تحليل

روسيا تهرب أكثر وأكثر من الدولار

تحاول روسيا والصين الابتعاد قدر المستطاع عن الدولار وزيادة التبادل التجاري بينهما بالعملات المحلية، هذا التبادل التجاري تخطى 100 مليار دولار في عام 2018 منها حوالي %15 تمت بعملتي البلدين، وذلك رغم التدهور الحاصل في سعر صرف الروبل الروسي في السنوات الأخيرة.

طبعاً النسبة مازالت ضعيفة، لكنها مستمرة في الارتفاع، رغم أن العملة الروسية كانت صاحبة رابع أسوأ أداء في العالم عام 2018م، وعلى الرغم أيضاً من المخاطر الكبيرة خصوصاً مع التذبذب القوي الذي تشهده العملة الروسية عند أي خبر سلبي يأتي من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات.

يذكر أن البيزو الأرجنتيني كان الأسوأ أداءً في العالم في 2018م، بعدما فقد أكثر من نصف قيمته والليرة التركية في المركز الثاني، بعدما فقدت بدورها حوالي ثلث قيمتها، وفي المركز الثالث الريال البرازيلي، الذي تراجع بنسبة %14 أمام الدولار، ثم بعده أتى الروبل فاقداً نسبة %13 من قيمته أمام الدولار أيضاً. طبعاً هنا لا نأخذ في الاعتبار عملة فنزويلا التي تدهورت بشكل دراماتيكي وأصبحت خسائرها خارج المقارنة مع عملات الدول الأخرى.

وواضح أن العقوبات الأمريكية على روسيا لها التأثير الأول على حركة أسعار الروبل، فمثلاً مع أي خبر عن أن هناك مشروع عقوبات جديدة أو حتى إبقاء القديمة دون أي تغيير، يتأثر سلبياً الروبل. وإذا نظرنا إلى الرسم البياني منذ عام 2014م، نجد أن الروبل تدهور بقوة مع انهيار أسعار النفط، بالتزامن مع العقوبات التي تلقتها روسيا بسبب الأزمة مع أوكرانيا. وحتى مع ارتداد أسعار النفط بعد ذلك، فإن سعر الروبل لم يتجاوب، بل بقي معظم الوقت في منطقة الستينيات أمام الدولار وبعيداً جداً عن مستويات معدل الصرف قبل عام 2014م عندما كان الدولار يتداول بين 34 و30 روبلاً.

 

روسيا تشتري مزيداً من الذهب، وتعلن في كل مرة عن مشتريات قوية، وتريد أن تنوِّع قدر المستطاع، فمثلاً اشترت 92 طناً من الذهب في الربع الثالث من عام 2018م، وكانت هذه أكبر مشتريات لها على الإطلاق، عدا عن ذلك أصبحت تتقدَّم أكثر وأكثر عن غيرها من الدول المتصدرة في ترتيب احتياطات المعدن الأصفر، فمعظم هذه الدول باستثناء الصين لا تزيد مقتنياتها من المعدن الأصفر مثل الولايات المتحدة، التي تملك الاحتياطي الأكبر، ولكن منذ أكثر من 35 سنة لا تقوم بأية حركة شراء أو بيع، والدول الأخرى التي في قائمة الترتيب مثل ألمانيا وإيطاليا بالكاد تكون مشترياتها محدودة، لا بل إنه في إيطاليا كان هناك طرح بيع قسم من الاحتياطي الأصفر من أجل سد قسم من العجز.

عدا الدول المتصدرة كان هناك نشاط كبير، فقد اشترت البنوك المركزية على مستوى العالم 651.5 طن من الذهب في عام 2018م، بزيادة %74 عن 2017م، حسب مجلس الذهب العالمي. أعود الى موضوع الروس والذهب، حيث أصبحت نسبته عندهم %19 من الاحتياطي الدولي بحصة ذهب تقدَّر بـ 91 مليار دولار، والاحتياطي الدولي يقترب من نصف تريليون دولار، عند حوالي 483 مليار دولار.

وفي عام 2018 اشترت روسيا كميات قياسية بلغت 274 طناً من الذهب، وهو رابع عام على التوالي تشتري فيه سنوياً أكثر من 200 طن، حتى تخطت مستويات الألفي طن لأول مرة في تاريخها وأصبح لديها 2113 طناً احتياطياً من الذهب، وساعدها في ذلك أنها قامت في فترة سابقة من السنة بتسييل حوالي 100 مليار دولار من سندات الخزينة الأمريكية، ولم يبق لديها سوى حوالي ما يعادل 14 مليار دولار، وخرجت بالتالي من قائمة كبار الدول التي تتملك في هذه السندات.

هذا التنويع المهم في احتياطاتها يشمل اللجوء أكثر إلى اليورو، والين، والعملة الصينية وبالطبع الذهب أيضاً. بالنسبة لعملية تسييل روسيا للسندات الأمريكية التي في حوزتها، لم تؤثر إطلاقاً على حركة سوق السندات، لأن رقم 100 مليار دولار يُعد بسيطاً، مقارنة بحجم سوق السندات الكبير.

ولكن في المقابل فإن وضع الصين مختلف، فهي تملك سندات بحوالي 1.13 تريليون دولار، وبالتالي فهي تملك 10 أضعاف ما تملكه روسيا، وبالتالي تختلف الأمور بشكل واسع، فالصين هنا أيضاً معنية بالمحافظة على استقرار السوق، بسبب النسبة التي تمتلكها، وهي أيضاً تقوم في بعض الأحيان بشراء السندات من أجل التأثير على معدل الصرف مع عملتها، وبالتالي ليست الأمور سهلة على الصين، مثلما حصل مع روسيا التي تمكنت من القيام بالتسييل بعملية واحدة هنا الوضع يختلف كلياً.

أيضاً حجم الاقتصاد الصيني يقترب من 10 أضعاف حجم الاقتصاد الروسي، وبالتالي طريقة التعامل مع أمريكا لن تكون نفسها، طبعاً لا ننسى العلاقة القوية بين البلدين، خصوصاً مع الصداقة والعلاقة الخاصة بين بوتين والرئيس الصيني، كما أن الصين هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وروسيا أكبر مورد للصين العام الماضي وأيضاً هذه السنة إلى الآن. أما في مجال الاحتياطات فالصين تمتلك أيضاً أكثر من 3 تريليونات دولار، تشكل نسبة حوالي %20 من ناتجها المحلي الإجمالي، وأكثر من 6 أضعاف ما تملكه روسيا، وتعطيها مرونة كبيرة للتعامل وضبط حركة عملتها عندما ترى أن ذلك مناسب لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.