نافذة

الذكاء الاصطناعي ومستقبل الأعمال التقليدية

أصبح الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته من الموضوعات الساخنة والمثيرة للجدل في الساحتين الاقتصادية والتكنولوجية والمعلوماتية والسبرانية، خاصة تأثيره في انقراض معظم الوظائف التقليدية التي تعتمد على العنصر البشري بنسبة كبيرة، ما يؤدي إلى الاستغناء عن كثير من الموظفين في صناعات كثيرة تستقطب مئات الملايين من البشر حول العالم، وقد زادت تطبيقاته بوتيرة سريعة وواسعة وكبيرة في السنوات العشر الأخيرة في الصناعات التقليدية مثل صناعة السيارات والمعدات الثقيلة، حيث نرى دوره اليوم في تطور الخط الإنتاجي الآلي في صناعة سيارات تويوتا وجنرال موتورز وكرايسلر وفورد وغيرها من شركات إنتاج السيارات. وقد تبنته شركة سيارات رولزرويس لتلبية الطلبات المتزايدة لأن الصناعة اليدوية التقليدية ليست سريعة.

وستكون قيادة السيارة باستخدام الذكاء الاصطناعي من غير سائق من التطبيقات الثورية في عالم السيارات، وستتوفر قريباً في الأسواق ليصبح سائقها بلا وظيفة، ما يفرض عليه تطوير مهاراته للتحول إلى وظائف الذكاء الاصطناعي ليبقى في سوق العمل محافظاً على مصدر رزقه، وهنا تبرز أهمية مواكبة التطوير والتغيير وليس مقاومته.

ويتوقع بعض المنظِّرين أن يكون للذكاء الاصطناعيArtificial Intelligence الأثر السلبي على الوظائف التقليدية من حيث اختفائها بعد سيطرة تطبيقاته، لكنني أتوقع أن تولد وظائف أخرى تعتمد على العقل البشري في هذا المجال الجديد. وقد كان هذا الخوف سائداً في الخمسينيات من القرن الماضي عندما دخل الحاسوب في الصناعات، حيث تخوف كثيرون منه لأنهم اعتقدوا أنه سيخطف الوظائف منهم، فقاوموا استخدامه، لكنه شجَّع صناعات تقليدية كثيرة على استقطاب الملايين من الناس حول العالم، بل أسهم في سرعة وجودة الإنتاج.

ومن الطبيعي أن يتوقع بعض المنظِّرين أن يكون للذكاء الاصطناعي الأثر السلبي على الوظائف التقليدية من حيث اختفائها بعدما تختطفها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لكنني أتوقع أن تتولد وظائف أخرى في هذا المجال الجديد، وربما أكثر من الوظائف التقليدية التي اختفت بسببه. وهذا التفكير كان سائداً في الخمسينيات من القرن الماضي عندما دخل الحاسوب في الصناعة والتجارة والمعلوماتية، حيث تخوف كثيرون من أنه سيخطف الوظائف فقاوموا استخدامه في كل مكان آنذاك، لكن اليوم فإن الحاسوب خلق صناعات كثيرة استقطبت الملايين من الناس حول العالم.

ولو سلّمنا بصحة ودقة المعلومات التي وردت في كلمة الاقتصادي ورجل الأعمال الألماني الشهير كلاوس شواب لاستشرفنا ارتفاع معدل البطالة في الدول النامية والدول الأقل نمواً التي سيجتاحها طوفان الذكاء الاصطناعي لعدم قدرتها على المنافسة في هذا المجال، حيث ستتأثر قطاعاتها الصناعية والتجارية التقليدية من تدني الجودة وتراجع المنافسة ونمو معدل البطالة. ومن المؤكد أن جودة الحياة ستتطور وتصبح أفضل مما هي عليه اليوم إذا استغل الذكاء الاصطناعي لخير البشرية.

لذا فإنه يتحتم على الموارد البشرية التقليدية تنمية مهاراتها التكنولوجية والمعرفية والتوجه نحو الوظائف التي تتطلب مهارات الذكاء الاصطناعي. فكونوا مبادرين ومبتكرين ومبكرين قبل تزايد انتشار اقتصاد الذكاء الاصطناعي وسيطرته على الساحة الصناعية والتجارية والاقتصادية. وأرى أهمية مواكبة الموظفين من ذوي المهارات التقليدية للتطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي والعقل الروبوتي «الآلي» حتى يبقوا في سوق العمل مدة أطول.

وسيكون للمتخصصين في تحليل المعلومات والبيانات فرصة كبيرة في سوق العمل الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. وقد استحدث كثير من الجامعات برامج في الذكاء الاصطناعي وأخرى ذات علاقة به مثل مقرر تحليل البيانات، حيث تعد كلية الأعمال بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن من الكليات المهتمة بتحليل البيانات والمعلومات والتسويق الرقمي، حيث استحدثت مقررات جديدة ذات علاقة بالذكاء الاصطناعي.

أما على مستوى الإعلام والدعاية التقليدية فإن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة في هذا المجال حيث أصبحت الوسائل التقليدية للإعلام والدعاية والإعلان في طريقها إلى الانقراض. وقد لاحظنا كثرة الإعلانات التجارية للأفراد والمؤسسات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثل السناب تشات والإنستجرام واليوتيوب، حيث لم تعد الصحف الورقية والتليفزيون والراديو من قنوات الإعلان الجاذبة للشركات والأفراد. وقد تراجعت إيرادات وأرباح كثير من الشركات العالمية المتخصصة في قنوات الإعلان التقليدية بسبب الذكاء الاصطناعي الذي فتح الآفاق للمعلنين من خلال قنوات أقل تكلفة وأكثر جودة وتغطية حول العالم، لذلك يتحتم على الشركات المتخصصة في الإعلانات والدعاية مواكبة الذكاء الاصطناعي للاستمرار في صناعة الدعاية والإعلان وإلا فإنها ستخرج من هذا السوق بتكلفة باهظة وهي الإفلاس.

في الختام على الشركات مواكبة التطور في صناعة الذكاء الاصطناعي، ناهيك عن أهمية تطوير المعرفة والمهارات للموارد البشرية في هذا المجال للمحافظة على وظائفهم أو للتكيف مع الوظائف الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. كثير من الأعمال بدأت في التحول إلى «الرقمية» تماشياً مع متطلبات الصناعة والتكنولوجيا بما يتناسب مع الذكاء الاصطناعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.