يُعد البترول المصدر الأساسي في الدخل الوطني للمملكة، حيث يشكِّل أكثر من %60 من ميزانية الدولة الذي تعتمد عليه في مشاريع خطط التنمية الشاملة الخمسية، وذلك حسب ميزانية 2018م. وكلما زادت عائدات البترول، زادت وتيرة التنمية في المملكة، لكن تراجع سعر برميل البترول في منتصف الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، وكذلك خلال الأزمة المالية العالمية في 2008م لأسباب عديدة منها السياسية والاقتصادية أثَر في التنمية الاقتصادية.
وقد شهدنا هذا التأثير الحاد في 1986م عندما انخفض سعر برميل البترول دون 7 دولارات، ما دفع الحكومة إلى تأجيل بعض المشاريع التنموية حسب أولويتها، وبالتالي أثر ذلك على نمو القطاع الخاص الذي يعتمد بدرجة كبيرة على التمويل الحكومي السخي في المشاريع التي تنفذها الشركات السعودية. وكان للأزمة المالية العالمية الأخيرة 2008/2009م أثر كبير بعد انخفاض سعر برميل البترول من أعلى مستوى له في الربع الأول من 2007م عندما سجل 147.5 دولار ثم انخفض إلى مستوى 100 دولار في 2008م ثم إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل في بداية الربع الأخير من نفس العام.
زيادة مساهمة الإيرادات غير البترولية بحوالي %37 في ميزانية 2018م قلل نسبياً من الاعتماد على الإيرادات المتذبذبة للبترول. المعلومات تشير إلى أن المملكة ستخفض الاعتماد على إيرادات البترول إلى %50 بحلول 2020.
العلاقة قوية بين سعر برميل البترول ومعدل نمو الاقتصاد الوطني، لذا ينسب الاقتصاديون «اقتصاد السلة الواحدة» للاقتصاد السعودي، لكن هذه العلاقة ستضعف بالتدريج عندما تتسع وتتنوع القاعدة الاقتصادية للمملكة، وكذلك بعد تزايد عدد الشركات السعودية العملاقة. والشراكات الاقتصادية مع دول وشركات عالمية. المشاريع المتنوعة المشتركة تقلل من نسبة المخاطر وتفتح خيارات عديدة أمام الدولة والمواطنين، ما يقلل من التأثير السلبي لتراجع عائدات البترول، خاصة تأثيره على سوق الأسهم السعودية الذي يتذبذب عادة بتذبذب سعر برميل البترول.
وقد كانت السبعينيات الميلادية من القرن الماضي بداية الفكر الاستراتيجي الاقتصادي للتنويع والشراكات الاقتصادية العالمية في المملكة عندما بدأت الحكومة ترسم وتنفذ الخطط الاقتصادية في قطاع الصناعات البتروكيماوية في الجبيل وينبع للاستفادة من البترول الخام في صناعة المنتجات البتروكيماوية المتعددة التي تقوم سابك بتسويقها إلى مختلف دول العالم، وذلك بالتعاون مع شراكات اقتصادية أجنبية متعدِّدة الجنسيات.
ولم يكن التفكير في المشاريع البتروكيماوية المشتركة صدفة، بل كانت النظرة الاستراتيجية الصحيحة تشير إلى أهمية قيام صناعات كيميائية وبتروكيماوية تستمد قوتها التنافسية من كون المملكة أكبر دولة منتجة ومصدرة للبترول في العالم، ناهيك عن امتلاكها لأكبر احتياطي نفطي عالمي.
تقدَّمت المملكة كثيراً في الشراكات الاستراتيجية مع عديد من الشركات في الدول الصناعية المتقدمة، ومن أهمها الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا والصين وكوريا الجنوبية وفرنسا. كانت خطوة الشراكات ناجحة فقد نقلت قطاع البتروكياويات في المملكة إلى مركز متقدم عالمياً، حيث تتربع سابك على المركز الرابع عالمياً بالرغم من حداثتها في هذه الصناعة.
واليوم تستحوذ سابك على حصة تنافسيبة كبيرة في سوق البتروكيماويات العالمية، حيث تُعد من الشركات البتروكيماوية المنافسة لكبرى الشركات العالمية. وقد تعدت سابك كونها شركة وطنية، لتصبح ضمن الشركات المتعددة الأوطان منذ حوالي الثلاثة عقود. وتتضح هذه النظرة الاستراتيجية في تصريحات المسؤولين في سابك، حيث يفكرون عالمياً ويعملون محلياً. وقد فتحت السياسات البترولية في المملكة الفرصة لسابك لبناء شراكات وتعاون وتآزرات عالمية مع الشركات الأجنبية العملاقة في مجال البتروكيماويات في أوروبا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الصناعية الصديقة.
وكما هي الحاجة للتحالف بين سابك والشركات الأجنبية في مجال البتروكيماويات فإن عديداً من الشركات السعودية تبحث في السوق العالمية عن شركاء استراتيجيين يساندونها وتساندهم بشكل تآزري لما فيه مصلحة الطرفين. وتنبع الحاجة للتحالف مع شريك استراتيجي أجنبي من المعرفة الكافية لسوقه وثقافته وسياساته الحكومية وطبيعة اقتصاده وزبائنه وغيرها من أسباب التسويق الناجح.
اختيار الشريك الأجنبي مهمة صعبة، لما يحيط بهذه الشراكة من مخاطر استغلال أحد الطرفين للآخر، ومعرفته بمزاياه التنافسية والاستفادة منها ضده عندما ينتهي التحالف بينهما لأي سبب من الأسباب، لذلك يجب أن تكون صفة الشراكة والتحالف بصيغة قانونية تحمي الطرفين. ولا يتسع المجال هنا للحديث عن هذا الجانب المهم في الشراكات والتحالفات الاقتصادية.