تقرير

أنماط التجارة العالمية تتغيّر.. السعودية إلى زمن الاقتصاد الإلكتروني

القصبي: نظـام التجارة الإلكترونية يعزِّز اقتصاد المملكة ويواكب التغيرات في أنماط التجارة العالمية

الحربي: انضمام المملكة لمنظمة التجارة الإلكترونية فرصة واسعة لدخول الأسواق الخارجية

الرشيد: العمل طوال اليوم سينعش إنتاجية المنشآت الصغيرة والمتوسطة ويدعم قدرتها على المساهمة في الناتج الإجمالي

دشَّنت المملكة مؤخراً عهداً جديداً للاقتصاد الإلكتروني، برفعها الستار عن نظام التجارة الإلكترونية الذي يحوي تشريعات وأنظمة وقوانين تحفظ حقوق الأطراف المتعاملة وتضمن لهم مرجعية قانونية متكاملة؛ مشرّعة بذلك الأبواب نحو الانطلاقة بعمليات التجارة من خلال الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة مما يبشِّر بطفرة مقبلة تدفع الشركات والأفراد للاستفادة منها.

وعلى صعيد تجاري آخر، أعلنت السعودية عن موافقتها بالسماح لمزاولة الأعمال التجارية طوال 24 ساعة في اليوم، في خطوة اعتبرتها شرائح قطاع الأعمال بأن من شأنها أن تكون محفِّزة لقطاعات الأعمال المختلفة وتتواكب مع تطلعات التنمية الاقتصادية.

وقد أجمع الاقتصاديون والخبراء والأكاديميون على أن قرار مجلس الوزراء بالموافقة على «نظام التجارة الإلكترونية» يدخل بالتجارة السعودية «عهداً» جديداً يواكب التغيّرات المتلاحقة في أنماط التجارة العالمية، ويُعزّز قدرات الاقتصاد الوطني في مواجهة التحديات التي يشهدها الاقتصاد الدولي، مؤكّدين أن الاقتصاد الوطني سيشهد عديداً من النتائج والآثار الإيجابية لقرار مجلس الوزراء في الفترة المقبلة، مُشيرين إلى أن هذه النتائج ستشمل عديداً من المجالات والقطاعات الاقتصادية، وأن مردودَها سيكون سريعاً فيما يتعلق بتحفيز عديد من القطاعات الاقتصادية.

في الوقت نفسه، رحّبت دوائر الأعمال بقرار السّماح بمزاولة الأعمال التجارية طوال الـ 24 ساعة يومياً، منوّهة بنتائجه الإيجابية.. «الاقتصاد» تستعرض أبرز ملامح تلك التطورات وانعكاساتها المتوقّعة.

قانون التجارة الإلكترونية

أعلن مجلس الوزراء في يوليو الماضي عن قراره على التوصية المعدة في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالموافقة على نظام التجارة الإلكترونية. وعلَّق وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي على موافقة مجلس الوزراء إقرار نظام التجارة الإلكترونية بأنها «مرحلة تاريخية» جديدة في الاقتصاد الوطني، من شأنها تعزيز مكانته وقدرته على مواكبة كافة المتغيرات والأنماط التجارية الحديثة في العالم.

الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي

ويؤكد القصبي أن النظام يهدف لتعزيز موثوقية التعاملات التجارية، وتحفيز أنشطة التجارة الإلكترونية وتطويرها، وحماية المستهلكين من الغش أو الخداع أو التضليل وحفظ جميع الحقوق، موضحاً أن تعزيز منظومة أعمال التجارة الإلكترونية أحد أهم أهداف برنامج التحوُّل الوطني الداعمة لتحقيق رؤية المملكة 2030.

ووفقاً للتعريفات الرسمية لمصطلح التجارة الإلكترونية، فإن التعريفات تنصبُّ على أن مضمونها يشمل السوق المفتوحة على مدار الساعة أمام المتسوق الإلكتروني للوصول إلى كافة السلع والخدمات، بخيارات متنوعة في بيئة تتسم بالشفافية وتحظى بتنافسية عالية لكسب ثقة المستهلك، فيما تذهب تعريفات أخرى إلى أنها «كل التعاملات الإلكترونية ذات النشاط الاقتصادي الذي يهدف لبيع أو تبادل منتجات أو خدمات، أو الإعلان عنها، أو تبادل البيانات الخاصة بها».

وتُعرِّف وزارة التجارة والاستثمار مصطلح «التجارة الإلكترونية» بأنها نشاط ذو طابع اقتصادي يباشره موفِّر الخدمة والمستهلك – بصورة كلية أو جزئية – بوسيلة إلكترونية؛ من أجل بيع منتجات أو تقديم خدمات أو الإعلان عنها أو تبادل البيانات الخاصة بها.

سوق عالمية وسعودية عملاقة

وتمثل سوق السعودية إحدى أكبر الأسواق في المنطقة العربية والشرق الأوسط من حيث الشراء عبر الإنترنت وتفعيل أدوات البيع عبر القنوات الإلكترونية، ووفقاً للبيانات المتاحة في هذا الصدد تمثل السعودية واحدة من أعلى 10 دول نمواً في مجال التجارة الإلكترونية في العالم، حيث ارتفعت بمعدل %32 إلى 80 مليار ريال خلال عام 2018م. ووفقاً لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العامة للإحصاء، ارتفع التسوق عبر الإنترنت إلى %49.9 ليصل متوسط حجم الإنفاق للفرد السعودي عبر الإنترنت إلى 4 آلاف ريال. ويبلغ حجم السوق العالمية للتجارة الإلكترونية حالياً قرابة 30 تريليون دولار.

رئيس غرفة الشرقية: العمل 24 ساعة يحقق مساعي رؤية 2030 نحو بيئة اقتصادية تنافسية

العجلان: نشاط البيع وزيادة هوامش الأرباح إيجابيات منتظرة من تطبيق العمل باليوم الكامل

«مكافحة التستر»: البدء بإلزام منافذ بيع الأنشطة التجارية تدريجياً باستخدام وسائل الدفع الإلكترونية

«مدى»: العمليات المالية المنفذة إلكترونياً ارتفعت %47 خلال النصف الأول إلى 136 مليار ريال

النظام: تفاصيل وأحكام

اشتمل النظام على 26 مادة تصبُّ في محتواها على الحماية اللازمة لتعاملات التجارة الإلكترونية من الغش والخداع والتضليل والاحتيال، بما يحفظ حقوق التاجر والمتسوق الإلكتروني معاً.

ويشدد النظام في محتوياته على ضرورة الإفصاح عن مقر عمل موفِّر الخدمة المحدد في السجل التجاري، وإذا لم يكن لممارس النشاط مقر عمل يؤخذ بمحل إقامته، باعتباره ممارساً لعمل التجارة الإلكترونية، حيث سيكون ملزماً بأحكام والتزامات المهن المرخصة التي تتطلب ترخيصاً أو تصريحاً لممارستها.

عبدالرحمن بن أحمد الحربي

ويُعد نظام التجارة الإلكترونية هو الأول من نوعه الذي ينظم العلاقة بين المستهلك والممارس للتجارة الإلكترونية، من الأشخاص الذين لا يملكون سجلات تجارية ويزاولون النشاط، وذلك بإلزامهم بتحديد مقار عملهم، وإيضاح البيانات الخاصة بهم عبر المتجر الإلكتروني، وضمان حماية بيانات المستهلك وخصوصيته، وتوثيق نشاطهم التجاري من خلال إحدى منصات توثيق المتاجر الإلكترونية.

ويفرض نظام التجارة الإلكترونية على موفري الخدمات تقديم بيانات للعقود الإلكترونية توضح فيها أحكام العقد وشروطه، والإجراءات الواجب اتباعها، وتفاصيل الأسعار، وترتيبات الدفع والتسليم والتنفيذ والضمان إن وجد وغيرها. إضافة لذلك، يؤكد النظام على حق الاسترجاع أو إلغاء العملية، كما ينظم حق المستهلك في استرجاع المنتج خلال 7 أيام في حال عدم الاستخدام أو الاستفادة من الخدمة أو الحصول على المنفعة من أي منها، ويُستثنى من ذلك حالات معينة حددها النظام أبرزها: كون المنتج مصنع بطلب المستهلك، أو يندرج ضمن خدمات الإيواء أو النقل أو الإطعام وغيرها.

ويعالج النظام مشكلة التأخير في تسليم المنتجات أو الحصول على الخدمات حيث يعطي المستهلك حق إلغاء العملية الشرائية إذا تأخر موفر الخدمة في التسليم أو التنفيذ لأكثر من 15 يوماً.

وحول ملف الإعلانات والترويج، ينظم النظام سوق الإعلانات التجارية الإلكترونية لحماية المستهلك من الإعلانات المخالفة أو المضللة، ويلزم بإزالة المخالفة أو سحب الإعلان عند الإبلاغ عنه. علاوة على ذلك، أوكل النظام لوزارة التجارة والاستثمار مهمة الإشراف على قطاع التجارة الإلكترونية، وإصدار القواعد اللازمة لتنظيمه بما يعزز دور التجارة الإلكترونية ويحمي سلامة التعاملات بها، ويشمل ذلك تنظيم جهات توثيق المتاجر الإلكترونية والمنصات الإلكترونية التي تؤدي دور الوساطة بين موفر الخدمة والمستهلك.

وفيما يتعلق بمخالفات أحكام النظام، شدَّد النظام على تشكيل لجنة أو أكثر للنظر في مخالفات أحكام النظام أو لائحته التنفيذية، ومعاقبة المخالف بواحدة أو أكثر من العقوبات التالية: الإنذار، إيقاف مزاولة النشاط «مؤقتاً أو دائماً»، حجب المحل الإلكتروني «جزئياً أو كلياً»، غرامة مالية تصل إلى مليون ريال.

التجارة الإلكترونية: تهيئة خطوات

وكانت السعودية اعتنت بملف التجارة الإلكترونية منذ فترة طويلة، توجتها في يوليو 2018م بإعلان جهاز حكومي مستقل تمثل في مجلس التجارة الإلكترونية، ليكون منصة تنطلق عبرها الجهود المتكاملة لجميع الجهات الوطنية ذات العلاقة.

ويضم المجلس 13 ممثلاً لجهات حكومية مختلفة و3 يمثلون جهات مختلفة من القطاع الخاص، فيما يتولى مجلس التجارة الإلكترونية مهام اقتراح سياسات التجارة الإلكترونية وتشريعاتها والإشراف على برنامج «تحفيز التجارة الإلكترونية»، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لمنع الازدواجية، والتخلص من العوائق التي تواجه التجارة الإلكترونية، وضمان التنفيذ الفاعل لمشاريع برنامج «تحفيز التجارة الإلكترونية» وتوصياته.

ويجسد إقرار المجلس خطوة استراتيجية لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 لخلق اقتصاد متنوع، وتأسيس بيئة استثمار جاذبة، وبيئة حاضنة لريادة الأعمال ومولدة لفرص العمل، إذ تعمل المملكة على إكمال مسيرة التقدُّم في مؤشر التجارة الإلكترونية باحتلالها المرتبة 35 بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في نهاية عام 2020م.

ويعمل المجلس على تنفيذ 39 مبادرة متنوعة تسهم في تطوير البنية التحتية للتجارة الإلكترونية ودعم الأنظمة والتشريعات المتعلّقة بها، وتمكين نظم المدفوعات والخدمات البريدية واللوجستية وتحفيز الإبداع في عدد من المجالات وتقديم حزمة من الخدمات التي تمكّن المنشآت المتوسّطة والصغيرة من الدخول بالمجال.

ولم يقتصر اهتمام المملكة على التنظيم الداخلي للتجارة الإلكترونية، بل حتى على صعيد المنظمات الدولية، إذ بادرت بالانضمام في يونيو الماضي إلى عضوية مجموعة دول البيان الوزاري المشترك للتجارة الإلكترونية بمنظمة التجارية العالمية، وذلك بعد صدور الموافقة السامية في هذا الشأن، كما جاء في بيان أعلنته الهيئة العامة للتجارة الخارجية.

راشد الفوزان
صالح الرشيد
الدكتور عبدالله بن ربيعان

وأوضح محافظ الهيئة العامة للتجارة الخارجية عبدالرحمن بن أحمد الحربي أن انضمام المملكة إلى هذه المجموعة يأتي لإسهامها في إيجاد فرص جديدة للنفاذ إلى الأسواق الخارجية، وتعزيز اندماج القطاع الخاص في سلاسل القيمة العالمية، وتنمية صادرات المملكة من السلع والخدمات، في ظل التطور الكبير للبنية التحتية التقنية والتنظيمية في المملكة.

الأرقام تتحدث

وتحكي الأرقام واقع الاهتمام بالتجارة الإلكترونية وشغف السعوديين بالتعامل عبر المنصات الإلكترونية، حيث توضح البيانات الرسمية أن السجلات التجارية لنشاط التجارة الإلكترونية زادت %64 خلال 2018م، حيث بلغ إجمالي السجلات التجارية القائمة لنشاط التجارة الإلكترونية 9148 سجلاً.

وأوضحت وزارة التجارة أن هذا النمو يأتي تزامناً مع الإصلاحات والتحسينات التي خضع لها قطاع الأعمال خلال الفترة الماضية وإجراءات تسهيل بدء النشاط التجاري التي عملت عليها الوزارة بالتعاون مع عدد من الجهات ذات العلاقة، وكذلك تم الربط مع عدد من الجهات الحكومية بحيث أتاحت إصدار السجل التجاري وملف العمل والتأمينات الاجتماعية وملف الزكاة والدخل والرخصة البلدية من خلال منصة إلكترونية واحدة (مراس).

الدفع الإلكتروني يتنامى

وتأتي وسائل الدفع الإلكتروني محوراً جوهرياً في عناية الدولة بملف التجارة الإلكترونية، إذ جاء حراكها واضحاً من خلال التشجيع للسداد عبر الأنظمة المالية وزيادة فرص السداد والتعامل المالي عبر الوسائل الإلكترونية، إذ أعلن البرنامج الوطني لمكافحة التستر خلال يوليو 2019م عن البدء تدريجياً بإلزام جميع منافذ البيع بمختلف الأنشطة التجارية باستخدام وسائل الدفع الإلكتروني، بما يتيح للمستهلك حرية استخدام وسائل الدفع المختلفة، إضافة إلى النقد، وذلك ضمن مبادرة البرنامج «إلزام المتاجر ومنافذ البيع بالدفع الإلكتروني».

وأكد البرنامج البدء في متابعة التطبيق بالتنسيق والتعاون مع وزارة التجارة والاستثمار ووزارة الشؤون البلدية والقروية ومؤسسة النقد العربي السعودي تدريجياً، ابتداءً من منتصف يوليو الماضي، وذلك عبر إلزام محطات الوقود ومراكز الخدمة التابعة لها بتوفير الخدمات الإلكترونية، على أن يتم تنفيذ القرار بشكل كامل على كافة الأنشطة التجارية بتاريخ 25 أغسطس من العام 2020.

وستقوم وزارة التجارة والاستثمار بدورها في مراقبة توفير واستخدام وسائل الدفع الإلكتروني في منافذ البيع، وتلقي ومباشرة بلاغات المستهلكين في حال عدم توفر الخدمة أو الامتناع عن تمكين المستهلك من استخدامها، وتطبيق أقصى العقوبات النظامية على المنشآت غير الملتزمة، فيما تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية متابعة التزام أنشطة البقالات والتموينات والمنشآت التي تقوم بمراقبة نظامية أعمالها واعتمادها لطلبات الترخيص الجديدة.

إلى ذلك، سجلت آخر بيانات رسمية حول نظام المدفوعات الوطني «مدى» للنصف الأول من العام الجاري أرقاماً قياسية في سجل العمليات المنفذة عبر أجهزة نقاط البيع، بارتفاع يبلغ %47، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، إذ بلغ إجمالي العمليات المنفذة في النصف الأول من العام الجاري 688.4 مليون عملية، بقيمة إجمالية فاقت 136.7 مليار ريال.

وأوضح النظام، أن هذه الأرقام تشكل امتداداً لما تشهده خدمة نقاط البيع من نمو شهري متصاعد في عدد العمليات للأعوام الثلاثة السابقة، مقارنة بعدد العمليات المنفذة من خلال أجهزة الصرف الآلي، وهو ما يعكس توسع الاعتماد على عمليات الدفع الإلكتروني بين سكان المملكة، وتقلص الاعتماد على المدفوعات النقدية أو الحاجة إلى السحوبات من الصراف الآلي.

الانعكاس المنتظر

يرى الأكاديمي والمستشار الاقتصادي الدكتور عبدالله بن ربيعان أن إقرار نظام التجارة الإلكترونية في المملكة من أهم الأنظمة التي تضبط انفلات السوق الإلكترونية وإعلاناتها ومشاهيرها، وتحمي أطراف السوق كافة من أي تجاوزات وبما يحفظ حقوق الجميع، لافتاً إلى أن العمل على تطبيقه سيبدأ بعد صدور لائحته التنفيذية بعد 90 يوماً.

وبلغة الأرقام – يوضح ابن ربيعان – أن تفاعل السعوديين بالتقنيات والتعامل عبر التكنولوجيا مرتفع جداً مستدلاً بالعارضين المسجلين على منصة المتعاملين بالتجارة الإلكترونية في السعودية «معروف» حيث بلغ العدد 32 ألف منشأة تتعامل بالبيع والشراء الإلكتروني.

ويجزم ابن ربيعان بأن الأرقام ستتضاعف بسرعة فائقة خلال الفترة المقبلة، بعد إقرار نظام التجارة الإلكترونية، مفيداً أن الزمن اليوم هو زمن الإلكترون وتطبيقات البيع والتوصيل التي تشهد تضاعفاً بين ساعة وأخرى، مستبعداً بقاء منشأة مهما كبرت أو صغرت بلا موقع ومنفذ للبيع الإلكتروني.

ويشدد الأكاديمي الاقتصادي أن ضبط سلوكيات هذه السوق وضمان العدالة والشفافية للمتعاملين عامل جوهري، مؤكداً أن صدور هذا النظام يُحسب لوزارة التجارة التي تسبق نظيراتها من الأجهزة الحكومية، فيما يتعلق بتحديث الأنظمة والاستفادة من التقنية بمسافات بعيدة.

من ناحيته، يلفت الكاتب الاقتصادي راشد الفوزان إلى تحد ماثل يقف أمام توجه الدولة نحو فتح أبواب التجارة الإلكترونية، إذ أورد بأن اللوجستيات ستكون الحلقة المكملة لاكتمال مبادرة التجارة الإلكترونية.

وقال الفوزان في طرح له بعنوان: «التجارة الإلكترونية حتى تكتمل»: «ما يجب أن ينظر له لاستكمال نجاح التجارة الإلكترونية بأفضل صورها بالمملكة، هي شركات التوصيل والنقل للسلع بالمملكة»، مشيراً إلى أن السوق يعاني من شح شركات النقل اللوجستية للتوصيل، مما يجعلها وقت ذروة السوق كرمضان أو الأعياد أو غيرها، في حالة استنفار لا يمكن لها أن تلبي طلبات الشركات.

وطالب الفوزان برفع مستويات هذه الشركات وزيادة عددها لمزيد من المنافسة والخدمات ولكي تلبي حاجة السوق بالوقت والمكان المناسبين بالإضافة إلى تعزيز خفض تكلفة للنقل مع رفع عدد الشركات التوصيل مع خدماتها والتي ستصب في مزيد من المنافسة ورفع مستوى الخدمة.

العمل طوال اليوم

وفي صدد مقارب، وافق مجلس الوزراء في يوليو المنصرم على السماح للأنشطة التجارية بمزاولة العمل 24 ساعة وذلك بمقابل مالي تحدده وزارة الشؤون البلدية والقروية. وجاء توجه الدولة نتيجة لتوقعات أن يسهم قرار مجلس الوزراء في زيادة الإنفاق الاستهلاكي في السعودية، بما يقارب 90 إلى 100 مليار ريال سنوياً، بفضل إتاحة خيارات استهلاكية أكبر أمام المواطنين والمقيمين.

وقال وزير الشؤون البلدية والقروية المكلف الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي إن صدور قرار السماح للأنشطة التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة، سينعكس إيجاباً على رفع مستوى رضا سكان المدن وفتح آفاق جديدة لقطاع الأعمال بمختلف شرائحه.

    68  مليار ريال إجمالي العوائد المقدرة من قطاع المطاعم والمأكولات عند العمل الليلي

الفوزان: اللوجستيات تحدِّ ماثل أمام نشاط التجارة الإلكترونية ودعوة إلى زيادة شركات التوصيل

باعشن: قرار مزاولة العمل باليوم الكامل يساير آليات الأسواق الحرة وفتح المنافسة ومنع الاحتكار

ويستند قرار الدولة على التجارب العالمية التي أثبتت أن تنظيم السماح بمزاولة الأعمال التجارية لمدة 24 ساعة، ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الكلي للدولة من خلال نمو الطلب على السلع والخدمات وتحفيز الإنفاق الاستهلاكي واستقطاب الاستثمارات الرأسمالية، وتمكين عديد من القطاعات كالترفيه والسياحة والنقل والاتصالات.

وفي تصريحات صحفية، يرى محافظ هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت» المهندس صالح الرشيد إن قرار مجلس الوزراء سينعش إنتاجية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ويزيد من معدلات توظيف الكوادر البشرية ويعزز جودة الحياة في مختلف مدن المملكة ويحقق أهداف الرؤية التي تتطلع لرفع نسبة مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي من 20 إلى %35.

وأضاف الرشيد أن القرار يؤكد الاهتمام بتلبية حاجة المستهلك في مختلف الأوقات، كما يُعد نقلة نوعية لاقتصادات عدة مثل أنشطة التسويق ومبيعات التجزئة والترفيه وغيرها، لافتاً إلى أن طبيعة الحياة التجارية ستبدأ تدريجياً في تغير إيجابي بعد تطبيق هذا القرار، وذلك من خلال الوصول إلى جودة حياة فرد متغيرة في مدينة تعمل على مدار الساعة.

بيانات استدلالية

وبالرغم من تجاذب الآراء والأطروحات حيال ملف استمرار العمل منذ سنوات تحت قبة الشورى وبين المختصين الاقتصاديين والاجتماعيين، إلا أن دراسات الدولة المستفيضة حول النتائج المتوقعة من هذا القرار جاءت منطقية ومقنعة، إذ تقدر نسبة مساهمة الآثار الاقتصادية لهذا القرار بنحو %0.3 مع تقدير ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لقطاع السياحة بنسبة %3.2، وزيادة القيمة الاقتصادية لقطاع الترفيه بنسبة %9، وكذلك زيادة الإنفاق الاستهلاكي بما يقارب 100 مليار ريال سنوياً، فضلاً عن تنوع الخيارات المتاحة للمستهلكين وفي أوقات مختلفة من اليوم، كما سيسهم في ضبط معدلات التضخم، يضاف إلى ذلك زيادة حجم إجمالي أعمال المطاعم بنحو %11 أي بما يعادل 68 مليار ريال سنوياً.

وبحسب الدراسات الحكومية المعدة لهذا القرار، فالقطاعات المستفيدة هي التجزئة حيث ستنمو بنسبة %17، والنقل بـ%14، والخدمات الاجتماعية بـ%14 والمالي بـ%10، والاتصالات بـ%10، والعقارات بـ%10، والإسكان بـ%7، والمقاولات بـ %4، والطاقة بـ%4، والصناعة بذات النسبة والتعدين غير النفطي بـ%3، والزراعة بـ%3.

الربيعان: المتعاملون ستتضاعف أعدادهم قريباً ومطالب بمزيد من ضبط انفلات السوق الإلكترونية

نمو عمليات التجارة الإلكترونية السعودية %32 بقيمة 80 مليار ريال خلال 2018

التسوق عبر الإنترنت يزداد %50 في السعودية و4 آلاف ريال متوسط إنفاق الفرد

السجلات التجارية لنشاط التجارة الإلكترونية زادت %64 في المملكة خلال 2018

اقتصاديات وتجارب

ووفقاً للدراسات حول هذا التوجه، يتضح أن اقتصاديات العمل لساعات متأخرة، كما يصطلح عليها، يكون لها تأثير على قطاعات رئيسة وغير رئيسة ذات العلاقة، حيث الرئيسة ترتكز على أنشطة كالمقاهي والأندية الاجتماعية، والترفيه وصالات الألعاب ودور السينما والمنشآت الرياضية، ومطاعم الوجبات السريعة، بينما غير الرئيسة وذات العلاقة غير المباشرة كقطاع الإيواء السياحي من فنادق وشقق مفروشة، والتجزئة من تموينات غذائية وإلكترونيات وصيدليات ومحطات وقود، وقطاع الدعاية والإعلان، في حين القطاعات غير المباشرة والداعمة باقتصاديات القرار تتمثل في الرعاية من أمن وصحة، والبنية التحتية في جمع النفايات والرقابة، والنقل والمواصلات وشركات الأجرة.

وتشير تجارب الدول إلى نجاح الآثار الاقتصادية المتوقعة، إذ تجذب تجربة لندن الأنظار لها، حيث تمكنت من رفع القيمة الإجمالية المضافة لاقتصاد المملكة المتحدة في عام 2014م بنحو 29 مليار دولار وهو ما يعادل %6 من إجمالي الاقتصاد. أما نيويورك الأمريكية فاستطاع هذا النوع من العمل إيجاد 300 ألف فرصة وظيفية وإضافة 10 مليارات دولار لاقتصاد هذه المدينة، في حين نجحت تجربة مدينة سيدني الأسترالية في توفير مليون وظيفة في قطاعي الترفيه والسياحة.

ارتفاع الإنفاق الاسـتهلاكـي إلى 100 مليار ريال سنوياً بعد مزاولة العمل 24 ساعة

حجب المتجر الإلكتروني وغرامة مليون ريال بين عقوبات المخالفين للنظام

9150 سجلاً تجارياً مرخصة للعمل بالتجارة الإلكترونية حتى نهاية العام الماضي

قطاع الأعمال مستبشر

جاء صدى هذا القرار مبشراً بديناميكية جديدة سيشهدها قطاع الأعمال، إذ بادرت الغرف التجارية السعودية بطرح مرئياتها حول القرار مؤكدة أنها خطوة إيجابية ستكون آثارها واضحة على مساري الاقتصاد الوطني، وتحقيق أهداف الرؤية على المدى القصير.

يحقق مساعي رؤية 2030 نحو بيئة اقتصادية تنافسية

أشاد رئيس غرفة الشرقية، عبدالحكيم ابن حمد العمار الخالدي، بقراري مجلس الوزراء اللذين صدرا مؤخراً؛ وسمح الأول للأنشطة التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة بمقابل مالي يحدده وزير الشؤون البلدية والقروية، فيما أقر الثاني نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، وقال الخالدي إن «العمل 24 ساعة ونظام المنافسات والمشتريات الحكومية يحققان مساعي رؤية 2030 نحو بيئة اقتصادية تنافسية أكثر تنوعاً وجذباً».
وأكد، أن السماح للأنشطة التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة من شأنه تعزيز الأداء التجاري وفتح مجالات استثمارية عدة أمام القطاع الخاص، فضلاً عن انعكاساته على زيادة فرص العمل أمام قوى العمل الوطنية.
وأضاف الخالدي، أن القرار يُعزز النشاط الاقتصادي ويحفز على زيادة الاستثمارات المحلية، لافتاً إلى أنه نظام معمول به في كثير من بلدان العالم ويحقق عديداً من النتائج الإيجابية على المدى الطويل ويصب في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.

عجلان العجلان

من جانبه، يؤكد رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالرياض عجلان العجلان أن قرار مجلس الوزراء سيُسهم في تنشيط الحركة وزيادة المبيعات للأنشطة الاقتصادية، مستشهداً بأن ذلك سيدفع إلى حركة توظيف حيوية لملء 95 ألف وظيفة شاغرة مرجح الحاجة إليها ما بين دوام كامل أو جزئي.
من ناحيته، يشير المستشار المالي الدكتور عبدالله باعشن إلى أن هذا القرار يمضي مع آليات الأسواق الحرة وفتح المنافسة ومنع الاحتكار، وإتاحة الفرصة، وعدالة توزيع الأنشطة، مبيناً أن العوامل الجغرافية والجوية المختلفة من منطقة إلى أخرى وبعض المميزات في بعض المناطق مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة أو المدن ذات التوجه الاقتصادي كمدينة جدة والدمام ستجعل من الأسواق منبراً للعرض والطلب ودراسة العائد والتكلفة.

د. عبدالله باعشن

ويرى باعشن أن هذا القرار بني على مخرجات أنشطة جديدة تم إضافتها في الاقتصاد السعودي كنشاط الترفيه، إضافة إلى السياحة، موضحاً أن المجتمع السعودي شاب، وقد تكون خطوة السماح بالعمل 24 ساعة فرصة للطامحين منهم إلى الانضمام إلى قطاع التجارة والأعمال، ما يعطي فرصة لبدء مشاريع أو أنشطة كانت هناك حواجز أو أنظمة تحد أو تعاكس من طبيعتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.