المكافحة
ويؤكد بنون أن باب مكافحة الفساد سيبقى مفتوحاً، ولن يغلق، بل سيكون أشد ضراوة في التعامل مع أي حالة قد تظهر مستقبلاً، مشيراً إلى أن سرقة المال العام والتكسب غير المشروع موجود في العالم ولا يمكن القضاء عليه نهائياً، بيد أن التحدي الأكبر هو في تطبيق القانون على الجميع، وأن يكون العاملون على أجهزة الرقابة على حزم ومن دون مجاملة في المساءلة.
ويشدد بنون على أن رؤية 2030 تعتمد على منهج جديد للسعودية بدأ منذ عام 2017، وهو مسؤولية الجميع من أعلى هرم في الدولة إلى أصغر موظف فيها، موضحاً أنه ليس أمام الحكومة السعودية وقت لتضيعه، وألا ينشغل شعبها في أمور ليست من مصلحة الفرد ومجتمعه، وتريده أن ينضم إلى مجموعات تنموية، وأن يكون اقتصادها فعالاً ومنتجاً.
تشريع وتنظيم
ولكن كيف كانت خطوات المملكة في ملف التشريع وتشجيع مكافحة الفساد؟ بالعودة إلى نوفمبر 2017 وإعلان موافقة خادم الحرمين الشريفين على إنشاء لجنة محاربة الفساد، تبع ذلك سلسلة من الإجراءات التشريعية المهمة، إذ صدرت في مارس 2018 موافقة خادم الحرمين على استحداث دوائر متخصصة لقضايا الفساد في النيابة العامة تقوم بالتحقيق والادعاء في قضايا الفساد، وترتبط بالنائب العام مباشرة.
بنون: المملكة لن ترضى بتعطيل رؤية 2030 والباب مشرع لمكافحة الفساد
وعلَّق النائب العام الشيخ سعود المعجب بأن صدور أمر خادم الحرمين الشريفين يؤكد العمل التشريعي والقانوني في مكافحة الفساد، بكافة صوره وأشكاله، لحماية الوطن ومقدراته، والمحافظة على المال العام، وحماية نزاهة الوظيفة العامة، واجتثاث الفساد من جذوره بمنتهى القوة والشفافية.
وكانت النيابة العامة قبل صدور الأمر الملكي باستحداث دوائر قضايا الفساد، تعالج القضايا من هذا النوع، من خلال دائرة جرائم الوظيفة العامة، ليأتي القرار تأكيداً للرغبة في مزيد من الفعالية، وتحسين الجودة والأداء، وتسريع إجراءات قضايا الفساد، فيما ستتولى دوائر جرائم الوظيفة العامة معالجة التجاوزات الجنائية المتعلقة بالإخلال بواجبات الوظيفة.
وبحسب النائب العام في بيان صدر حينها، فإن الكفاءات القضائية بالنيابة العامة تتمتع بكفاءة عالية في التحقيق والادعاء، ويتم تعهدها بالمستجدات الداعمة لخلفيتها وخبرتها، مؤكداً أن النيابة العامة هي من تختص ـ حصرياًـ بالتحقيق في عموم القضايا الجنائية.
وتلى قرار الدوائر المتخصصة خطوة بالغة الأهمية، إذ وجه خادم الحرمين في مايو الماضي بتوفير الحماية الكافية لكل موظف يتقدم ببلاغ ضد ممارسات الفساد المالي والإداري، بما يضمن عدم التعرض له وظيفياً أو المساس بمزاياه أو حقوقه، آمراً الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالرفع عن أي جهة تقوم باتخاذ إجراءات تأديبية بحق أي موظف أو المساس بأي حق من حقوقه أو ميزاته الوظيفية، بسبب تقديمه بلاغاً للجهات المختصة عن ممارسات فساد فيها.
د. سفر: خطوات محاربة الفساد تمضي تشريعياً وقضائياً وإجرائياً بمنهجية مدروسة
وفي يوليو الماضي، تحرك مجلس الشورى، من جانبه، لتعديل نظام مكافحة الرشوة بهدف حماية المرافق العامة من الفساد، ووافق المجلس على توصية بتعديلات في النظام تحمي جهاز الدولة من الفساد بكافة الأدوات والوسائل، وتدعو إلى سلامة إجراءات المكافحة والاستدلال والتحقيق، والمحاكمة في حالة ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في النظام.
ويتكوَّن المشروع من 23 مادة لنظام مكافحة الرشوة، حيث يرسخ مفهوم حرمة الوظيفة وحمايتها من الاعتداء، من خلال تطبيق أقسى العقوبات سواء كانت مادية أو معنوية، وحماية مصالح الدولة والاقتصاد الوطني من خلال إضافة الموظف الخاص في نظام مكافحة الرشوة، وتأكيد معايير النزاهة والشفافية، كما يهدف إلى التأكيد على ما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة في مكافحة الفساد التي صادقت عليها المملكة، وزيادة كفاءة الأجهزة الإدارية وتفعيل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
المنهجية المدروسة
أستاذ الدراسات القضائية الدكتور حسن بن محمد سفر يصف هذه الخطوات بالمنهجية المدروسة، ولفت إلى نتائج اللجنة المشكلة بأمر خادم الحرمين الشريفين، مشيراً إلى أنه بعد دراسات وتحقيق لجان متعددة، أنجزت أعمالها وأنهت مهمتها بأعمال «بطولية رائعة»، حققت أهدافها السامية لحماية الوطن من النهب وإهدار المال العام، واستغلال نفوذ الوظيفة العامة لتحقيق الثراء الفاحش.
الجاسر: الشفافية بعثت على الطمأنينة وقطعت قواعد الفساد
ويلفت سفر إلى أن التحقيقات كانت مثالاً يحتذى به، من حيث العمل بمنظومة السياسة الشرعية والأنظمة والقوانين المرعية، مبيناً أن ما يميز الاتجاه لمهمتها هو الشفافية كما سار منهجها العدلي بالأدلة الشرعية والقانونية، ووسائل الإثبات الشرعية.
ووفقاً لسفر، فإن الإجراءات كانت نظامية حيث أطلق سراح كل من ثبتت براءته من الفساد أو موافقته على التسوية وإعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، وفق آليات نظامية، وما جرى عليه العمل الشرعي والقانوني، فيما كل من لم تتم إدانته وجرت تبرئته أو قام بتسوية أوضاعه شرعاً وقانوناً يعود إلى ممارسة حياته كما كانت، مؤكداً أن الدولة ستظل بتعاون المواطن العين الساهرة واليد القوية لكل ما يشتم منه فساد أو إفساد، تمضي في الإصلاح وتجريم من يقف بفعله وأعماله في عرقلة التنمية والإصلاحات التي تدعو وتخطط لها.
ما بعد التسوية
قطاع الأعمال استبشر بالنتائج وجدية الدولة في استئصال الفساد، حيث يرى رئيس شركة أماكن الدولية رئيس لجنة التمويل والتثمين بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض خالد الجاسر أن حملة لجنة محاربة الفساد بداية مراحل قطع طريق أمام قواعد وأصول الفساد، مؤكداً أن الفساد هو العدو الأول للتنمية المستدامة والشاملة، ولا مجال للتقدم خطوة واحدة في طريق تحقيق الطموحات العملاقة، إلا بالقضاء عليه.
حافظ: مرحلة ما بعد التسويات تتطلب واقعاً جديداً في النشاط الحكومي
ويرى الجاسر أن الشفافية المتبعة في رحلة مكافحة الفساد لها انعكاسات إيجابية مشدداً على أهمية إشعار المواطنين بتفاصيل أعمال اللجنة أولاً بأول، مؤكداً أن الجهات المختصة السعودية لا تكيل بمكيالين، لافتاً إلى عودة العشرات إلى ممارسة دورهم في المجتمع بشكل اعتيادي.
من جهته، يرى الخبير المصرفي طلعت حافظ أن المرحلة المقبلة هي الأهم، إذ بعد القيام بالحملة لابد من التساؤل ماذا بعد مرحلة التسويات؟ ويشير إلى ضرورة أن تخلق المملكة بيئة تعاملات حكومية خالية من الفساد، وتتحول المكافحـة إلى عملية ذاتيـة ومستدامة.
ووفقاً لحافظ، فإن الوصول إلى بيئة تعاملات حكومية خالية من الفساد، يستلزم وضع حواجز وضوابط وقائية قوية من بينها سَن أنظمة وتشريعات مضادة وكاشفة ووضع نظام عقوبات صارم وحازم على المخالفين. كما يتطلب الأمر توعية أفراد المجتمع بمخاطر الفساد، وتنمية حسهم الوطني بالقضاء عليه.
وللحد من الفساد في المملكة، بحسب طلعت، يستلزم الأمر تعميم الحوكمة على كافة الأجهزة الحكومية، بما في ذلك المشاريع والتعاقدات والمشتريات، التي يراها مواطن الفساد في البلاد، إضافة إلى استحداث إدارات للمخاطر والمراجعة الداخلية، مشدداً على أن الأمر يتطلب كذلك تفعيل برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية بشكل أوسع من واقع الحال، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الحكومية وجعلها أكثر شفافية، تفادياً لاستغلال ضعاف النفوس للثغرات وتحويلها لصالح أعمالهم الفاسدة.
المحيسن: «نزاهة» تعمل على تجنيب القطاع الخاص شبهات الفساد وتعزيز الشفافية
ويلفت طلعت إلى إن دراسة واقع الفساد في المملكة ومحفزاته، بما في ذلك تغيير السلوك تجاهه، سيساعد على معالجته، بالإضافة إلى وضع نظام عادل لتقويم أداء العاملين بأجهزة الدولة، بما في ذلك المكافآت، ووضع الموظف المناسب في المكان المناسب بالعائد المادي المناسب، وبالذات بالنسبة لبعض الوظائف التي تكون مدعاة للإغراءات المادية، مثل الوظائف الجمركية والحدودية وغيرها، ضماناً لتفادي المغريات.
«نزاهة» تتعاون مع البنك الدولي لرفع كفاءة الكشف عن الفساد في مشاريع الخصخصة
السعودية تحتل المرتبة 58 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد خلال 2018
الرياض – الاقتصاد
أعلنت منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2018. وصنّفت نشرة مؤشر مدركات الفساد ــ الشهر الماضي ــ السعودية في المرتبة الـ 58 عالمياً من أصل 180 دولة، وبدرجة تقييم 49 من 100، وبذلك تكون في المرتبة الـ 11 بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية.
ويستند المؤشر ــ الذي تصدره المنظمة بشكل سنوي ــ على التصورات المتعلقة بانتشار الفساد في الدول، من خلال مجموعة من الاستقراءات والتقييمات المعنية بالفساد، والتي يتم جمعها عن طريق مصادر بيانات من مؤسسات متعددة، من أبرزها المنتدى الاقتصادي العالمي، ومنظمة البصيرة العالمية، ومنظمة برتسلمان ستيفتونغ، والمعهد الدولي للتنمية الإدارية، ووحدة التحريات الاقتصادية، ومؤسسة خدمات المخاطر السياسية، ومشروع أنماط الديمقراطية.
من جهتها، عقدت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، بالتعاون مع البنك الدولي مؤخراً، برنامجاً تدريبياً بعنوان «المهارات الضرورية لاكتشاف الفساد في مشاريع التخصيص» بمشاركة عدد من الموظفين المتخصصين في الأجهزة الرقابية والجهات العامة الأخرى التي تشهد قطاعاتها الأولوية في التخصيص، استناداً إلى رؤية المملكة 2030.
وتهدف الدورة إلى التعريف بمشاريع الخصخصة وأنواعها، واكتشاف مكامن وثغرات الفساد في مشاريع الخصخصة والشراكة بين القطاع العام والخاص (PPP)، بالإضافة لعرض حالات عملية عن فساد حقيقية في مشاريع التخصيص وأبرز مؤشرات الفساد في مرحلة ما قبل توقيع عقود مشاريع التخصيص والشراكة.
وفي شأن ذي صلة، كشف الدكتور خالد المحيسن رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، أن الهيئة تعمل على تعزيز الجهود لتجنيب القطاع الخاص شبهات الفساد وتعزيز النزاهة في تعاملاته البينية مع المؤسسات الرسمية، في الداخل والخارج.
ولفت المحيسن خلال ندوة نظمتها الهيئة في الربع الأخير من العام المنصرم تحت عنوان «الامتثال لتعزيز النزاهة في القطاع الخاص»، بمشاركة عدد من الخبراء المحليين والعالميين، أن تشجيع القطاع الخاص مؤسساته على الامتثال للأنظمة واللوائح والتعليمات والمعايير والممارسات المثلى، يُشكّل أحد المرتكزات الاستراتيجية التي تُبنى عليها جهود حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
30 مبادرة باستثمارات 1.7 تريليون ريال
ولي العهد يرعى أكبر برنامج لتحويل السعودية إلى قوة صناعية ولوجستية عالمية
تزامن الإعلان عن نهاية أعمال اللجنة المكلفة بمحاربة الفساد، مع إطلاق السعودية لأكبر برنامج لتطوير الصناعة من نوعه في المملكة ويستهدف تحويل السعودية إلى قوة صناعية متقدمة ومنصة لوجستية دولية.
وأطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ــ الشهر الماضي من فندق الريتز كارلتون بالرياض ــ أعمال برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الذي يرمي إلى تكامل قدرات أجهزة الدولة في المملكة، وجذب الاستثمارات المحلية والعالمية، من خلال أربعة قطاعات رئيسة هي الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجستية.
وأكد وزير النقل الدكتور نبيل بن محمد العامودي في كلمته خلال حفل الافتتاح أن عدد المبادرات التي يتم العمل عليها حالياً زادت على 300 مبادرة؛ موضحاً أن المحرّك الأساسي في البرنامج هو القطاع الخاص المحلي والدولي.
وأضاف العامودي أن البرنامج قام بدعم جميع مبادراته بمجموعة كبيرة من المحفزات لجذب استثمارات محلية ودولية بما يزيد على 1.7 تريليون ريال، لتسهم في تحقيق أهداف البرنامج، التي تتمثل في رفع مشاركة القطاعات الرئيسة الأربعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.2 تريليون ريال، وزيادة الإسهام في المحتوى المحلي إلى أكثر من 700 مليار ريال، وإيجاد 1.6 مليون وظيفة جديدة، إضافة إلى رفع حجم الصادرات السعودية إلى أكثر من تريليون ريال.
وأوضح العامودي أن العلامة الفارقة التي تميز برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، هي التكامل بين الجهات الحكومية ذات العلاقة، وروح الفريق والدعم المتبادل؛ كون هذا البرنامج هو نتاج جهود وتضافر 34 جهة، موضحاً أن مبادرات البرنامج ومشروعاته تحولت من أفكار إلى واقع ملموس.
وبحسب العامودي، بدأت المنصة اللوجستية بتبني الأنظمة الإلكترونية، وتعزيز توجه المملكة نحو التحول الرقمي، من خلال تدشين نظام للموانئ البحرية لضمان تبادل المعلومات بين جميع الأطراف المعنية بعملية الاستيراد والتصدير بشكل آمن وفعال، بما يعزِّز المكانة الاقتصادية والتنافسية.
وزاد أنه تم بدء العمل على التسهيلات ورفع الأداء اللوجستي؛ حيث تم تنظيم آلية عمليات الاستيراد والتصدير للسلع في الموانئ، بالتعاون مع الجمارك؛ مما أسهم في تقليل الوقت والتكلفة، ورفع مستوى الانتظام في العمليات؛ ما نتج عنه تخفيض مدة بقاء الحاويات من 14 إلى 5 أيام في الموانئ.
ومعلوم أن الجهود السابقة نتجت عن طرح مبادرات وتوقيع اتفاقيات بقيمة 165 مليار ريال تتعلق بالبرنامج على هامش منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار 2018»، بالإضافة إلى بدء أعمال الإنشاء في مجمع الملك سلمان للصناعات البحرية في مدينة رأس الخير الصناعية، وفي عدد من المشروعات الصناعية في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، وإطلاق مشروع مدينة الملك سلمان للطاقة، والوصول إلى اتفاق بخصوص مشروع تحويل النفط إلى بتروكيميائيات بين أرامكو السعودية وسابك، وإصدار ومراجعة عديد من الأنظمة والإجراءات، وتوفير عديد من الممكنات والمحفزات التمويلية وغيرها؛ بهدف تحسين بيئة الاستثمار.
من جهته، يرى جمال بنون في التزامن بين إعلان انتهاء حملة الفساد ومنتدى الصناعات والخدمات اللوجستية الإشارة إلى خيط رفيع أن السعودية قد أخذت العزم على أمرين مهمين: التخلي عن عوائد النفط تدريجياً كمصدر رئيس لها، وكذلك الاعتماد على أبنائها وبناتها ومجتمعها في بناء اقتصاد قوي وصحي يستطيع تحمل الصدمات الاقتصادية التي قد تحدث أو يتعرض لها عديد من الدول نتيجة أحداث سياسية أو اقتصادية، على سبيل المثال منتدى تطوير الصناعات والخدمات اللوجستية، الذي يسعى إلى توفير 11 صناعة منها السيارات، والعسكرية، والطبية، والاستزراع المائي والسمكي، لرفع صادرات السعودية لتصبح 50% منها غير صادرات نفطية.